ملخص
فضلاً عن الحد من انتشار الأمراض الوراثية ستمكن قاعدة البيانات العلماء والباحثين من الاستفادة ودراسة المتغيرات الوراثية وتطوير أدوات التشخيص والوقاية
تعمل السعودية بخطوات سباقة للقضاء على الأمراض الوراثية من خلال برامج وقائية، منها برنامج فحص ما قبل الزواج لاكتشاف بعض أمراض الدم الوراثية، منها "فقر الدم المنجلي والثلاسيميا"، وأطلقت برنامج الفحص لجميع المواليد، للتعامل المبكر مع الحالات المكتشفة.
وتدشيناً لمسار جديد في قطاع الرعاية الصحية أنشأت السعودية قاعدة بيانات لتوثيق أول خريطة وراثية للمجتمع السعودي والعمل على تمكين وتطوير الرعاية الصحية وتقليل كلفتها وتحسين جودة الحياة بصورة عامة من خلال إطلاق برنامج الجينوم السعودي بهدف وضع البلاد في مكانة ريادية عالمية، ولتكون مركزاً عالمياً رائداً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في علم الوراثة ومكافحة الأمراض الوراثية السائدة مع ضمان أن يؤدي علم الجينوم دوراً حيوياً في تقديم رعاية صحية عالية الجودة لجميع المواطنين، والإسهام في إحداث تحول شامل في مستقبل الرعاية الصحية بطرق غير تقليدية.
وفضلاً عن الحد من انتشار الأمراض الوراثية، ستمكن قاعدة البيانات العلماء والباحثين من الاستفادة ودراسة المتغيرات الوراثية وتطوير أدوات التشخيص والوقاية وتأسيس بنية تحتية متقدمة لعلم الجينوم والمعلومات الحيوية وتحسين نتائج العلاج مع التسلسل الجيني للمرضى وتطوير القدرات الجينومية الوطنية.
ومن خلال البرنامج تم فحص 63 ألف عينة وثقت 7500 متغير وراثي، وأنشئت 13 لوحة تسلسل جينية فيما تم نشر 140 بحثاً علمياً في مجلات دولية بمشاركة أكثر من 100 باحث وباحثة.
انتشار أمراض الدم
وذكرت وزارة الصحة السعودية عبر موقعها أن أمراض الدم الوراثية هي مجموعة من الأمراض التي تنتقل من الأبوين للأبناء، ويكون السبب في حدوثها وجود خلل في تركيب ومكونات كرات الدم الحمراء، فتنتج كرات غير قادرة على أداء وظائفها الطبيعية وظهور الأعراض المرضية على المصاب، ومن أهم أنواع أمراض الدم الوراثية الثلاسيميا والأنيميا المنجلية.
وأشارت الوزارة إلى أن الأمراض تنتقل من الآباء للأبناء من طريق المورثات (الجينات) الموجودة على الكروموسومات، ففي حالة وجود اضطراب في جينات كل من الأم والأب، فإن هناك احتمالاً بنسبة 25 في المئة أن يولد الطفل مصاباً بالمرض. أما إذا كان أحد الأبوين سليماً والآخر يحمل جيناً مختلاً، فمن الممكن أن ينتقل المرض إلى بعض الأبناء ويصبحوا حاملين للصفة المرضية.
ويختلف انتشار أمراض الدم الوراثية "الأنيميا المنجلية والثلاسيميا" بين مناطق السعودية، حيث تسجل أعلى المعدلات في المنطقتين الشرقية والجنوبية، بينما تكون المعدلات منخفضة في المناطق الوسطى والشمالية في السعودية.
الأنيميا المنجلية
وتعد الأنيميا المنجلية أحد أمراض الدم الوراثية التي يحدث فيها اضطراب في الجينات المسؤولة عن تكوين الهيموغلوبين، ويتسبب في التصاق هذه الكرات داخل الأوعية الدموية الدقيقة، من ثم يقل تدفق الدم والأوكسجين للعضو، وينتج من ذلك الأعراض المصاحبة للأزمات لدى المصابين بالأنيميا المنجلية، ومنها ألم شديد، وضيق في التنفس، وغيرهما.
الثلاسيميا
بينما يعرف الثلاسيميا أو فقر دم البحر الأبيض المتوسط بأنه أحد أمراض الدم الوراثية التي تتسبب في إحداث تلف في كرات الدم الحمراء، وسمي بهذا الاسم لانتشاره بصورة كبيرة في منطقة البحر الأبيض المتوسط، ويحدث نتيجة وجود خلل في التركيب الجيني للهيموغلوبين.
عقار "كاسجفي"
واعتمدت الهيئة العامة للغذاء والدواء السعودية أخيراً علاج "كاسجفي" (Casgevy)، الذي يعد أول علاج يعمل باستخدام تقنية التحرير الجيني "كريسبر – كاس 9" لعلاج مرض فقر الدم المنجلي "الأنيميا" ومرض الثلاسيميا للمرضى البالغ أعمارهم 12 سنة فأكثر.
وأوضحت الهيئة أنه تم تقييم فاعلية العلاج وسلامته وجودته، بعد استيفاء المعايير اللازمة، إذ يعمل بطريقة التحرير الجيني للطفرة الوراثية في الجين المتأثر، بحيث يمكن للجسم إنتاج الهيموغلوبين بصورة سليمة، من خلال استخلاص خلايا جذعية من نخاع عظم المريض وتحريرها جينياً في المختبر، ومن ثم إعادة زراعتها في جسم المريض ليعطي مفعولاً طويل المدى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال استشاري الباطنية وأمراض الدم عبدالله آل زايد على قناة "الإخبارية" إن عقار "كاسجفي"، العلاج الجيني الجديد الذي اعتمدته الهيئة العامة للغذاء والدواء أخيراً، سيحدث فارقاً كبيراً في حالة مريض فقر الدم المنجلي، كما أن العلاج الجيني بمثابة زراعة ذاتية، ومن ثم فهو بمثابة العلاج الذي سينهي المرض بهدف الشفاء.
ومن المتوقع أن يبلغ سعر علاج "كاسجفي" نحو 2.2 مليون دولار. وأوضح الأكاديمي بكلية الصيدلة في جامعة الملك سعود متعب الحربي لـ"اندبندنت عربية" أسباب ارتفاع الأدوية الجينية وذكر أن "طبيعة الأمراض تلعب دوراً في أسعار الأدوية، فندرتها وأعداد المرضى المستخدمين للعلاج وكذلك ندرة الشركات المطورة للأدوية الجينية لحاجاتها إلى استثمارات بمئات الملايين، كلها عوامل تجعل الأدوية الجينية هي الأغلى حالياً".
ويعتمد علاج "كاسجفي" على "تقنية كريسبر - كاس 9" الحائزة جائزة نوبل للكيمياء بغية تعديل تركيب وراثي متصل بأحد أمراض الدم، والتي اكتشفتها جينيفر دودنا ومؤسس شركة كريسبر للعلاجات إمانويل شاربنتييه، والتي تستخدم "مقصات" جزيئية بطريقة التحرير الجيني للطفرة الوراثية في الجين المتأثر التي يمكن بعد ذلك تعطيلها أو استبدال شرائط جديدة من الحمض النووي الطبيعي بها.
وكانت المملكة المتحدة أول من منح ترخيصاً لأول علاج جيني في العالم بوصفه علاجاً محتملاً لاثنين من اضطرابات الدم الموروثة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، إذ وافقت الوكالة التنظيمية للأدوية ومنتجات الرعاية الصحية على علاج "كاسجفي" كعلاج جيني لمرض فقر الدم المنجلي ومرض الثلاسيميا بيتا، الذي يعانيه نحو 17500 شخص في المملكة المتحدة.
وأوضح المدير التنفيذي الموقت لجودة الرعاية الصحية والوصول إليها لدى "وكالة تنظيم استخدام الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية" جوليان بيتش أن "فقر الدم المنجلي وثلاسيميا بيتا مرضان مؤلمان يستمران مدى الحياة، ويمكن أن يتسببا بالوفاة في بعض الحالات". وأضاف "حتى الآن، يتمثل الخيار العلاجي الدائم الوحيد بنقل نخاع العظم ممن يتوافق ذلك النسيج لديهم مع نظيره لدى المريض، على رغم تضمنه إمكانية تعرضه للرفض من جسم المريض".
وكذلك ذكر الرئيس التنفيذي لجمعية فقر الدم المنجلي جون جيمس أن "اضطراب فقر الدم المنجلي يشكل حالة منهكة للغاية، ويسبب مجموعة من الآلام الشديدة لدى المرضى، مع إمكانية أن يؤدي إلى الوفاة المبكرة". وأضاف "ثمة مجموعة محدودة من الأدوية متاحة للمرضى في الحاضر، لذلك أرحب بأخبار أتت اليوم، وخلاصتها الحكم على علاج جديد بأنه آمن وفعال، ولديه القدرة على تحسين نوعية حياة أشخاص كثيرين وبصورة كبيرة".
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2023 اعتمدت إدارة الغذاء والدواء الأميركية علاج "كاسجفي" هي الأخرى كأول علاج يستخدم نوعاً من تكنولوجيا تحرير الجينوم الجديدة، مما يشير إلى تقدم مبتكر في مجال العلاج الجيني لمرض فقر الدم المنجلي الذي يؤثر في ما يقارب 100 ألف شخص في الولايات المتحدة.
وقال مدير مركز تقييم المنتجات الحيوية في إدارة الغذاء والدواء الأميركية بيتر ماركس إن "الإجراءات التي تم اتخاذها تتبع تقييمات دقيقة للبيانات العلمية والسريرية الضرورية لدعم الموافقة، مما يعكس التزام إدارة الغذاء والدواء بتيسير تطوير علاجات آمنة وفعالة للحالات ذات التأثير الشديد على الصحة البشرية".
وصرحت مديرة مكتب المنتجات العلاجية ضمن مركز تقييم المنتجات الحيوية في إدارة الغذاء والدواء الأميركية نيكول فيردون "يعد العلاج الجيني وعداً يحمل في طياته تقديم علاجات أكثر استهدافاً وفاعلية، بخاصة للأفراد الذين يعانون الأمراض النادرة، حيث تكون الخيارات الحالية للعلاج محدودة".