أعلنت تونس عن خطة لتطوير السكن الاجتماعي ترتكز على حلول للإشكاليات التي تعترض قطاع العقارات المتعثر، تنطلق من البت في ملفات عالقة للأراضي الصالحة للبناء وتهيئة الأراضي الفضاء للاستغلال العقاري وحل مجموعة من الإشكاليات القانونية، إضافة إلى تطوير أداء المؤسسات المالية المخصصة لتمويل المساكن الاجتماعية.
الخطة الجديدة جاءت على خلفية تراجع في رخص وعدد المساكن المشيدة وفشل كبير في الحفاظ على سياسة سكنية اجتماعية ناجحة انتهجتها تونس في عقود سابقة، وهو ما ترتب عليه عجز الفئات الفقيرة في الحصول على مسكن مع ارتفاع كلفة تشييد وبناء المنازل من قبل المطورين العقاريين بالقطاعين العام والخاص وصعوبة الحصول على قرض سكني لارتفاع نسب الفائدة على القروض البنكية التي تصل إلى 12 في المئة.
إلى ذلك عبّر عقاريون في حديثهم إلى "اندبندنت عربية" عن رفضهم قرار زيادة الأداء (الضريبة) على القيمة المضافة من 13 إلى 19 في المئة عند بيع المساكن، مشيرين إلى أنها القطرة التي ستفيض الكأس وتقضي على آمال الطبقة المتوسطة في الحصول على مسكن لائق.
نقص الرخص
في غضون ذلك أعلنت وزارة التجهيز والإسكان عن تراجع ملحوظ بنسبة تصل إلى 30 في المئة في عدد رخص بناء المساكن والمساكن المشيدة، ما يعادل ستة آلاف رخصة لبناء 11400 مسكن منذ 2019.
وتراجع عدد رخص البناء من 22761 رخصة في 2015، إلى 15086 رخصة في 2022، مما قلص عدد المساكن من 43488 مسكناً إلى 27401 مسكن في فترة المقارنة.
إلى ذلك ارتفع المؤشر العام لأسعار العقارات بنسبة 7.7 في المئة خلال الفترة بين 2015 و2020 من حيث معدل أسعار الشقق، و5.1 في المئة في أسعار المنازل، و5.7 في أسعار الأراضي المعدة للسكن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت وزارة التجهيز قد وعدت باسترجاع نسق إنتاج المساكن باستغلال العقارات المجمدة بالنظر في وضعيتها القانونية وتوفير مزيد من الأراضي السكنية الصالحة للبناء بتطوير طرق التهيئة العمرانية وتحسين التصرف العمراني.
وتتضمن خطة الإصلاح الحماية من انتشار البناء الفوضوي من طريق حسن تنظيم الفضاء والتهيئة والربط بالشبكات مع تهيئة وتجديد الأحياء الفوضوية.
وبخصوص صندوق النهوض بالمسكن (حكومي مخصص للقروض السكنية) ذكرت الوزارة أنها ستراجع طريقة تدخله لفائدة الإجراء لتطويرها بحسب المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، مع التوجه نحو البناء العمودي عند مراجعة أمثلة التهيئة العمرانية.
كلفة باهظة
ومن ضمن التوجهات المعلنة السعي إلى الضغط على العناصر المكونة لثمن المساكن بهدف جعلها تتماشى مع مداخيل (موارد) الطبقات الفقيرة، عن طريق تحفيز العقاريين لزيادة نسق إنتاج السكن الاجتماعي.
في المقابل وصف العقاريون هذا التوجه بغير الواقعي على ضوء زيادة الأداء الذي يزيد من كلفة الإنتاج المرتفعة بالأساس جراء الزيادات المتتالية في أسعار مواد البناء والتجهيزات واليد العاملة. واعتبر رئيس الغرفة النقابية الوطنية للبناء والأشغال العامة (هيئة نقابية مستقلة) جمال القصيبي، أن زيادة بقيمة ست نقاط مئوية في الأداء على القيمة المضافة للمسكن عند بيعه من قبل المؤسسات العقارية هي زيادة مباشرة في كلفة الإنتاج ما يترتب عنه الزيادة في سعر المسكن.
واستحسن القصيبي تأجيل تطبيق العمل بالزيادة المذكورة إلى مطلع العام المقبل، مستدركاً "لكن تطبيقه سيكون له انعكاسات سيئة على المستهلك التونسي الراغب في امتلاك المسكن الأول بخاصة علاوة على قطاع العقارات"، مضيفاً أن "زيادة الأداء تضاف إلى إشكاليات سابقة تواجه العقاريين والمقاولين منها ارتفاع أسعار الأراضي"، لافتاً إلى أن سوق الأراضي في السنوات الأخيرة شهد إقبالاً متزايداً على اقتناء الأراضي من قبل أصحاب رؤوس الأموال من غير المستثمرين بهدف تبييض الأموال المتأتية من التهريب، مؤكداً أن تلك الظاهرة استفحلت في العقد الأخير بعد انتفاضة 2010 مستغلة حالة الفوضى التي تلتها.
وتابع القصيبي أن ذلك يضاف إلى إشكاليات أخرى مثل ارتفاع أسعار مواد البناء نتيجة اندلاع الحرب في أكرانيا وانعكاسات التضخم على الأجور وندرة اليد العاملة ما ترتب عنه تراجع النشاط والإنتاجية، بعد أن وصلت كلفة المتر مربع إلى 1000 دينار (318.4 دولار) في أدنى تقدير.
وأشار إلى أن قطاع البناء في تونس يعاني ارتفاع كلفة الإقراض بعد الزيادة في الفائدة الرئيسة إلى ثمانية في المئة حتى استقرت فوائد قروض السكن عند 12 في المئة في المعدل العام، لافتاً إلى أنه في المقابل لم تبحث الحكومات المتعاقبة في تونس عن الحلول الملائمة على غرار دول عدة مجاورة، بعد أن وضعت سقفاً لقروض السكن وحددت فائدة ثابتة للحفاظ على القطاع الذي يمثل أحد شرايين التنمية.
عزوف منتظر
من جهته رأى رئيس المجمع المهني للوكالات العقارية لكنفدرالية المؤسسات المواطنة (هيئة مستقلة) محسن شعباني، أن "العقاريين والمقاولين على حد السواء سيواجهون استفحال العزوف عن اقتناء المساكن عند تطبيق الزيادات الضريبية"، مرجحاً أن تعمد الوكالات العقارية إلى التخفيض من نسبة أرباحها عند بيع المساكن في محاولة للضغط على الأسعار والحفاظ على العملاء واستقطابهم، مضيفاً بينما ستؤدي هذه المحاولات في آخر الأمر إلى تراجع في إنتاج المساكن بحكم مترتبات تراجع الأرباح على العقاريين في حد ذاتهم الأمر الذي يؤدي إلى نقص الطلب على المقاولات وضرب المنظومة في المجمل.
وأطلق الشعباني نداء للتأسيس لسياسة متكاملة للسكن توفر أرباحاً للمهنيين وعددهم 980 وكالة عقارية في تونس وتضمن مساكن بأسعار معقولة للأسر بالطبقة الضعيفة، وهي تشترط دراسة واقعية لكلفة التشييد وأسعار الشقق والمنازل بالسوق بهدف تحديد حجم الأداء الحقيقي ثم اعتماده.