Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السينما العربية بين التمويل المحلي والدعم الأجنبي

بعض المؤسسات الإنتاجية تفرض أحياناً على المخرج أن يكون الطاقم جديداً لناحية وجوه الممثلين واختيار الفاعلين في الوسط الفني

يعمل كثير من المنتجين والمخرجين على مراعاة الشرط الإنساني كعامل أساس في قبول الفيلم (وسائل التواصل)

ملخص

أصبحت الفيلموغرافيا العربية تمتلك من المميزات ما يجعلها تقترب من بعض الأفلام العالمية من ناحية اختيارها لبعض المواضيع بالغة الحساسية

شهدت السينما العربية خلال الأعوام الأخيرة تحولاً مفاهيمياً كبيراً جعل صورها تخترق الحدود والسياجات التي عادة ما ترسمها لها مؤسسات الإنتاج الوطنية، فأصبحت الفيلموغرافيا العربية تمتلك من المميزات ما يجعلها تقترب من بعض الأفلام العالمية من ناحية اختيارها لبعض المواضيع بالغة الحساسية.

وظلّت السينما محكوم عليها بالوهن بسبب الدعم الوطني الهزيل المقدم لبعض الأفلام الذي يسهم في التضييق بصورة أكبر على كتّاب السيناريو والمخرجين ولا يجعلهم يحلقون بعيداً في سماء الإبداع والحرية، لا سيما حين يتعلق الأمر بـ"تابوهات" المجتمع الخاصة بالدين والسياسة والجنس، فيكون الدعم بمثابة سلطة "قاهرة" على المخرج ورقابة حقيقية تعطّل ملكة الإبداع والابتكار.

إننا هنا أمام سلطة جديدة اتخذت من الإنتاج العربي لباساً لها تتحكم بالفيلم وتوجه المخرج السينمائي صوب أشياء قد لا يرغب فيها، بل إن بعض المؤسسات الإنتاجية تفرض أحياناً على المخرج أن يكون الطاقم جديداً لناحية وجوه الممثلين واختيار الفاعلين في الوسط الفني، لا سيما أننا أصبحنا نرى كثيراً من صناع المحتوى في عدد من المسلسلات والأفلام، مما يؤثر سلباً في العمل السينمائي لأنه يتدخل في طبيعة عمل السيناريست، بالتالي الشخصية، وما إذا كانت حقاً تتماشى مع الدور المسنود إليها.

المهرجان باعتباره وسيطاً

لعبت المهرجانات المقامة في عدد من الدول العربية والغربية مثل مالمو وأمستردام والأردن ومصر وغيرها في الرهان على عدد من الأفلام العربية المنتجة بصورة أو بأخرى بدعم أجنبي لأن إدارة هذه المهرجانات أضاءت على أهمية هذه الأفلام على المستوى العربي في أنها تفتح للسينما العربية منافذ جديدة تُضيء بها صناعتها وعوالمها. لكن هذا الاختيار لا يكون دائماً على حساب مفاهيم الهوية والعروبة والضرب في صميم ذلك، بل إن الاختيار مبني في أساسه على مفهوم الحرية التي يتيحها الدعم الأجنبي في تحرير مخيلة المخرج العربي، والحقيقة أن هذا الأمر أسهم بوعي كبير في تحرير السينما العربية والخروج من التقليد والابتذال، سواء من ناحية الكتابة والتخيل أو الصناعة السينمائية وأصالتها من الناحية الجمالية للصورة. وغالبية هذه الأفلام العربية حصلت على جوائز عربية رفيعة لأن الدعم أتاح لها إمكانات مذهلة في التعبير وقدرة لا متناهية في اختراق الواقع العربي بكل ما يطبعه من أهوال ومصائب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لم يعمل النقاد العرب اليوم على تفكيك ما يُسمّى "الإنتاج المشترك" لأنهم يعتبرون أن المسألة تقنية في أساسها، مع العلم أن مفهوم الإنتاج يقوم بدور كبير في التأثير في العمل السينمائي وتوجيهه إلى عوالم جديدة ومناخات غير مفكر فيها. فالنقد الكلاسيكي عادة ما يهتم بالعمل السينمائي حين ينتهي وليس باللحظات الجنينية التي منها يبدأ الفيلم بالتشكل في ذاتية المؤلف لحظة الكتابة.

وإن النقد في بعده الفكري عبارة عن سفر جمالي يحتّم على الناقد الغوص في تأمل السيناريو قبل انتقاله إلى الصورة والتفكير في ما ضاع في عملية الانتقال من الكلمة إلى الصورة السينمائية، ذلك لأن الشيء الذي يسقط أو يحذف قابل بنفسه إلى أن يصبح مادة للتفكير والتأمل. من ثم، فإن عملية الإنتاج السينمائي تستحق كثيراً من التوقف والتمعن والتفكير في مآلاتها اليوم، وما ينبغي أن تكون عليه في زمن يشهد فيه الفن السابع تحولاً فكرياً كبيراً، بخاصة أن هذه المؤسسات الإنتاجية تحقق ربحاً كبيراً كما هي الحال داخل سوق الإنتاجية المصرية. ففي مصر هناك عشرات الأفلام المنتجة بدعم محلي، لكنها تظل خاضعة لفعل الرقابة السينمائية، في حين أن الأفلام ذات الإنتاج المشترك تحظى بمتابعة عالية وباهتمام كبير من قبل النقاد، إضافة إلى حصولها على جوائز في أعرق المهرجانات الدولية.

سؤال الأيديولوجيا

من العناصر الصعبة والمركبة التي تظل دائماً مطروحة تلك التي تتعلق بمدى تأثير هذا الإنتاج في نمط وسير الفيلم من الناحية الفكرية لأن الأعمال السينمائية ليست مجرد وسيلة ترفيهية، ولكنها تختزن مجموعة من الأفكار السياسية التي قد لا تتماشى بالضرورة مع طبيعة المؤسسة الإنتاجية، لذلك تحرص المؤسسات الغربية على قراءة سيناريو الفيلم وفهم أبعاده وما يقترحه من رؤى ومواقف قبل الشروع في عملية إنتاجه، مخافة أن تصطدم أيديولوجيا المنتج مع أيديولوجيا المخرج فيتوقف الفيلم.

 وعلى هذا الأساس، يعمل كثير من المنتجين والمخرجين على مراعاة الشرط الإنساني كعامل أساس في قبول الفيلم ومحاولة تجنب كل الأفكار الراديكالية التي قد تنتقد جهة دون أخرى. لكن إذا كان هذا الأمر جيداً بالنسبة إلى المخرجين وكتاب السيناريو حتى تحصل أعمالهم على بعض من الدعم الأجنبي، فإن ذلك يؤثر سلباً في مفهوم العمل السينمائي ويجعله عملاً ناقصاً لأنه عوضاً عن التفكير في إدانة الواقع، يصبح الطموح تحقيق نوع من التوازن نظراً إلى مفهوم الواقع نفسه.

يقول الناقد الأردني عدنان مدانات "لا تزال إشكالية الإنتاج السينمائي المشترك ما بين السينمائيين العرب الأفراد والجهات الأوروبية الممولة تطرح نفسها بقوة وبصورة متجددة مع كل فيلم جديد يتم إنتاجه بدعم تمويلي أجنبي، ويتضمن قضايا أو عناصر مواضيع يبدو مجرد التطرق إليها نوعاً من الالتزام أو القبول غير المعلن من السينمائيين العرب بشروط أو مواصفات عامة تتطلبها ظروف الدعم الإنتاجي أو التمويل ومتطلبات التوزيع العالمي، وهي عناصر يمكن أن يعدّها السينمائي العربي جزءاً من القضايا التي يهتم بها والتي تتعلق بهمومه الوطنية ولكنها تستجيب في المقابل لاهتمامات أو توجهات أو سياسات الطرف الآخر الممول، أي الطرف الأجنبي".

اقرأ المزيد

المزيد من سينما