ملخص
يخوض المرشحون الجمهوريون للانتخابات الرئاسية الأميركية أول اختبار حقيقي في الـ15 من يناير المقبل حين ينطلق قطار الانتخابات التمهيدية للحزب
لم يتبق سوى نحو ثلاثة أسابيع على بدء أولى معارك الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري التي تنطلق مع المؤتمر الانتخابي لولاية أيوا في الـ15 من يناير (كانون الثاني) المقبل، لكن الرئيس السابق دونالد ترمب الذي ما زال متقدماً على جميع خصومه بفارق كبير، يواجه ثلاثة أخطار تحدق به خلال مشواره الانتخابي، وقد تغير فرصه في الفوز بترشيح الحزب الجمهوري، فما هذه الأخطار وكيف يمكن أن تغير المشهد الانتخابي في الولاية المتحدة؟
الاختبار الأول
يخوض المرشحون الجمهوريون للانتخابات الرئاسية الأميركية أول اختبار حقيقي في الـ15 من يناير المقبل حين ينطلق قطار الانتخابات التمهيدية للحزب من أول محطة في ولاية أيوا، وهي ولاية ريفية صغيرة في الغرب الأوسط الأميركي، ثم يأتي الاختبار الثاني سريعاً في ولاية نيو هامبشاير في الـ24 من الشهر نفسه، وتكتسب هاتان الولايتان أهمية خاصة كونهما تسلطان الضوء بشكل كبير على حظوظ المرشحين الرئاسيين.
وبعد ذلك بشهر واحد يحل الاختبار الثالث في ولاية ساوث كارولينا يوم الـ24 من فبراير (شباط) 2024، بينما تعد انتخابات يوم "الثلاثاء الكبير" في الخامس من مارس (آذار) من أهم الأيام الفاصلة في الانتخابات التمهيدية، إذ تحسم أكثر من 12 ولاية أمرها من بينها ولايتان كبيرتان هما كاليفورنيا وتكساس، وفي الـ19 من مارس من الشهر ذاته، تحسم خمس ولايات أخرى منها فلوريدا وأوهايو أمرها لتتضح الصورة بشكل كبير عمن سيحظى بأكبر عدد من المندوبين الذين سيحددون مرشح الحزب عندما يعقد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في منتصف شهر يوليو (تموز) 2024.
ترمب الواثق
وعلى مدى طويل، ظل ترمب واثقاً في قدرته على اكتساح منافسيه متشجعاً باستطلاعات الرأي التي وضعته في المقدمة وبفارق كبير عن أقرب خصومه، ولم تتغير هذه الثقة قبل ثلاثة أسابيع من بدء اختيار مندوبي ولاية أيوا عبر آلية التجمعات الحزبية (كوكاسيس)، إذ وقف ترمب نهاية الأسبوع الماضي بين شجرتين لعيد الميلاد تعلوهما قبعات حمراء كتب عليها شعار ماغا "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، قائلاً لحشد من مؤيديه إن أرقام استطلاعاته تتقدم بفارق كبير يتراوح بين 30 إلى 40 نقطة، ومع ذلك أثار ترمب مخاوف من أن يستغل الإعلام وخصومه النتيجة إذا لم يلب هذه التوقعات.
لكن ترمب الذي استمر دعمه بين الناخبين الجمهوريين في وقت يواجه فيه مشكلات قانونية، بما في ذلك 91 تهمة جنائية في أربع محاكمات، يحاول أيضاً إدارة التوقعات مع اقتراب البداية الرسمية للعملية التمهيدية بينما يتجول منافسوه في الولايات الحاسمة التي تشهد التصويت المبكر ويكثفون هجماتهم ضده في محاولة أخيرة لتعطيل صعوده الذي يبدو أنه لا يمكن إيقافه.
خصوم متطلعون
وعلى رغم أن أحدث استطلاع للرأي أجرته جامعة ولاية أيوا في وقت سابق من هذا الشهر، أظهر أن ترمب كان الخيار الأول لنحو 54 في المئة من المشاركين المحتملين في التجمع الحزبي الجمهوري، إلا أن حاكم فلوريدا رون ديسانتس جاء تالياً بنسبة تأييد بلغت 17 في المئة، تتبعه حاكمة ولاية ساوث كارولينا السابقة نيكي هايلي بنسبة 15 في المئة، وكلاهما عبر عن شكوكه في استطلاعات الرأي، إذ اعتبر ديسانتس الذي زار جميع مقاطعات ولاية أيوا البالغ عددها 99 عن اعتقاده بأنه سيفوز بالولاية مدعوماً بتأييد كيم رينولدز، حاكمة الولاية التي تتمتع بشعبية، وبوب فاندر بلاتس، وهو زعيم إنجيلي مؤثر، فضلاً عن عضوين في الكونغرس على رغم الاقتتال الداخلي في حملته ورحيل كبار المسؤولين من لجنة العمل السياسي العليا التابعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن طموح هايلي الأكبر ينصب على ولاية نيوهامبشاير، إذ حصلت على دعم واسع من المانحين وقيادات في الحزب الجمهوري، وانتقدت إلى جانب ديسانتس الرئيس السابق ترمب واعتبرا أنه يجلب الفوضى وتؤدي قضاياه إلى تشتيت الانتباه عن الاقتراع، وطالبا الناخبين باختيارهما بدلاً منه.
لكن عديداً من السياسيين المخضرمين يشككون في أن أياً منهما فضلاً عن رجل الأعمال في مجال التكنولوجيا الحيوية فيفيك راماسوامي وحاكم ولاية نيوجيرسي السابق كريس كريستي لديه فرصة للحاق بترمب، إذ يشير أستاذ العلوم السياسية في ولاية أيوا ديف بيترسون، الذي يشرف على استطلاعات الجامعة إلى أن الوقت ينفد لدى المرشحين الآخرين، ولا يبدو أن هناك احتمالية كبيرة لدى سكان أيوا لتغيير رأيهم مع حلول شهر يناير.
أخطار ثلاثة
ومع ذلك قد تكون المحاكمات والمشكلات القانونية هي أكبر التهديدات التي تواجه تقدم ترمب الكبير في استطلاعات الرأي بين الجمهوريين، إذ يحث المنافسون الناخبين على ترك دراما عصر ترمب وراءهم، وهو ما يزعج ترمب أيضاً إذ قال خلال حشد انتخابي سابقاً في واترلو بولاية أيوا إن "أشياء جنونية يمكن أن تحدث".
وأعرب مساعدوه في الحملة الانتخابية عن قلقهم من أن الناخبين قد يشعرون بالتعب والإرهاق خلال عام 2024 من كل الدراما التي تحيط بملفاته القضائية ويتحولون إلى المرشحين الآخرين.
ومع دخول ترمب ومنافسيه انتخابات 2024، هناك في الأقل ثلاث علامات على وجود مشكلة بالنسبة إلى الرئيس السابق التي يمكن أن تحدث لترمب أثناء سعيه إلى الرئاسة مرة أخرى، وهي كالتالي:
أحكام قضائية معاكسة
تحيط المشكلات القانونية بالرئيس ترمب من كل مكان، ويمكن أن تظهر أي منها في أي وقت، مثلما حدث الثلاثاء الماضي، حين فاجأت المحكمة العليا في ولاية كولورادو فريق ترمب الانتخابي والجمهوريين بحكمها بأنه غير مؤهل لتولي مناصب عامة بسبب ما اعتبرته وفقاً للتعديل الـ14 من الدستور الأميركي تمرداً لأنه حرض أنصاره على اقتحام مبنى الكابيتول في السادس من يناير 2021 لوقف التصديق على الانتخابات الرئاسية في ذلك اليوم لإقرار فوز الرئيس بايدن.
ويمكن أن يؤدي هذا القرار إلى إبعاد ترمب عن بطاقة الاقتراع في كولورادو إذا لم يطعن على الحكم بسرعة أمام المحكمة العليا الأميركية في العاصمة واشنطن، مما يلهم الولايات الأخرى أن تحذو حذوه، لكن فريق الدفاع عن ترمب واثق من أن المحكمة العليا ستبطل حكم عدم الأهلية.
لكن تلك ليست المشكلة الوحيدة التي تواجه الرئيس السابق، إذ يتعين على ترمب ومحاميه وفريق حملته الاستعداد لاحتمال بدء ما يصل إلى أربع محاكمات جنائية في عام الحملة الانتخابية، إحداهما في واشنطن العاصمة، والأخرى في أتلانتا بولاية جورجيا، وكلاهما تتعلقان بمحاولات ترمب إلغاء فوز الرئيس جو بايدن في انتخابات عام 2020، وهناك أيضاً قضية ثالثة في ولاية نيويورك في شأن دفع أموال بشكل غير قانوني لشراء صمت ممثلة إباحية، فضلاً عن قضية فيدرالية في فلوريدا في شأن احتفاظه بوثائق سرية بالمخالفة للقانون وتعريض أمن الولايات المتحدة للخطر.
وإضافة إلى هذه القضايا التي تسلط عليها كثير من أضواء وسائل الإعلام الليبرالية، من المقرر أن تبدأ محاكمة خامسة في الـ15 من يناير المقبل، وهو يوم انعقاد التجمعات الحزبية في ولاية أيوا، وهي محاكمة تشهير رفعتها الكاتبة "إي جين كارول"، التي حصلت على حكم بقيمة 5 ملايين دولار ضد ترمب في مايو (أيار) الماضي.
ويسعى فريق ترمب القانوني إلى تأجيل جميع المحاكمات الجنائية إلى ما بعد يوم الانتخابات في الخامس من نوفمبر المقبل، لسبب وجيه وهو أن الإدانة الجنائية من شأنها أن تغير مجرى السباق الرئاسي، خصوصاً قضية التمرد التي تنظرها محكمة واشنطن يوم الرابع من مارس (آذار) المقبل، إلا أنها أصبحت معلقة الآن بسبب طلب قدمه ترمب لمحكمة الاستئناف الفيدرالية في واشنطن يزعم فيه حصانته من المحاكمة كرئيس ينفذ واجباته الرئاسية ويتحقق من نزاهة انتخابات عام 2020 التي كان يشك فيها.
ويشكل التهديد بالإدانة خطراً بالغاً على حظوظ ترمب الانتخابية، إذ أوضح استطلاع أجرته وكالة "رويترز" ومركز إبسوس هذا الشهر أن نحو 31 في المئة من المشاركين الجمهوريين قالوا إنهم لن يصوتوا لصالح ترمب إذا دانته هيئة محلفين بارتكاب جريمة جنائية.
منافسون صاعدون
يعتقد منافسو ترمب من الحزب الجمهوري الذين بدأت أسهم بعضهم في الارتفاع نسبياً مقارنة بالأشهر المقبلة، أنه يمكنهم الاستفادة من محاكمات الرئيس السابق وتصريحاته المثيرة للانقسام في المجتمع الأميركي، إذ يرون أن مشكلاته القانونية المستمرة ستؤدي في نهاية المطاف إلى إنهاك الناخبين الذين قد يعيدون النظر في اختياره وينظرون في بدائل أخرى من المرشحين الجمهوريين الذين يحملون أجندة سياسية مشابهة لترمب، مستغلين في الوقت نفسه تصاعد خطاب ترمب التحريضي الذي وصف فيه المعارضين السياسيين بأنهم حشرات، وقال إن المهاجرين سمموا أميركا، فضلاً عن تهديداته بمحاكمة المعارضين السياسيين.
وما يدل على ذلك قول نيكي هايلي لشبكة "فوكس نيوز"، إن الناخبين يريدون تجاوز الاضطرابات التي شهدها عهد ترمب، وإن الفوضى تتبعه أينما حل، في حين قال حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، الذي يعول على الأداء القوي في ولاية أيوا، إنه سيتجنب ما وصفها بالفوضى التي شهدتها سنوات حكم ترمب.
ويعد حاكم ولاية نيوجيرسي السابق كريس كريستي، الذي يراهن على إمكان زيادة نسبة تأييده في ولاية نيو هامبشاير، أكثر منتقدي ترمب صراحة خلال الحملة الانتخابية، ويعتبر أن المشكلات القانونية التي يواجهها ترمب وخطابه المثير للخلاف تجعله بالفعل غير مؤهل لتولي مناصب عامة.
سلبية الناخبين
غير أن أكثر الأخطار التي تواجه ترمب قد تأتي من الناخبين أنفسهم، فإذا كان أداء ترمب ضعيفاً في تجمعات الحزب الجمهوري في ولاية أيوا، وكان أداء ديسانتيس أفضل من المتوقع، فإن هذا من شأنه أن يشجع المعارضين.
وإذا هزمت هايلي ترمب في الانتخابات التمهيدية في نيو هامبشاير في الـ23 من يناير (كانون الثاني) المقبل، فقد يؤدي ذلك إلى تغيير شكل ومضمون السباق بالكامل، خصوصاً وأن هايلي تعلق آمالاً كبيرة في ولايتها ساوث كارولينا، التي تعقد بها الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في الـ24 من فبراير (شباط) 2024.
وتشير أستاذة العلوم السياسية لارا براون، وهي مؤلفة كتاب "التنافس من أجل الرئاسة الأميركية والانتهازية السياسية للطامحين"، إلى أنه إذا حققت هايلي نتائج جيدة في ولاية أيوا وفازت في نيو هامبشاير، فإن الزخم سيتحرك بقوة لصالحها حتى قبل النتخابات ولاية ساوث كارولينا، وفي هذه الحالة من المرجح أن ينسحب كل من ديسانتس وكريستي من السباق الرئاسي.
حقل ألغام سياسي
وبينما يسير المرشحون للرئاسة في الحزب الجمهوري عبر حقل ألغام سياسي، يعول ترمب ومساعدوه في حملته على الفوز بعدد كبير من المندوبين في الخامس من مارس، وهو أبرز أيام الانتخابات التمهيدية المعروف باسم "الثلاثاء الكبير" وكذلك على الانتخابات التي ستعقد في الـ19 من مارس في الولايات الكبرى التي تشمل فلوريدا وأوهايو، لكن حتى لو فعل ذلك فإن المحاكمات الجنائية لا تزال تلوح في الأفق.
إذا حوكم ترمب ودين من هيئة محلفين قبل بدء مؤتمر الحزب الجمهوري في الـ15 من يوليو (تموز) المقبل، فمن الممكن أن يطعن في ترشيحه على أرض الواقع وفق ما يقول وايت أيريس أحد الخبراء الاستراتيجيين الجمهوريين للانتخابات إذ يثير سؤالاً مصيرياً وهو هل يمكن تصور أن يرشح أحد الأحزاب الرئيسة في أميركا مجرماً مداناً لمنصب رئيس الولايات المتحدة؟ ثم يجيب بأنه لا أحد يعرف الإجابة عن هذا السؤال لأن أميركا لم تواجه هذا النوع من الأشياء من قبل.