"حماس" تغازل العشائر الأردنية بحرب غزة

تصرّ حركة "حماس" منذ السابع من أكتوبر )تشرين الأول( الماضي على مخاطبة العشائر الأردنية في جميع بياناتها وتصريحات قادتها السياسيين، وحتى العسكريين مثل خالد مشعل وإسماعيل هنية والمتحدث الإعلامي لكتائب عز الدين القسام أبو عبيدة.

وعلى رغم أن فريقاً من الأردنيين رحب بهذا الخطاب الذي تخص به الحركة عشائر الأردن، واعتبره تقديراً لدورهم التاريخي في القضية الفلسطينية، إلا أن فريقاً آخر رأى فيه تهديداً للسلم وتشويشاً على المواقف السياسية التي تتخذها وتعبر عنها الحكومة الأردنية حيال ما يحدث في غزة.

إحراج للدبلوماسية الأردنية

وقوبلت دعوات "حماس" للعشائر والقبائل الأردنية للانضمام إلى معركة طوفان الأقصى في غزة بردود فعل متباينة، بعضها مؤيد وكثير منها ساخط ومنتقد، إذ أكدت أوساط سياسية رسمية أن مثل هذه الدعوات تشكل إحراجاً للدبلوماسية الأردنية التي تنشط منذ يوم الأول للحرب على غزة، وتحاول تأمين مساعدات إنسانية وصحية للمنكوبين في القطاع عبر إنزالات جوية عسكرية فوق المستشفى الميداني الأردني للمرة الخامسة.

وتضيف المصادر أن هذه الدعوات تزامنت مع إشاعات كثيفة استهدفت الموقف الأردني، أبرزها تلك التي تحدثت عن استخدام قواعد عسكرية أردنية من قبل الأميركيين لدعم إسرائيل. واعتبر المصدر أن هذه المزاعم تأتي في إطار حملات التشويه ضد مواقف الأردن وجهوده المتواصلة لخدمة القضية الفلسطينية.

ونفى الأردن هذه الاتهامات، وقالت القوات المسلحة الأردنية إن ما يتم تداوله حول استخدام القواعد العسكرية الأردنية من قبل الجيش الأميركي لنقل إمدادات لإسرائيل مزاعم كاذبة، كما نفت السلطات الأردنية تقارير تحدثت عن وجود جسر بري بديل للبحر الأحمر عبر موانئ دبي مروراً بالأردن لنقل بضائع إلى إسرائيل.

وقالت وزارتا النقل والصناعة والتجارة إن هذه الأنباء لا صحة لها وإن موقف الحكومة واضح في شأن دعم الفلسطينيين والوقوف إلى جانبهم.

تجاوز للدور الأردني

من جهته انتقد عضو مجلس الأعيان طلال الماضي ما سماها بعض الأصوات التي تحاول تجاوز الدور الأردني وتبعث برسائل تخاطب العشائر، مضيفاً أن الأردنيين بمكوناتهم كافة لا ينتظرون من يحثهم، لأنهم غير منقسمين في موقفهم.

أما وزير الاعلام السابق سميح المعايطة فكان أحد أبرز المنتقدين لخطاب "حماس"، معتبراً أنه يخرج معركة غزة عن هدفها، وأن هذه الدعوات هي تحشيد غير موفق عبر المشاركة في المقاومة وهو أمر يأخذ بعداً عسكرياً.

وأضاف المعايطة، "ثمة تركيز على الأردن مثير للتساؤلات بخاصة أن الموقف الأردني متضامن مع غزة، وبعض قيادات ’حماس‘ في غزة أو قطر يتعمدون تحشيد الأردنيين فقط للخروج إلى الشارع، ولو كان التحريض في كل الدول لقلنا هو طلب التضامن، لكن لماذا فقط الأردن؟".

 دعوة مشعل

وكانت البداية في مقطع مصور لرئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" في الخارج خالد مشعل دعا فيه عشائر الأردن إلى مساندة الحركة بقوله إن "الحدود قريبة منكم، والجميع يعرف مسؤولياته"، وهذه الكلمات كانت كفيلة بإثارة غضب السلطات الأردنية التي أرسلت بدورها رسالة انزعاج وتحفظ غير معلنة للإسلاميين في الأردن، وتحديداً "جبهة العمل الإسلامي"، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين.

وكانت وجهة نظر الحكومة الأردنية آنذاك أن الموقفين الأردني الرسمي والشعبي واضحان تماماً ومتقدمان في شأن مناصرة غزة، وبالتالي فإنه لا داعي إلى مخاطبة الأردنيين وحثهم وتحريضهم على الخروج إلى المناطق الحدودية، لما ينطوي عليه ذلك من إخلال بالسلم العام وإثارة للفوضى، فضلاً عن أخطار أمنية قد تفضي إلى اشتباكات حدودية.

مصلحة أردنية

كما خاطب المتحدث باسم كتائب القسام أبو عبيدة في بيانات عدة صادرة عنه الشعب الأردني مباشرة وطالبه بالتوجه نحو الحدود، مما يشكل حرجاً سياسياً وأمنياً باعتبار أن غالبية العشائر الأردنية يمتلك أفرادها السلاح الخفيف والمتوسط القادر على التسبب بإشكالات أمنية، وفي آخر إطلالة له وصف أبو عبيدة العشائر الأردنية بأنها كابوس لإسرائيل التي تشترك مع الأردن بأكبر رقعة حدود جغرافية.

أما القيادي في "حماس" فتحي حماد فوجه دعوة إلى العشائر الأردنية لعبور الحدود والاعتصام قبالة السفارات الغربية.

في حين برر عضو المكتب السياسي للحركة عزت الرشق هذه الدعوات بأن معركة " طوفان الأقصى" باتت مصلحة أردنية، لأنها بددت محاولة إسرائيل نزع الوصاية الهاشمية عن المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وجعل المملكة وطناً بديلاً للفلسطينيين، وهو ما أيده النائب في البرلمان الأردني صالح العرموطي الذي يشير إلى تصريحات متكررة من قبل أعضاء في الحكومة والكنيست تهدد بإعلان الحرب على الأردن.

ائتلاف العشائر الأردنية

وأثمرت خطابات "حماس" الموجهة إلى العشائر الأردنية، كما يلحظ مراقبون، تشكيل "ائتلاف العشائر الأردنية"، وهو مظلة قبلية تضم كل العشائر الأردنية ولديها مواقف من الحرب على غزة، تتقدم على الموقف الرسمي الذي تنتقده وتطالب بتمتينه.

ونظمت لاحقاً كثير من العشائر مهرجانات تضامنية مع غزة حضرت فيها خطابات تدعو إلى حمل السلاح، باعتبار أن الأردن مهددة من إسرائيل التي ترى فيها وطناً بديلاً للفلسطينيين.

ودعا "ائتلاف العشائر الأردنية" الملك عبدالله الثاني والحكومة الأردنية إلى اتخاذ مواقف واضحة تجاه إسرائيل مثل إلغاء "اتفاق وادي عربة".

ويفسر مراقبون رسائل حركة "حماس" للعشائر الأردنية بأنها محاولة للدفع نحو تطوير الموقف الرسمي، وصولاً إلى إعادة العلاقات وفتح مكتب الحركة التمثيلي في عمّان بعد أكثر من 20 سنة على إغلاق مكاتب الحركة في العاصمة الأردنية وطرد قادتها.

ومنذ نحو شهر قام الجيش الأردني بتحركات عسكرية كثيفة على الحدود مع الأراضي الفلسطينية، فيما تحولت منطقة الأغوار التي تشكل بؤرة دعوات التظاهر إلى منطقة عمليات عسكرية، بينما تمنع السلطات الأردنيين من إقامة مسيرات أو احتجاجات في تلك المنطقة.

ولا تبدي السلطات الأردنية ارتياحاً لخطابات حركة "حماس" التي تتضمن دعوات إلى الأردنيين بالتظاهر والنفير، ووفقاً لمصادر خاصة فإن عمّان وجهت رسائل للحركة بتجنب استهداف إيلات الإسرائيلية بالصواريخ بعدما اقتربت في كثير من الأحيان من العقبة الأردنية المجاورة.