ملخص
الاغتصاب سلاح الحرب السودانية الذي عجز العالم عن تجريمه... إليكم تفاصيل عما يجري ضد المرأة هناك
عقب أكثر من خمس سنوات من قيام انتفاضة ديسمبر (كانون الأول) 2018، لا تزال ذكريات محاولات قمعها بوسائل شتى منها الاغتصاب حاضرة في الأذهان، وكانت من أكثر صور تحقيق العدالة مشقة هي التحري في قضايا الاغتصاب وتوثيقها إيذاناً بإنصاف الضحايا وذلك لحساسيتها المجتمعية وتشابكاتها القانونية.
ودخلت هذه القضية في صراعات مستعصية لغياب التشريعات القانونية في الفترة الانتقالية الأولى والثانية وحتى انقلاب المجلس العسكري على المدنيين بإجراءات الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وتعطيل الوثيقة الدستورية، ولاقت هذه القضية تحديات كبيرة حتى اندلاع الحرب في الـ15 من أبريل (نيسان) الماضي، إذ ظهر الاغتصاب كممارسة مرادفة للقتل والسلب والنهب، زادت من بشاعة الصراع ووصلت إلى حد وضعها في إطار تصنيفها "جريمة حرب".
سلاح حرب
وفي دارفور اتهمت قوات "الجنجويد" باستخدام الاغتصاب سلاح حرب حينما وظفها الرئيس السابق عمر البشير لقتال الحركات المسلحة المتمردة منذ اشتعال حرب دارفور عام 2003، وعادت الممارسة هناك مع الحرب الحالية.
وأكد خبراء في الأمم المتحدة أن قوات "الدعم السريع" تستخدم الاغتصاب والعنف الجنسي ضد النساء والفتيات في دارفور كأدوات حرب، ولمعاقبة وترهيب المجتمعات، وبعض حالات الاغتصاب المبلغ عنها تبدو ذات دوافع عرقية وعنصرية، وبينما رصدت الأمم المتحدة حالات في الخرطوم، كانت هناك حالات أخرى في ولايات جنوب وغرب دارفور وأخيراً ود مدني، وهناك أدلة على أن المدافعات عن حقوق الإنسان على المستوى المحلي أيضاً استهدفن بشكل مباشر.
وعبر خبراء الأمم المتحدة عن قلقهم إزاء تقارير كشفت عن الاستخدام الوحشي والواسع للاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي من "الدعم السريع"، فخلال الأيام الماضية، كانت أخبار اقتحام مدينة ود مدني ثم سقوطها في أيديها بعد انسحاب الجيش السوداني، تنشر جنباً إلى جنب مع عديد من الجرائم ومنها حالات اغتصاب اتهمت بتنفيذها "الدعم السريع".
وزاد من أثر الصدمة على سكان المدينة والنازحين التعتيم الإعلامي الرسمي، والاعتماد على ما تبثه وسائل التواصل الاجتماعي التي تكشف عن هذه الممارسات، وسط إدانات رسمية باهتة من طرف الجيش وإنكار من طرف "الدعم السريع" في ما يتعلق بهذه التهم وغيرها، ونفى مكتب قائد قوات "الدعم السريع" ارتكاب القوات أية جرائم اغتصاب في ولاية الجزيرة.
معاناة مزدوجة
قالت نائبة رئيس هيئة محامي دارفور نفيسة حجر "الانتهاكات في حق النساء في زمن الحروب ليست حديثة، وفي المجتمع السوداني لم تكن هي المرة الأولى بل حدثت من قبل ولكنها لم تكن واسعة النطاق، بل كانت محاطة بالصمت وعدم الرغبة في تناولها، فحدثت في حرب الجنوب خصوصاً في تسعينيات القرن الماضي وفي إقليم دارفور منذ عام 2003 وفي منطقة جبال النوبة والنيل الأزرق، وما يحدث اليوم في الخرطوم وولايات دارفور لا يختلف عن ما حدث سابقاً".
وأوضحت حجر "هذه الممارسة تعامل معها كثيرون باستحياء ولم تستدع ذاكرتهم ما حدث في الحروب السابقة، إذ تم التعامل معها مثل الجرائم العادية ولم يسلط الضوء عليها، بل كان من يحاول ذلك يلقى مزيداً من التعنيف، وبمرور الوقت بدأت الأصوات تتعالى بإعلان وقوع هذه الجريمة وتصور حجم فداحتها".
وأفادت نائبة رئيس هيئة محامي دارفور بأن "المغتصبات يعانين معاناة مزدوجة، فمن ناحية يواجهن جراحهن الخاصة ومصيرهن الذي يكتنفه الغموض، ومن ناحية أخرى أن السودان في ظل اللا دولة وظروف الحرب العبثية، فلن تتوقف هذه الممارسة بل ستستمر وبوتيرة متسارعة، حتى تضع الأطراف المتقاتلة السلاح وتتوصل إلى اتفاق واضح".
وفي ما يتعلق بالإحصاءات أوضحت حجر أن "هناك تزايداً كبيراً بحيث يصعب حصر عدد المغتصبات وربما تجاوز تسجيلهن 100 حالة في الفترة الأخيرة، إضافة إلى حالات مسكوت عنها بسبب وصمة العار في المجتمع السوداني، مما يحول دون الكشف عنها ويمكن المجرمين من الإفلات من العدالة".
وتابعت نائبة رئيس محامي دارفور "لم تتقاصر القوانين الوطنية والدولية عن اعتبار الاغتصاب في زمن السلم والحرب جريمة مع اختلاف عقوبته، وورد ذلك في القانون الدولي الذي عد الاغتصاب أحد جرائم الحرب، كما نص عليه في القانون الوطني ولكن تكمن المشكلة في التطبيق، ففي فترة حرب دارفور عجزت الإرادة السياسية عن تقديم الجناة للعدالة، والآن في ظل الظروف والوضع الحالي لا يمكن أيضاً تقديم الجناة لأن الحرب لا تزال قائمة".
رصد الحالات
أما عضو محامي الطوارئ نون كشوش فقالت "صنفت عمليات الاغتصاب التي تتم في ظروف النزاع الحالي جرائم حرب وضد الإنسانية، لأن القوات التي تمارسه تعده أحد أسلحتها ضد المدنيين، وتجرمه مواد في القانون الجنائي الدولي والقوانين المرتبطة بالأحداث التي تحصل أثناء النزاع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضافت عضو محامي الطوارئ "الاغتصاب أثناء النزاع بحسب القوانين الدولية هو عنف جنسي وله أشكال كثيرة، هي الاغتصاب والإجبار على ممارسة البغاء والجنس، والإجبار على الإجهاض، وكل هذه الأشكال تمت ضد المدنيين في حرب الـ15 من أبريل".
وأوضحت كشوش "ليس هناك حصر واضح أو محدد للحالات نظراً إلى الوضع الأمني، لكن بحسب تقارير وحدة مكافحة العنف ضد المرأة، فإن الإحصاءات التي تم نشرها لا تساوي 10 في المئة من الجرائم الفعلية في المناطق المتأثرة بالحرب، ومثلاً عندما رصدت حالات الاغتصاب في ولاية الخرطوم التي تتكون من ثلاث مدن، فإن أكثر مدينة متأثرة بهذه الجريمة هي الخرطوم بحري، أما الخرطوم نفسها فلأن المدنيين خرجوا منها كانت نتيجة الرصد ضعيفة".
وذكرت عضو محامي الطوارئ "آخر إحصاء في لجنة مؤتمر المساعدات الإنسانية، كانت تتراوح بين 100 و120 حالة تم رصدها، لكن ما يجدر ذكره هو أن الإحصاءات أثناء الحرب لا تكون حقيقية بل تضيع الحقوق لأن الوضع في الميدان أكبر من ذلك بكثير، وتبدو الإحصاءات أكبر بنسبة 10 أو 15 في المئة من الواقع، فإذا قدرت بحوالى 200 حالة فإنها في الحقيقة قد تكون أكبر من ذلك بكثير".
وتابعت كشوش "كما تم رصد حالات انتهاكات جنسية في مدينة الأبيض ونيالا والجنينة وفي ولاية الجزيرة، رصدت حالات انتهاكات جنسية أخيراً في مدينة ود مدني".
وتعود عضو محامي الطوارئ إلى أيام انتفاضة ديسمبر (كانون الأول) 2018 "في تلك الفترة ظهرت حالات الاغتصاب بداية في أحداث فض الاعتصام في القيادة العامة للقوات المسلحة، وبعدها تكرر المشهد في الـ19 من ديسمبر 2021 بعد الانقلاب الذي نفذه الفريق عبدالفتاح البرهان في أحداث اعتصام القصر وهو الاعتصام الثاني بعد الانتفاضة، ورصدت حالات اغتصاب لحوالى 15 بينهن طفلتين، وكان بينهم حالات ذكور".
وأوردت كشوش أن "القوات التي مارست الاغتصاب وارتكبت هذه الجرائم كانت مختلطة بينها قوات من الجيش و(الدعم السريع) والشرطة وقوات الاحتياطي المركزي التي يطلق عليها (أبو طيرة) وكانت مختصة بفض المظاهرات والاعتصامات وتحمل اسم (القوات المشتركة)".
مصير الضحايا
أما عن مصير الضحايا والناجيات فأكدت عضو محامي الطوارئ "مصيرهن حتى الآن مجهول، ونحن نعمل على توثيق الحالات لأنه مهم لحماية الضحايا والشهود، وذلك على أساس أن موضوع العدالة يكون لاحقاً بعد وقف الحرب، وفق آليات عدة لتحقيق العدالة وعدم الإفلات من العقاب، ويتمثل ذلك في المحاكم الوطنية التي لم تتوفر بعد الانتفاضة لارتباطها بإصلاح الأجهزة العدلية، وهناك حالات سلكت طريقاً مختلفاً حتى وصلت إلى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان".
وذكرت كشوش "واحدة من التحديات التي تواجهنا هي ألا نسمح بتأسيس عدم الإفلات من العقاب، لكن يمكن تأسيس توثيق الحالات بشكل جيد حتى تصل إلى المحكمة الجنائية الدولية"، وأفادت بأن "القوانين الدولية جرمت هذا الفعل، والسودان موقع على الاتفاقيات، وهذه ليست المشكلة الأساسية، وإنما المشكلة في ما حدث من تمييع القضية للمحافظة على الفترة الانتقالية، ولذلك نجد أن سير ملف العدالة كان بطيئاً، وأن تفكيك نظام الـ30 من يونيو (حزيران) لم يتم بشكل كامل، خصوصاً في الأجهزة العدلية".
وأوردت عضو محامي الطوارئ "عندما حدث الانقلاب كان من أسبابه خوف الانقلابيين من تقديم الجناة للعدالة لأن اللجنة الأمنية متورطة في فض اعتصام القيادة، بحكم أن الفترة الأولى كانت تحت رئاسة المجلس العسكري، أما الفترة الثانية التي كان يفترض أن تنتقل إلى المدنيين، تم فيها الانقلاب لأن العسكر توجسوا من تقديمهم للعدالة، وفي الوقت نفسه كانت من الأشياء المعطلة أنه لم تكن هناك مساندة للجنة التحقيق في أحداث الاعتصام لتقديم تقريرها النهائي".
وتابعت "يتطلب ملف الاغتصاب والعنف الجنسي أثناء النزاع تفاصيل كثيرة، وسيكون من الملفات المهمة في العدالة الانتقالية إذا تم اللجوء إليها، خصوصاً أنها تحفظ الحقوق الخاصة وتمنعها من أن تسقط، ويمكن أن تحقق جبر الضرر بشكل أكبر للناجيات وللضحايا".
وترى كشوش "لمحاسبة ومحاكمة المتورطين في جرائم الاغتصاب، فإن الشكل الرادع في إنهائها يكون بالتعامل معها وفقاً لمسؤولية القائد وليس للمسؤولية الفردية من الجاني لأنها تتم بصورة ممنهجة وليس سلوكاً فردياً".
بروتوكول طبي
مع تفشي ظاهرة الاغتصاب أثناء الحرب، ظهرت إرشادات على وسائل التواصل الاجتماعي للنساء اللاتي يبحثن عن تدابير يتخذنها، وذلك بضرورة تأمين وسائل منع الحمل خوفاً من تبعات الاغتصاب إن وقع، وفي ذلك قال طبيب الرعاية الصحية الأولية عمر سليمان "هناك بروتوكول طبي معتمد ومتعارف عليه في مثل هذه الحالات للدعم والاستجابة، إذ يجب على النساء اللاتي تعرضن للاغتصاب اتباع خطوات سريعة وهي، تناول حبوب موانع الحمل الطارئة، وتناول بعض الأدوية التي تمنع نقل الأمراض المعدية جنسياً، وتناول بعض المضادات الحيوية لمعالجة الجروح".
وأوضح سليمان أن "هناك منظمات دولية توفر وسائل منع الحمل في المراكز الصحية ومعسكرات ومراكز النزوح والإيواء".