Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سيرشا رونان: رحلة نجاح سينمائية متنوعة لموهبة جريئة

لم تبلغ النجمة الإيرلندية، بطلة أفلام "نساء صغيرات" و"ليدي بيرد" و"بروكلين"، عامها الـ30 بعد ولكن في رصيدها 4 ترشيحات للأوسكار حتى الآن

الممثلة الإيرلندية سيرشا رونان في دورها الذي رشح لجائزة الأوسكار في فيلم "ليدي بيرد" (فوكوس بكتشرز)

ملخص

تتمتع الممثلة الإيرلندية سيرشا رونان بموهبة تمثيل طبيعية مذهلة ممزوجة بجمالها غير العادي

كانت ميريل ستريب في الـ29 عندما ترشحت لجوائز الأوسكار لأول مرة. سيرشا رونان الآن في العمر نفسه، ولديها بالفعل أربعة ترشيحات. الممثلة الإيرلندية، التي قدرت الأكاديمية [أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة التي تمنح جوائز الأوسكار] موهبتها لأدوارها في أفلام "تكفير" Atonement و"بروكلين" Brooklyn  و"ليدي بيرد" Lady Bird و"نساء صغيرات" Little Women، هي شخصية مربكة. إنها لا تبدو مثل نجمة سينمائية ضخمة وشهيرة. يلاحقها مصورو المشاهير (باباراتزي) بين الفينة والأخرى (كتبت صحيفة "أيريش صن" Irish Sun عندما ظهرت، أخيراً، في حفل أقيم في هوليوود: "تبدو رونان مذهلة في إطلالة جريئة في ظهور نادر على السجادة الحمراء"، لكنها بالكاد تكون محط اهتمام أعمدة القيل والقال. ولا تزال نسبة كبيرة من الجمهور تجد صعوبة في نطق اسمها الأول (إنه سيرشا وليس ساويرس مثلما يكتب بالأحرف اللاتينية.

يبدو أن هذا الأمر مُتعمد، فرونان تواصل المشاركة بشكل أساسي في أفلام مستقلة وغير تقليدية على رغم الثناء الكبير الذي حصلت عليه. حتى إنها كانت على وشك الظهور كضيفة شرف في فيلم "باربي" Barbie لصديقتها ومرشدتها المخرجة غريتا غيرويغ، إلا أن هذا لم يحدث وفشلت الفكرة. بدلاً من ذلك، يمكننا رؤيتها حالياً إلى جانب بول ميسكال في فيلم الخيال العلمي "عدو" Foe للمخرج غارث ديفيس الذي استقبله النقاد بآراء متباينة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي غضون أسابيع قليلة، ستكون في مهرجاني صندانس وبرلين السينمائيين مع أحدث خياراتها الجريئة "الفرار" The Outrun. الفيلم الذي أخرجته الألمانية نورا فينغشايت، مقتبس من مذكرات الصحفية والكاتبة الاسكتلندية إيمي ليبتروت التي تحمل العنوان نفسه. تدور أحداث القصة حول امرأة شابة تعاني من مشاكل خطرة في تعاطي المخدرات والكحول، ومباشرة بعد مغادرتها مركز إعادة التأهيل ترحل عن لندن وتنتقل إلى جزر أوركني، حيث نشأت. وهناك تأمل في أن تعيد لملمة حياتها المبعثرة.

أخبرتني فينغشايت: "تتمتع سيرشا بموهبة تمثيل طبيعية مذهلة، ممزوجة بجمالها غير العادي... ولكن هناك هذا "العنصر" الساحر الذي تمتلكه، والذي يصعب شرحه بالكلمات: إنها تظهر جاذبية فريدة على الشاشة في أبسط الأمور، مثل تنظيف أسنانها". أؤيدها الرأي: هناك شيء مبهم فيها يجده الجمهور مثيراً وجذاباً بشدة.

يقدم "الفرار" صورة أخرى من تجسيدات رونان لشخصية غريبة ومضطربة شائكة. بغض النظر عن الإطار الذي تدور فيه القصة، سواء أسند إليها دور ماري، ملكة اسكتلندا المنكوبة في فيلم السيرة الذاتية التاريخي الصادر عام 2018 ويحمل اسم الملكة، أو طالبة في المرحلة الثانوية في كاليفورنيا الثائرة على خلفيتها في فيلم "ليدي بيرد" للمخرجة غيرويغ الصادر سنة 2017، فإنها غالباً ما تلعب أدوار الشخصيات المتمردة المحاصرة في عوالم تسعى جاهدة لتغييرها أو الهروب منها.

واتخذت هذا المسار منذ بداية حياتها المهنية، عندما أسند إليها دورها المذهل في فيلم "تكفير" للمخرج جو رايت الصادر سنة 2007. نحن نرى الشخصية التي تؤديها، بريوني تاليس البالغة من العمر 13 عاماً، لأول مرة وهي تستخدم الآلة الكاتبة، واضعة اللمسات الأخيرة على مسرحيتها الجديدة بعنوان "محاكمات آرابيلا". إنها مراهقة نشيطة وجادة ومبكرة النضج من الطبقة الرفيعة، لكنها لسوء الحظ تتمتع بموهبة إساءة فهم سلوك البالغين. تعيش بريوني حياة رائعة في منزل ريفي إنجليزي في ثلاثينيات القرن العشرين، لكنها لا تستطيع فهم العلاقة بين أختها الكبرى سيسيليا (تجسدها كييرا نايتلي) والبستاني الشاب الوسيم روبي (جيمس ماكافوي). الفروق الدقيقة في الجنس والطبقة الاجتماعية أبعد من قدرات فهمها. عندما تسيء تفسير حادثة تشمل سيسيليا وروبي ثم تكذب في شأنها، فإنها تتسبب بأضرار جسيمة.

وكان واضحاً على الفور أن رونان طبيعية تماماً على الشاشة. لقد جمعت بين الشخصية القوية والسحر والفكاهة الساخرة وصفات الغرابة الغامضة. ففي المشاهد الأولى من "تكفير"، تظهر وهي تسير بجد في أرجاء المنزل، لتخبر أي شخص يصيخ إليها سمعه أنها انتهت من مسرحيتها وتأمره إما بالتمثيل فيها أو مشاهدتها.

وقال رايت لمجلة "فانيتي فير" عام 2017: "أُرسل إلينا شريط مصور لفتاة صغيرة تتحدث بشكل مثالي باللكنة الإنجليزية التي كانت سائدة في عشرينيات القرن الماضي... على الفور، كان واضحاً أنها تمتلك نوعاً من القوة والديناميكية والعزم. عندما طلبنا منها القدوم إلى لندن لتلتقي بنا وتقرأ النص معنا، صُدمتُ عندما اكتشفت أنها طفلة إيرلندية صغيرة تتحدث بلكنة إيرلندية شديدة. اعتقدت أن خطأ ما حدث ربما. وبعد ذلك جلست لأقرأ معها، وبمجرد أن بدأت القراءة، أدركت أنها موهبة غير عادية".

في فيلم "تكفير"، تظهر بريوني باستمرار وهي تتربص في الظل، تتجسس أو تتنصت على أختها الكبرى. إنها في الوقت نفسه مفتونة بالعاشقين الشابين ومشمئزة منهما. هذه مشاعر معقدة يصعب التعبير عنها حتى بالنسبة لممثلة ذات خبرة، فما بالك بطفلة. ومع ذلك، أدت رونان الدور بشكل رائع.

لم يكن "تكفير" العمل الأول لرونان، إذ ظهرت بالفعل في الفيلم الكوميدية الرومانسية "لا أستطيع أن أكون امرأتك أبداً" I Could Never Be Your Woman  للمخرجة إيمي هيكرلينغ الذي طُرح مباشرة على الفيديو [للعرض المنزلي] عام 2007، في دور ابنة البطلة التي تجسدها ميشيل فايفر. كان أداء الفيلم سيئاً –وصفته مجلة فيرايتي" بـ"مزيج غير مضحك للغاية من الهجاء الفاتر لصناعة الترفيه والكوميديا الرومانسية التأليفية"- لكن رونان نجحت في ترك انطباع قوي كتلك الفتاة "التي تنمو بسرعة كبيرة".

ويزخر تاريخ السينما بقصص النجوم الأطفال الذين ذوت حياتهم المهنية بمجرد وصولهم مرحلة المراهقة، وقد واجهت رونان صراعاتها الخاصة. قالت للصحافية لين هيرشبيرغ عام 2020: "مررت بمرحلة غريبة عندما كنت مراهقة... حيث لم يعد بإمكاني المشاركة بأفلام اليافعين إلى حد بعيد، ولا يمكنني أن ألعب أدوار الأطفال، لكنني لست امرأة بعد. ربما كان الناس في صناعة السينما يعرفونني قليلاً، إلا أنني لم أكن ممثلة مدرة للأرباح بأي شكل من الأشكال".

على كل حال، سرعان ما أصبح واضحاً أنها كانت تجيد لعب أدوار المراهقات المتمردات تماماً مثل إجادتها تجسيد الطفلات الوديعات. كان فيلم "بروكلين" الصادر سنة 2015 للمخرج جون كراولي، والمقتبس من رواية كولم تويبين، بمثابة مشروع تحويلي وشخصي جداً بالنسبة لها. ولدت رونان في نيويورك -وانتقلت إلى دبلن في سن الثالثة- لأبوين غادرا إيرلندا لبناء حياة جديدة في الولايات المتحدة. تفعل الفتاة التي تجسدها في الفيلم الشيء عينه، إذ تنتقل من مقاطعة ويكسفورد إلى نيويورك. في البداية، كانت تائهة تماماً وضائعة وتحن إلى الوطن، لكنها سرعان ما بدأت بالازدهار.

وتحدثت رونان عن "الاختباء وراء" اللكنات. وفي "بروكلين" كانت المرة الوحيدة التي تلعب فيها دور شخصية إيرلندية. كان هذا أيضاً أحد الأفلام الأولى التي لم تكن فيها الابنة أو الأخت أو الصاحبة فقط. عملت بالفعل مع عديد من المخرجين الحائزين على جوائز أوسكار – من بينهم بيتر جاكسون (في فيلم "الصلابة الجميلة" The Lovely Bones عام 2009)، كيفن ماكدونالد (في فيلم "كيف نعيش الآن" How We Live Now عام 2013)، نيل جوردان (في فيلم "بيزنطة" Byzantium عام 2012) وويس أندرسون (في فيلم "فندق بودابست الكبير" The Grand Budapest Hotel عام 2014). لكن فيلم "بروكلين" وضعها في دور البطلة الدرامية في عمل حائز على جوائز.

كما أن رونان قدمت أداء أفضل في دور كريستين، المراهقة المتمردة في فيلم "ليدي بيرد" لـغيرويغ. مرة أخرى، جمعت شخصيتها بين الثقة وانعدام الأمن. إنها شابة ذكية في سنتها الدراسية الأخيرة وعالقة في بلدة معدومة الفرص في كاليفورنيا. إنها تحلم بالهروب وارتياد إحدى جامعات المرموقة ضمن ما يسمى رابطة اللبلاب (آيفي ليغ) [رابطة تجمع ثماني جامعات تعتبر من أشهر وأقدم وأعرق جامعات الولايات المتحدة الأميركية والعالم]، لكن الجميع يسخرون من طموحها، بدءاً من والديها وحتى مستشاريها المهنيين.

أحد أسباب نجاح الفيلم هو أن الجمهور يشعر بسهولة بوجود رابط معها. لم تكن كريستين، التي أطلقت على نفسها لقب "ليدي بيرد" في محاولة لإعادة اكتشاف نفسها، فتاة منعزلة إلى أقصى الحدود في الفيلم، لكنها كانت ودودة ومرحة. لا يعني ذلك أنها كانت لطيفة أيضاً. يمكن لأي شاب تربطه بوالديه علاقة حب لكنها مستنزفة أن يتعاطف مع مشاحناتها مع والدتها (لوري ميتكالف). وحتى لو لم يشعر بالغضب الشديد بسبب التوبيخ لدرجة أنه يقفز من السيارة وهي تسير - كما فعلت كريستين في مشهد شهير في الفيلم- فمن المحتمل أنه رغب بالقيام بذلك.

ولفهم القوة المطلقة لشخصية رونان وجاذبيتها بشكل أفضل، شاهدوها في دور الكاتبة الشابة الطموحة جو مارش في فيلم "نساء صغيرات" للمخرجة غيرويغ المقتبس من رواية لويزا ماي ألكوت بالعنوان نفسه. جو هي واحدة من أربع أخوات يعشن في ماساتشوستس في ستينيات القرن الـ19، فيما وصفته غيرويغ بـ "المدينة الفاضلة الأنثوية المجيدة" مع والدتهن المضحية بنفسها، مارمي (لورا ديرن). الحرب الأهلية مستعرة، ووالدهن يحارب بعيداً، المال شحيح والطعام نادر. ومع ذلك يبدو أن العائلة تنعم بالسعادة.

ويبدأ الفيلم بمشهد تدور أحداثه بعد بضع سنوات. تحاول جو بيع إحدى قصصها لمجلة "ويكلي فولكينو" Weekly Volcano. يقوم رئيس التحرير (يؤديه تريسي ليتس) بقراءة نصها سريعاً، ويتجاوز بعض الصفحات، ويضحك على بعضها، ويخربش في بعضها الآخر. تجلس جو أمامه متوترة، وتبدو في قمة تعاستها - حتى يفاجئها بقبول القصة. المشهد قصير جداً، لكن في ظهور لا يتجاوز لحظات قليلة على الشاشة، لا تزال رونان قادرة على نقل مشاعر متناقضة عديدة: الحذر والأمل والخذلان وأخيراً البهجة. إنها إلى حد بعيد الأقوى إرادة بين الأخوات، حيث رفضت عرضاً بالزواج من صديقها لوري (تيموثي شالاميه) ولم تقبل التخلي عن حقوق الملكية الفكرية لكتابها. تجلب رونان إلى هذا الدور شراسة شبيهة بشراسة محاربة، بينما تُظهر أيضاً روح الدعابة والدفء اللذين تتمتع بهما جو.

خلال السنوات الـ16 التي تلت "تكفير"، جسدت رونان كل أنواع الأدوار التي يمكن تخيلها، بدءاً بالملكات المنكوبات ومثليات الجنس في العصر الفيكتوري (كما في فيلم "أمونيت" Ammonite الصادر عام 2020)، وحتى الشرطيات الرائدات في خمسينيات القرن الماضي (في فيلم "انظر كيف يركضون" See How They Run الصادر عام 2022). قدمت أعمال التراجيديا والكوميديا ومصاصي الدماء المرعبة والخيال العلمي، ولديها أيضاً شركة إنتاج خاصة بها هي "آركيد بيكتشرز" Arcade Pictures التي تديرها مع شريكها جاك لودين والمنتج دومينيك نوريس.

وتقول فينغشايت: "التعامل مع سيرشا سهل والعمل معها رائع، سواء كمنتجة أو ممثلة... إنها دائماً منفتحة ولديها فضول لاستكشاف طرق مختلفة لتنفيذ المشهد، لكنها في الوقت نفسه واضحة جداً في شأن ما يبدو صائباً وما يبدو خطأً".

ولم تبلغ النجمة الإيرلندية الـ30 من عمرها بعد، وأمامها طريق طويل لتنافس عدد الترشيحات الـ21 التي تمتلكها ستريب لجوائز الأوسكار (وثلاثة انتصارات)، لكن ما زال أمامها متسع من الوقت للوصول إلى هناك. ويبدو أن فيلم "الفرار" الذي أشاد به القائمون على مهرجان صندانس بالفعل لأدائه المركزي "المفجع والإنساني"، سيكون فيلماً آخر يعيدها مباشرة إلى دائرة الجوائز.

بدأ عرض فيلم "عدو" على منصة برايم فيديو "أمازون" اعتباراً من الخامس من يناير، بينما سيكون العرض الأول لـ"الفرار" في مهرجان صندانس السينمائي في 19 يناير، يليه عرض ضمن فعاليات مهرجان برلين السينمائي الدولي التي تستمر من 15 إلى 25 فبراير.

© The Independent

المزيد من سينما