يحمل العام المقبل من الأنباء ما لا يرضي محبي زيت الزيتون حول العالم، في وقت بخلت أشجاره على النضج والإثمار، فصار إنتاجها أكثر ندرة وشحاً من ذي قبل، بفعل موجات الحر الشديدة ومستويات هطول الأمطار دون المستوى.
تبدو أوروبا، المنتج الأول لزيت الزيتون بإجمالي 60 في المئة من إنتاج العالم، اليوم أمام محصول هزيل في موسم 2023-2024، للعام الثاني على التوالي، وهو ما من شأنه تقويض الصادرات عن التوسع، ودفع المخزون إلى التراجع، إضافة إلى ارتفاع أسعار الزيت بالنظر إلى محدودية وفرته، بالتالي خفض استهلاكه.
تقرير أميركي حديث كشف عما لا يحمد عقباه من تراجع الإنتاج المتوقع، استناداً لتقديرات هطول الأمطار وسقوط الثمار غير الناضجة خلال موسم ازدهار أشجار الزيتون، ويتوقع أن يصل إنتاج زيت الزيتون في الاتحاد الأوروبي في السنة المالية 2023-2024 إلى ما يزيد قليلاً على 1.4 مليون من نحو 2.25 مليون طن في موسم 2021-2022.
ظروف إنتاج غير مواتية
وبينما يستمر موسم حصاد الزيتون في الاتحاد الأوروبي من الخريف إلى بداية الربيع، فإن درجات الحرارة المزهرة والصيفية تؤثر في نمو الفاكهة، ولا يزال هطول الأمطار يلعب دوراً في مستويات الإنتاج النهائية من المحصول الذي يتركز إنتاجه في الاتحاد الأوروبي لدى حفنة قليلة من الدول الأعضاء، في مقدمها إسبانيا التي تنتج وحدها حوالى نصف محصول الزيتون في العالم، إلى جانب إيطاليا واليونان.
في إسبانيا أدت الظروف الجوية القاسية إلى ضعف إنتاج الزيتون للعام الثاني على التوالي، بعد موجة حر ربيعية أثرت في الإزهار والحصاد في البلاد، بعد توقعات أن يكون الإنتاج أكبر بنسبة 15 في المئة عن العام الماضي، الذي كان أسوأ عام لإنتاج زيت الزيتون، وفق تقرير وزارة الزراعة الأميركية.
كانت موجات الحر الصيفية لما يقرب من عقد من الزمان كفيلة بسقوط ثمار الأشجار غير الناضجة، على رغم إسهام هطول الأمطار الغزيرة في تحسين توقعات الإنتاج السلبية في البداية.
خسائر في إسبانيا وإيطاليا واليونان
وتشير أحدث التقديرات الرسمية إلى أن إنتاج زيت الزيتون في إسبانيا في عام 2023-2024 قد يصل إلى 765200 طن، بينما في إيطاليا، من المتوقع أن يصل إنتاج زيت الزيتون للفترة إلى 300 ألف طن، ويرجع ذلك أساساً إلى تدهور الظروف الإنتاجية في مناطق بوليا وكالابريا وصقلية، التي تمثل حوالى 70 في المئة من إنتاج زيت الزيتون في البلاد.
إلى اليونان يبدو إنتاج زيت الزيتون أقل من العضوتين الأوربيتين، إذ يمكن أن يصل في الموسم الجديد إلى 180 ألف طن، بفعل الشتاء غير المعتدل وظروف الطقس المتقلبة، وأدت ظروف الصيف التي أعقبتها العواصف الخريفية المطيرة "دانيال" و"الياس" إلى انخفاض إنتاجية المنطقة الوسطى في اليونان الأكثر إنتاجاً.
ويتوقع تقرير وزارة الزراعة الأميركية ارتفاع أسعار زيت الزيتون في الاتحاد الأوروبي والدول المستهلكة الرئيسة، بالنظر إلى تراجع المعروض من الإنتاج الأوروبي الأكبر عالمياً، إذ تقول إن أسعار زيت الزيتون في أسواق المنتجين الأوروبيين ستتجاوز مستويات أسعار الموسم السابق بكثير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويلفت التقرير الأميركي إلى التوقعات بأن يؤدي محصول زيت الزيتون المحدود للعام الثاني على التوالي في الاتحاد الأوروبي إلى الحد من إمكانات التصدير للكتلة في عام 2024، وذلك بعد انخفاض تصديره في الموسم الماضي بشكل ملحوظ، مدفوعاً بمحدودية المعروض من الزيت، في وقت يتوقع أن تتأثر الدول المستوردة لزيت الزيتون الأوروبي، وبخاصة الولايات المتحدة تليها البرازيل وبعض الدول في منطقة الشرق الأوسط بهذا التراجع في الإنتاج.
إنتاج هزيل في تونس والمغرب
في المقابل يتوقع لواردات الاتحاد الأوربي من زيت الزيتون أن تنتعش بشكل طفيف للغاية، وستكون تونس وفقاً لأحدث بيانات التجارة المتاحة، والمعروفة بوصفها الأكبر توريداً، أقل إنتاجاً هذا العام، وتركيا أيضاً التي شهدت زيادة في إنتاجها في العام الحالي، وستتقلص واردات أوروبا من المغرب أيضاً، إذ كان توافر زيت الزيتون أقل في الموسم الماضي، وعلى رغم الانخفاض إلى حد ما في الاستهلاك الداخلي والصادرات، فمن المتوقع ضيق المخزون من زيت الزيتون في الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية الموسم الجديد، وذلك للعام الثاني على التوالي، وفق تقرير وزارة الزراعة الأميركية.
وبحسب بيانات المجلس الدولي للزيتون، فإن إنتاج الدول الأوروبية الثلاث المحدود من زيت الزيتون يؤثر بشكل رئيس لدى الوجهات المستوردة، ووفق آخر التقديرات الصادرة عن اللجنة الأولمبية الدولية فإن سعر زيت الزيتون البكر الممتاز هو 570.5 يورو (630 دولاراً) لكل 100 كيلوغرام، بزيادة 67.1 في المئة مقارنة بالعام الماضي.
وفق بيانات المجلس الذي يضم 44 دولة تستحوذ على 98 في المئة من إنتاج زيت الزيتون عالمياً، فإن سوريا هي أكثر الدول العربية استهلاكاً للزيت والرابعة على المستوى العالمي بـ4.6 لتر سنوياً، يليها المغرب بنحو 4.4 لتر، ثم لبنان باستهلاك 2.9 لتر للفرد، وتونس بـ2.6 لتر، وليبيا بـ2.5 لتر، وتعد تونس الأكثر إنتاجاً لزيت الزيتون عربياً، والثالثة عالمياً، بنحو 200 ألف طن في موسم 2023-2024، وفق تقديرات وزارة الفلاحة والصيد البحري التونسية.
ويرتبط زيت الزيتون الذي سماه هوميروس بـ"الذهب السائل"، ويصطلح على تسميته أيضاً بـ"الذهب الأخضر" بالمطبخين العربي والمتوسطي على نحو وثيق، لما يحظى به من النكهة الطيبة، وما يعرف عن فوائده الكثيرة، وينظر إلى شجرته باعتبارها رمزاً ثقافياً جامعاً لدول حوض البحر المتوسط.