ملخص
حروب مشتعلة على الخريطة العالمية وأخرى أصابها "الجمود الاستراتيجي"
عام 2023 الراحل ورث حروباً من أسلافه، وشهد ولادة حروب. وهي جميعاً مرشحة لأن يرثها عام 2024. فالأحداث لا تقرأ الروزنامة. وإعادة التدوير هي السائدة بين الأعوام. بين الحروب الموروثة حربان طويلتان خف زخمهما من دون التوصل إلى تسوية هما حرب سوريا وحرب اليمن، وحرب يتصاعد اشتعالها هي حرب أوكرانيا التي تبدو نوعاً من حرب عالمية بالوكالة، وإن كان ميدانها محصوراً في جغرافية أوكرانيا. أما الحروب الوليدة، فإن أبرزها حربان. واحدة هي حرب غزة بعد عملية "طوفان الأقصى" التي زلزلت إسرائيل. وأخرى هي حرب السودان بين جنرالين كانا شريكين، تتأثر بها دول الجوار الأفريقي.
"الجمود الاستراتيجي" في حربي سوريا واليمن سبقه انخراط إقليمي ودولي نشط مباشر وغير مباشر، وقادت إليه رهانات ناقصة عجز كل منها عن تحقيق الهدف المطلوب، كما عجزت الوساطات الدولية وغير الدولية عن دفع الأطراف إلى قبول خاتمة صالحة للقتال، بصرف النظر عن نظريات "المؤامرة". وإذا كانت اللعبة في اليمن بين طرفين في الداخل وطرفين في الخارج، فإن اللعبة في سوريا عرفت أكبر عدد من اللاعبين، ثم توقفت عند نوع من "التساكن" بين خمسة جيوش تتقاسم أرض سوريا.
والاشتعال المتصاعد في حروب أوكرانيا والسودان وغزة رافقته رهانات على أهداف كبيرة ظهر على الأرض أن بعضها مبني على حسابات غير واقعية، وبعضها الآخر على تصورات خاطئة. ومعظمها أدى إلى نتائج معاكسة أو غير محسوبة. الرئيس فلاديمير بوتين قام بغزو أوكرانيا على أساس أن القبض على البلد ممكن بحرب خاطفة سريعة سماها ولا يزال "عملية عسكرية خاصة"، وأن رد فعل الغرب لن يكون أكثر من رد فعله البارد على ضم شبه جزيرة القرم ودعم "الانفصاليين" في "الدونباس"، لكنه اصطدم بصمود الجيش الأوكراني، وفتح الغرب الأميركي والأوروبي ترسانته العسكرية وخزائنه المالية لمساعدة كييف. والغرب الذي كشف خطة الغزو لم يضع جنوده على حدود أوكرانيا مع روسيا للحيلولة دون الغزو، وإنما اختار الدعم غير المباشر لإلحاق "هزيمة استراتيجية" بروسيا، ثم اكتشف أن هزيمة روسيا مهمة مستحيلة. وبوتين الذي خاض الحرب لإبعاد حلف "الناتو" عن حدوده، جاءه الحلف إلى حدوده مع فنلندا، وصارت أوكرانيا على الطريق إلى الحلف والاتحاد الأوروبي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قائد الجيش السوداني الجنرال عبدالفتاح البرهان وقائد "الدعم السريع" الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) شاركا في انقلاب على الثورة والمكون المدني وحكومة عبدالله حمدوك، ثم اختلفا على السلطة. كل منهما تصور أن الحرب مسألة أيام يقضي فيها على خصمه الذي كان شريكه أو يفرض عليه الاستسلام، لكن الحرب طالت، ولا نهاية لها تلوح في الأفق، ولا نهاية لعذاب الشعب السوداني المحكوم بأكثر من "موسم هجرة إلى الشمال"، وكل وساطات الأمم المتحدة، ومجموعة "إيغاد"، ومنظمة الوحدة الأفريقية، ومصر، وروسيا، وأميركا، والسعودية، اصطدمت بعناد الجنرالين وطموحاتهما.
"حماس" زلزلت إسرائيل بعملية "طوفان الأقصى"، لكن رهانات قادتها التي تجلت في بيان قائدها العسكري محمد ضيف على أن تقود إلى رد عربي وإقليمي واسع وحرب شاملة تبدأ معركة التحرير من البحر إلى النهر لم تجد سوى "مشاغلة" للعدو عبر وكلاء إيران في لبنان والعراق واليمن، مع رفض طهران المشاركة المباشرة. حكومة نتنياهو التي اندفعت في حرب همجية مدمرة على غزة وضعت لها هدفاً هو "القضاء على (حماس)"، وتصورت أن الحرب ستكون صاعقة ومجرد أيام قتالية، اصطدمت بالعجز حتى عن وقف "حماس" عن قصف تل أبيب بالصواريخ، وصارت تعلن، وسط المقاومة الشديدة التي ألحقت كثيراً من الخسائر بالجيش الغازي، أن هدفها هو إنهاء "حكم حماس". وهي و"حماس" تخوضان حرباً من نقطة كونهما ضد "حل الدولتين"، غير أن حل الدولتين صار المطلب الملح العربي والدولي، والذي لا بد أن تقود إليه نهاية الحرب.
وليس أمراً خارج التيار العام إعلان وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون ووزيرة الخارجية الألمانية أناليتا بيريوك في بيان مشترك أن "إسرائيل لن تنتصر في الحرب إذا أدت عملياتها العسكرية إلى القضاء على احتمالات التعايش السلمي مع الفلسطينيين".