تنظيم "جيش العدل الإيراني" مجموعة متشددة مسلحة معارضة للنظام الإيراني تقدم نفسها على أنها "جيش العدل والمساواة"، وأنها تدافع عن حقوق السنة، بخاصة في إقليم بلوشستان شرق البلاد، كما أعلنت معارضتها التدخلات الإيرانية الإقليمية، لا سيما الحرب في سوريا.
وخاضت المنظمة، في خلال السنوات الماضية، عمليات دامية ضد القوى الأمنية الإيرانية في المناطق الحدودية مع باكستان، وأعلنت تبنيها اغتيال بعض المسؤولين المحليين وخطف وقتل عناصر من حرس الحدود الإيراني.
وأعلن عن تأسيس تنظيم "جيش العدل" الذي يضم ميليشيات سنية بلوشية بعد اعتقال الأمن الإيراني عبدالمالك ريغي زعيم مجموعة "جند الله"، ونفذ بحقه حكم الإعدام بتهمة العمل ضد الأمن الوطني الإيراني عبر النشاط المسلح. وتولى صلاح الدين فاروقي قيادة التنظيم، عام 2011، ويصفه أنصاره بـ "الأمير" أو "قائد جهاد بلوشستان".
وتعتبر إيران المجموعة إرهابية وتتهمها بالعمالة للخارج، ويصفها الإعلام الحكومي الإيراني بـ "جيش الظلم"، وتصنفها أميركا واليابان ونيوزيلندا مجموعة إرهابية.
ورافقت عمليات الاختطاف التي نفذتها المجموعة ردود فعل سلبية لدى الرأي العام الإيراني، وطالب كثيرون بإطلاق العناصر التي تخطفها المجموعة كل مرة، بخاصة عناصر حرس الحدود وغالبيتهم جنود مكلفون ترسلهم السلطات إلى المناطق الحدودية في إطار الخدمة العسكرية الوطنية.
ومن بين المعارضين لهذه العمليات مولوي عبدالحميد إمام جماعة السنة في زاهدان مركز إقليم بلوشستان. وندد، بشدة، بعمليات الخطف التي تنفذها الحركة، وأكد، أكثر من مرة، أن مثل هذا الأداء يضر بإقليم بلوشستان مطالباً المجموعة بوقف هذه التصرفات.
الخلافات حول إعدام الرهائن
وكان عبدالرؤوف ريغي شقيق عبدالمالك ريغي زعيم "جند الله" السابق قد أعلن، عام 2014، انشقاقه عن "جيش العدل" ومضى بنشاطه المسلح ضد النظام الإيراني بتشكيل مجموعة أطلق عليها "جيش النصر". ووردت تقارير كثيرة أن انشقاقه جاء بعد خلافات حول إعدام رهينة كانت الحركة قد اختطفته في وقت سابق.
وقتل عبدالرؤوف ريغي، عام 2014، في باكستان. وأعلنت وسائل الإعلام المحلية الإيرانية، منها وكالتا "إيرنا" و"فارس" و"تلفزيون العالم"، أن عبدالرؤوف ريغي قتل ونجل شقيقته أبو بكر ريغي في مدينة البندين في ولاية بلوشستان الباكستانية، وذكرت أن مقتلهما جاء بعد خلافات داخلية مع "جيش العدل".
وذكر تلفزيون "بي بي سي الفارسي" أن مصادر في مجموعة "جيش النصر" أكدت أن قائد التنظيم قتل على يد عناصر الأمن الإيراني في مدينة كويتا الباكستانية، وأعلن وزير الاستخبارات الإيراني الأسبق محمود علوي حينها أنه "قتل بواسطة رصاصة من الغيب".
وكان "جيش العدل" قد نفذ عملية، عام 2013، استهدفت مخفراً إيرانياً على الحدود مع باكستان واختطف خمسة من حرس الحدود، وأعدم التنظيم أحد الرهائن وهو جمشيد دانايي فر، وقد أطلق أربعة رهائن بعد وساطات محلية.
وذكرت "بي بي سي الفارسية" أنه، طبقاً لمقاطع الفيديو التي نشرها عبدالرؤوف ريغي على شبكات التواصل الاجتماعي، كان يعارض قتل الضابط المختطف دانايي فر، لذلك لجأ إلى تأسيس "جيش النصر" بعدما انشق عن التنظيم.
وفي عام 2016، أعلن تنظيم "جيش العدل" أن عناصر "جيش النصر" انضموا إلى "جيش العدل" وتوقفوا عن النشاط تحت ذلك الاسم.
"جند الله" وعملياته الدامية
وكان تنظيم "جند الله" قد سبق "جيش العدل" في اتخاذ أساليب مشابهة تمثلت بخطف رهائن والهروب إلى باكستان إلى أن تمكن النظام الإيراني من استدراج عبدالمالك ريغي الذي كان متوجهاً من دبي إلى كازاخستان عبر الأجواء الإيرانية حيث أرغمت مقاتلات إيرانية الطائرة التي كانت تقله على الهبوط في إيران لاعتقال ريغي الذي أعدم في ما بعد (بحسب الرواية الرسمية الإيرانية).
وبعد عامين من اعتقال عبدالمالك ريغي، قال مارك بيري مراسل مجلة "فورين بوليسي"، بعد تحقيق استمر نحو 18 شهراً، "من الصعب إخفاء معلومات حول إرغام طائرة على الهبوط. لم أستطع الوصول إلى ما يؤكد صدق هذا الادعاء. لكن ما هو مؤكد أن السلطات الباكستانية اعتقلت عبدالمالك ريغي بناء على طلب إيران".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعدم عبدالمالك ريغي عام 2020 بتهمة التورط في 79 حالة قتل وبثّ الرعب والتعاون مع الأجانب والحصول على أموال من جهات أجنبية.
وكان قادة "جند الله" قد أعلنوا أن هدفهم هو دعم المقاومة الشعبية لتحقيق حقوق الشعب البلوشي. لكن النظام الإيراني اعتبر المجموعة إرهابية ومتشددة واتهمها بالانتماء إلى الولايات المتحدة وبريطانيا، وقد نفى البلدان الاتهامات الإيرانية.
وكانت "جند الله" قد تبنّت عمليات مسلحة متعددة منذ تأسيسها في عام 2003، وفي إحدى الهجمات الدامية التي وقعت بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية عام 2009، زرعت المجموعة قنبلة في مسجد للشيعة في زاهدان وأدت العملية إلى مقتل 25 شخصاً وجرح أكثر من 120 آخرين. وتبنت "جند الله" العملية، ووصفت الأمم المتحدة العملية بالإرهابية.
عدم التدخل في احتجاجات "المرأة والحرية والحياة"
وطرح اسم "جيش العدل"، مرة ثانية، بالتزامن مع الحركة الاحتجاجية التي عمت إيران واستجاب لها البلوش. إذ تحول إقليمهم إلى ساحة كبيرة للحراك المناهض للنظام واستمر المعارضون البلوش بنشاطهم السلمي حتى بعد تراجع النشاط الاحتجاجي في أنحاء إيران. وبعد مقتل أكثر من 40 شخصاً من المصلين البلوش وجرح أكثر من 100 منهم، اتهم المسؤولون الإيرانيون ووسائل الإعلام الحكومية "جيش العدل" بارتكاب عملية القتل. كما ادعت السلطات بأن جيش العدل قتل ستة من عناصر الحرس والباسيج في مدينة زاهدان، وقالت وكالة "فارس" إن "جيش العدل" تبنى العملية من خلال إصدار بيان، لكن جيش العدل أصدر بياناً بعدها وأكد أن "ما تروّج له وسائل الإعلام هو محض كذب، وأن السلطات تحاول الهروب من تحمل مسؤولية قتل المحتجين والتغطية على أهداف الحركة الاحتجاجية". وقال "جيش العدل" إن "منظمة جيش العدل لم تدخل بشكل عملي وسياسي خلال الاحتجاجات للحيلولة دون استغلالها من قبل النظام ضد الحراك المطالب بحقوق مواطنينا في مختلف أنحاء البلاد ومطالب الشعب البلوشي المظلوم". ونفى إمام جمعة زاهدان مولوي عبدالحميد ضلوع "جيش العدل" في ما وصف بالجمعة الدامية التي راح ضحيتها العشرات من المصلين في زاهدان.
مطالب الشعب البلوشي
يقع إقليم "سيستان وبلوشستان" في جنوب شرقي إيران وتؤكد الدراسات التي تنشر كل سنة أن الإقليم من أكثر الأقاليم الإيرانية "فقراً"، وتؤكد الإحصاءات الحكومية أن أكثر من نصف المواطنين في الإقليم يعيشون تحت خط الفقر. وتعتمد وزارة العمل والرفاه والتعاون الاجتماعي معايير منها امتلاك منازل والمياه والطاقة والتعليم والصحة والخدمات المالية، كما يضم الإقليم نسبة كبيرة من العاطلين من العمل ويشهد تفشي الأمية بين أبنائه.
وكان الإقليم مسرحاً لقلاقل أمنية دامية. وذكر مركز دراسات منظمة الإحصاء الإيرانية أن "إقليم سيستان وبلوشستان ليست له مساهمة في الناتج المحلي منذ عام 2018 حتى الوقت الحاضر بسبب المشكلات الأمنية والاقتصادية، ولم يدشن في الإقليم أي مشروع اقتصادي كبير".
وبالتوازي مع الحرمان والفقر، تتخذ السلطات الأسلوب الأمني المشدد في التعامل مع المشكلات التي يعاني منها الإقليم. ويشكل السجناء البلوش، وكذلك المحكومون بالإعدام، أعلى نسبة في البلد الذي يحتل مراتب متقدمة في قائمة أكثر البلدان التي تنفذ الإعدامات.
وفي بعض الأحيان تنفذ السلطات الإعدامات من دون اتخاذ إجراءات قضائية مثلما هو معمول به في أمكان أخرى. وعلى سبيل المثال لا الحصر، أعدمت السلطات 16 من السجناء بشكل سريع بعد عملية مسلحة نفذها مسلحون بلوش في مدينة سراوان. وقال المدعي العام في زاهدان بشكل صريح "هذه الإعدامات كانت رداً على عمليتهم الليلة الماضية".
وفي السنوات الأخيرة، استهدفت المجموعات البلوشية المسلحة عناصر أمنية وعسكرية إيرانية. وتقول طهران إن إسلام آباد لم تواجه هذه المجموعات التي تتخذ قواعد في الأراضي الباكستانية. واستمرت العمليات المسلحة وحالات الخطف والاغتيالات في إقليم بلوشستان منذ عام 2005 فصاعداً.
ومن الأسباب التي تثير قلاقل أمنية في بلوشستان، التوتر والاستياء من التمييز الديني والعرقي، ونشاط المجموعات البلوشية المسلحة، والحدود الواسعة للإقليم مع باكستان، وتهريب المخدرات، والتمييز، والفقر، والحرمان، ومعارضة سكان الإقليم للسلطات والمسؤولين المحليين الذين تعيّنهم السلطات من خارج الإقليم، وكذلك سهولة توفير السلاح.
وعلى رغم اعتقال وإعدام عدد كبير من قادة وأعضاء المجموعات البلوشية المسلحة تستمر هذه العمليات في الإقليم، ولم تستطع السلطات الإيرانية وضع حدّ لهذه الهجمات.
أما الجانب الآخر من الحدود الإيرانية الباكستانية فيضم إقليم بلوشستان - باكستان الذي يعيش حالة انعدام الأمن والاستقرار مذ سنوات طويلة كما يشهد حراكاً قومياً ضد السلطات في باكستان.
ويشن القوميون البلوش الذين يقاتلون من أجل استقلال الإقليم عمليات مسلحة ضد السلطات، كما تنشط مجموعات إسلامية متشددة في الإقليم. وبعد إعدام عبدالمالك ريغي في إيران نظّم عدد من البلوش في كراتشي تظاهرات للتنديد بإعدامه. وقد نظمت التظاهرات "الجبهة الوطنية البلوشية" التي تقدم نفسها على أنها تدعم حقوق الشعب البلوشي في باكستان.
وكان رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية محمد حسين باقري قد أكد أن مناطق في باكستان تحولت إلى مكان لتدريب الإرهابيين، وهدد بشن هجمات ضدهم. وعلى رغم هذه التهديدات لم تتمكن إيران من توجيه ضربة تؤدي إلى إفشال القدرات التسليحية للمجموعات البلوشية المسلحة.