ملخص
الهجرة والمهاجرون واللجوء واللاجئون تبقى منصات شد سياسي وجذب عسكري بين المتنافسين في حلبة الصراع الدولية أكثر من كونها قضية حقوق ومأساة بشر
في 2023، صار للمهاجرين غير الشرعيين عدادات خاصة بهم، وصارت لدول الجنوب المصدرة لهم قوائم حقوق وواجبات دولية يحترمها بعضهم، ويتجاهلها البعض الآخر، ولا مانع من استخدامها ورقة ضغط لتحقيق مآرب أو توصيل رسائل. وأصبحت لدول الشمال المستقبلة لهم، وفي أقوال أخرى، الصادة الطاردة الرافضة لهم أجندات معلنة وإجراءات بدأت مقنعة، ثم أصبحت مباشرة لدرجة يصفها بعضهم بـ"الفجة"، وجميعها يدور حول المهاجرين غير الشرعيين.
شرعية الترحيل عقب الوصول، وشرعية الاحتجاز في مراكز شرطة لحين بتّ المصير، وشرعية عملية الهجرة بدءاً من نقطة الانطلاق مروراً بمرحلة "الترانزيت" وانتهاء بنقطة الوصول، حيث إما يفترض أنه بر الأمان أو المستقر في قاع البحر، جميعها شرعيات كشفت على مدى عام مضى عن أوجه خفية لمعنى الشرعية.
الإعلان العالمي في خبر كان
الوجه الوحيد المعلن للهجرة واللجوء حتى عهد قريب كان ذلك المشهر من قبل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. "تحظى حقوق المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء بالحماية من قبل القانون الدولي بغض النظر عن طريقة وصول هؤلاء إلى بلد ما. ولهؤلاء الحقوق نفسها التي للآخرين، إضافة إلى أشكال خاصة ومحددة من التدابير الحمائية الخاصة بهم"، و"لكل فرد حق التماس ملجأ في بلدان أخرى، والتمتع به، خلاصاً من الاضطهاد".
الخلفية القانونية والحقوقية والتاريخية لحق الهجرة واللجوء ثابتة لم تتزعزع. لكن ما تزعزع وتزلزل على مدى العام الماضي هو مكانة الساعين إلى الهجرة وطالبي اللجوء والمضطرين إلى النزوح. لم يعد العالم، لا سيما الجزء المستقبل لهم، يعتبرهم أشخاصاً في أزمة، أو ضحايا يستحقون الدعم والمساعدة والنجاة، أو بشراً تُطبق عليهم القوانين الدولية والمواثيق الأممية التي وقع عليها الجميع، وكأن الإعلان العالمي للاجئين صار في خبر كان.
في 2023، اضطرت أو قررت غالبية الدول المستقبلة لموجات الهجرة غير النظامية (غير الشرعية) أن تتخلى عن واجهات الإنسانية والمظاهر الحقوقية، وتعتنق من دون مواربة أو حتى تنميق المبادئ الأمنية والانتقائية في اتساق واضح مع صعود التيارات اليمينية بسرعة فائقة وثقة بالغة.
ووصل الأمر هذا العام إلى درجة مطالبة بعضهم في الدول، وجهة المهاجرين واللاجئين، بتعديل "اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين" باعتبارها لم تعد صالحة بعد مرور سبعة عقود على صدورها. بمعنى آخر، في 2023، لم تعد الدول وجهة المهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء قادرة أو راغبة في القيام بهذا الدور "الإنساني"، أو في الأقل تضغط من أجل التغيير.
الشمال ممانعاً
أبرز ملامح التغيير في مشهد السياسة في عدد من الدول الأوروبية على مدى العام هو صعود أحزاب اليمين المتطرف، واتضحت معالم تشكيل جبهات موحدة تجمع هذه الدول لمواجهة "تسونامي الهجرة"، لا سيما عبر مسارات البحر المتوسط.
وبدلاً من التساؤلات التي كانت سمة الأعوام الأخيرة، مثل "هل تؤدي موجات الهجرة غير النظامية إلى صعود نجم اليمين المتطرف في أوروبا؟" و"هل يجني اليمين المتطرف أرباح الهجرة غير الشرعية؟" و"هل يسيطر اليمين المتشدد على سياسات أوروبا بسبب أعداد اللاجئين والمهاجرين غير المسبوقة؟"، تحولت العناوين من السؤال إلى الإقرار. "اليمين المتطرف بزعامة (غيرت) فيلدرز يفوز بالانتخابات التشريعية في هولندا" و"عدوة اللاجئين في أوروبا (الإيطالية جورجيا ميلوني) تخطط لحصار البحر" و"تحالف يميني إيطاليا وفرنسا لتشكيل جبهة ضد اللجوء والهجرة" و"أوروبا تميل إلى اليمين وتعيد تشكيل الاتحاد الأوروبي".
في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تمكّن سفراء دول الاتحاد الأوروبي من الاتفاق على نص رئيس لـ"إصلاح" سياسة الهجرة في أوروبا"، مع بقاء بعض النقاط قيد النقاش، بين دولة تطالب بتغليظ أكبر وأخرى تؤمن بحلحلة إنسانية أوسع.
ينص الاتفاق على وضع نظام استثنائي أقل حماية لطالبي اللجوء من الإجراءات المعتادة حال حدوث تدفق "جماعي" و"غير مسبوق" للمهاجرين، كما يمدد فترة احتجاز المهاجرين على الحدود الخارجية لدول الاتحاد لتصل إلى 40 أسبوعاً، ويضمن إخضاع طلبات اللجوء للبحث والدراسة بصورة أسرع للوافدين من الدول التي لا تتعدى معدلات قبولهم 75 في المئة، لإعادتهم من حيث أتوا بصورة أسرع.
الجنوب "من حيث يأتي المهاجرون"
يأتي المهاجرون وطالبو اللجوء من دول عدة، لكن غالبية من يحظون بالقدر الأكبر من تسليط الأضواء تأتي من نصف الكرة الجنوبي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في 2023، وبسبب الاضطهاد أو الصراع أو العنف أو انتهاكات حقوق الإنسان، وصل عدد النازحين قسرياً إلى نحو 114 مليون شخص، منهم 63 مليون شخص نزحوا داخل أوطانهم، و6.1 مليون طالبو لجوء، و37 مليون لاجئ، ونحو 5.3 مليون شخص يحتاجون إلى شكل ما من أشكال الحماية الدولية، وآخرون لأسباب مختلفة. وما زال أكثر من نصف لاجئي العالم ينتمون إلى ثلاث دول فقط هي سوريا وأفغانستان وأوكرانيا. وأقل من نصف لاجئي العالم بقليل من الأطفال ونحو 1.9 مليون شخص ولدوا وهم لاجئون.
المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي قال قبل أيام إن العوامل المهيمنة على دوافع الهجرة واللجوء هذا العام تكمن في حرب أوكرانيا وصراع السودان وقلاقل جمهورية الكونغو الديموقراطية وميانمار والجفاف والفيضانات وانعدام الأمن في الصومال، إضافة إلى الأزمة الإنسانية التي طال أمدها في أفغانستان.
وأضاف أن عدداً كبيراً جداً من الصراعات التي تنتشر أو تتصاعد تؤدي إلى تحطيم حياة الأبرياء وتشريد الناس، مردفاً أن "عجز المجتمع الدولي عن حل الصراعات أو منع نشوب صراعات جديدة يؤدي إلى النزوح والبؤس"، داعياً إلى العمل على إنهاء الصراعات والسماح للاجئين وغيرهم من النازحين بالعودة لديارهم أو استئناف حياتهم.
معلومات منظمات الأمم المتحدة المختلفة عن اللاجئين والمهاجرين والنازحين لم تُضَف إليها بعد الأرقام المتوقعة من حرب القطاع.
مهاجرو المراكب
حرب القطاع حتى اللحظة لم تدلِ بدلوها في منظومة مهاجري المراكب هذا العام. إنه العام الذي شهدت أشهره التسعة الأولى غرق أو فقد ما يزيد على 2500 مهاجر أثناء محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط أملاً في الوصول إلى أوروبا. إنه الطريق الأكثر خطورة والأكثر حصاداً للأرواح، لكن الأكثر شعبية. وهذا العدد يمثل زيادة نسبتها 50 في المئة مقارنة بحالات الوفاة والمفقودين العام الماضي.
غاية الوصول إلى شواطئ أوروبا هرباً من صراع دامٍ، أو حرب استمرت أعواماً، أو فقر مدقع، أو حتى بحثاً عن فرصة حياة أفضل دفعت 186 ألف شخص إلى بلوغ القارة العجوز عبر "الطريق الأكثر خطورة".
دول "الترانزيت" تبقى في 2023 كما كانت خلال الأعوام الأخيرة. فنحو 102 ألف مهاجر عبروا أو حاولوا عبور المتوسط من تونس بزيادة قدرها 260 في المئة عن العام الماضي، ونحو 45 ألف شخص عبروا من ليبيا. أما الوجهات، فبقيت إيطاليا واليونان وقبرص ومالطا الأكثر رواجاً.
وفي 2023 أيضاً، زهقت آلاف الأرواح براً قبل أن تتمكن من محاولة ركوب البحر. وتقول مديرة مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في نيويورك روفين مينيكديويلا إن "آلاف الأرواح الأخرى زهقت على الأرض أثناء محاولات الهجرة واللجوء، بعيداً من أنظار العالم والرأي العام"، مشيرة إلى أن "الرحلة من غرب أو شرق أفريقيا والقرن الأفريقي إلى ليبيا، ونقاط الانطلاق على الساحل تظلّ من أخطر الرحلات في العالم".
في 2023، استحوذ مهاجرو المراكب، سواء الذين وصلوا إلى الشواطئ الأوروبية أو لم يصلوا إليها، على اهتمام العالم. أما اللاجئون والمهاجرون الذين سافروا عبر الطرق البرية من أفريقيا جنوب الصحراء وما واجهوه من خطر الموت وانتهاكات حقوق الإنسان، فظلوا بعيداً من بؤرة الضوء.
تراشقات الهجرة واللجوء
تتصاعد أرقام المهاجرين وطالبي اللجوء، وتتصاعد التوترات في الاتحاد الأوروبي، ومعها يبزغ نجم اليمين المتطرف، كما تتصاعد التراشقات السياسية بين أطراف النقيض، فالهجرة والمهاجرون واللجوء واللاجئون تبقى منصات شد سياسي وجذب عسكري بين المتنافسين أكثر من كونها قضية حقوق ومأساة بشر.
روسيا تقول إن الغرب والاتحاد الأوروبي لا يريان إلا لاجئي أوكرانيا، أما لاجئو البحر الأبيض المتوسط، فـ"الاتحاد الأوروبي يشن حرباً غير معلنة ضدهم لمجرد أنه ليس أمامهم طريق آخر أكثر أمناً يسلكونه. فأولئك (المهاجرون واللاجئون غير الأوكرانيين) لا يتمتعون بالمستوى نفسه من التضامن مثل ذلك الذي يحظى به الأوكرانيون".
في المقابل، شملت تراشقات الهجرة واللجوء هذا العام توجيه الاتهامات إلى روسيا بأن وجود مجموعة "فاغنر" في منطقة الساحل في أفريقيا أسهم في عدم استقرار المنطقة، مما يغذي الإرهاب ويؤدي إلى نزوح السكان.
المهاجرون ورقة ضغط
الواقع يقول إن استخدام المهاجرين واللاجئين ورقة ضغط أو عصا ترويع أو جزرة ترغيب ليس جديداً، إذ إن قوى إقليمية دأبت في ذروة الأزمة السورية على استخدام ورقة اللاجئين السوريين ورقة ضغط على الدول الأوروبية مثل تركيا، وأخرى دولية تراشقت في ما بينها على أرضية المهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء مثل بريطانيا وفرنسا، وثالثة سارعت إلى إسناد إجراءات طالبي اللجوء لدولة ثالثة من دون اعتبار أو التفات لوصف مثل هذا القرار من قبل متخصصي الهجرة واللجوء بـ"غير الإنساني" أو "عديم الضمير".
ضمير العالم عام 2023 في ما يختص بالمهاجرين وطالبي اللجوء والنازحين يختلف بعض الشيء عن ضميره في أعوام سابقة. يقف عام 2023 شاهد عيان على تحول مبادئ دغدغت المشاعر والقلوب والعقول بجمل كانت تقول إن "المهاجرين ليسوا حملاً ثقيلاً، إنهم فرص ذهبية" و"مرحباً بالمهاجرين واللاجئين" و"عالم واحد، أسرة واحدة"، إلى جمل وعبارات تكتب على اللافتات وتتعثر على واقع اقتصادات متعثرة وتيارات يمينية متصاعدة وأفضلية لدى بعضهم لفتح أبواب الهجرة واللجوء "لمن يشبهوننا" مثل الأوكرانيين.
"ماما ميركل"
حتى "ماما ميركل" أو المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل التي حصلت على جائزة "نانسن" التي تمنحها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقديراً لجهودها في استقبال أكثر من مليون لاجئ في 2015 و2016، تتعرض بين الحين والآخر لموجات انتقاد حادة، ليس في ألمانيا فقط، بل في دول أخرى مثل بريطانيا، بحجة أنها "فتحت أبواب ألمانيا أمام هذه الأعداد الضخمة من اللاجئين وأحرجت دولاً أوروبية أخرى". وباتت في ألمانيا قواعد وتدابير جديدة بالنسبة إلى طالبي الهجرة واللجوء، هي الأصعب منذ أعوام.
أعوام الصراع الممتدة في عدد من دول العالم، وللمنطقة العربية نصيب معتبر منها، تعني أن موجات الهجرة وطلب اللجوء لن تنتهي أو تختفي، والحروب المتفجرة حديثاً تعني أن مزيداً من موجات الهجرة يلوح في الأفق، وبذلك مزيد من ترسيخ أقدام اليمين المتطرف في دول الوجهة.
مهاجرون ولاجئون منسيون
وبعيداً من دول الجنوب المصدرة والشمال المستقبلة، يخبرنا عام 2023 أن هناك قائمة طويلة من المهاجرين والنازحين والمتضررين المنسيين ممن سقط بعضهم بالتقادم، أو جاء البعض منهم في خضم حرب القطاع التي غطت على كل ما عداها من مآسٍ وأزمات.
من لاجئي الروهينغا الذين ما زالوا يحاولون الفرار إلى بنغلاديش وإندونيسيا، إلى الحالمين والمحاولين الهجرة واللجوء من الأفغان ممن تخلى عنهم العالم حتى إن محاولات بعضهم الاحتماء في باكستان يهددها شبح الترحيل، إلى استمرار أزمة الأوكرانيين الذين أوشكت بلادهم على إتمام إطفاء شمعة الحرب الثانية، إلى لاجئي ومهاجري فنزويلا البالغ عددهم نحو 4 ملايين فنزويلي يواجهون الصعوبات في أرجاء القارتين الأميركيتين.
وكذلك لاجئو جنوب السودان الذين فروا من الحرب الأهلية في بلدهم واستقروا في السودان، ثم فروا مجدداً إلى جنوب السودان بعد اندلاع الحرب في السودان، ولاجئو ونازحو السودان، حيث الحرب غير معلومة المصير، وتفجر أزمة لجوء غريبة في فنلندا قبل أيام التي اضطرت إلى إغلاق حدودها بالكامل مع روسيا لوقف التدفق غير المعتاد لطالبي اللجوء من روسيا، في ما تصفه الحكومة الفنلندية بـ"تدبير روسي" ينتهي عام 2023، ولا تنتهي أي من أزمات اللجوء والهجرة والنزوح.
وفي مناسبة نهاية العام، تربعت 10 أزمات مهاجرين على قائمة أسوأ أزمات الهجرة واللجوء والنزوح في 2023، بحسب منظمة "كونسيرن" الخيرية، وهو ترتيب تصاعدي.
تجاوز اللاجئون الإريتريون عتبة 501 ألف لاجئ، مما يعني أن ما يقارب 14 في المئة من السكان نزحوا أو هاجروا، بسبب العنف وعدم الاستقرار السياسي.
وتطفئ جمهورية أفريقيا الوسطى شمعة أزمتها الإنسانية الـ 11. أكثر من عقد كامل من موجات العنف الطائفي أدت إلى نزوح ما يزيد على مليون شخص و738 ألف لاجئ.
وأبلت أزمة اللجوء والنزوح الصومالية بلاءً حسناً هذا العام، فانخفضت أعداد اللاجئين من الصوماليين حول العالم من 986 ألف لاجئ عام 2017 إلى 715 ألف لاجئ فقط في منتصف عام 2023.
أما السودان، فأزمته أزمتان، وكأن مكانته كخامس أكبر دولة في استقبال الفارين وطالبي اللجوء من الدول المجاورة تراجعت، إذ تحوّلت البلاد هي نفسها إلى دولة مصدرة للاجئين في ضوء الحرب الدائرة منذ أبريل (نيسان) الماضي.
أما جمهورية الكونغو الديمقراطية، فهي إحدى أكبر الأزمات الإنسانية "المنسية" في العالم. وبالجمع بين اللاجئين والنازحين داخلياً، فإن أعداد النازحين هي الأعلى في أفريقيا، ففيها ما يزيد على 909 آلاف لاجئ، بزيادة 45 ألف لاجئ عن العام الماضي.
وتأتي أزمة الروهينغا في المرتبة الخامسة، وجنوب السودان في الرابعة، وأفغانستان الثالثة، وأوكرانيا الثانية، وتستمر سوريا في هيمنتها على قمة "أكبر أزمات الهجرة واللجوء"، ويكفي أن 25 في المئة من تعداد لاجئي العالم سوريون.أما أقدم أزمات اللجوء في الكوكب، فهي أزمة اللجوء والنزوح الفلسطينية التي قررت أن تنهي العام بفصل جديد من فصولها يعد ضمن الأصعب والأقسى.