ملخص
كبير مفتشي السجون في بريطانيا يصف وضع الاكتظاظ في السجون بالكارثي.
رأى كبير مفتشي السجون في بريطانيا أنه ينبغي على المملكة المتحدة إعادة تحديد الهدف من السجن، مشيراً إلى أن أموال المكلفين تستعمل بشكل غير فعال في السجون، ومنبهاً إلى أن المجرمين يصبحون أكثر خطورة أثناء فترة وجودهم خلف القضبان.
وأكد تشارلي تايلور أنه بات "من شبه المحتم" على أية جهة تفوز بالانتخابات العامة المقبلة أن تعالج مسألة ما ينبغي أن تكون عليه السجون، محذراً من أن سجن الأشخاص في ظروف "مقززة ومثيرة للاشمئزاز" لفترات طويلة على نحو متزايد، يهدد بارتفاع عدد ضحايا الجريمة، بدلاً من خفض عددهم.
ووجه السيد تايلور تحذيراً شديد اللهجة في ما يتعلق بالجهود الأخيرة للحكومة البريطانية الهادفة إلى توفير مساحة في سجون البلاد. ووصف الاكتظاظ بأنه أشبه بـ"قنبلة موقوتة"، معتبراً أن الخطط الحكومية لإطلاق سراح سجناء في وقت مبكر، وتجنيب بعض المخالفين إكمال فترة عقوبتهم، لن تكون كافية لمنع هذه المسألة من "الانفجار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يأتي ذلك بعد عام مضطرب سلط خلاله هرب السجين دانيال خليفة من مركز اعتقاله الضوء على الأزمة التي تكشفت خلف القضبان، مع نفاد المساحات داخل السجون - واضطرار الحكومة إلى إطلاق سجناء قبل انتهاء محكوميتهم للمرة الأولى منذ نحو 15 عاماً.
وفي مقابلة أجرتها صحيفة "اندبندنت" مع كبير مفتشي جلالة الملك، لفت تشارلي تايلور أيضاً إلى ما يأتي:
• أصدر مفتشو السجون هذه السنة خمسة تحذيرات طارئة إلى وزير العدل وهو رقم قياسي
• الظروف داخل السجون "غير مقبولة على الإطلاق"، مع تواتر معلومات عن أن حراس الأمن في "سجن بيدفورد" HMP Bedford يتنقلون عبر قناة مياه صرف صحي مفتوحة
• "تدفق" المخدرات على السجون يؤدي إلى تفاقم العنف مع إصابة السجناء بالإدمان خلف القضبان
• الأحكام طويلة الأجل تسهم في الاكتظاظ في المؤسسات العقابية، وتؤثر سلباً في جهود إعادة تأهيل السجناء
وفي إشارة إلى الوضع الراهن لعدد من السجون البريطانية، قال تايلور إن "من المستبعد جداً" ألا يصبح الأفراد أكثر عرضة للعودة لارتكاب جرائم بعد وجودهم في السجن، خصوصاً أن عدداً كبيراً من هؤلاء يحتجزون داخل زنزانات "بائسة بشكل لا يصدق" لمدة 23 ساعة في اليوم. وبعضهم انزلق أخيراً إلى عادة تعاطي المخدرات، في ظل عدم إمكان الحصول على الدعم اللازم لإعادة التأهيل.
وذكر أن حبس الفرد "يكلف 50 ألف جنيه استرليني (63.5 ألف دولار أميركي) سنوياً"، وأعرب عن تحفظاته في شأن فاعلية مثل هذا الإنفاق، معتبراً أن "ذلك لا يعد استخداماً حكيماً لأموال دافعي الضرائب". وشدد على "ضرورة تصميم السجون بطريقة تقلل من عدد الضحايا، بدلاً من زيادة عددها".
وقال: "في النهاية، يجب علينا كدولة اتخاذ قرارات في شأن من نختار أن نسجنه، ومدة السجن، والنتائج التي نسعى إلى تحقيقها".
وتابع يقول: "إذا أردنا ببساطة حبس الناس، ورمي المفاتيح، وإبقائهم في ظروف مثيرة للاشمئزاز، فلا بأس بذلك. لكن الخطورة تكمن عندما يخرج هؤلاء الأفراد من السجون، إذ سيصبحون في وضع أسوأ بكثير مما كانوا عليه عندما دخلوا إليها، وسيتسببون بأحداث مزيد من الفوضى في المجتمعات، وبمزيد من ضحايا الجريمة".
يشار في هذا الإطار إلى أن مدة الأحكام في المملكة المتحدة زادت بنحو الثلث في غضون عقد من الزمن، وذلك في ترجمة لخطاب "التشدد في مكافحة الجريمة" الذي تبنته الحكومات البريطانية المتعاقبة. ونبه تايلور إلى أن هذا الوضع يؤدي إلى زيادة الاكتظاظ في السجون، مع تأثير غير مباشر في عملية إعادة تأهيل المحكومين.
وتفاقم هذا الوضع أكثر فأكثر نتيجة تراكم القضايا أمام المحاكم البريطانية، التي شهدت زج عدد أكبر من أي وقت مضى من الأشخاص خلف قضبان السجون، في انتظار محاكمتهم.
وارتفعت على هذا الأساس، معدلات الانتحار وأعمال العنف الخطرة بنحو الربع في سجون الرجال العام الماضي. أما في سجون النساء، فبلغت الاعتداءات على الموظفين أعلى مستوياتها على الإطلاق، وزادت معدلات إيذاء النفس بنسبة 63 في المئة - وهي التركيبة التي وصفها السيد تايلور في السابق بأنها من أعراض نظام يرزح "تحت ضغوط هائلة".
وقال كبير المفتشين إنه "لأمر غير مسبوق على الإطلاق" أن يضطر إلى إصدار خمسة "إخطارات عاجلة" قياسية في العام الماضي. وهذا البروتوكول، الذي يطبق "باعتدال شديد" في السجون التي تمر "بحالة رهيبة حقاً"، يفرض على وزير العدل الاستجابة خلال 28 يوماً بخطة عمل طارئة.
وشدد على أنه "من المثير للقلق بشكل خاص" أن تخضع ثلاثة من تلك السجون لإجراءات الطوارئ للمرة الثانية. وتشهد كل من هذه المرافق الثلاثة عدداً كبيراً جداً من السجناء المحتجزين احتياطياً، كثير منهم يعانون في كثير من الأحيان التشرد أو الإدمان، أو يواجهون صعوبات في مجال الصحة العقلية.
وقال تايلور إن في هذه السجون "الهشة بشكل خاص، التي يعتمد استقرارها بشكل كبير على وجود قيادة قوية تديرها، نجد أن "الأوضاع تتدهور بسرعة فيها" مع أي تغيير للمسؤولين الذين يتولون قيادتها.
ورأى أن تسلل المخدرات إلى "هذه البيئة المتقلبة في الأساس، يزيد من الأخطار التي تواجهها السجون"، محذراً من سيناريو أشبه بـ"العاصفة الكاملة" (تراكم سلسلة من الظروف السيئة) مع وجود عصابات تجارة المخدرات المفترسة التي تستفيد من سوق أسيرة وضعيفة.
وفي إشارة إلى الوضع في سجن "إتش أم بي وودهيل" HMP Woodhill، إذ أثبتت نتائج الاختبارات تعاطي 38 في المئة من السجناء مواد غير مشروعة، قال تايلور: "عندما تنتشر المخدرات على نطاق واسع داخل السجن، فهذا يرتب ديوناً على الذين يتعاطونها، والدين يترجم عادة بالعنف. وغالباً ما ينطوي تحصيل تلك الديون على استخدام العنف.
وفي سجن "إتش أم بي ليندهولم" HMP Lindholme، أبلغ أكثر من خمس عدد النزلاء عن إدمانهم على المخدرات خلال فترة وجودهم في السجن. ويوضح كبير مفتشي السجون أن ذلك "يثير مخاوف كبيرة لأن الأفراد قد يغادرون السجن وهم يعانون مشكلة أكبر من تلك التي كانت لديهم عند احتجازهم. ومن المؤكد أن هذا الوضع يعوق فرص عملهم وقد يجرهم إلى دائرة النشاط الإجرامي، مما يشكل مصدر قلق كبير بالنسبة إلينا كمشرفين على أوضاع السجون".
جدير بالذكر هنا أن أليكس تشوك وزير العدل البريطاني كان أعلن في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، خطة طوارئ للإفراج عن السجناء مبكراً، أي قبل انتهاء فترة حكمهم، طالباً من القضاة عدم سجن مخالفين للقوانين من ذوي الأحكام التي تقل مدتها عن سنة - لكن السيد تايلور يخشى من أن تضطر الحكومة إلى الذهاب أبعد من ذلك، واتخاذ إجراءات أكثر شمولاً.
ونبه إلى أنه "حتى مع تطبيق هذه التدابير، لا يزال يبدو كما لو أن القدرة الاستيعابية المتاحة لن تكون قادرة على مواكبة تدفق عدد السجناء الجدد".
ورأى أنه "سيتعين على الحكومة بعد ذلك أن تتخذ قراراً في شأن ما إذا كانت ستفكر في اعتماد تدابير كالإفراج المبكر عن سجناء، أو إيجاد طرق لزيادة القدرة الاستيعابية للسجون".
ولفت تايلور إلى أن السجناء سبق أن أجبروا على تقاسم زنزانات صممت أساساً في المرحلة الفيكتورية كي تتسع لفرد واحد. وكان تحليل سابق أجرته صحيفة "اندبندنت" في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كشف عن أن 78 سجناً من مجموع 124 في إنجلترا وويلز، تجاوز الطاقة الاستيعابية المحددة.
في غضون ذلك، أوقفت وزارة العدل البريطانية جميع "أعمال الصيانة غير الأساسية" - على رغم الوضع المخيف الذي يواجهه عدد من السجون.
وشدد السيد تايلور على زيارته الأخيرة لسجن "إتش أم بي بيدفورد"، إذ لاحظ أن حراس المؤسسة - الذين يعملون في وحدة عزل تحت الأرض تؤوي سجناء غالباً ما "يعانون مرضاً عقلياً بشكل واضح، مما يستدعي إدخالهم إلى المستشفى" - يضطرون إلى انتعال جزم مطاطية للسير في وسط مياه صرف صحي قذرة، كلما أدت الأمطار الغزيرة إلى زيادة ضغط المياه داخل الأنابيب المتصدعة أساساً.
وروى عن السجن نفسه، أنه شعر "بإرهاق بالغ" نتيجة رائحة العفن الأسود (يوجد عادة في البيئات الرطبة( أثناء زيارة زنزانة تضم ثلاثة أشخاص. وقال إن النزلاء يعزلون أنفسهم لمدة 23 ساعة يومياً بسبب الخوف من العنف. إضافة إلى ذلك، يتسبب عدم توافر مراحيض في بعض السجون، بلجوء السجناء إلى التبرز في دلاء، والتخلص من محتواها برميه من النوافذ، ما يؤدي إلى تلطيخ جدران السجن من الخارج وظهور بقع واضحة عليها.
وفي زنزانة أخرى، صادف المفتشون سجيناً معرضاً لخطر إيذاء نفسه، وترك في زنزانة مع زجاج مكسور في نافذته، كما أكد السيد تايلور، مضيفاً أن ذلك يدل على مستوى من الإهمال مثير للقلق. وهذا أمر غير مقبول".
وعلى رغم الافتتاح الوشيك لسجن جديد بالقرب من مدينة يورك وآخر بالقرب من مدينة ليستر، حذر السيد تايلور من أنه حتى مع الحد الأدنى من التوقعات لعدد النزلاء، فمن المتوقع أن تصل السجون إلى طاقتها الاستيعابية بسرعة. وقد يتطلب هذا السيناريو من الحكومة الخوض في محادثات أوسع نطاقاً في شأن النهج المتبع في مجال العدالة الجنائية.
وقال: "نحن نبلغ عما نلاحظه. وفي الوقت الراهن يبدو أن النظام الراهن بلغ قدرته الاستيعابية القصوى".
ولفت إلى أنه "مع احتمال إجراء انتخابات خلال السنة المقبلة، فإن الحكومة الجديدة لديها فرصة لإعادة تقييم وضع السجون والتفكير في الغرض منها، ومعالجة الأسئلة الأساسية المتعلقة بدورها".
وأضاف أن "الضغوط التي يفرضها الاكتظاظ، تحتم إجراء هذا النوع من المحادثات - وذلك لأنه من المتوقع أن تتفاقم التحديات التي يفرضها تزايد عدد السجناء".
وفي تعليق على ما تقدم قال متحدث باسم وزارة العدل البريطانية: "إن أولويتنا القصوى هي الحماية العامة. ولهذا نسعى إلى ضمان بقاء أخطر المجرمين خلف قضبان السجون لفترات طويلة، فيما نقوم بإصلاح الأحكام قصيرة الأجل، ونركز على زيادة فرص العمل للسجناء لكسر دائرة العودة للإجرام، وتقليل عدد الضحايا".
وختم بالقول: "نعمل أيضاً على إنشاء 20 ألف مكان إضافي في سجون حديثة - وهو أكبر برنامج لتوسعة مراكز الاعتقال منذ العصر الفيكتوري - مع الانتهاء حتى الآن من بناء أكثر من ربعها - الأمر الذي يساعد في إعادة تأهيل المجرمين والمساهمة في الحفاظ على سلامة شوارعنا وأمنها".
© The Independent