ملخص
ما الذي يخبئه الزعيم الروسي لأوكرانيا من مفاجآت جديدة؟
في اجتماع موسع لمجلس وزارة الدفاع الروسية قال الرئيس فلاديمير بوتين إن بلاده مستعدة للتفاوض مع أوكرانيا وأوروبا والولايات المتحدة شريطة أن يتم ذلك مع مراعاة مصالحها فقط.
واستبعد بوتين إعادة ما استولت عليه القوات الروسية منذ بدء عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا في الـ24 من فبراير (شباط) 2022، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا إلى أراضيها عام 2014. مؤكداً "هذا هو ما يجب أن يفهمه الجميع".
ولم يغفل الرئيس الروسي توضيح ماهية هؤلاء الجميع، إذ قال إنهم "العدوانيون في أوكرانيا وفي أوروبا والولايات المتحدة"، مضيفاً "إذا أرادوا التفاوض فليكن ذلك، لكننا فقط سنقوم بما يتفق مع مصالحنا، وروسيا لم تتدخل أبداً ولن تتدخل في شؤون الدول الأخرى، ولا تفعل سوى الدفاع عن مصالحها".
لا مستقبل لأوكرانيا
وكان بوتين أشار في حواره السنوي المباشر إلى أن موسكو مستعدة للعودة إلى الحوار مع الولايات المتحدة، بما في ذلك حول الصراع الأوكراني، من دون أية شروط لذلك.
وقال إن "السياسة الإمبريالية لواشنطن تحول دون ذلك، فضلاً عن عدم قدرة الأميركيين على احترام الآخرين، واعتمادهم في حل قضاياهم على العقوبات والأعمال العدوانية"، وذلك ما سارعت وزارة الخارجية الأميركية بالرد عليه بالقول "إنه من أجل استعادة العلاقات من الضروري إطلاق سراح الأميركيين (المحتجزين) في روسيا، وسحب القوات الروسية من أراضي أوكرانيا واحترام سيادتها، وكذلك إجراء مفاوضات حول ما تطرحه كييف من شروط"، وهي الشروط أو النقاط الـ10 التي سبق أن أعلنها الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي في أكثر من مناسبة، ويتصدرها شرط سحب القوات الروسية من كل الأراضي الأوكرانية والعودة إلى حدود 1991، وهو ما استبعدت موسكو النظر فيه، مؤكدة استعدادها لبدء المفاوضات من دون شروط مسبقة، و"مع مراعاة الواقع القائم"، وهو ما عنيت به مراعاة ما استطاعت ضمه من أراض في جنوب شرقي أوكرانيا إلى جانب شبه جزيرة القرم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان بوتين سخر من الواقع الأوكراني بقوله إن "أوكرانيا ليس لديها ما تنتجه، ولا تملك قاعدتها (الصناعية) الخاصة. وعندما لا تكون هناك قاعدة ولا أيديولوجية ولا صناعة ولا أموال ولا شيء خاص بها، فإنه لا مستقبل لديها، بينما لدى روسيا كل ذلك"، في إشارة صريحة إلى ما تمتلكه بلاده من مؤسسات صناعية وعسكرية حديثة.
وعاد بوتين في لقاء آخر له مع عدد من الجنود والضباط بعد تقليدهم أعلى أوسمة الوطن ليحدد "شروط حل الصراع في أوكرانيا" بقوله "إن عملية حل النزاع في أوكرانيا لن تكون سهلة"، ولكن "بطريقة أو بأخرى" سيتعين على جميع المشاركين "مراعاة الحقائق التي تتطور على الأرض"، كما "سيتعين عليهم التوصل إلى اتفاق".
وكان بوتين قال في اجتماعه مع أعضاء مجلس حقوق الإنسان، في اليوم السابق لذلك الاجتماع معلقاً على "العملية الخاصة" في أوكرانيا، إن "ذلك سيكون عملية طويلة تتطلب وقتاً معيناً، لكن في النهاية لا بد أن يعترف كل المشاركين في الاتفاق بالحقائق التي تتطور على الأرض".
إيمان صوفي بالتاريخ
وفي لقاء آخر مع قيادات وزارة الدفاع الروسية، قال بوتين إن عديداً من سكان غرب أوكرانيا يريدون استعادة أراضيهم، في إشارة إلى البولنديين والمجريين والرومانيين ممن جرى ضم أراضيهم إلى أوكرانيا بموجب نتائج الحرب العالمية الثانية. وعلى النحو الذي يعيد إلى الأذهان ما أشار إليه عميد الدبلوماسية الأميركية الراحل هنري كيسنجر في خطابه إلى مؤتمر الأمن الأوروبي في ميونيخ عام 2022، حول الإيمان الصوفي لبوتين بالتاريخ، فقد استعاد الزعيم الروسي بعضاً من ذلك التاريخ الذي شهد ضم كثير من الأراضي البولندية والمجرية والرومانية إلى أوكرانيا بموجب نتائج الحرب العالمية.
وقال إن الزعيم السوفياتي ستالين "أعطى جزءاً من الأراضي البولندية، بما في ذلك مدينة لفوف (في غرب أوكرانيا) حيث عاش 10 ملايين شخص، وبعضها (أخذ) من رومانيا، وبعضها من المجر. لقد أعطيت أوكرانيا كل شيء. وهؤلاء هم الأشخاص الذين يعيشون هناك. إنهم كثر. وأعرف ذلك عن يقين، وبنسبة 100 في المئة أقول إنهم يريدون العودة إلى وطنهم التاريخي. وتلك هي البلدان التي فقدت هذه الأراضي، وبخاصة بولندا التي تنام وترى العودة. وبهذا المعنى يمكن لروسيا فقط أن تكون الضامن للسلامة الإقليمية لأوكرانيا".
لماذا انقلبت بولندا؟
يذكر المراقبون، بمن فيهم الغربيون، ذلك الجدل الذي عاد ليحتدم بين بولندا وأوكرانيا بما أسفر عنه من قرارات بولندية حول حظر إرسال الأسلحة واستيراد الحبوب الأوكرانية، وهي القرارات التي سرعان ما انضمت إليها المجر وسلوفاكيا. وأعاد هؤلاء إلى الأذهان ما قيل حول مخططات أميركية بولندية "لكسب النفوذ في أوكرانيا". وكان سيرغي ناريشكين رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية سبق أن أشار إلى معلومات استخباراتية لم تنشر قائلاً "إنها تظهر أن الولايات المتحدة وبولندا، عضوي حلف شمال الأطلسي (ناتو)، تخططان لاستعادة السيطرة البولندية على جزء من غرب أوكرانيا، في إشارة إلى ما اقتطعته أوكرانيا من أراض في غرب بولندا بموجب ما يسمى خط كيرزون (وهو وزير خارجية بريطانيا الأسبق) ونتائج الحرب العالمية الثانية".
وأضاف ناريشكين في بيان نادر أصدره جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية أن "واشنطن ووارسو تعملان على خطط لفرض سيطرة بولندا العسكرية والسياسية المشددة على ممتلكاتها التاريخية في أوكرانيا".
ونفت بولندا ما وصفتها بـ"المزاعم"، وقالت إنها "معلومات مضللة تنشرها موسكو". غير أن هناك من يعيد إلى الأذهان تأكيداً لذلك اعتصام أعضاء حزب "كونفيدراكيا" الذي نظموه في أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي أمام السفارة الأوكرانية في وارسو، بما رفعوه من لافتات ساخرة تشير إلى فاتورة الدعم الذي حصلت عليه كييف من وارسو، وتضمنت إشارة إلى أن المساعدات التي حصلت عليها كييف تجاوزت 100 مليار زلوتي (23.1 مليار دولار)، إلى جانب ما كتب حول أن "المدفوع: صفر. والعائد: لا شيء".
لينين وجنوب شرقي أوكرانيا
ومن منظور "الإيمان الصوفي بالتاريخ" ذاته مضى الزعيم الروسي يقول إن "جنوب شرقي أوكرانيا كثيراً ما كان بأكمله مؤيداً لروسيا، لأن هذه أراض روسية تاريخية"، مضيفاً أن "تركيا تدرك جيداً أن منطقة البحر الأسود بأكملها ذهبت إلى روسيا نتيجة للحروب الروسية - التركية. فما علاقة أوكرانيا بذلك؟ ليست لها أية علاقة على الإطلاق، لا بشبه جزيرة القرم ولا بمنطقة البحر الأسود بأكملها بشكل عام".
وتوقف الرئيس الروسي ليؤكد أن "أوديسا مدينة روسية، ونحن على يقين من ذلك، وهو ما يعرفه الجميع كل المعرفة. كلا، لقد اخترعوا كل أنواع الهراء التاريخي". واستعاد بوتين في الوقت نفسه حقيقة أن "لينين نقل كل أوكرانيا خلال عملية تشكيل الاتحاد السوفياتي" على حد تعبيره. مستدركاً "مع ذلك فقد تصالحنا مع هذا الواقع بعد انهيار الاتحاد السوفياتي".
ومضى يقول "لقد تنازلنا وكنا مستعدين للتعايش مع مثل هذا الواقع، لكن هذا القطاع (جنوب شرقي أوكرانيا) ممن يؤيدون روسيا كان مهماً أيضاً بالنسبة إلينا"، موضحاً أن سكان هذه الأراضي يصوتون دائماً لأولئك الذين "انضموا إلى الشعارات المؤيدة لروسيا في السياسة الداخلية والخارجية لأوكرانيا"، وبشكل عام "كانت روسيا راضية تماماً عن ذلك".
وأضاف "لكن بعد انقلاب عام 2014 أصبح من الواضح أنه لن يسمح لنا ببناء علاقات طبيعية مع أوكرانيا"، في إشارة إلى الأحداث التي أسفرت عن إطاحة الرئيس الأوكراني الأسبق فيكتور يانوكوفيتش، وما أعقب ذلك من إعلان منطقة الدونباس في جنوب شرقي أوكرانيا انفصالها عن أوكرانيا من جانب واحد، وهو ما كان بداية للصراع المسلح مع السلطات الرسمية في كييف.
باق من الزمن أسبوع
وأشار فلاديمير بوتين إلى أن كييف من دون دعم الغرب لن تكون قادرة على الصمود لمدة لا تزيد على أسبوع واحد في المواجهة مع روسيا. وكان بوتين سبق أن أشار إلى مثل هذا التقدير في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حين قال إن "الاقتصاد الأوكراني لن يكون قادراً على الوجود من دون دعم خارجي، وإذا توقف الغرب عن دعم أوكرانيا فلن تستمر سوى أسبوع واحد". وحدد بوتين أيضاً فترة أسبوع لنظام الدفاع الأوكراني من دون مساعدة من بلدان أخرى، مشيراً إلى أن الذخيرة تنفد في الولايات المتحدة وأوروبا.
وفى مؤتمره الصحافي الذي بدا وكأنه رد على ما طرحه بوتين من أحكام وتقديرات، قال أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي إنه يتفق مع بوتين في أمر واحد وهو أن "دعم أميركا المستمر أمر بالغ الأهمية لتمكين الجنود والمواطنين الأوكرانيين من مواصلة نضالهم"، على حد قوله، مضيفاً أن أوروبا قدمت 110 مليارات دولار لدعم أوكرانيا، والولايات المتحدة 70 مليار دولار. واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ودول أخرى في منطقة المحيط الهادئ تقدم المساعدة أيضاً، "إنهم، مثلنا، يعرفون أن دعم أوكرانيا أمر حيوي".
واعترف بلينكن بأن المساعدات الأميركية لأوكرانيا تفيد أيضاً الولايات المتحدة نفسها، إذ تم إنفاق 90 في المئة من هذه الأموال محلياً، واستفادت منها الشركات والعمال المحليين، وساعدت في تعزيز القاعدة الصناعية الدفاعية الأميركية. وإذ خلص إلى أن الـ"ناتو" أكبر وأقوى وأكثر اتحاداً من أي وقت مضى في تاريخه الذي يبلغ نحو 75 عاماً، فإنه عاد ليعترف بأن واشنطن تواجه حالياً صعوبات في دعم كييف بسبب عدم موافقة الكونغرس على ما يطرحه البيت الأبيض من اقتراحات لهذا الغرض.
وقال منسق الاتصالات الاستراتيجية بالبيت الأبيض جون كيربي إن الولايات المتحدة ستعلن في نهاية ديسمبر (كانون الأول) عن حزمة المساعدات الأخيرة لأوكرانيا، وبعد ذلك ستنفد الأموال المتاحة.