ملخص
قال وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي إن إثيوبيا لا تسعى إلى الحصول على منفذ بحري لأغراض اقتصادية وتنموية، "بل لأهداف استراتيجية وعسكرية على حساب السيادة الوطنية للصومال".
في تصعيد جديد للأزمة المشتعلة بين الصومال وإثيوبيا هدد وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي بدعم بلاده الجبهات الانفصالية في إثيوبيا إذا لم تنسحب أديس أبابا فوراً من مذكرة التفاهم التي أبرمتها مع حكومة إقليم "صوماليلاند" في شأن حصول أديس أبابا على منفذ بحري في السواحل الصومالية مقابل اعترافها باستقلال هذا الإقليم عن الجمهورية الفيدرالية الصومالية، والموقعة في يناير (كانون الثاني) 2024.
وقال الوزير الصومالي في حديث لوسائل الإعلام الصومالية، "إذا واصلت إثيوبيا تدخلاتها في الشأن الصومالي من خلال التفاهم مع الكيانات الانفصالية، فإن الصومال سيعاملها بالمثل. الصومال لا يريد الإضرار بإثيوبيا أو تفكيك وحدتها، وليس من مصلحته فعل ذلك، لكن إذا أصرت أديس أبابا على التمسك بالمذكرة ومواصلة تدخلاتها فإن لدينا الفرصة لإقامة علاقات مع المتمردين الإثيوبيين الذين يسعون إلى الانفصال عن إثيوبيا". وأشار فقي إلى أن إثيوبيا التي تعد دولة حبيسة سعت منذ سنوات إلى إنشاء قوات بحرية بهدف الاستيلاء على الأراضي الصومالية الواقعة في المناطق الأكثر استراتيجية في سواحل المحيط الهندي وخليج عدن بغرض إقامة قواعد عسكرية.
وأضاف فقي أن إثيوبيا لا تسعى إلى الحصول على منفذ بحري لأغراض اقتصادية وتنموية، "بل لأهداف استراتيجية وعسكرية على حساب السيادة الوطنية للصومال". وتابع أن أديس أبابا تلقت وعوداً من جمهورية جيبوتي باستخدام ميناء تاجورا المدني الذي يعد الأقرب لأراضيها، لكنها لم تتجاوب مع العرض، "مما يدل على أنها عازمة على الاستيلاء على إرث أجيال من الصوماليين"، مشيراً إلى أن ثمة إجراءات وتدابير قد اتخذت خلال الفترة القليلة الماضية لتنفيذ المذكرة التي تخالف القانون الدولي، من بينها تسمية سفير معتمد لأديس أبابا لدى هرجيسا "في مخالفة لكل المعاهدات الدولية، فضلاً عن تشجيع الإدارة الإقليمية في شمال البلاد للانفصال".
وفي حين لم ترد أديس أبابا رسمياً على تصريحات الوزير الصومالي أبلغ وزير الخارجية في حكومة إقليم "صوماليلاند" عيسى كايد ممثلي البعثات الدبلوماسية لدى هرجيسا بأن حكومته بصدد إعداد "اتفاق قانوني رسمي وشيك"، في ما يخص طرق تنفيذ مذكرة التفاهم الموقعة بين حكومته والحكومة الإثيوبية، مؤكداً أن مقررات المذكرة ستدخل قريباً حيز التنفيذ. وأكد كايد أنه تم تعيين فريق فني وآخر من الخبراء القانونيين الدوليين ومجموعة استشارية رفيعة المستوى لتقديم المشورة والتوجيه حول تدابير التنفيذ.
تجاوز دبلوماسي
وفي السياق اعتبر المتخصص في الشؤون الإثيوبية بيهون غيداون أن تصريحات وزير الخارجية الصومالي تعد من قبيل التجاوزات التي تنتهك الأعراف الدبلوماسية، وقال إنها غير مقبولة تماماً، مشيراً إلى أنها تسهم في تصعيد الصراع لأقصى درجة، "في وقت تسعى فيه تركيا إلى عقد الجولة الثالثة من المفاوضات بين الدولتين في سبيل إيجاد حلول ناجعة للأزمة الدبلوماسية التي اندلعت منذ يناير الماضي". ورأى غيداون أن توقيع حكومة بلاده اتفاق تعاون مع حكومة "صوماليلاند"، لم يكن سابقة في التاريخ الدبلوماسي، "إذ إن هذا الإقليم يتمتع باستقلاليته عن مقديشو منذ عام 1991، وعلى رغم أن المجتمع الدولي، ممثلاً في الأمم المتحدة، لم يعترف باستقلاله، فإنه يتمتع بنظام سياسي فعال ومؤسسات حكومية وقوة شرطة وله عملته الخاصة، مما يؤكد توافره على مقومات الاستقلال والسيادة كافة". ولفت إلى أن "حكومة الإقليم سبق ووقعت اتفاقات دولية مع بعض الحكومات الأجنبية بما فيها اتفاقات تجارية وعسكرية مع حكومات عربية في منطقة الخليج، تضمنت إدارة موانئ بربرة وأخرى ذات طابع عسكري تتعلق بإقامة قاعدة عسكرية".
دعم حركات مارقة
وأشار المحلل الإثيوبي إلى أن "خطوة أديس أبابا أتت استكمالاً للجهود التي ظلت تبذلها حكومة هرجيسا، التي تتمتع فعلياً بالاستقلالية عن مقديشو"، موضحاً أنها لم تكن الأولى على المستوى الدولي، كما أنها تتوافق مع الأعراف الدبلوماسية، "بخاصة أن الإقليم يتوفر على مؤسسات سياسية شرعية منتخبة، وعلى مقومات السيادة"، مشيراً إلى أن المذكرة وقعت مع حكومة منتخبة، ثم تمت المصادقة عليها من برلماني البلدين، "بالتالي ليس ثمة تشابه بين ميليشيات المتمردين التي تهدد مقديشو بدعمها، وبين حكومة (صوماليلاند) التي تمارس السيادة على أراضيها وفق قواعد الدولة ومؤسساتها التنفيذية والتشريعية". وأوضح أيضاً أن تصريحات مقديشو تضعها أمام انتهاك واضح للقانون الدولي، وللمعاهدات الدبلوماسية، بإعلانها رسمياً، على لسان وزير خارجيتها، "رغبتها في دعم حركات مسلحة تعد مارقة وخارجة عن الدستور الإثيوبي والقوانين الدولية ذات الصلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعن موقف أديس أبابا من التصريحات الصومالية رجح غيداون أن يكون تحفظها هدفه عدم الدخول في حرب كلامية "لكن ثمة معلومات تشير إلى سعي الخارجية الإثيوبية إلى إعداد مذكرة قانونية لحصر مخالفات مقديشو للأعراف الدبلوماسية وسياسات حسن الجوار، وتوجيهها لمجلس الأمن الدولي".
سياسة التعامل بالمثل
بدوره رأى الكاتب المتخصص في الشأن الصومالي عبدالقادر إسحاق أن تصريحات وزير الخارجية الصومالي تأتي كرد فعل طبيعي للانتهاكات التي تمارسها أديس أبابا في حق السيادة الصومالية، "سواء من خلال توقيع مذكرة التفاهم مع حكومة إقليم انفصالي غير معترف به دولياً أو من خلال مجموعة من الإجراءات الميدانية التي يقودها الجيش الإثيوبي على الحدود المشتركة بين البلدين". وتابع، "في وقت كان فيه الوفد الصومالي يتأهب لحضور الجولة الثالثة من المفاوضات مع الطرف الإثيوبي في أنقرة، تعمدت أديس أبابا استفزاز الصوماليين من خلال انتداب سفير لها لدى هرجيسا، مما يعد اعترافاً ضمنياً بانفصال الإقليم عن الصومال من دون أدنى مراعاة لسيادة الصومال ووحدة أراضيها". وأشار إسحاق إلى تصريحات وزير الخارجية الإثيوبي تايي أتسكي سيلاسي الأسبوع الماضي أثناء استقباله المبعوث الأميركي الخاص لمنطقة القرن الأفريقي مايك هامر، إذ اعترض على إنهاء مهمة بعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في الصومال، وهو أمر صادقت عليه مفوضية الاتحاد الأفريقي، وكلفت بعثة جديدة، "مما يعني أن أديس أبابا تسعى إلى تجيير مهام الاتحاد الأفريقي الذي تستضيف مقره لخدمة مصالحها الوطنية، في مخالفة لقرارته المؤسساتية، كما أن اعتراض الخارجية الإثيوبية على اتفاق التعاون العسكري بين الصومال ومصر، يعد من الخروق الدبلوماسية التي تمارسها أديس أبابا تجاه الحقوق السيادية الصومالية إلى جانب الإجراءات الميدانية المتعلقة بالتوغل في الأراضي الصومالية".
تحذير أخير
واعتبر إسحاق تصريحات فقي تحذيراً أخيراً لإدارة رئيس الوزراء آبي أحمد بضرورة الكف عن انتهاك حقوق الصومال وسيادته على أراضيه كافة، مؤكداً أن "تنفيذ التهديدات الصومالية مرهون بالخطوات الإثيوبية المقبلة". وأشار إلى أن "هناك تيارات قوية داخل الصومال منذ السبعينيات تطالب باستعادة الأراضي الصومالية في إقليم أوغادين الذي حصلت عليها إثيوبيا عام 1954 من قبل الاستعمار البريطاني بموجب اتفاق ثنائية، فإن الصومال الرسمي تخلى عن تلك المطالب خدمة لسياسات حسن الجوار مع إثيوبيا". وأوضح أنه في حال استمرار الانتهاكات الإثيوبية في حق الصومال، "فإن مقديشو ليست في حاجة إلى دعم المتمردين في أقاليم تيغراي وأمهرة وأوروميا، إذ بإمكانها دعم التيارات الصومالية داخل إقليم أوغادين التي تحلم بوحدة الأمة الصومالية".
وحذر إسحاق من أن أديس أبابا التي تعلن اعترافها بإقليم انفصالي في الصومال من خلال مجموعة من التدابير الإجرائية والرمزية، "لا يحق لها الاعتراض على دعم الصومال المحتمل لأي تحرك انفصالي داخل إثيوبيا".