ملخص
نازحون سوريون يقاسون الحياة في مخيمات عشوائية بمدينة الرقة... إليكم تفاصيل أكثر
على بعد أمتار قليلة من نهر الفرات الذي يمر وسط مدينة الرقة وفي ضفته اليمنى، تصحو سعدة أم خليف (30 سنة) في الصباح الباكر، بعد أن قضت ليلة باردة في خيمتها الرثة، حيث تشبعت خيوط القماش المحيط بالخيمة بالرطوبة والندى، فالشتاء رطب وبارد قرب ضفة هذا النهر الكبير.
منذ خمس سنوات تعيش أم خليف (التي فضلت أن نسميها بهذا الاسم) في هذا المخيم غير المصنف سوى أن خيمتها مع مجموعة من خيم أخرى لأقاربها ومعارفها نصبت قرب مطعم شهير على ضفاف الفرات، هذه السيدة فرت مع عائلتها بسبب الحرب من مدينة الرصافة القريبة من مدينة الرقة والواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية بعدما سيطر عليها تنظيم "داعش" لسنوات لتستقر بها الحال في مخيم عشوائي قرب مدينة الرقة.
ويطلق مصطلح المخيمات العشوائية محلياً على تجمعات خيم النازحين المنتشرة حول مدينة الرقة وأريافها القريبة لا سيما في جهاتها الشمالية والغربية والجنوبية أيضاً، ويبلغ عدد هذه المخيمات 53 مخيماً تشكل معظمها بعد طرد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" والتحالف الدولي تنظيم "داعش" من مدينة الرقة التي اعتبرها التنظيم عاصمة لخلافته، حيث استقر فيها النازحون الذين يقدر عددهم بنحو 400 ألف نازح من مناطق سورية مختلفة بمن فيهم من يسكنون المدينة أيضاً فيما يقدر عدد العائلات القاطنة في المخيمات العشوائية بنحو 12300 عائلة، بحسب آخر إحصائية أعدها مكتب المخيمات العشوائية التابع للإدارة الذاتية في مدينة الرقة بحسب الرئيس المشترك للجنة الشؤون الاجتماعية والعمل في مجلس الرقة المدني جهاد حسن.
الأمن وزيادة الأعدد
عدد غير قليل من هذه المخيمات تشكلت أثناء سيطرة تنظيم "داعش" على المدينة، لكن عقب سيطرة قوات سوريا الديمقراطية وبعد أن تحولت المدينة إلى منطقة آمنة ازداد عدد هذه المخيمات ووصلت إلى الرقم الحالي وتوافد إليها نازحون سوريون من مناطق مختلفة مثل أرياف حمص وإدلب والرقة الجنوبي وحلب وحماة وتدمر وغيرها من المناطق السورية التي شهدت نزاعات عنيفة لا سيما الواقعة تحت سيطرة النظام، وكذلك فراراً من تنظيم "داعش" أيضاً، إضافة إلى لاجئين سوريين أعادتهم لبنان إلى داخل الأراضي السورية العام الماضي.
أحدثت المخيمات العشوائية واقعاً جديداً لمدينة الرقة، التي ما زالت آثار الدمار فيها ماثلة في أنحائها المختلفة، كما أن البنية التحتية ما زالت غير مكتملة على رغم كثافة وجود منظمات غير حكومية فيها مقارنة ببقية مناطق الإدارة الذاتية فإن المخيمات العشوائية أحدثت مشكلات على عدة مستويات في المنطقة، فالإدارة الذاتية تريد حصرها في عدد محدود من المخيمات، وتمتلك خطة لإنجازها، وذلك عبر تجميعها في أربع مناطق محددة قريبة من المدينة وضمن أراضٍ تعتبر أملاكاً عامة، بحسب المسؤول في الإدارة الذاتية جهاد حسن.
وعرضت الإدارة الذاتية خطتها على المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة قبل عامين لكنها لم تلقَ أي تجاوب على خطتها، "فعبء تنظيم هذه المخيمات وتأسيسها يفوق قدرات الإدارة الذاتية، لا سيما وأن المدينة نفسها لم تتعافَ بعد من آثار الحرب والدمار"، فعلى سبيل المثال ما زالت طرقاتها ممتلئة بالحفر وشوارعها لم تعبد بعد إلى جانب مشاكل كبيرة في شبكات الصرف الصحي وناهيك عن افتقادها مساحات آمنة للأطفال أو أبنية مناسبة لمؤسساتها، بحسب ما يقول المسؤول.
خطوات صغيرة للحل
وعلى رغم قلة مواردها وإمكانياتها خطت الإدارة الذاتية خطوات نحو إيجاد حل لمشكلة المخيمات العشوائية وعملت على تطبيقها من خلال جمع ثمانية مخيمات عشوائية في إحدى المناطق المدرجة في خطتها وهو مخيم العدنانية الواقع في ريف الرقة الغربي حيث نقلت إليه العائلات النازحة التي كانت تقطن في مواقع أثرية خصوصاً مخيم تل البيعة وأخرى قريبة من مكبات النفايات.
وأسرعت الإدارة الذاتية في تنفيذ هذه الخطوة بعد ضغوطات من لجنتي الثقافة الخاصة بالآثار وكذلك لجنة الصحة التي أكدت انتشار الإصابات الجلدية والجرثومية بين النازحين، وخصوصاً الأطفال جراء إقامتهم قرب تلك المكبات.
يقول المسؤول في الإدارة الذاتية جهاد حسن، إن العبء الأكبر في تجهيز هذا المخيم حملته الإدارة الذاتية على عاتقها وجهزت المرافق الصحية وقناة للصرف الصحي وخطوط مياه الشرب إلى المخيم، إضافة إلى زراعة بعض الأشجار وجمع بعض الأثاث والفرش للنازحين عبر حملات اجتماعية لصالح القاطنين في المخيم، فيما شاركت منظمة إنسانية شريكة للصليب الأحمر الدولي في تأسيس بعد تلقيها بعض الدعم عقب "تهجير نازحين سوريين من لبنان وآخرين فروا من ريف الرقة الشمالي؛ جراء القصف التركي المتواصل، خصوصاً من منطقة صكورة"، بحسب ما يفيد حسن.
وعلى رغم تجهيز الإدارة الذاتية مخيم العدنانية جزئياً فإن العشرات من المخيمات العشوائية ما زالت بلا حلّ، والعائق الكبير بالنسبة للإدارة في دمج ونقل هذه المخيمات هو غياب جهات دولية أو إنسانية مانحة تتحمل عبء تجهيزها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع حسن "على رغم تواصلنا مع عدة جهات دولية ومنظمات عاملة في المنطقة ذات الشأن والمعنية فإنها تحفظت وأخرى لم تتجاوب معنا"، الأمر الذي أثار تساؤل المسؤولين في الإدارة لا سيما وأنهم يعتقدون أن تنظيم هذه المخيمات سيحسن من واقع النازحين في الجانب الإنساني، فيما يحاول سكان القرى المجاورة للمخيمات العشوائية الانخراط فيها وتسجيل أنفسهم نازحين بغية الاستفادة من المعونات الإنسانية، الأمر الذي يؤثر على بقية النازحين وسكان المخيمات أيضاً.
وأثناء الحديث مع نازحين في المخيم اليوناني الواقع جنوبي المدينة، قالت سيدة مسنة (70 سنة) وبدت عليها آثار العوز والشحوب بوضوح، إن المنظمات لا تقدم لهم أي شيء وإنها تنشد المساعدة منهم.
فيما قالت النازحة من مدينة الرصافة، سعدة أم خليف، إنها تتلقى المساعدة مرة واحدة خلال العام الماضي وبلغت قيمتها نحو 150 دولاراً أميركياً فقط.
لا تدلي المنظمات العاملة بأي معلومات أو بيانات حول تأسيس هذه المخيمات في حين تراجع الدعم الدولي للعمل الإنساني في المنطقة، خصوصاً عقب قرار توقف دخول المساعدات الأممية من معبر تل كوجر (اليعربية) سنة 2020.
لا مدارس في المخيمات العشوائية
تتعدد الأسباب التي تدفع الإدارة الذاتية لإزالة هذه المخيمات العشوائية ودمجها في أماكن محددة وتنظيمها، ومنها وجود عشرات الآلاف من الأطفال من دون تعليم حيث يفوق عددهم 60 ألف طفل ويسكنون في خيامهم المنتشرة حول الرقة، وهو أمر يصعب على لجنة التربية في المدينة من الوصول إليهم وتدريسهم في مدارس تجمعهم، وبالتالي يكون جيل كامل بعيداً من المدارس والمساحات الآمنة الخاصة بالأطفال، وهو ما يشكل خطراً في المستقبل، لأن قدرة لجنة التربية لا تقوى على الوصول إلى 53 مخيماً في حين أن مدارس المدينة والقرى التابعة لها تعاني أصلاً ومعظمها لم يرمم بعد.
من جهته، يؤكد الصحافي زانا العلي، المقيم في مدينة الرقة، أن هناك آلاف الأطفال يعيشون في هذه المخيمات وينمون من دون تعليم، وأن بقاء وضع المخيمات العشوائية على حاله ينذر بكارثة مستقبلية، وبخاصة أن المنطقة لا تزال غير مستقرة أمنية ولا تزال خلايا تنظيم "داعش" نشطة، وبالتالي سيكون سهل عليهم استعطاف هذا الجيل الذي يكبر من دون تعليم وانتسابهم إليه، لا سيما وأن التنظيم دعا في إصداره الأخير، الأسبوع الماضي، إلى انضمام عناصر جديدة إليه.
وإن كانت الإدارة الذاتية تملك خططاً لحل هذه المشكلة وسعت في بعض أجزائها إلى أن الهجمات التركية الأخيرة على بناه التحتية لا سيما في المناطق الحدودية غيرت من خريطة عملها على المدى القريب على الأقل، فالأضرار التي لحقت بمنشآتها لا سيما قطاع النفط والكهرباء أجبرتها على ترميمها على حساب قطاعات خدمية عديدة في عموم مناطق شمال شرقي سوريا، وبحسب جهاد حسن، فإن هذه الهجمات حدت من تنفيذ خطط نقل المخيمات العشوائية ودمجها لكنهم مصرون على تنفيذها ولو طالت المدة المطلوبة لذلك.
ومن المواقع المختارة لتجميع هذه المخيمات، السلحبية والبزار والعدنانية والرحيات وجميعها تقع في ريف الرقة، وتمتلك طبيعة جغرافية مساعدة لإقامة المخيمات لا سيما وأنها تتعرض خصوصاً في الشتاء لسيول تجرف خيم قاطنيها وتزيد من سوء حالتهم السيئة أصلاً، فهذه المناطق المختارة مناسبة من حيث الميول وطبيعة التربة.
سندان الدعاوى ومطرقة الإنسانية
ويضاف للأسباب التي تزيد من مطالب نقل المخيمات العشوائية إلى أملاك عامة لا تحدث ضرراً على السكان المحليين، مطالبة أصحاب الأراضي التي تتوزع هذه المخيمات العشوائية باستعادة أراضيهم وإخلائها من النازحين بغية زراعتها أو الاستفادة منها.
وتقول النازحة سعدة "منذ فترة قريبة جاءنا أصحاب الأرض التي توجد فيها خيمنا الرثة هذه وطالبنا بالخروج منها لا نعلم إلى أين سنذهب"، مضيفة "أنهم يعتقدون أننا سنستحلها ونبقى فيها إلى الأبد".
وداخل دوائر الإدارة الذاتية في مدينة الرقة سجلت عشرات الدعاوى القضائية والشكاوى من أصحاب الأراضي ومالكيها الداعية إلى إفراغ ممتلكاتهم من الخيم وسكانها بداعي أن هذه الظاهرة حرمتهم من الاستفادة من أملاكهم ولا يستطيعون التصرف بها سواء بيعها أو زراعتها، حيث تشتهر المنطقة وتشكل المصدر الرئيس لموارد سكانها.
ويقول جهاد حسن "إن وجود هذه المخيمات في الأملاك الخاصة يضعنا بين مطرقة أصحاب الأرض من الأهالي المطالبين بأراضيهم، وهي مطالب محقة، وسندان الحالة الإنسانية لأهالينا من النازحين الذي من الواجب احتواء حالتهم".
ويشدد المسؤول في الإدارة الذاتية على أن نقل المخيمات العشوائية وتجميعها في نقاط محددة سيحل عدة مشاكل كبيرة في المنطقة، منها ما يتعلق بالنازحين أنفسهم وأخرى بأصحاب الأراضي التي أقيمت فيها هذه المخيمات إضافة إلى تحسين عمل المنظمات والمؤسسات المعنية بشؤون النازحين في المنطقة.
ويرى الصحافي المتابع للملفات الجارية في الرقة أن تتوحد الجهود بين الإدارة الذاتية والمنظمات الإنسانية من أجل إعادة تنظيم "هذه الحالة العشوائية في المنطقة" وأن على المنظمات الإنسانية دعم جهودها الإنسانية في المنطقة بآلية صحيحة وألا يكون لها تداعيات مستقبلية، وبحسب العلي فإن أغلب الجهات المانحة تعتمد في توجيه دعمها على تقارير المنظمات العاملة في شمال وشرق سوريا وفرق البحث الميدانية، مشيراً إلى أن ثمة اتهامات منتشرة بين السكان لموظفي المنظمات بأنهم "مستفيدون من آلية الدعم العشوائية للمخيمات وفوضى البيانات للنازحين".