Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تعليق المسارات التفاوضية بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة

تبادلت أديس أبابا والقاهرة الاتهامات ومتخصصون يتمسكون بالحوار

سد النهضة الإثيوبي (أ ف ب)

ملخص

بعد عقد من الزمان أعلنت القاهرة انتهاء المسارات التفاوضية الخاصة بسد النهضة فما البدائل؟

قبل يومين، أعلنت القاهرة فشل آخر جولة من المحادثات في شأن سد النهضة، بين دولتي المصب مصر والسودان ودولة المنبع إثيوبيا.

ووفق بيان صادر عن وزارة الري المصرية فإن "الاجتماع لم يسفر عن أية نتيجة، نظراً لاستمرار إثيوبيا في المواقف الرافضة ذاتها، لقبول أي من الحلول الوسط، المتعلقة بالجوانب الفنية والقانونية، والتي من شأنها تأمين مصالح الدول الثلاث، وتماديها في النكوص عما تم التوصل إليه من تفاهمات ملبية لمصالحها المعلنة".

البيان المصري جاء في نصه أيضاً، أنه "بات واضحاً عزم الجانب الإثيوبي على الاستمرار في استغلال الغطاء التفاوضي لتكريس الأمر الواقع على الأرض، والتفاوض بغرض استخلاص صك موافقة من دولتي المصب على التحكم الإثيوبي المطلق في النيل الأزرق، بمعزل عن القانون الدولي".

وأضاف "على ضوء هذه المواقف الإثيوبية تكون المسارات التفاوضية قد انتهت، وأن القاهرة ستحتفظ بحقها في الدفاع عن أمنها المائي والقومي في حال تعرضه للخطر".

وبإعلان القاهرة، انتهاء المسارات التفاوضية التي استغرقت عقداً من الزمن، لإيجاد حلول في شأن السد، تكون قد وضعت ملف السد في وجه النظام الدولي والإقليمي، الذي ترى أنه لم يمارس ضغوطاً كافية تجاه أديس أبابا لدفعها لاتخاذ مواقف أكثر مرونة، تضمن حقوق دولتي المصب في تحقيق أمنها المائي، إذ تعتمد مصر على نهر النيل لتأمين 97 في المئة من حاجاتها المائية.

من جهتها، قالت أديس أبابا إن الجولة الرابعة من المحادثات الثلاثية بين إثيوبيا ومصر والسودان في شأن سد النهضة الكبير فشلت نتيجة "احتفاظ مصر بعقلية العصر الاستعماري" و"إقامة حواجز أمام الجهود الرامية إلى التقارب".

وأضافت في بيان لوزارة خارجيتها أن "المفاوضات حول المبادئ التوجيهية والقواعد الخاصة بالملء والتشغيل السنوي لسد النهضة، تهدف إلى تعزيز الثقة وبناء الثقة بين الدول الثلاث"، لكن هذا لا يعني حرمان إثيوبيا من حقوقها في استغلال مياه النيل.

وتابع أن "إثيوبيا تود أن توضح بجلاء أنها ستواصل استخدام مواردها المائية لتلبية حاجات الأجيال الحالية والمستقبلية، على أساس مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول".

واتهمت إثيوبيا "مصر بتصعيد الموقف من خلال إصدار بيان عدائي، عقب المحادثات التي استمرت يومين في أديس أبابا بين 17 و19 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، ينتهك ميثاق الأمم المتحدة والقانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي"، معلنة رفض أديس أبابا محاولات القاهرة لتحريف مواقفها.

ووفقاً لبيان الخارجية الإثيوبية، فإن المحادثات التي أجريت منذ أن اتفق رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في 13 يوليو (تموز) الماضي على وضع اللمسات الأخيرة على القواعد والمبادئ التوجيهية في شأن التقديم الأول والتشغيل السنوي لسد النهضة. وفي غضون أربعة أشهر، ساعدت الدول الثلاث على إجراء مناقشة متعمقة حول القضايا الرئيسة محل الخلاف.

وخلال الجولات الأربع من المحادثات، قالت إثيوبيا إنها "سعت وتواصلت مع البلدين المشاطئين لمعالجة قضايا الخلاف الرئيسة والتوصل إلى اتفاق ودي" على أساس اتفاق إعلان المبادئ لعام 2015 الذي وقعته الدول الثلاث، معربة عن التزامها بمواصلة المحادثات للتوصل إلى تسوية ودية وتفاوضية تلبي مصالح الدول الثلاث، لكن الموقف المصري يعد خروجاً عن المعهود في التعاطي مع ملف السد.

الغياب المصري عن أفريقيا

بدوره، أرجع المتخصص في شؤون القرن الأفريقي عبدالرحمن أبو هاشم، أحد أسباب فشل مسار التفاوض مع إثيوبيا، إلى ابتعاد مصر عن دائرة المحيط الأفريقي لفترة طويلة، وبخاصة دائرة دول حوض النيل، مما أدى إلى تقلص نفوذها، وعدم قدرة مؤسساتها على متابعة التطورات في هذه المنطقة، بما في ذلك حاجاتها المتزايدة للتنمية، في ظل تضاعف عدد السكان.

وتابع "لو أبقت القاهرة على اتصالاتها وعلاقاتها التاريخية بدول حوض النيل لتمكنت مبكراً من تقديم الخدمات الفنية والبدائل الممكنة، لمصادر الطاقة التي تحتاج إليها دول المنبع، مثل الطاقة الشمسية والهوائية بدلاً عن بناء السدود لتوليد الكهرباء، إذ إن المبرر الرئيس لبناء السد بالأصل عائد لحاجة دول المنبع إلى الطاقة الكهربائية، وليس لمنع مجرى نهر النيل عن السريان".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف أبو هاشم في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، "أن استمرار الاعتماد على اتفاقية 1929 وبروتوكول 1959 التي تعطي مصر (حق الفيتو) ضد أي محاولة لدول المنبع لبناء السدود، أصبح غير مقبول لدى هذه الدول وعلى رأسهم إثيوبيا، التي ترى أنها لم تكن أصلاً طرفاً في الاتفاقيات المذكورة أعلاه، بالتالي فإنها غير ملزمة بالالتزام ببنوده".

ويقرأ أبو هاشم الوضع الحالي، بأنه في حاجة ماسة إلى إيجاد معاهدة جديدة تكفل حقوق جميع الأطراف، على أن تكون بنودها ملزمة لدول حوض النيل من المنبع إلى المصب، بخاصة أن المنطقة تشهد بوادر انقسامات جديدة، لا سيما السودان الذي يمر بأزمة أمنية خانقة قد تؤدي إلى انهيار الدولة أو انقسامها إلى دويلات متحاربة في ما بينها، مما يعزز من المخاوف الاستراتيجية لمصر تجاه أمنها القومي والمائي.

وينوه إلى أن إعلان مصر انتهاء مسار التفاوض حول نهر النيل يعني أن "هناك خيارات أخرى، بما فيها الخيار العسكري، الذي قد تلجأ إليه القاهرة للدفاع عن حقوقها في مياه النيل"، إلا أن أي تحرك عسكري في ظل الرهانات الدولية الحالية، والأوضاع الإقليمية بما في ذلك الأزمتان السودانية، والاقتصادية في الداخل المصري سيكون باهظ الكلفة وغير مضمون النتائج والعواقب".

ويرى المتخصص في شؤون القرن الأفريقي، أن الحل الأمثل الآن للخروج من الأزمة هو السعي الجاد إلى عقد مؤتمر جامع لجميع دول حوض النيل، تحت رعاية الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة للخروج بنتائج من بينها، الوصول إلى اتفاق جديد مقبول لدى جميع الأطراف وملزم لها، وإنشاء مؤسسات فنية وأكاديمية لرعاية وإدارة مصالح الجميع في مياه نهر النيل، إضافة إلى تعيين جهة متخصصة للبت وفض أي نزاع محتمل بموجب الاتفاقية والقانون الدولي، ووضع استراتيجية لبناء سوق مشتركة بين دول حوض النيل والسعي لتحقيق التكامل الاقتصادي والثقافي بين شعوب نهر النيل".

لا بديل عن التفاوض

من جهته، اعتبر الصحافي الإثيوبي زاهد زيدان، أن "فشل الجولة الرابعة من المفاوضات عائد إلى تمسك الجانب المصري بما يسميه "الحصص التاريخية"، وفقاً للاتفاقيات القديمة، التي نشير إليها في إثيوبيا بـ"الاتفاقيات الاستعمارية"، إذ إننا لم نكن طرفاً فيها، وهي الاتفاقيات التي قسمت مياه النيل بطريقة تحقق مصالح المتعاهدين وليس مصالح شعوب هذه المنطقة التي كانت ترزح تحت الاستعمار الأجنبي".

ومضى في حديثه، "بالتالي ليس إثيوبيا وحدها التي ترفض تلك الاتفاقيات بل جميع دول حوض النيل الموقعة على اتفاقية عنتيبي تتخذ الموقف نفسه".

ويقدر زاهد أن الأحداث الحالية تجاوزت تلك الاتفاقيات التاريخية، التي تتمسك بها مصر، مشيراً إلى أن سد النهضة خلق واقعاً جديداً، وعلى دولتي المصب تفهم هذا الواقع.

وفي رده على سؤال يتعلق بإعلان القاهرة تعليق كافة المسارات التفاوضية، أجاب بأن كبير المفاوضين الإثيوبيين علق على ذلك بالقول إنه لا بديل آخر عن التفاوض لدى إثيوبيا، وأن المواقف المصرية الأخيرة ليست سوى محاولات حثيثة للضغط على أديس أبابا".

وذكر أن الاستمرار في التفاوض يضمن تقديم تنازلات من كافة الأطراف من أجل الوصول إلى تفاهمات مشتركة، مشيراً إلى أن أديس أبابا لطالما قدمت تنازلات خلال الجولات السابقة من الحوار، من بينها ما تعلق بتقليص عدد التوربينات من 16 إلى 13 تحقيقاً للمطالب السودانية، كما رضخت في ما يتعلق بمد فترة ملء الخزان من ثلاثة أعوام إلى سبعة أعوام، بالتالي فإن ثمة ضرورة لاستمرار التفاوض، لا سيما وأن الجولات السابقة حققت جزءاً من مطالب دول المصب.

واستطرد زاهد، "لكن ذلك لا يعني أنه ليس لأديس أبابا خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، وهذا ما حرص عليه المفاوض الإثيوبي خلال عقد من الزمن، من بينها ما يتعلق بالاتفاقيات الاستعمارية".

وأشار المتخصص الإثيوبي إلى أن الأطراف الثلاثة توصلت في وقت سابق إلى الاتفاق حول مجمل القضايا بما يعادل 90 في المئة في مسار واشنطن، إلا أن ذلك المسار تعثر بسبب إصرار القاهرة على إدماج فقرة في الاتفاق تنص على ضرورة الحفاظ على الحصص التاريخية، إضافة إلى حقها في المشاركة في تشغيل السد، وهو ما يتعارض مع البعد السيادي لهذا المشروع التنموي الإثيوبي، بحسب تعبيره.

ونوه بأن البندين السابقين يتعارضان بشكل أساسي مع استراتيجية إثيوبيا لبناء السد إضافة إلى تعارضهما مع مبدأ السيادة، مضيفاً أن الإعلان المصري الأخير، فضلاً عن مداخلة وزير الري في برنامج تلفزيوني مصري أثناء وجوده في أديس أبابا، يتضمن تهديدات واضحة، وهو ما قابلته القيادة الإثيوبية بتجاهل التعليق على الأمر.

وذكر أن إثيوبيا "لم تبن السد ليصبح ديكوراً خرسانياً، بل لأهداف تنموية واضحة، ستدافع عنها أمام كل الخيارات التي قد يفرضها الجانب المصري".

ما جدوى التفاوض؟

بدوره، رأى المتخصص المصري، محمد هارون، أن موقف بلاده الأخير، المتعلق بإيقاف المسارات التفاوضية حول السد، أتى بعد محاولات استمرت لأكثر من عقد من الزمن، إذ ظلت كل من القاهرة والخرطوم تعملان على دفع أديس أبابا ومن خلفها المجتمع الدولي، إلى ضرورة حل كافة الخلافات حول السد عبر المسار التفاوضي.

ولفت الانتباه إلى أن ثمة تقدماً ملحوظاً كانت الأطراف الثلاث حققته عبر الوساطة الأميركية، أثناء إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب في واشنطن، إلا أن الوفد الإثيوبي انسحب من المفاوضات وعلقها لفترة طويلة، في حين لم يتوقف عن المضي قدماً في البناء والتشييد وأعمال الملء.

واعتبر هارون أن إعادة إحياء التفاوض لم تؤد إلى أي تقدم فعلي على الأرض، إذ تمسك الجانب الإثيوبي بفرض الأمر الواقع، وأن جولات الحوار الأخيرة كانت بمثابة "ذر الرماد" للاستمرار في الخطة الأحادية، سواء في ما يتعلق بالاتفاقيات التاريخية، أو بمطالب التوقيع على اتفاقية التدابير الفنية، وبدا الموقف الإثيوبي رافضاً مجرد النقاش حول هذه المسائل.

وأضاف هارون، "كان على القاهرة أن توقف هذا المسار، وتدرس البدائل الممكنة". وفي رده على سؤال حول طبيعة هذه البدائل، وما إذا كان الخيار العسكري جزءاً منها، قال "إن البيان الرسمي المصري أكد أنها بدائل تلتزم بالمواثيق والقوانين الدولية، والتي تسمح للقاهرة بالدفاع عن أمنها المائي"، ولم يستبعد وضع كافة الخيارات أمامها للدراسة.

وفي قراءته للبيان الإثيوبي الذي استنكر موقف مصر وإعلانها إيقاف المسارات التفاوضية، قال هارون، "أديس أبابا تستنكر إيقاف الحلقة المفرغة من المفاوضات لأن استمرارها وحده يكفل لها البناء والملء من دون رقيب، وهنا السؤال المركزي الذي تتجاهله هو ما جدوى التفاوض؟ وهل بإمكانها تقديم تنازلات حقيقية أو حتى التناقش حول مواقفها المتصلبة في شأن الحصص المائية أو التدابير الفنية أو التشغيل المشترك؟".

وختم حديثه، "الطرف الإثيوبي يريد غطاءً سياسياً وقانونياً لا يكلفه شيئاً واسمه التفاوض بنية المماطلة وشراء الوقت".

المزيد من تقارير