ملخص
هل ستحدد أيوا ونيو هامبشاير هوية المرشح الجمهوري لخوض انتخابات الرئاسة الأميركية؟
فيما يتطلع الأميركيون بشغف لانطلاق أول منافستين حاسمتين في الانتخابات التمهيدية الرئاسية لعام 2024، أي المؤتمرات الحزبية في ولاية أيوا في الـ15 يناير (كانون الثاني) الجاري والانتخابات الأولية في نيو هامبشاير في الـ23 من يناير، تبرز تساؤلات عديدة حول ما إذا كان هذا السباق انتهى بالفعل قبل أن يبدأ مع تضاؤل فرص تغلب المرشحين الجمهوريين على الرئيس السابق دونالد ترمب، وعدم ظهور مرشح قوي بين الديمقراطيين يمكن أن ينافس الرئيس الحالي جو بايدن.
فهل ما زالت هناك مفاجآت ممكنة يمكن أن تتكشف خلال أيام؟ وهل ستحدد هاتان الولايتان شكل انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل؟
عبر التاريخ
يواصل دونالد ترمب تحقيق تقدم كبير في استطلاعات الرأي على جميع المرشحين في السباق التمهيدي للحزب الجمهوري على رغم جميع المشكلات القانونية التي تحاصره، كما يتقدم جو بايدن بشكل مريح على أي منافس ديمقراطي بينما يبدو أنه مصمم على المضي قدماً في ترشحه لفترة رئاسية ثانية حتى في ظل الشكوك حول عمره وتراجع تأييده بين الأميركيين الذي وصل إلى أدنى مستوى له، ومع ذلك تشير التجارب التاريخية إلى أن استطلاعات الرأي وتوقعاتها بمن سيفوز بترشيح حزبه، هو عمل محفوف بالأخطار، حيث يمكن أن تكون التنبؤات معيبة.
وعلى سبيل المثال، تظهر عبر التاريخ أن الفوز في ولاية أيوا لا يضمن النجاح في بقية السباق، وصولاً إلى ترشيح الحزب أو حتى الفوز في الانتخابات العامة في نوفمبر، وعلى رغم أن المؤتمرات الحزبية التي تعقد في ولاية أيوا والمقرر عقدها هذا العام، الإثنين، كانت بمثابة أرض اختبار للمرشحين الرئاسيين منذ عام 1972 وفرصة لضخ موجة من الزخم لحملاتهم في ولايات أخرى، فإنه خلال العقود الخمسة الماضية، لم يتمكن المرشحون الرئاسيون الذين فازوا في المؤتمرات الحزبية في ولاية أيوا من الوصول إلى منصب الرئيس 16 مرة.
كما لم يتمكن ثمانية ممن فازوا بولاية أيوا من نيل ترشيح حزبهم في المؤتمرات الوطنية التي تعقد في الصيف التالي، بينما فاز بولاية أيوا وبالرئاسة أيضاً ثلاثة رؤساء فقط هما الديمقراطيان جيمي كارتر عام 1976 وباراك أوباما عام 2008، وكذلك الجمهوري جورج دبليو بوش في 2000، وفي المقابل كان هناك عدد قليل ممن خسروا ولاية أيوا، لكنهم فازوا بالرئاسة، وجميعهم جمهوريون وهم رونالد ريغان 1980، وجورج أتش بوش 1988 ودونالد ترمب في 2016.
أهمية أيوا ونيو هامبشاير
وفي حين يمثل ولاية أيوا 40 مندوباً وولاية نيو هامبشاير 22 مندوباً فقط من بين 2365 مندوباً ملتزماً يمثلون كافة الولايات الأميركية في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري الذي سينعقد في يوليو (تموز) المقبل لاختيار مرشح الحزب، احتفظت هاتان الولايتان بأهمية كبيرة لأسباب عدة وفقاً للمؤتمر الوطني للهيئات التشريعية في الولايات المتحدة لأن الناخبين في ولايتي أيوا ونيو هامبشاير يتخذون الخطوات الأولى في غربلة المرشحين الذين يحرصون مع انطلاق مسيرة الانتخابات على تقديم أنفسهم وسياساتهم للجمهور، ولهذا يتجولون في المقاطعات المختلفة للولايتين ويصافحون الناس ويذهبون للمطاعم والأماكن العامة ويقضون وقتاً أطول في الاستماع إلى الناخبين مباشرة أكثر مما يقضونه في أي مرحلة أخرى من الدورة الانتخابية.
ويحظى الفائزون بأي من الولايتين باهتمام وسائل الإعلام، ودعم من المانحين الماليين، ويتمتعون بسمعة طيبة باعتبارهم المتسابق الأول الذي يمكنه التأثير في الناخبين في أماكن أخرى على رغم الانتقادات التي توجه بأن أياً من الولايتين ليس نموذجياً، ولا تمثلان الناخبين تمثيلاً عادلاً بالنظر إلى أن أيوا ونيو هامبشاير أقل تنوعاً من الناحية العرقية مقارنة مع الولايات الأخرى بصورة عامة، كما أن متوسط العمر في نيو هامبشاير أكبر من متوسط العمر في البلاد ككل.
رهانات ترمب
ومنذ عقود مضت، تكشف الولايات التي تجري بها انتخابات تمهيدية أو مؤتمرات حزبية في وقت مبكر، عن المرشح الواضح للحزب عادة، وهو ما يراهن عليه الرئيس السابق دونالد ترمب الذي يحظى بأكبر نسبة تأييد حتى الآن، ويستعد لاختبار المؤتمرات الحزبية في ولاية أيوا قوته المستمرة الواضحة بين الجمهوريين وما إذا كان أي شخص آخر يمكنه بالفعل أن ينافسه.
ويطمح ترمب في تأكيد اكتساحه للأصوات الجمهورية بحلول الخامس من مارس (آذار) المقبل، وهو الموعد الذي تصوت فيه 16 ولاية في وقت واحد، والذي يطلق عليه اسم "الثلاثاء الكبير" حيث يتم حسم 40 في المئة من المندوبين في ذلك اليوم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبينما يتجسد الصراع الأساس بين المرشحين الجمهوريين، تظل الصورة مختلفة بالنسبة إلى الديمقراطيين الذين سيعقدون اجتماعاتهم الحزبية أيضاً في أيوا، لكنهم لن يدلوا بأصواتهم لمنصب الرئيس هذا العام، وبدلاً من ذلك، سيستخدمون بطاقات الاقتراع عبر البريد وسيقومون بإحصاء تلك الأصوات بحلول الخامس من مارس المقبل، وهو تغيير حرص الديمقراطيون على تفعيله بعد المؤتمرات الانتخابية في أيوا عام 2020 التي لم يحقق فيها بايدن نتيجة جيدة.
صراع المركز الثاني
وفي مقابل طموحات ترمب في حسم معركته بأسرع وقت في كل من أيوا ونيو هامبشاير، يحتاج حاكم فلوريدا رون ديسانتيس إلى تقديم عرض قوي في ولاية أيوا التي زار جميع مقاطعاتها الـ99 لمواصلة تأكيد أنه ينبغي أن يكون البديل الرئيس لترمب، بينما تعمل سفيرة الولايات المتحدة السابقة في الأمم المتحدة وحاكمة ولاية ساوث كارولينا السابقة نيكي هايلي على تحويل الزخم الذي اكتسبته خلال الأسابيع الأخيرة خاصة في ولاية نيو هامبشاير إلى واقع يرسخ فكرة أنها البديل الأفضل للرئيس السابق ترمب، مما يعني أن الصراع الحقيقي يدور حول من يتبوأ المركز الثاني خلف ترمب في هاتين الولايتين.
وفي حين يسعى ديسانتس إلى إنهاء السباق متقدماً على هيلي في ولاية أيوا حتى يتمكن من القول إنه يجب عليه البقاء في السباق، يرى ترمب زخم هيلي في نيو هامبشاير، وهو يحتاج إلى فوز مدو هناك لمحاولة إفشال تقدمها وحسم السباق لصالحه بأسرع وقت، بخاصة بعدما أظهر آخر استطلاع للرأي أجرته جامعة نيو هامبشاير إلى أن الفارق تقلص إلى سبع نقاط فقط في الولاية بين ترمب وهايلي التي تعتمد في تقدمها على تصويت شريحة كبيرة من غير المنتسبين للحزب الجمهوري لصالحها وفقاً للنظام الانتخابي في الولاية.
ومن المتوقع أن يحصل صاحب المركز الثاني على دفعة من الدعاية والاهتمام من وسائل الإعلام التي ستحاول جذب الانتباه إليه وتقديمه على أنه منافس ترمب القوى الذي يمكن أن تتزايد شعبيته حال تأييد المنافسين الآخرين له ضد ترمب، بخاصة أنه من المرجح بدرجة كبيرة أن تؤدي النتائج السيئة في ولايتي أيوا ونيو هامبشاير للمرشحين الآخرين مثل حاكم ولاية نيوجيرسي السابق كريس كريستي، ورائد الأعمال فيفيك راماسوامي وحاكم ولاية أركنساس السابق آسا هاتشنسون إلى انحسار الأضواء عن ترشيحهم، وربما انسحاب بعضهم من السباق.
هل يحسم ترمب المعركة؟
يرى المتخصص في الانتخابات واستطلاعات الرأي العام فرانك لونتز أن الناس لا يدركون اختلاف الناخبين بين أيوا ونيو هامبشاير، حيث تضم ولاية أيوا نسبة كبيرة من المحافظين المسيحيين وهم أكثر يمينية وتديناً، وهو ما يشير إلى وجود قاعدة جمهورية قوية، وهذا ما يفسر أن دونالد ترمب ليس معرضاً لأي نوع من الأخطار في ولاية أيوا التي يهيمن عليها الآن بعدما حصل على أصوات المحافظين المسيحيين، وأصوات معظم الشخصيات السياسية في الولاية، كما أنه ليس هناك مجال أمام المستقلين للمشاركة في الانتخابات على عكس ولاية نيو هامبشاير التي تسمح للمستقلين بالتصويت، مما يؤدي إلى توسيع قاعدة الناخبين، ولهذا فإن نيو هامبشاير تعتبر أكثر انعكاساً للرأي العام في الولايات المتحدة من أيوا.
ومن هذه الزاوية فإن نيو هامبشاير تعد مهمة للغاية في عام 2024، فإذا فاز بها دونالد ترمب بنسبة 50 في المئة من الأصوات، أو إذا تغلب على ديسانيس ونيكي هالي بفارق 15 نقطة أو أكثر، فسيكون الأمر قد حسم غالباً لصالح ترمب وانتهي الأمر حتى قبل أن نصل إلى يوم "الثلاثاء الكبير" في الخامس من مارس المقبل، بحسب رأي لونتز.
ويعترف مؤرخون بأنه لم يسبق لأي مرشح في التاريخ الأميركي أن حصل على هذا النوع من التقدم في استطلاعات الرأي الذي حصل عليه دونالد ترمب في ولايات أيوا ونيو هامبشاير وساوث كارولينا ونيفادا، وهي الولايات الأربع الأولى في الانتخابات التمهيدية، ولم يسبق لأحد أن حصل على هذا التقدم وخسر ترشيح حزبه.
ما حظوظ نيكي هايلي؟
أيد حاكم نيو هامبشاير كريس سونونو، نيكي هايلي، وكان لذلك تأثير هائل على تزايد تأييدها في الولاية التي تميل إلى الليبرالية في تصويتها، وإذا كان بإمكانها الحصول على أداء أكثر فاعلية في المناظرة ضد ديسانتس قبيل الانتخابات كما فعلت منذ بدء الحملة، فقد تقترب من هزيمة دونالد ترمب في هذه الولاية، وإذا فعلت ذلك، فسيكون هناك صدى واسع حول العالم بما يحول المنافسة إلى سباق حقيقي، على حساب الحاكم ديسانتس الذي كانت أسهمه تتراجع في أيوا وفي نيو هامبشاير.
لكن الصراع التالي لن يكون سهلاً، إذ عليها بعد ذلك أن تثبت قدرتها على الفوز في ولايتها الأصلية ساوث كارولينا، لأنه في النهاية، إذا لم تتمكن هايلي من تحقيق هذين الانتصارين، سيكتسح دونالد ترمب يوم "الثلاثاء الكبير" وينتهي الأمر.
وبسبب لوائح الاتهام التي تواجه ترمب، من المرجح بحسب الاستراتيجيين الجمهوريين أن يحصل ترمب على ترشيح الحزب الجمهوري، وبخاصة بعدما تم استبعاده من صناديق الاقتراع في كولورادو، ما يعزز وضع ترمب بين الجمهوريين الذين احتشدوا حوله ويصدقون اتهاماته بأنه ضحية ويتعرض للاضطهاد، وليس فقط للمحاكمة، وهكذا فإن كل واحدة من هذه الهجمات جعلت مسيرة ترمب نحو الترشيح أسهل بكثير.