ملخص
كيف تختلف تصاميم بيوت الناس التي تعيش بمفردها وما هي الاختيارات الجريئة التي يقدمون عليها؟
حينما وجدت الفنانة بريدي هول نفسها عازبة حديثاً وتعيش بمفردها في الـ36 من العمر، مرت بلحظة تجلٍّ في ما يتعلق بالتصميم الداخلي، فهي لم تكن في حاجة إلى التنازل عن [رغباتها] من أجل أي شخص. لقد اختفت جمالية المنزل الذي تقاسمته مع شريكها السابق لمدة 12 عاماً، إذ إنه "جدران رمادية طبيعية في كل الأنحاء"، مع غرف احتياطية لأصدقائهم وعائلاتهم (أو "مساحة ميتة"، كما تصفها) ثم جاءت مساحة مصممة من قبلها ومن أجلها.
وبعد مرور ثماني أعوام، أصبح منزل بريدي في شمال لندن المكون من ثلاث غرف نوم والذي يستوحي متحفاً في تصميمه بمثابة أرض العجائب الملونة. على أرضية المطبخ التي تأخذ شكل رقعة شطرنج مطلية باللونين الأحمر والأبيض، تتجول اثنتان من سلاحفها الأليفة، وهما مايهام والسير ديفيد، بحرية. هناك سيراميك متنوع من متجر الأدوات المنزلية "بينتريث آند هال" Pentreath & Hall الذي تملكه بالشراكة مع شخص آخر، وخزائن خشبية مطلية بظلال ألوان مثل لون الكمثري الأخضر والخردل الأصفر. وحوّلت الغرفتين الاحتياطيتين إلى غرفة تبديل الملابس واستوديو فنانة [صاحبة البيت] على التوالي. وتقول "إنها المساحة التي تجعلني أقوى [وأقدر على العطاء]. أستخدم كل غرفة، وأبقي كل الأبواب مفتوحة. كل شيء جاهز بالنسبة لي".
وأنا مثل بريدي، واحدة من 8.3 مليون شخص يعيشون لوحدهم في المملكة المتحدة (من المتوقع أن يرتفع العدد إلى 10.7 مليون شخص بحلول عام 2039). وإن نحو 25.8 في المئة من المنازل في لندن، حيث أعيش، هي بيوت أشخاص يعيشون بمفردهم. ومع ذلك، تنفيذ تصميم لبيت أو شقة يشغله ساكن وحيد هو بمثابة حرية كنت أبطأ من غيري في إدراكها. بعدما تقاسمت منزلي في البداية مع شريك سابق، فإن البيت لا يزال يحمل علامات تشير إلى وجود مساحة لشخصين. ومثلي مثل الآنسة هافيشام التي هجرها الشريك، وتهيمن كعكة زفافها المتحللة على غرفة طعامها، كانت هناك منذ فترة طويلة طاولة جانبية ومصباح في كل من جهتي سريري الكبير جداً. أما خزائني، فهي مليئة بأزواج من الأواني الفخارية ومجموعات عائلية من أواني الطعام. كنت أقوم عن غير قصد بإيواء شريك آخر غائب أو سيأتي في المستقبل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتلفت سارة سبنسر أشوورث، وهي مديرة شركة التصميم الداخلي أشوورث دالي، إلى أن هذا النهج ليس غريباً، إذ يرغب عملاؤها الذين يعيشون بمفردهم (عادة من الإناث) في توافر مساحة يمكن أن تسهل وجود شريك محتمل في المستقبل. لذا، يحتفظ الفريق [التابع لها] ببعض المرونة في تصميماته، "للسماح بتطوير نمط الحياة". ومع ذلك، كنت أطرح سؤالاً آخر حديثاً، وهو كيف يمكن أن يبدو التصميم من أجل نمط الحياة الذي أعيشه حالياً، بدلاً من التصميم لذاك الذي ربما أعيشه في المستقبل؟
ويجيب عدد متزايد من الأشخاص، على شاكلة بريدي، ممن يعيشون لوحدهم عن هذا السؤال. فوفقاً لأحدث تقرير "لايف أت هوم" (الحياة في المنزل) Life at Home صادر عن مجموعة INGKA (المالكون لمتاجر إيكيا IKEA)، قال حوالى 13 في المئة من المشاركين إنهم اختاروا عن وعي العيش بمفردهم. وكما يتوقع التقرير، فإن هذا "يسمح لهم بإعطاء الأولوية والتركيز على حاجاتهم ورغباتهم الشخصية".
وحصد الوسم "ليفينغ ألون" (أعيش بمفردي) #livingalone على "تيك توك"، أكثر من مليار مشاهدة. أما على "إنستغرام"، فإن الأشخاص الذين يعيشون بمفردهم مثل ويل لو، وهو اختصاصي تصميم المنازل الذي يعمل لدى شركة مخازن جون لويس (عنوان حسابه على إنستغرام @johnlewis_wil)، ومثل مصممة الديكور الداخلي شارلوت تايلور (@charlottetaylr) يستقطبون آلاف المتابعين لجماليات حياتهم الفريدة التي يعيشونها لوحدهم. وتتميز غرفة ويل بالألوان الأساسية الجريئة، بينما تتسم غرفة شارلوت بالبساطة التي تتضمن عدداً لا يحصى من الأعمال الخشبية المنحوتة وغرفة نوم لا تحوي أي أثاث تقريباً باستثناء سرير منخفض على الطراز الياباني. ويخصص بعضهم منازلهم لمزاولة الهوايات، فعلى سبيل المثال، يحوي منزل شارلوت الفيكتوري المؤلف من غرفتي نوم والكائن ضمن صف للبيوت المتلاصقة في بروملي، أكواماً من كتب ألغاز سودوكو في كل غرفة.
ثم هناك جينا ليونز، مصممة الأزياء التي تتخذ من نيويورك مكاناً لإقامتها والتي وصفتها سبنسر أشوورث بأنها مصدر الإلهام المفضل للحياة المنفردة، إذ يُقال إن أعمالها الخشبية ذات اللون الرمادي الداكن وخيارات التنجيد الجريئة لديها ألهمت سامانثا كاميرون [عقيلة ديفيد وزير الخارجية البريطاني].
وهناك المصمم الداخلي سام باكلي، فشقته الفريدة من نوعها في إدنبره، والمكونة من ثلاث حجرات في بناية فاخرة على الطراز الفيكتوري والتي تتميز بأضواء معلقة منخفضة وأعمال فنية تبعث على الخدر، جرى إبرازها في وكالة "مودرن هاوس" Modern House العقارية التي تدرك أهمية التصميم وتفرد له المرتبة الأولى في عملها. (بالمناسبة، توجد في اسكتلندا أعلى نسبة من المنازل التي يسكنها شخص واحد في المملكة المتحدة، إذ يعيش 36 في المئة من الاسكتلنديين بمفردهم).
وهناك ليزلي ستيفنز، الكاتبة المؤثرة المقيمة في بورتلاند، وهي التي أسست نشرة "مورنينغ بيرسون" Morning Person الإخبارية، وانتقلت إلى منزلها الأول المخصص لشخص واحد في سبتمبر (أيلول) الماضي، بعد طلاقها. وتقول "أردت إنشاء منزل يبدو أنه أقيم هكذا بصورة متعمدة كتعبير منظم عن أسلوبي، مستقل تماماً عن أسلوب حياة مع شريك". وتشتمل التطورات الأخيرة التي أجرتها على حمام أنثوي بشكل غير مألوف، مكتملاً بستارة دش مطبوعة بالزهور البرية ومزهرية فيها ورود نضرة مقطوفة حديثاً، وتعلق على الأمر بالقول "كانت إحدى أعظم متع امتلاك مكان خاص بي هي... الاتكاء على أنوثتي"، كما أضافت مجموعة متنامية من الأكواب المفردة المنسقة. ويمكن العثور على إعلان آخر لتصميم المنزل المستقل في فيلمي [المفضل] لهذا العام، باربي Barbie، في جنة الفتاة الواحدة في "بيت أحلام باربي" Barbie Dreamhouse والتي تحولت موقتاً إلى "بيت أحلام كين تحت اسم موجو دوجو كاسا" Ken’s Mojo Dojo Casa Dreamhouse... وكل من هذه الأشياء مثال على التصميم الاستبدادي [لمساحة عيش] لشخص واحد، فجدران باربي وردية بالكامل، وديكور كين له طابع الفروسية.
ولماذا لا يكون الأمر كذلك، بحق السماء؟ عندما سألت زملائي الذين يعيشون بمفردهم (عبر وسائل التواصل الاجتماعي) عن خيارات الديكور الخاصة بهم، غمرني فيض من حكايات المطابخ والحمامات وثلاجات "سميغ" Smeg ذات اللون الوردي، إضافة إلى مساحات تخزين بجدران مغطاة بورق جدران من صور الأناناس خُصصت بأكملها للأحذية، وبعض الأعمال الفنية اللافتة، بمن في ذلك صديقة لديها صورتان عاريتان لنفسها.
وتشمل المعالم البارزة الأخرى مساحة معيشة مستوحاة من "غرفة الغابة" في قصر "غريسلاند" لإلفيس بريسلي (أرائك لها لون خضرة الغابة، ومفروشات ناعمة بطبعات الفهد، ونباتات معلقة وملصق للملك [إلفيس])، وحُولت الحجرات الاحتياطية إلى صالات رياضية ومكتبات وغرف لتبديل الملابس. ويفضل بعضهم السجاد والأرائك بلون الكريما، مما يجعل الحفاظ عليها نظيفة أمراً صعباً. وتوضح سارة، 35 سنة، وهي مديرة للموارد البشرية "لن أخاطر أبداً بذلك بوجود شريك أو طفل".
وظهرت ألوان الطلاء الزاهية مرات عدة بين المشاركين في الاستطلاع الذين مارسوا حقهم في انتقاء خيارات جريئة، بدلاً من أن يتنازلوا [ويقبلوا] بحلول وسط أكثر حيادية ربما يرضون بها وهم مع شريك. وتذكر شيفون، 35 سنة، وهي مسؤولة في المجلس البلدي "لقد أحببت شقتي القديمة في بيمليكو، حيث كانت كل غرفة ذات لون مختلف". وتضيف "أعيش الآن مع صبي ولدي جدران بيضاء". أما إيما، وهي مدونة كتب من كوفنتري، لها من العمر 31 سنة، فتخبرني بأن "عمال الديكور لدي سألوني، عندما رأوا كل ألوان الطلاء الغريبة الخاصة بي، ’ما هو رأي صديقك بها؟‘ وسرني أن أجيب أنه ليس لدي صديق". واختار دانيال، 36 سنة، مطبخاً باللون الأصفر من طراز منتصف القرن، موضحاً "على ما يبدو، تستغرق المطابخ عادة ضعف الوقت [الذي تحتاج إليه] في التصميم نظراً إلى عدم تمكن الأزواج من الاتفاق على نظام الألوان والمخطط".
في الواقع، وبسبب هذا الغياب لحل وسط، يوفر التصميم لأشخاص يسكنون بمفردهم بالنسبة إلى مصممي الديكور الداخلي تجربة مختلفة عن العمل مع الأزواج. ويرى تايلور أن "الأمر أقل صعوبة، إذ يمكن وضع التصاميم بما يتناسب مع حياة الفرد وأعماله الاعتيادية وشخصيته". وتوافق سبنسر أشوورث، مشيرة إلى أنها عملية مختلفة "في كثير من الأحيان تقوم بطرح الأفكار على الزوجين اللذين سيتناقشان في ما بينهما. أما مع العميل الذي يعيش لوحده، فيصبح الأمر أكثر حميمية، إذ إنك أنت تصبح الشخص الذي يناقشون آراءهم معه".
لا يقتصر التصميم لأشخاص يسكنون لوحدهم على الحرية أو التعبير عن الذات فقط. فثمة جانب سلبي فيه وهو أن هناك اعتبارات أكبر للسلامة. وتضيف صديقتي كلير، 39 سنة، التي اشترت عقاراً مكوناً من ثلاث غرف نوم في نوتنغهام قبل ثلاثة أعوام "كنت خائفة من اقتحام شخص ما، لذلك استثمرت في باب أمامي باهظ الثمن وأكثر أماناً". أما إيمي، 37 سنة، فتؤكد "لقد حصلت على ضوء أمان [يضيء عند مرور شخص إلى جانبه] وأقفال أفضل وترباس لإغلاق البوابة". وكان الأمان والخصوصية موضوعاً [مطروحاً] للعملاء المنفردين الذين غالباً ما يقترحون إضاءة مستشعر الحركة وأقفالاً آمنة للأبواب والنوافذ، بحسب ما تذكر سبنسر أشوورث.
وبصرف النظر عن الاعتبارات العملية، يبحث العملاء الأفراد عادة عن جو من الدفء والراحة والخصوصية. قام ستيوارت آرتشر، المؤسس المشارك لشركة "آرتشر+ براون" Archer + Braun، بتصميم مساحات تشبه الشرنقة لشخص واحد داخل المنازل الأكبر حجماً، إذ إنه على سبيل المثال، وضع غرفة نوم في القبو، أو صمم منزلاً تكون فيه الغرف الترفيهية منفصلة عن مساحة المعيشة الرئيسة (لذلك لا تبدو المساحة كبيرة جداً، ويمكن إغلاقها عملياً لتقليل الحاجة إلى التدفئة). ويشير إلى أنه "عند التصميم لأشخاص يسكنون بمفردهم، يمكنك التخلي عن الأفكار المسبقة حول المكان الذي يجب أن تكون فيه الغرف، وكيف ينبغي استخدامها". وتقترح سبنسر أشوورث استعمال ستائر لعزل جدار من الزجاج الداكن، وفي النهار استخدام ستائر من طراز تلك الموجودة في المقاهي. وقد قمنا بتضمين غرف بباب يمكنك إغلاقه لإنشاء كهف دافئ ومريح وذلك بدلاً من الغرف المفتوحة بصورة كاملة".
وتضيف سارة براون، وهي أيضاً من شركة "آرتشر+ براون"، أن التنوع هو أمر أساسي بالنسبة إلى العملاء الذين يعيشون بمفردهم، وإلى أولئك الذين يحبون الترفيه عن الأصدقاء، ولكن من المفهوم أنهم لا يريدون قضاء وقتهم في التجول حول طاولة تتسع لثمانية أشخاص. وإن المساحات المفتوحة القابلة للتكيف والمصممة للوحدات المؤلفة من أجزاء عدة (والتي يمكن فصل بعضها عن بعض) أو الأثاث متعدد الأغراض (على سبيل المثال، الطاولات القابلة للتمديد والأرائك التي يمكن تحويلها إلى أسرّة للضيوف الذين قد يأتون من حين إلى آخر) قد أثبتت شعبيتها بين هؤلاء العملاء. وتزيد براون "ليس من الضروري أن تكون للمساحة وظيفة محددة، أي لا تحتاج إلى التصميم في شأن وقت العشاء العائلي، أو تخزين عربة الأطفال".
ويذكر أن العيش المنفرد لا يكون دوماً أسلوب حياة يتبناه المرء باختياره (على رغم أنه قد يكون مجزياً في وقت لاحق). وترى سبنسر أشوورث أن "العثور على شخص ما يعيش بمفرده يمكن أن يعني مجموعة من الأشياء المختلفة"، بدءاً من فقدان شخص كبير السن لزوجته، إلى مطلقة، فوالد أو والدة كبر أولادهما وتركوا منزل العائلة. لهذا السبب، تعتقد بأن "الراحة هي الأمر الأساسي" بالنسبة إلى هؤلاء العملاء، وتوصي "بوضع طبقات من النسيج" أي، على سبيل المثال، "وضع غطاء كبير على ذراع الأريكة أو جلد الغنم إلى جوار سريرك".
سيكون من قبيل الإهمال إغفال الإشارة إلى أن عيش الشخص بمفرده يعد، بالنسبة إلى كثيرين، رفاهية لا يمكن تحمل كلفتها في المملكة المتحدة، حيث خلُصت البحوث التي أجراها المساحون المعتمدون في شركة "ستوكمونت" Stokemont إلى أن لندن أولاً وتليها بريستول وإدنبره هي أغلى المدن التي يمكنك أن تعيش فيها لوحدك (جاءت مدينة هال Hull في أسفل الترتيب أي الأرخص)، إذ إن النفقات تكون أعلى بالنسبة إلى البيوت التي يسكنها شخص واحد. وعلى رغم أن بعض المطورين، مثل شركة "بوكيت ليفنغ" Pocket Living التي تتخذ من لندن مقراً لها والتي تنشئ منازل جديدة للمشترين للمرة الأولى، يمكنهم جعل هذا الأمر [العيش المنفرد] ممكناً أكثر بالنسبة إلى الجميع، إلا أن طريق الوصول إلى هذه الغاية لا يزال طويلاً.
ومن الممكن القول إن هذا سبب إضافي لتبني إمكانات التصميم الداخلي الفريدة للعيش بمفردك. كان هذا يعني، بالنسبة لي، الميل إلى بعض أذواقي الأكثر استقطاباً. في صباح أحد أيام الشهر الماضي، قررت فك (وبيع) جهاز التلفزيون الخاص بي لتوفير مساحة لركن للقراءة، وهي خطوة غير قابلة للتفاوض بالتأكيد لو كنت أعيش مع شخص آخر. وبينما استبدلت واحداً من مصابيح ملح الهيمالايا بالمصباحين اللذين كانا على جانبي السرير، قلصت حجم طاولة القهوة الخاصة بي بفضل سوق "فيسبوك" للحاجات المستعملة (ماركت بليس) Facebook Marketplace، وقمت بطلاء الجزء الداخلي من باب الحمام باللون الوردي. ربما تكون هذه خطوات صغيرة مقارنة ببعض الأفكار التي جرى استكشافها هنا، ولكن يبدو أن كل خيار جديد اتخذته وكأنه يؤكد نمط الحياة الذي أعيشه الآن. وكما ترى صديقتي كلير أن "العيش المنفرد يقوم برمته على قبول ’الآن‘، بدلاً من انتظار ’ماذا لو‘".
© The Independent