ملخص
تزدهر "السياحة الطبية" إلى سوريا مع اتجاه عشرات اللبنانيين إلى مستشفيات طرطوس واللاذقية لإجراء عمليات جراحية منخفضة التكلفة
تزداد أعداد اللبنانيين الذين يقصدون سوريا طلباً للعلاج وإجراء العمليات الجراحية. ويقصد المرضى مستشفيات مدن الساحل السوري في طرطوس واللاذقية بسبب الفارق الكبير في الفاتورة الاستشفائية إذا ما تمت مقارنتها بالدولار الأميركي. وتشهد المعابر الحدودية بين البلدين حركة منتظمة، حيث يلعب سائقو سيارات الأجرة في كثير من الأحيان دور "الوساطة" بين الزبون المريض والطبيب المعالج.
الظاهرة ليست بالجديدة
تمتد الحدود البرية اللبنانية - السورية على طول 378 كيلومتراً مربعاً وتنتشر عليها عشرات البلدات والقرى من الطرفين. وشكلت تاريخياً ساحة التقاء وتبادل بين الشعبين، حيث يقصد عدد كبير من اللبنانيين المقيمين في الجانب السوري للحصول على الخدمات الصحية والاستشفاء والتعليم والتموين، وغير ذلك، ولا سيما سكان مناطق عكار شمال لبنان وبعض قرى البقاع الشمالي.
ويروي أحد الأساتذة الذين أشرفوا على إجراء الانتخابات في حنيدر، قرية في وادي خالد، أنه سمع من الأهالي تأكيدات بتوجههم إلى حمص الملاصقة للعلاج، إذ لا يستغرق الأمر أكثر من ربع ساعة بعد عبور المعبر الترابي، فيما يتطلب الوصول إلى أقرب مستشفى في حلبا أكثر من ساعة، من دون الحديث عن الفرق الشاسع بالتكلفة المادية.
التكلفة أقل من النصف
اتسعت دائرة "السياحة العلاجية" إلى سوريا ولم تعد مقتصرة على سكان المناطق الحدودية الذين تحكمهم الجغرافيا، وإنما أصبحت مقصداً للباحثين عن علاج "مقبول التكلفة".
وفي استقصاء لأبرز الخدمات الطبية التي يسعى اللبنانيون للحصول عليها، اتضح أن الأمر لا يقتصر على العمليات الضرورية والطارئة، وإنما تجاوزها إلى العمليات الترميمية والتجميلية، ودائماً بسبب الفارق في الأسعار.
وتلعب "الدعاية الشفوية" دوراً كبيراً في تنشيط هذه الظاهرة، حيث تكررت الروايات المبنية على التشجيع و"النصيحة". ويؤكد الشاب محمد (28 سنة) أنه قام بزراعة أضراس في منطقة طرطوس، قائلاً "طلب مني الطبيب في لبنان حوالى ألف دولار أميركي لقاء زراعة الضرس، سمعت من أصدقاء أنهم قاموا بمعالجة أسنانهم في سوريا. بعدها، توجهت إلى هناك وزرعت الضرس لقاء 400 دولار أميركي". ويضيف "كانت الخدمة جيدة، والنتيجة مرضية أيضاً، حيث لم تظهر أي آثار جانبية على رغم مرور عام على العملية".
التقينا مريضاً آخر، أجرى عملية "الماء الزرقاء" في عينه بتكلفة إجمالية بلغت نحو 300 دولار، وهي "أقل بكثير مما طلبته عدة مستشفيات خاصة في شمال لبنان" و"تساوي الربع تقريباً لأن الأسعار التي طلبت تراوحت بين 1100 و1450 دولاراً".
العمليات لا تخلو من المخاطرة
يستعين بعض المواطنين بسائقي الأجرة، فيتولى هؤلاء نقل المرضى من المعابر، وتحديداً من معبر الدبوسية إلى طرطوس أو اللاذقية. ويقترح السائق في بعض الأحيان على المريض بعض أسماء الأطباء المشهود لهم بالكفاءة والخبرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن النتائج لا تأتي مرضية في كثير من الأحيان، وقد تؤدي به إلى آثار جانبية شديدة تصل حد التشوه أو حتى الموت. وتروي الشابة راوية أن شقيقها عماد "قصد سوريا برفقة زوجته لإجراء عملية جراحية في مستشفى تشرين في اللاذقية، إلا أن خطأً طبياً أصاب أحد الأوعية وأودى بحياته"، و"بعد أن أمضى عدة أيام في قسم العناية المركزة، تدهورت حالته الصحية، وفارق الحياة".
لا تريد الشابة تحميل الفريق الطبي المسؤولية عن وفاة شقيقها، لأنها لم تكن هي معه أثناء العملية والعلاج اللاحق، لكنها في المقابل تؤكد "في حال وجود خطأ لن يعترفوا به، كما يحدث في أغلب الأحيان عندما يموت المريض خلال إجراء العمليات الجراحية".
لا منافس للطبيب اللبناني
يقدم نقيب الأطباء في الشمال الدكتور محمد صافي لمحة تاريخية عن ظاهرة الاستشفاء اللبناني في سوريا، قائلاً "تاريخياً، كان هناك مرضى لبنانيون يتلقون العلاج في سوريا بسبب فارق الأسعار، ومستوى الدخل المختلف بين البلدين". ويلفت إلى أن "العمليات في المستشفيات الحكومية السورية تُجرى شبه مجانية للبنانيين، وهذا ما يشجع كثيراً منهم على إجراء عملياتهم هناك"، مضيفاً "في ظل الأوضاع الاقتصادية الضاغطة في لبنان، وضعف التقديمات من قبل الجهات الضامنة وتسعير العمليات الجراحية بالفريش دولار"، يتزايد اللجوء إلى سوريا.
من هذا المنطلق، يشير النقيب إلى أن "المواطن اللبناني ذا الدخل المحدود، والذي يقطن قرب الحدود السورية، سيفكر جدياً في هذا الخيار"، معبراً عن ثقته بأنه "عند تحسن تقديمات الجهات الضامنة في لبنان، ووزارة الصحة، ستتراجع هذه الظاهرة من دون شك".
لا يعتقد صافي أن هناك "منافسة للطبيب اللبناني"، لأن "المريض العائد من سوريا، تتم متابعته من قبل طبيب لبناني، الذي أحياناً يجد نفسه مضطراً لتصحيح بعض الأخطاء واستدراك بعض المشكلات الناجمة عن الأعمال الطبية".
انهيار الضمان الاجتماعي هو السبب
يشكل تراجع تقديمات الجهات الضامنة في لبنان سبباً إضافياً لدفع المرضى إلى طلب الاستشفاء في الجارة سوريا. ففي وقت "تدولرت" كافة الخدمات الطبية في البلاد، ما زالت تسعيرة الضمان الاجتماعي وفق سعر الصرف الذي يتراوح بين 1500 و00015 ألف ليرة لبنانية للدولار، فيما بلغت التسعيرة الحرة نحو 90 ألف ليرة. ويشكل هامش الفرق هذا عبئاً كبيراً على المواطن اللبناني.
وفي هذا السياق، يبلغ متوسط بدل المعاينة الطبية في لبنان 40 دولاراً ويصل إلى 100 دولار لدى أطباء الاختصاص، مما يدفع الكثيرين إلى الشكوى من الغلاء الفاحش ويشكل لهم مبرراً للبحث عن بديل أقل تكلفة. يعلّق النقيب محمد صافي على هذا الأمر قائلاً، "تأتي الشكوى بصورة أساسية من هؤلاء الذين يتقاضون الأجور بالعملة الوطنية، لأنهم سيتكبدون فارقاً كبيراً في ظل هذه الكارثة"، "ولأن الأسعار أصبحت بالدولار، سيشعرون بالعبء حتى في حال طلب الطبيب جزءاً بسيطاً من التعرفة".
ويؤكد صافي، "ما زالت تعرفة الكثير من أطباء الاختصاص دون السابق بكثير. ففي فترة ما قبل الانهيار، كانت تساوي 50 دولاراً فيما يتقاضى السواد الأعظم من هؤلاء اليوم بدل معاينة يساوي النصف فقط"، مستدركاً "في المقابل، يشعر التجار وأصحاب الشركات، والمهنيون، الذين يتقاضون أجورهم بالدولار بأنهم يحظون بخدمات جيدة لقاء تكلفة أقل في لبنان".