كأنما كل المعطيات السياسية تسير بتوافق مسبق وغير معلن في أعلى هرم السلطة، إذ سارعت هيئة الحوار في الجزائر إلى إعلان انتهائها من إعداد مقترحات القوانين التي ستؤطر الرئاسيات المقبلة، بشكل تزامن مع اقتراح قيادة أركان الجيش استدعاء الهيئة الناخبة منتصف الشهر الحالي، في الوقت الذي هيّأ البرلمان الأجواء للمصادقة على القوانين الجديدة.
فجأة، تحركت المياه الراكدة، ما يعني حصول الانتخابات في حدود 13 ديسمبر (كانون الأول) المقبل. وتزامن "مقترح" المؤسسة العسكرية مع افتتاح دورة البرلمان، بل مع انتهاء هيئة الحوار والوساطة من إعداد المسودة القانونية للتشريعات التي ستنظم الرئاسيات، وهي التي كانت تتوقع مهلة بضعة أشهر قبل الكشف عن الترسانة القانونية الجديدة.
إفراغ صلاحيات وزارة الداخلية
وقال مسؤول هيئة الحوار والوساطة كريم يونس إن الهيئة ستقدم مسودة مشروعين قانونيين الأربعاء 4-9-2019، مفاجئاً محاوريه أن هيئته أتمت مقترحاتها وستنقلها إلى السلطة الدستورية، أي رئاسة الجمهورية.
و تضمن التقرير النهائي تعديلاً في المواد المتعلقة بإجراءات الترشيح للرئاسيات، إذ تتسلّم هيئة تنظيم الانتخابات استمارات الترشيح، إضافة إلى دفع ملفات الترشيح إليها، بدلاً من المجلس الدستوري، الذي له الحق في استلام الطعون فقط.
كما اقترحت تشكيل سلطة لتنظيم الانتخابات ومراقبتها، تتكوّن من رئيس ومجلس للهيئة وأمين عام على المستوى المركزي ومجالس ولائية ولجان بلدية على المستوى المحلي ولجان قنصلية على مستوى السفارات، تابعة للسلطة بالنسبة إلى الجالية الوطنية في الخارج.
ويضمّ مجلس هذه السلطة بحسب تقريرها 20 عضواً، من بينهم قضاة ومحامون وأساتذة جامعيون، فتدرس اللجنة اقتراح تعيين قاضٍ من المحكمة العليا على رأس هذه الهيئة، على أن تكون مدة العضوية فيها 8 سنوات غير قابلة للتجديد، ويجري التجديد النصفي لأعضاء مجلس الهيئة كل 4 سنوات، ويُنتخب رئيسها من جانب أعضائها بالغالبية، وفي حالة تساوي الأصوات، يفوز المرشح الأكبر سناً ويكون النصاب القانوني لاجتماعات مجلس السلطة 8 أعضاء.
وتُتخذ قرارات مجلس السلطة بالغالبية وفي حالة التساوي، يرجح صوت الرئيس، إذ يتمتّع هذا الأخير وأعضاء مجلس السلطة بالحصانة الوظيفية، بحيث لا تتم متابعتهم على الأفعال والأقوال والتصريحات المرتبطة بعمل السلطة.
بطاقة الناخب
وكشفت العضو في الهيئة الوطنية للوساطة والحوار، فتحية بن عبو، عن بعض تفاصيل المقترحَيْن المتعلّقَيْن بتعديل قانون الانتخابات وإنشاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وذكرت أن "مقترحات التعديلات التي ستطرأ على قانون الانتخابات، ستنحصر في الشق المرتبط بالانتخابات الرئاسية فقط"، مشيرةً إلى أن "التغييرات هي نتاج المقترحات التي قدمتها الأحزاب السياسية والجمعيات والمجتمع المدني".
أما في ما يتعلّق بإنشاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فأفادت بأنه "سيصار إلى استبعاد كل من وزارات الداخلية والعدل والخارجية، من تنظيم الانتخابات، وحتى الولاة ورؤساء البلديات لن تكون لهم صلاحية في الانتخابات، سواء ما تعلّق بتنظيمها أو إعداد القوائم وإصدار بطاقة الناخب".
في سياق متصل، أكد وزير الاتصال، الناطق الرسمي باسم الحكومة، حسان رابحي، التزام الدولة الأخذ بكل قرارات الهيئة الوطنية للوساطة والحوار، بما فيها مراجعة قانون الانتخابات والأطر القانونية والإدارية المتصلة بتنظيم الاستحقاقات الرئاسية. وذكّر بموقف الدولة التي "عبرت مراراً عن إسناد المسؤولية الكاملة للجان الحوار التي ستتولى رسم الأطر الكفيلة بالتحضير لانتخابات حرة وديمقراطية".
مفارقات في البرلمان
وسارع البرلمان بدوره إلى تهيئة الظروف لاستقبال تلك القوانين على مستوى خطاب رئيسه سليمان شنين، الذي قال في كلمة افتتاح الدورة السنوية "لم يبق للمتقوّلين أيّ حجّة بعد فصل المؤسّسة العسكرية وترجيحها لتنظيم الانتخابات الرئاسية قبل نهاية السنة، وقد أثبتت بذلك للجميع في الداخل والخارج، أنها مؤسّسة جمهورية كما عهدناها سليلة جيش التحرير الوطني". وتابع "إن الوقت اليوم يفرض على الجميع التوجّه السريع إلى الشرعية الشعبية، من خلال الانتخابات الرئاسية قبل نهاية السنة الحالية، ضمن منطق التوافق والتنازل من أجل مصلحة الوطن ووحدته وسيادة قراره".
وشكّل خطاب شنين، الآتي من حزب إسلامي معارض، محطة لفتت الانتباه، خصوصاً أن الرجل كان يفتتح الجلسة والوزير الأول نور الدين بدوي قبالته ومعه جميع أفراد الطاقم الحكومي، ما دلّ على التزامه ببروتوكول ساري المفعول، يقضي بحضور السلطة التنفيذية افتتاح الدورة واختتامها، علماً أنّ نواباً كانوا منعوا حضور بدوي أثناء اختتام الدورة في يوليو (تموز) الماضي.
وأثار حضور بدوي ردود فعل بحجة "استفزازه" لنواب الشعب، والغريب هو مقاطعة كتلة الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء لفعاليات الجلسة، أي الكتلة التي ينتمي إليها رئيس البرلمان سليمان شنين.
وأعلنت الكتلة في بيان أن مقاطعة الجلسة كانت بسبب "حضور أعضاء الحكومة المرفوضة شعبياً إلى المجلس(...) وندعو ممثلي الشعب في الغرفة السفلى للبرلمان إلى مقاطعة الجلسة من أجل حضّ الحكومة على الاستقالة".
كما قاطع الجلسة عدد من النواب المنتمين إلى الغالبية البرلمانية، فقد أكد النائب البرلماني سليمان سعداوي، العضو في جبهة التحرير الوطني، أنه قاطع الجلسة الافتتاحية لأشغال المجلس الشعبي الوطني على اعتبار أنه "متمرد على خيارات الحزب، لأنه في الخندق ذاته مع الشعب ومع مطالب الحراك، الداعية إلى رحيل الحكومة".