تصاعدت حدة المعارك بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في ولايات الخرطوم وشمال دارفور وجنوب كردفان، وهو ما ينذر بحدوث توتر يزيد من معاناة السودانيين، خصوصاً من ناحية تزايد أعداد النازحين، في ظل عدم وجود بارقة أمل تلوح في الأفق لإنهاء الحرب بين طرفي الصراع التي شارفت على إكمال شهرها التاسع.
وبحسب شهود عيان، فإن مواجهات عنيفة دارت، أمس الثلاثاء، بين طرفي القتال في الأحياء المحيطة بسلاح المهندسين جنوب أم درمان، حيث استخدم الطرفان كل أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة، وبث الجيش مقاطع فيديو على صفحته في "فيسبوك" توضح تقدم قوات العمليات الخاصة التابعة له في عدد من المحاور بهذه المدينة، مما يظهر استيلاءه على شارع الـ40 المشهور وعدد من المواقع في أم درمان القديمة التي كانت خاضعة لسيطرة قوات "الدعم السريع".
كما شهدت منطقة الصناعات غرب أم درمان قصفاً مدفعياً كثيفاً من جانب قوات "الدعم السريع" التي استهدفت ارتكازات الجيش بمنطقة كرري والثورات شمال المدينة، كذلك دارت مواجهات عنيفة بين القوتين في منطقة السوق الشعبية، وسوق أم درمان الرئيس الذي سيطر الجيش على أجزاء منه.
وأفاد مواطنون بأن الطيران الحربي التابع للجيش شن غارات جوية مكثفة استهدفت تجمعات "الدعم السريع" في الرياض والطائف شرق الخرطوم، وناحية ضاحية الأزهري والمدينة الرياضية جنوب العاصمة، وسمع دوي أصوات كثيفة للمضادات الأرضية وتصاعد أعمدة الدخان.
في حين استهدف "الدعم السريع" مواقع الجيش في كل من القيادة العامة وسلاح الإشارة ببحري وسلاح المدرعات جنوب الخرطوم ومنطقة كرري العسكرية عن طريق المدفعية الثقيلة والصواريخ المنطلقة من منصاتها المختلفة في مدن العاصمة الثلاث.
واتهم الجيش في بيان، "الدعم السريع" بإضرام النار في برج مصرف الساحل والصحراء وإحراقه بالكامل مما أدى إلى تدميره، حيث يعد البرج أحد معالم الخرطوم الرئيسة، ويضم مقار شركات عامة وخاصة.
واعتبر البيان ما حدث بأنه توسع لنطاق انتهاكات ميليشيات "الدعم السريع" للقانون الدولي الإنساني منذ تمردها قرابة التسعة أشهر، ليشمل كل أنواع جرائم الحرب ضد المدنيين والأعيان المحمية والمدنية، مما يستدعي تصنيفها من قبل المنظمات الإقليمية والدولية كمنظمة إرهابية.
شمال دارفور
في الفاشر عاصمة شمال دارفور، أشار مواطنون إلى أن دفاعات الجيش تصدت لهجوم نفذته مجموعة من قوات "الدعم السريع"، التي حاولت التوغل إلى الأحياء الشمالية للمدينة، وتبادل الطرفان إطلاق الرصاص والمدفعية الثقيلة، حيث أحدثت أضرار بالغة في عدد من منازل المواطنين، مشيرين إلى انسحاب القوات المهاجمة بعد فترة من المناوشات إلى خارج المدينة.
لكن ظل الوضع متوتراً بين طرفي النزاع من جهة والحركات المسلحة وقوات "الدعم السريع" من جهة أخرى، حيث تواصل كل الأطراف حشد مناصريها استعداداً لمعركة محتملة قد تشهدها المدينة المكتظة بالسكان ونازحي الحرب التي طالت أربع ولايات في الإقليم.
وكانت تقارير إعلامية، أشارت إلى عزم القوة المشتركة للحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام إخراج الجيش السوداني من مدينة الفاشر، سلماً أو حرباً، وتسليم المدينة لقوات "الدعم السريع"، لكن عدد من القيادات في هذه الحركات استبعد أن يحدث هذا الأمر، مؤكدين تمسكهم بمنع مهاجمة قوات "الدعم السريع" للمدينة المكتظة بالنازحين وتم إبلاغ هذه القوات وبشكل مباشر وتحذيرها من الإقدام على أي خطوة لدخول الفاشر.
وتزامنت هذه التقارير، مع وصول رئيس حركة تحرير السودان (المجلس الانتقالي) الهادي إدريس، ورئيس تجمع قوى تحرير السودان الطاهر حجر المتمسكان بمبدأ الحياد في الحرب لولاية شمال دارفور.
جنوب كردفان
في كردفان، نفذ طيران الجيش غارات جوية عدة في أطراف مدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان التي تشهد توترات أمنية خطرة بعد اشتباكات دارت بين قوات من الجيش السوداني والحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال) بقيادة عبدالعزيز الحلو ضد قوات "الدعم السريع" التي حاولت دخول المدينة من أجل السيطرة عليها.
ووفقاً لمواطنين، فإن سكان المدينة يعيشون في حالة من الذعر بسبب الخوف من هجوم محتمل من تلك القوات، في وقت تشهد المدينة توتراً أهلياً بين قبيلتي النوبة والحوازمة، حيث تعرض عدد كبير من منازل المواطنين في أحياء القوز والمطار وأبوزيد التي يسكنها الحوازمة للحريق الكامل، فضلاً عن انقطاع خدمات المياه والكهرباء في كل مناطق المدينة، مما زاد من معاناة سكانها بشكل لا يوصف.
وقالت وزارة الإعلام، إن دخول الحركة الشعبية للمدينة كان له الأثر الكبير في إرهاب قوات "الدعم السريع" وطردهم خارج مدينة الدلنج فيما لم تسجل أي حالات اعتداء على المدنيين أو اغتصاب أو سرقات للأسواق أو الممتلكات الحكومية في الوقت الذي تمارس الشرطة وجهاز الأمن دورهما في تأمين الأحياء والأسواق والممتلكات والبنوك.
هدوء حذر
وفي ود مدني ساد الهدوء الحذر المدينة التي تسيطر عليها "الدعم السريع" منذ 18 ديسمبر (كانون الأول)، وما زالت هذه القوات تمارس انتهاكاتها في ولاية الجزيرة بافتحام عديد من قراها من أجل سرقة السيارات الخاصة بالمواطنين، وذلك على رغم تعهدات قائدها بمحاسبة من سماهم المتفلتين.
وقال محامو الطوارئ في بيان، أمس، إن قوة من "الدعم السريع" جاءت على أرتال من مركبات الدفع الرباعي واعتدت على المدنيين في مدينة المعيلق التابعة لمحلية الكاملين بولاية الجزيرة الخالية من أي مظاهر عسكرية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح البيان أن القوة المعتدية قامت بضرب المدنيين العزل بوابل من الرصاص نتج عنه مقتل مواطن وإصابة مدنيين آخرين.
واستنكر البيان السلوك الذي تنتهجه هذه القوات بالتعدي غير المبرر على المدنيين ونهب ممتلكاتهم، مشيراً إلى أن المدنيين والأعيان المدنية محمية بموجب معاهدات جنيف المؤسسة لقواعد القانون الدولي الإنساني وأن مخالفتها تمثل جريمة حرب تجعل مرتكبيها عرضة للمساءلة أمام المحكمة الجنائية الدولية.
اتهامات متبادلة
في الأثناء، هاجم تحالف قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، القرارات التي أصدرها، أخيراً، والي نهر النيل، بحظر نشاطها ولجان المقاومة وحل لجان التغيير والخدمات، وإعلانه تكوين لجان للاستنفار بالولاية، مما يؤكد صلة ودور النظام السابق بالحرب المندلعة حالياً في البلاد بين الجيش و"الدعم السريع".
وأشار التحالف في بيان إلى أن "التوجهات والإجراءات المتتالية التي يقوم بها والي النظام السابق بنهر النيل وعلى رأسها الاعتقالات على أساس إقليمي وإثني وجهوي ومساعي وخطوات جرف البلاد لحرب أهلية وآخرها هذه القرارات التي تعد بمثابة إزالة الغشاوة عن العقول والعيون وتأكيد لحقائق ظل البعض ينكرها أو يتعمد إخفاءها حول صلة ودور النظام البائد بحرب 15 أبريل (نيسان) 2023".
وتابع البيان "هذه القرارات تؤكد أن الاستهداف يتجاوز الحرية والتغيير ويطال كل داعمي ثورة ديسمبر (كانون الأول) وقواها المدنية وجعلها أثراً بعد عين وإعادة احياء النظام البائد من جديد"، لافتاً إلى أن هذه القرارات يترتب عليها مفاقمة وزيادة المعاناة على المواطنين والنازحين للولاية ومدنها ممن يتلقون خدمات ومساعدات لجان الخدمات التي تسد غياب مؤسسات الدولة عبر توفير الحاجات الضرورية بما يزيد المعاناة الإنسانية.
وأكد التحالف أنه سيستمر في نشاطه بالولاية رغم أنف أي سلطة أمر واقع شمولية التوجه ديكتاتورية الهوى، ولن يعير تلك القرارات أي اهتمام يذكر.
موافقة الحلو
إلى ذلك، أعلنت الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبدالعزيز الحلو، موافقتها على لقاء تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، لمناقشة وقف الحرب في السودان.
وكانت التنسيقية وجهت في وقت سابق دعوات إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان، والحزب الشيوعي السوداني، وحزب البعث، وحركة تحرير السودان قيادة عبدالواحد محمد نور، وذلك ضمن جهودها لحشد الدعم السياسي لوقف الحرب.
ورحب مكتب رئيس الحركة الشعبية في بيان، بالجلوس مع أي طرف أو جهة أو قوى ترغب في إنهاء معاناة السودانيين المستمرة منذ عهود بعيدة، مؤكداً أن الحركة الشعبية تقترح أن تتضمن أجندة النقاش قضايا الهوية الوطنية والوحدة الطوعية، وقضية علاقة الدين بالدولة، والتحول الديمقراطي، ونظام الحكم، والمشكلات الاقتصادية، والمحاسبة التاريخية، والترتيبات الأمنية، وذلك من أجل الوصول إلى حل نهائي وشامل لحروب السودان.
وشكر البيان تنسيقية "تقدم" على دعوتها واهتمامها بالجلوس مع الحركة الشعبية لمناقشة القضايا المصيرية التي تهم البلاد، مشيداً بهذا النهج كآلية لمعالجة جذور المشكلة السودانية.
وكانت تنسيقية "تقدم" وقوات "الدعم السريع" وقعتا في الثاني من يناير (كانون الثاني) بأديس أبابا إعلاناً سياسياً يرمي لإنهاء الحرب في البلاد، تعهدت فيه الأخيرة عن استعدادها للوقف الفوري غير المشروط للعدائيات.
عدد النازحين
دولياً، قالت منظمة الهجرة الدولية، أمس الثلاثاء، إن أعداد النازحين السودانيين داخلياً وخارجياً ارتفعت إلى 6.036.176 فرداً يمثلون 1.201.356 أسرة، مشيرة إلى أن ما يقدر بنحو 1.574.135 شخصاً عبروا الحدود إلى البلدان المجاورة.
وأشارت المنظمة في تقرير لمصفوفة تتبع النزوح في السودان إلى أن أعلى نسب النازحين كانت في جنوب دارفور بواقع 12 في المئة، وشرق دارفور ونهر النيل 11 في المئة، وكل من الجزيرة والنيل الأبيض وشمال دارفور 8 في المئة منتشرين في 6.282 موقعاً في جميع ولايات السودان الـ18.
وأفادت الفرق الميدانية لمنظمة الهجرة الدولية أن النازحين الذين تمت ملاحظتهم كانوا في الأصل نازحين من 12 ولاية. وبينت التقارير أن الغالبية 3.681.297 ما نسبتهم 61 في المئة نزحوا من ولاية الخرطوم، تليها جنوب دارفور 15 في المئة، وشمال دارفور 8 في المئة، والجزيرة 5 في المئة، وسط دارفور 4 في المئة، وغرب دارفور 3 في المئة، وكل من شرق دارفور وجنوب وشمال وغرب كردفان وسنار والنيل الأبيض بواقع 1 في المئة.