ملخص
بات العزوف عن المشاركة في الانتخابات أمراً مألوفاً في تونس على رغم العروض الكثيرة المقدمة إلى الناخبين.
سجلت تونس يوم الأحد الماضي نسب إقبال متدنية في الانتخابات المحلية التي تشكل آخر محطة في مسار سياسي مثير للجدل قاده الرئيس قيس سعيد لبناء "الجمهورية الجديدة"، مما أثار تساؤلات حول الأسباب الكامنة خلف العزوف الشعبي عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية.
وكشفت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن أن نسب المشاركة لم تتجاوز 11.66 في المئة، وأن نحو مليون ناخب توجهوا إلى مراكز الاقتراع من مجموع 9 ملايين مسجلين للمشاركة في الاستحقاق المحلي، وذلك في تكرار لسيناريو الانتخابات البرلمانية التي أجريت على دورين، الأول في الـ17 من ديسمبر (كانون الأول) 2022 والثاني في الـ29 من يناير (كانون الثاني) الماضي.
وبذلك بات العزوف عن المشاركة في الانتخابات أمراً مألوفاً على رغم العروض الكثيرة المقدمة إلى التونسيين، إذ شارك في الاستحقاق المحلي على سبيل المثال ما لا يقل عن 7 آلاف مرشح، وهو ما جعل هيئة الانتخابات تقر بأن هذه الظاهرة، أي العزوف، تحتاج إلى دراسة لتوضيح أسبابها.
وقال عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس أيمن بوغطاس، في تصريحات بثتها إذاعة "إي أف أم" المحلية، إن "نسبة الاقتراع في الانتخابات المحلية كانت ضعيفة، لذلك من الضروري إجراء دراسة للوقوف على أسباب عزوف التونسيين عن المشاركة في الانتخابات".
نتيجة متوقعة
وكانت السلطات الانتخابية في تونس هيأت نفسها والرأي العام أيضاً، حتى قبل فتح صناديق الاقتراع، لعزوف محتمل تغذيه مخلفات الفترة السابقة التي كانت تشهد فيها البلاد انتقالا ديمقراطياً متعثراً، ناهيك بالوضع الاستثنائي جراء الحرب التي تقودها إسرائيل ضد قطاع غزة بحسب ما قال مسؤوليها.
لكن النائبة البرلمانية السابقة والناشطة السياسية أمل السعيدي اعتبرت أن "هذا العزوف هو نتيجة متوقعة، فغالبية التونسيين لا يعرفون أن هناك انتخابات ولا تفاصيلها وما ستفرزها، وحتى من يعرف ذلك لا يدرك صلاحيات المجالس المحلية ومهماتها، والأعضاء الذين سينتخبون كيف سيتم تركيزهم".
وأوضحت السعيدي في حديث خاص مع "اندبندنت عربية" أن "السبب الثاني يتمثل في تدهور الوضع بشكل كبير في ظل فقدان سلع عدة أساسية مثل السكر والخبز والرز والحليب، مراكز الاقتراع كانت فارغة الأحد، ويكفي أن نقارنها بالانتخابات البلدية في 2018 التي شهدت مشاركة نحو 32 في المئة، ومع ذلك اعتبرت آنذاك نسبة ضعيفة".
ورأت أن "هذه الانتخابات هي مواصلة لإهدار المال العام، الانتخابات فرضت علينا والمسار السياسي الذي تعرفه البلاد من الاستفتاء إلى الانتخابات التشريعية والاستشارة الوطنية والاستشارة حول التعليم شهدتها نسب إقبال ضعيفة جداً، ومع ذلك هي أمر واقع، النسب لم تعد مهمة لا للتونسي أو من يقود هذا المسار الذي لا يريد سوى تركيز الهياكل التي سيفرزها المسار".
وكانت معظم قوى المعارضة السياسية، التي أضعفت بشكل كبير إثر توقيف معظم رموزها، قاطعت هذه الانتخابات في تكرار لسيناريو نفذته في الانتخابات التشريعية والاستفتاء الشعبي على الدستور بعد أن وجهت وابلاً من الانتقادات للمسار السياسي الذي يقوده الرئيس قيس سعيد منذ سنتين.
السلطة تتحمل المسؤولية
وحملت أوساط سياسية موالية للرئيس قيس سعيد السلطة مسؤولية الإخفاق في كسر حال العزوف الشعبي التي خيمت على آخر استحقاقات انتخابية على غرار الانتخابات البرلمانية والمحلية، ومن المرتقب أن تفرز الانتخابات المحلية مجلس وطني للجهات والأقاليم هو الغرفة الثانية للبرلمان.
وقال رئيس حزب "التحالف من أجل تونس" سرحان الناصري إن "السلطة كاملة تتحمل الجزء الكبير من المسؤولية، فالقانون الانتخابي الذي صيغ بشكل فردي وطالبنا في الانتخابات البرلمانية بإجراء حوار وتشريك كل الأجسام الوسيطة ومن تعنيهم الانتخابات في وضع قانون انتخابي".
ولفت الناصري في حديثه لـ"اندبندنت عربية" إلى أن "الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أيضاً أضرت بالعملية الانتخابية عبر التسجيل الآلي للناخبين، والحكومة أيضاً التي بأدائها الهزيل في قيادة المرفق العمومي لم تعد تصلح للوضع الحالي ولم تعد قادرة على الاستجابة للتونسيين، لذلك أصبح من الضروري إجراء تعديل وزاري في أقرب وقت ممكن حتى يحافظ الرئيس قيس سعيد على ثقة مواطنيه".
ولم تتفاعل المعارضة على الفور مع نسب الإقبال، لكن التساؤلات التي تخامر كثيرين هي هل أن العزوف الشعبي يشكل نصراً لها؟ هنا يجيب الناصري بقوله إن "قوى المعارضة لم يكن لها أي تأثير في رغبة التونسيين في المشاركة في الانتخابات من عدمها، خصوصاً أنها قوى فقدت صدقيتها في الشارع الذي لا ينصت لهم".
تجربة أولى
وانتخابات الـ24 من ديسمبر هي آخر محطة سياسية في مسار طويل وشاق أطلقه الرئيس قيس سعيد، وهو أستاذ قانون دستوري متقاعد وسط اتهامات له من خصومه بأنه "قاد انقلاباً" ضد البرلمان الذي جمد أعماله وحله في وقت لاحق شأنه شأن الحكومة.
وقال المحلل السياسي نزار الجليدي إن "العنوان الأول لهذه الانتخابات أنها دون أباطرة الفساد السياسي في تونس، ويمكن تفسير النسب الضئيلة للمشاركة بأن هذه المحطة هي تجربة أولى للانتخابات المحلية وكانت أمامها عوائق كبيرة، من بينها الوضع الاقتصادي الصعب وغياب لأي جهد اتصالي لتقديم هذه الانتخابات وأهدافها".
وأردف الجليدي أن "هذه الانتخابات كشفت مجدداً عن أن كل ما حصل منذ 2011 كانت استحقاقات انتخابية مغلوطة وفيها مال فاسد جلب التونسيين، نحن أمام محرار حقيقي لنسب المشاركة".
وشدد على أن "المعارضة لم تحقق نصراً بنسب المشاركة هذه، الانتصارات تقع عندما تكون في المنافسة، لكن أن تكون خارجها فلا يمكن أن تحكم على هذا الاستحقاق أو غيره".