Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حين باتت الشاورما السورية خطرا على أمن مصر القومي

مئات الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بترحيل السوريين ومراقبون: فتش عن حرب القطاع

المطالبة بترحيل اللاجئين في مصر تفوح منها روائح السياسة ونكهات الاقتصاد (أ ف ب)

ملخص

مئات الحسابات على "إكس"، وأخرى على "فيسبوك" خرج جميعها في الوقت نفسه حاملاً دعوات بـ"ضرورة ترحيل كل اللاجئين الآن"، و"أمن مصر القومي أهم من الاستضافة والاحتواء"

ما بدأ قبل أيام في مصر كمبارزة في مدى طعامة الشاورما ومقدار حلاوة الطحينة لا الثومية وحتمية العودة لـ"الكيزر" (خبز أبيض مستدير) بديلاً عن "الصاج" الذي فرض سطوته وبسط سلطته على السيخ العملاق في كل ناصية شارع ومفترق طرق، تحول فجأة إلى حملة شبه ممنهجة على أثير الـ"سوشيال ميديا"، للمطالبة بطرد هؤلاء ومنع أولئك.

وبين هؤلاء وأولئك والحملة التي توهجت فجأة ودون سابق إنذار والمزاج العام في مصر المتكدر أصلاً بفعل الدولار والاقتصاد المتعثر، يجد المصريون أنفسهم في مطلع العام، وقد قرر أحدهم أو بعضهم أن يحاول نثر كراهية غير معتادة، ورفض ليس من شيمهم، لضيوفهم من جنسيات عربية مقيمة في أرجاء المحروسة هرباً من صراعات وحروب تعصف بدولهم.

عصف ذهني يبذله البعض بين الحين والآخر بحثاً عن فهم مشهد الهجرة واللجوء والإقامة في مصر. أحياء بأكملها في مدن مصرية عدة تسكنها نسبة كبيرة من السودانيين أو المصريين من أصول سودانية منذ عشرات السنوات. ألقاب عائلات سورية وفلسطينية ولبنانية تذيل أسماء مواطنين مصريين أصولهم من بلاد الهلال الخصيب وأعداد قليلة من الأرمن واليونانيين المصريين ما زالوا فيها.

المجتمع المصري الذي كان يتميز بـ"التعددية" حتى عقود قليلة مضت ما زال فيه لمحة من تعددية الجنسيات والأعراق والإثنيات التي كانت موجودة حتى خمسينيات القرن الماضي، لكن أضيف إلى مصر لون جديد من التعددية في سنوات ما بعد هبوب رياح "الربيع العربي". هذه التعددية الجديدة يسميها البعض "لاجئين"، وهي ليست كذلك. وينعتها البعض الآخر بـ"الضيوف"، وفيها شيء من الصحة، ولا يتوقف عندها كثر باعتبارها أمراً طبيعياً.

الاحتضان الموقت

الأمر الطبيعي لملايين المصريين أن تحتضن، ولو موقتاً، قادمين إليها هرباً من صراع ما. في سبعينيات القرن الماضي، احتضنت مصر "ضيوفاً" قدموا إليها من لبنان، الذي وقع في قبضة حرب أهلية طويلة. وفي حرب الخليج الأولى والثانية، استقبل المصريون "ضيوفاً" من العراق، وإلى حد ما من الكويت وجنسيات أخرى كانت في كلا البلدين. وكذلك الحال في حرب الخليج الثانية، وفي سنوات الإرهاب الأسود التي داهمت الجزائر في التسعينيات، وهو السيناريو الذي تكرر مع نشوب الصراع في اليمن، وامتداد الحرب في ليبيا، وتصاعد وتفاقم وتشعب الصراع الدموي في سوريا. وأخيراً، وليس آخر، على ما يبدو، استقبلت مصر أعداداً كبيرة من السودانيين عقب تفجر الأوضاع لدى الجارة الجنوبية.

وسواء قدم "الضيوف" من الجنوب، أو وفدوا من الشمال، لم يحدث أن ضاق المصريون ذرعاً بهم، لكن في العقد الأخير، ومع تواتر صراعات المنطقة وحروبها، وتصاعد أعداد القادمين مع توالي أزمات اقتصادية بعضها لأسباب دولية، والبعض الآخر بسبب ارتباكات محلية، يدأب البعض بين الحين والآخر لإثارة زوابع ذات أغراض في فنجان "الضيوف"، لا سيما السوريون. وهذه المرة هاجس "الضيوف" من غزة في العقل الباطن.

أعداد الضيوف في مصر تتداخل فيها تقديرات رسمية، وأخرى اجتهادية، وثالثة تفوح منها روائح تسييس أو نكهات تهييج.

وفي أغسطس (آب) الماضي، قال رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء خيرت بركات إن الأرقام الرسمية لـ"اللاجئين" في مصر تشير إلى نحو تسعة ملايين شخص، بينهم نحو أربعة ملايين سوداني، و1.5 مليون سوري، لكنه أبقى القوس مفتوحاً بالقول إن الأزمة السودانية المستمرة ترشح الأعداد للزيادة.

 

المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقول من جهتها إن تجدد الصراعات وانعدام الاستقرار السياسي في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، إضافة إلى الاضطرابات في العراق واليمن آلاف الأشخاص من جنوب السودان وإثيوبيا والعراق واليمن إلى اللجوء إلى مصر.

وبحسب أرقام المفوضية، حتى الـ19 من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وصل عدد اللاجئين المسجلين لدى المفوضية إلى أكثر من 198 ألف لاجئ من السودان، ونحو 154 ألفاً من سوريا، وأكثر من 37 ألفاً من جنوب السودان، ونحو 32 ألفاً من إريتريا، ونحو 17 ألفاً من إثيوبيا، ونحو ثمانية آلاف من اليمن، وسبعة آلاف من الصومال، ونحو ستة آلاف من العراق، وأعداد قليلة من 50 جنسية أخرى. وبدءاً من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أصبح السودانيون الأكثر عدداً، يليهم السوريون.

وفي السياق نفسه، حيث الحديث عن اللاجئين وطالبي اللجوء، وهي الأعداد التي توجهت بالفعل إلى مكاتب المفوضية في مصر بغرض التسجيل للحصول على وضعية لاجئ، أشارت المفوضية إلى أن اللاجئين وطالبي اللجوء يعيشون في بيئة حضرية في مصر، ويتركزون إلى حد كبير في القاهرة الكبرى والإسكندرية ودمياط وعدد من المدن بالساحل الشمالي ومدن القناة، لكنها أشارت في الوقت نفسه إلى التغيرات الاقتصادية التي طرأت في مصر في السنوات الأخيرة وآثارها السلبية على حاجات اللاجئين وأفراد المجتمع المستضيف.

وأضافت المفوضية أنه مع افتقار عديد من اللاجئين في مصر إلى مصدر دخل ثابت، إضافة إلى زيادة التضخم، تتم بالكاد تلبية الحاجات الأساسية. كما تشمل التحديات الأخرى محدودية الحصول على فرص عمل، وحاجز اللغة لغير الناطقين بالعربية. كما يفتقر البعض إلى التعليم الرسمي المستدام الذي يمكن أن يدعم تطورهم، وأفادت المفوضية بأن عدداً كبيراً من اللاجئين والمسجلين لطلب اللجوء يعتمد على المساعدات الإنسانية، لتلبية حاجاتهم الأساسية.

مطاعم ومذاقات

لكن الحديث عن تلبية الحاجات الأساسية للاجئين وطالبي اللجوء، ومدى صعوبة أو سهولة ذلك، وأثر الوضع الاقتصادي في حياتهم يختلف عن الحديث عن المندي اليمني والدولمة العراقي والويكة السوداني وحتى التيبس الإثيوبي، وبالطبع الشاورما السورية في قلب المدن المصرية.

بات "أنس" و"أنس الشام" و"الشام وأنس" و"أبو أنس" و"مال الشام" و"الركن الشامي" و"ابن الشام" و"بنت الشام" و"زين الشام" و"أبو الشام" و"أبو العز"، وغيرها من مئات المطاعم، محل شد وجذب موسمي بين الحين والآخر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الغريب أن مصدر الشد يظل مجهولاً، وسبب الجذب يبقى مثاراً للقيل والقال. أعداد من السوريين في مصر دعموا وأيدوا وشاركوا في فعاليات جماعة "الإخوان المسلمين" المناهضة أحداث يونيو (حزيران) عام 2013، التي شهدت مطالب جماهيرية بإنهاء حكم الجماعة.

في نهاية عام من حكم الجماعة، سطعت أغنية "مصر إسلامية لا علمانية" بإهداء من "منشد الثورة السورية" إبراهيم الأحمد في أرجاء ميداني "رابعة العدوية" و"النهضة"، حيث اعتصم المؤيدون والمتعاطفون مع الجماعة.

هذه المشاركة ولت وأدبرت على مدار العقد الماضي. ظل ما في القلب في القلب، وما في الأيديولوجيا حبيس العقل، لكن ظل التعايش المصري - السوري، واندماج الأكلات السورية، وعلى رأسها الشاورما، وتوسع "البيزنس" السوري المتوسط والصغير ومتناهي الصغر يمضي قدماً بهدوء وسكون ورضا من قبل الجميع، لكن بين الحين والآخر، تبزغ صيحة متبرمة من انتشار المطاعم السورية، أو صرخة متضجرة من شعبية الحلويات السورية، أو حملة متضررة من سطوع نجم البائع السوري المبتسم المرحب المردد: "تكرم عينك" حتى لو "طلع الزبون عينه" (دلالة على صعوبة التعامل مع العميل).

طحينة أم ثومية؟

مقارنات عديدة يعقدها مصريون بين نوعية الخدمة هنا وهناك، ونوع الشاورما هنا وهناك، وكذلك أفضلية الطحينة المصرية أم الثومية السورية بين الحين والآخر. الجانب الأكبر من المقارنات تعقد في جلسات المقاهي ولقاءات الأهل والأصدقاء، ومنها ما يجمع مصريين وسوريين من الجيران والمعارف، وذلك على سبيل خلط الجد بالهزل.

هذا لا يمنع أن مقارنات أخرى يجري عقدها، أو الزج بها بين الحين والآخر، لأسباب تتلون بالسياسة أو تتلوث بالاقتصاد أو تتعكر بخلاف مالي أو عراك تنافسي. يقولون إن معظم النار من مستصغر الشرر، وهذا حقيقي. "فلان قال إن السوريين جاءوا بالأكل النظيف للمصريين"، "علان سخر من نمط إنفاق السوريين في مصر وبلدهم خارجة لتوها من حرب شعواء"، "فلان وعلان تعاركا بسبب المنافسة على جذب الزبائن إلى مطعميهما المتجاورين"، هذه وغيرها مناوشات تنشأ أحياناً، لكن جميعها يتبدد في هواء التعايش والتسامح، وغلبة الأخوة التاريخية والجيرة الجغرافية في العمارة والشارع والحي.

شبهات التوجيه والتهييج

لكن القيل والقال تفوح منهما روائح السياسة ونكهات الاقتصاد وشبهات التوجيه والتهييج في أحيان أخرى. الموجة الحالية من التوجيه والتهييج ترفع شعار "مش هاشتري غير من المصري"، ومنها ما انتهج هاشتاغ أكثر تحديداً "مقاطعة محال السوريين".

الهاشتاغان اللذان تصدرا قائمة "الأكثر تداولاً في مصر" على قائمة منصة "إكس" (تويتر) أثارا علامات استفهام وتساؤلات من قبل المستخدمين أكثر ما أثار تشاركاً وتداولاً. البعض انضم إلى الهوجة دون استفسار عن سر الدعوة إلى مقاطعة محال السوريين، والمطالبة بعدم الشراء إلا من محال المصريين. والبعض الآخر تساءل عن سر الحملة المفاجئة، لكن دون ردود مقنعة.

 

مئات الحسابات على "إكس"، وأخرى على "فيسبوك" خرج جميعها في الوقت نفسه حاملاً دعوات بـ"ضرورة ترحيل كل اللاجئين الآن"، و"أمن مصر القومي أهم من الاستضافة والاحتواء"، وغيرها.

وبينما كثر يضربون أخماساً في أسداس حول سر الحملة المفاجئة، وإن كان قد جد جديد فيما يتعلق بأمن مصر القومي وعلاقته بـ"الضيوف" في مصر، وبدء حالة من القلق الشعبي الخافت، قال خبير السكان ودراسات الهجرة أيمن زهري لـ"اندبندنت عربية" إن "مصر تفتح أبوابها لاستقبال من يعاني مشكلة في بلده. إجراءات دخول مصر ليست مفرطة في السهولة كما يعتقد البعض خطأ. تصوير أن مصر مفتوحة، وإنها تفتح ذراعيها للجميع دون تدقيق ليس حقيقياً. مصر لديها التزامات دولية، ولديها نظام دقيق في أمور الإقامة وشؤون المقيمين من غير المصريين، وعلى المقيم في مصر أن يكون لديه سبب وجيه للإقامة فيها. وتأشيرة دخول مصر صعبة".

لاجئ رسمي ولاجئ بديهي

ويطالب زهري بعدم الخلط بين إجراءات دخول مصر "الصعبة" أو "الدقيقة"، وبين المقيمين في مصر حالياً لظروف خاصة. ويضيف "مصر ملتزمة اتفاقات وبروتوكولات خاصة بقبول اللاجئين، لذلك من الطبيعي أن كل من يصل إلى مصر بأي طريقة ويقول لدى وصوله إنه طالب لجوء، لا بد أن تسير أوراقه في مسار معروف. يجري توجيهه إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التي فوضتها الحكومة المصرية، لتحديد مدى أحقيته في صفة لاجئ".

لكن ليس كل من يقيم في مصر هرباً من حرب أو صراع أو اضطهاد، لاجئاً، أي حاصل على وضعية لاجئ. هناك ما يعرف بلاجئ بديهي أو بالنظر Prima facie. يوضح زهري المقصود بهذه الوضعية، "على سبيل المثال، اندلعت حرب في السودان، فهرب سودانيون صوب مصر. عليَّ كدولة أن أعتبره لاجئاً بصورة أو بأخرى، لأن تركه يموت ليس وارداً، ولا ينبغي أن يكون وارداً. مصر مضطرة إلى استقبال من يلجأون إليها، ليس هذا فقط، بل جرى أخيراً فرض قيود مثل الحصول على تأشيرة لقبول القادمين لأسباب مختلفة، وهو ما ينفي تماماً الشعور الغريب لدى البعض في مصر بأن الحدود مفتوحة أمام الجميع دون ضابط أو رابط".

الضابط والرابط اللذين يراهما أستاذ دراسات السلام ومتخصص علم الاجتماع السياسي سعيد صادق، في الموجة الحالية المطالبة بترحيل اللاجئين، وعلى رأسهم السوريون وفي القلب منها مقاطعة الشاورما بالثومية والاكتفاء بغريمتها ذات الطحينة هما المنافسة التجارية والغيرة من الشعبية.

يقول صادق، "السوريون والفلسطينيون واللبنانيون بصورة عامة مهرة في التجارة، على رغم كوارث بلدانهم السياسية والإنسانية، وهو مما يتسبب أحياناً في تفجر موجات من الحسد التجاري أو الغيرة من الأرباح أو التعجب من سر النجاح. وكل هذا قد يؤدي بدوره إلى استدعاء شعبي لنظريات المؤامرة المعروفة والمتهالكة".

 

وتنشط الإشاعات التي تسبغ ساندوتشات الشاورما والمكدوس بسبغة الأمن القومي، أو تنتعش أقاويل دعم المقيمين لأفكار أو دعوات من شأنها تعريض البلاد للأخطار وإحداث الضرر بالعباد.

الموجة الحالية من دعوات الترحيل ونداءات العودة للشاورمة المصرية تأتي في توقيت تهيمن فيه دعوات ومحاولات ومجسات تهجير سكان غزة إلى مصر. وقد ثبت في هذه الموجة صعوبة الفصل بين الدعوات القاسية بترحيل "الضيوف"، وبين الدعوات الخبيثة بتهجير أهل غزة إلى مصر.

هاشتاغ "توطين اللاجئين نكبة" المصاحب لسيل هاشتاغات الترحيل، والمقاطعة والإغلاق المفاجئ دق على أوتار مخاوف المصريين من تناثر أحاديث تهجير أهل غزة. قد يكون الدق مقصوداً بغرض الإمعان في التخويف والإفراط في التهييج، وقد تكون رب صدفة تخويف خير من ألف تخطيط وتدبير.

يرى زهري أن مسألة تهجير أهل غزة "مرعبة للجميع". يقول "مسألة إزاحة أهل غزة موضوع قديم، وغزة كلها كانت تابعة للإدارة المصرية قبل عام 1967، وطالما كان هناك اتجاه قومي مصري عروبي لجعل أهل غزة يشعرون. إنهم ليسوا جزءاً من مصر، بل جزء من فلسطين للإبقاء على دولة فلسطين. وبعيداً من محاولات تصفية القضية الفلسطينية الحالية، فإن التهديد بتهجير أهل غزة إلى سيناء هو احتلال لسيناء، وتصدير كل مشكلات قطاع غزة إلى سيناء إلى تهديد واضح وصريح وصارخ لأمن مصر القومي. وهذا ربما يؤجج مشاعر كراهية الأجانب لدى البعض".

كراهية الأجانب أو "زينوفوبيا"

لا تطرأ كثيراً، وربما أبداً، على بال المواطن المصري العادي. ولو سألت صاحب مخبز حلويات ملاصق لمحل حلويات سوري "هل تكره غير المصري المقيم؟"، لرد السؤال بسؤال "كيف أكرهه؟ هم ضيوفنا، والضيف يجب إكرامه". ولو استفسرت منه "هل ينافسك في أكل عيشك؟"، سيرد "الأرزاق على الله، ومن عنده".

لكن إعادة طرح السؤال بصورة مختلفة وأكثر تحديداً "هل تعارض مجيء أهل غزة إلى مصر، وانضمامهم إلى الضيوف؟"، فإنه سيهرش في رأسه، ثم يجول بعينيه في الأفق، ويقول بعد تفكير "ضيوفنا بالطبع، ولكن ما زاد على الحد، انقلب إلى الضد"، ثم سيسارع بإضافة ما معناه أن فلسطين في القلب وغزة في قلب القلب.

 

سعيد صادق يرى المقاربة أيضاً بين حملة مناهضة لـ"الضيوف" أو المقيمين، لا سيما السوريون الناجحون في المطاعم والمخابز ومجالات أخرى مثل الحلاقة وبين التلويح بقادمين جدد من غزة، يقول "طبعاً، احتمال وصول أهل غزة مصدر قلق إضافي لمخاوف أصحاب المطاعم المصريين"، لكنه يشير إلى مربط فرس آخر، إنه اللجان الإلكترونية.

يقول سعيد، "هناك محاولات من لجان إلكترونية لإلقاء لوم أزمات السلع الغذائية والأسعار والدولار على المهاجرين والمقيمين. هم كبش فداء سهل".

الغالبية المطلقة من السوريين، سواء أصحاب المحال والعاملين فيها وحتى العائلات، تتحفظ وتتردد كثيراً قبل الحديث في أمور لها علاقة بالسياسة أو بالاقتصاد أو حتى مسائل المنافسة مع أصحاب المحال من المصريين. تأتي التعليقات والردود في سياقات دبلوماسية مثل "هم الأصل ونحن ضيوف"، أو "كلها شاورمة طيبة، فقط وصفات مختلفة" أو "والله ما عندي علم".

توقيت ذو معنى

العلم بالموقف الحالي وحقيقة الموجة المفاجئة يظل غائباً، لكن غياب الأسباب لا يعني ضبابية رؤية ما يجري. إعادة تداول خبر عمره بضعة أشهر عن القبض على تشكيل عصابي تخصص في الاتجار في العملات الأجنبية بينه مواطن سوري، واعتبار الخبر في التحليلات العنكبوتية ضمن الحملة الممنهجة دليلاً على أن أزمة الدولار، أو جزء منها، سببه "اتجار سوريين في العملة".

والتنقيب عن فيديوهات قديمة ومقاطع مجهلة لأشخاص يفترض أنهم سوريون ينتقدون النظام المصري أو يطالبون الجيش المصري بالتحرك لتحرير فلسطين، وإعادة اكتشاف محاسن الشاورما المصرية بالطحينة ووضعها في مكانة متقدمة على الشاورما السورية بالثومية وغيرها يعضد من نظرية منهجية الحملة، وتدبيرها من قبل أصحاب مصالح يصفها البعض بـ"الضيقة"، ويعتبرها آخرون "موجهة من قبل جهات أو أشخاص لإحداث لغط أو إثارة موقتين".

خبير السكان والهجرة أيمن زهري يقول إن غالب اللاجئين السوريين، أو من هم في وضعية لاجئين في مصر من السوريين من غير المسجلين لدى المفوضية يعملون في قطاع العمل غير المنظم أو غير الرسمي. ويتساءل "هم متميزون في مجالات مثل الأطعمة والحلويات، وهذا التميز يحقق لهم رواجاً وأرباحاً، ما المشكلة في ذلك؟".

أما ما يثار عن شبح تصاعد "زينوفوبيا" أو كراهية غير المصريين بين المصريين، فيرى زهري أنها ليست بالأمر الفريد أو غير المسبوق أو غير المفهوم. يقول "كراهية الأجانب أو الخوف من مزاحمتهم لأهل البلد، أي بلد، في فرص العمل والرزق موجودة لدى كل شعوب الأرض. صحيح أن عاداتنا وطبيعتنا تميل إلى الترحيب بمن يقيم لدينا، لكننا في حالة ضعف اقتصادي يولد نوعاً من أنواع الكبت لدى كثر. هذا الكبت يجري تفريغه أحياناً في الآخرين. هذه المرة الآخرون هم اللاجئون أو المقيمون أو الضيوف، وإن كنت لا أحب كثيراً مسمى الضيوف".أما حرب الشاورما والتنابز بالطحينة والتبارز بالثومية عنكبوتياً ودعوات الترحيل، وردود فعل الترحيب والتكريم، فتبقى موجة من الموجات، وإن تميزت هذه الموجة عن غيرها بارتباطها بشبح تهجير أهل غزة الذي يحوم قسراً في أجواء السياسة الدولية والإعلام الغربي والدفع الإقليمي.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات