ملخص
تطوي الجزائر بوفاته مرحلة مهمة في تاريخها
توفي وزير الدفاع الجزائري الأسبق خالد نزار مساء أمس الجمعة في منزله بالجزائر العاصمة عن عمر يناهز 86 سنة بعد صراع مع المرض، ودفن اليوم السبت بمقبرة العالية في المدينة.
وشهدت مراسم جنازة نزار حضور الوزير الأول نذير العرباوي ورئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أول السعيد شنقريحة، وكبار الشخصيات في الدولة، من بينهم رئيس الاستخبارات الجزائرية السابق محمد مدين المعروف باسم "توفيق".
ونعى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، الراحل، مشيداً بمسيرته النضالية والمهنية، ووصفه في برقية تعزية بأنه من "أبرز الشخصيات العسكرية، فقد كرس مشوار حياته الحافل بالتضحية والعطاء خدمة للوطن من مختلف المناصب والمسؤوليات التي تقلدها".
بدوره، بعث رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أول السعيد شنقريحة برسالة تعزية إلى عائلة اللواء المتقاعد خالد نزار، نيابة عن مستخدمي الجيش، أعرب فيها عن مواساته لعائلة الفقيد.
عشرية الدماء
وتطوي الجزائر بوفاة خالد نزار مرحلة مهمة في تاريخها، إذ لا يزال يرتبط اسمه بفترة حساسة مرت بها البلاد في تسعينيات القرن الماضي، وتعرف بـ"العشرية السوداء"، وقد كان الراحل أحد مهندسيها.
ويعد نزار رابع رئيس أركان للجيش الجزائري، وكان قد التحق عام 1955 بالمدرسة الحربية الفرنسية "سان مكسان"، ويفر في أواخر عام 1958 من الجيش الفرنسي ليلتحق بالناحية الأولى لجيش التحرير الوطني الجزائري، التي كان على رأسها الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونزار من مواليد قرية سريانة بولاية باتنة بالشرق الجزائري في ديسمبر (كانون الأول) عام 1937، وشغل منصب قائد القوات البرية ونائب رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي في 1987، ثم وزير الدفاع من 1990 إلى 1993، قبل أن يحال إلى التقاعد عام 1994، مع بقائه عضواً بالمجلس الأعلى للدولة آنذاك.
وعهدت السلطات إليه مهمة إعادة النظام بعد اندلاع أحداث الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) 1988، التي عرفت بـ"انتفاضة الجزائريين" ضد الظروف الاقتصادية ونظام الحزب الواحد، لكن الأحداث عرفت منحى دموياً وسقط فيها مئات الوفيات.
وفي يوليو (تموز) 1990 عينه الرئيس الشاذلي بن جديد وزيراً للدفاع، وبقي في هذا المنصب حتى يوليو 1993، وعرفت هذه الفترة صعوداً لافتاً للإسلاميين، حيث كان له دور مفصلي في وقف المسار الانتخابي بعد فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ (حزب محظور حالياً) بالدور الأول نهاية 1991 في الانتخابات التشريعية، وكانت تتأهب لاكتساح غالب مقاعد البرلمان، وهي الأزمة التي أدت بالرئيس الشاذلي بن جديد للاستقالة، واعتبر نزار أبرز من دفعوه لذلك.
بداية من 1994 وبعد تسلم الرئيس إليامين زروال السلطة، انسحب خالد نزار تدريجاً من المشهد السياسي واهتم بالأعمال، إذ أسس مع أبنائه شركة خدمات إنترنت عام 2000 برأسمال بلغ حينها ستة ملايين دينار جزائري. ويتهمه خصومه بالوقوف وراء وقف المسار الانتخابي لعام 1991، خوفاً من فوز حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ (المنحل) بالانتخابات التشريعية، ورفعوا ضده شكاوى أمام القضاء السويسري، إذ تم توقيفه في جنيف، أكتوبر 2011، لاستجوابه من جانب النيابة العامة بناءً على شكوى قدمتها ضده منظمة "ترايل إنترناشيونال" غير الحكومية التي تحارب الإفلات من العقاب على جرائم الحرب، وأطلق سراحه بعد ذلك وغادر سويسرا.
وعاد اسم وزير الدفاع السابق إلى واجهة الأحداث مجدداً خلال الأشهر الأخيرة، حين قرر القضاء السويسري تتويجاً لمسلسل استمر أكثر من 20 عاماً، محاكمته بتهمة ارتكاب جرائم في فترة الأزمة الأمنية التي شهدتها الجزائر، وهي المحاكمة التي تم تحديد موعد إجرائها في يونيو (حزيران) المقبل.
وتتضمن لائحة الاتهام التي قدمها مكتب المدعي العام السويسري في حق نزار، الاشتباه في ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال فترة الأزمة الأمنية التي أعقبت توقيف المسار الانتخابي في البلاد عام 1992.
منقذ الجمهورية
وذكرت النيابة العامة السويسرية في بيان أن "نزار بصفته وزيراً للدفاع وعضواً بالمجلس الأعلى للدولة وضع أشخاصاً محل ثقة لديه في مناصب رئيسة، وأنشأ عن علم وتعمد هياكل تهدف إلى القضاء على المعارضة الإسلامية". وأضافت، "تبع ذلك جرائم حرب واضطهاد معمم ومنهجي لمدنيين اتهموا بالتعاطف مع المعارضين"، وبلغ مجموع الحالات التي تقول النيابة إنها وثقتها 11 حالة.
وتبعاً لذلك، ثارت ثائرة السلطات الجزائرية وهاجمت بشدة تعامل نظيرتها السويسرية مع الملف، وهو ما عبر عنه بوضوح وزير الخارجية أحمد عطاف في مكالمة هاتفية من نظيره السويسري إينياسيو كاسيس، في أغسطس (آب) الماضي.
ولم يسلم نزار أيضاً من متاعب قضائية داخل الجزائر، إذ كان محل متابعة من القضاء العسكري الجزائري، الذي تابعه في فترة الحراك الشعبي عام 2019، وتم اتهامه بـ"المساس بسلطة قائد تشكيلة عسكرية"، و"التآمر ضد سلطة الدولة"، واضطر الرجل على أثر ذلك إلى مغادرة البلاد خوفاً من الاعتقال، مطلقاً سلسلة تغريدات نارية ضد رئيس أركان الجيش الراحل أحمد قايد صالح، قبل أن يصدر في حقه بعد ذلك حكم غيابي بـ20 سنة سجناً نافذاً.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2020 عاد نزار إلى البلاد بصورة مفاجئة، بعد إلغاء الأحكام القضائية الصادرة في حقه. وفي أغسطس 2022، أعاد الرئيس عبدالمجيد تبون الاعتبار للواء المتقاعد خالد نزار، إذ قام بتكريمه ضمن جملة من كبار القادة العسكريين الذين دخلوا السجن في فترة رئيس أركان الجيش الراحل أحمد قايد صالح، وتمت ملاحقتهم بتهم خطرة تتعلق بإضعاف معنويات الجيش والتآمر على سلطة الدولة.
وأجرى خالد نزار عديداً من الحوارات الصحافية، ولديه تصريحات جريئة دافع فيها بشراسة عن قناعته بمنع الإسلاميين من الوصول إلى السلطة، مما جعله محل إشادة من تيار سياسي يعتبره "منقذ الجمهورية"، بينما يقف خصومه في الجهة المقابلة ويحملونه مسؤولية تفاقم الأزمة الأمنية التي أغرقت البلاد في حمام دم طوال 10 سنوات.