ملخص
تعهد قاضي التحقيق بالقطب القضائي المالي في تونس بمباشرة الأبحاث حول شبهات تبييض الأموال في حق 20 شخصاً بينهم ناشطون سياسيون ووزراء سابقون وإعلاميون ورجال أعمال
تواصل تونس، منذ أن تعهد رئيس الجمهورية قيس سعيد في مساره الجديد ملاحقة كل "الفاسدين والعابثين بقوت الشعب"، تحقيقاتها القضائية ضد عديد من الشخصيات، وفي هذا الإطار تعهد قاضي التحقيق في القطب القضائي المالي بمباشرة الأبحاث حول شبهات تبييض الأموال في حق 20 شخصاً بينهم ناشطون سياسيون ووزراء سابقون وإعلاميون ورجال أعمال بمقتضى قرار صادر عن النيابة العمومية. هذا القرار أثار حفيظة البعض الذين رأوا أن هذه الملاحقات هي نوع من المضايقات السياسية أو لقطع الطريق أمامهم ويرى آخرون أنها ضرورية لتطهير البلاد من "أدران الفساد" في مجالات السياسة والأعمال والإعلام.
في هذا الصدد يعتقد المحلل السياسي مراد علالة أن "الإحالات المتواترة والمتواصلة لوجوه سياسية ومالية ورجال أعمال ووزراء سابقين وإعلاميين لا يمكن فصلها عن نهج رئيس الجمهورية قيس سعيد وسياسته العامة التي تسير الآن في اتجاهين اثنين، الأول اتجاه نحو الجميع، ظاهره محاربة الفساد وتصحيح مسار الثورة التي أفسدتها المنظومات السابقة والتي لا يختلف اثنان في تونس وخارجها على أنها خلفت تركة ثقيلة تصعب تصفيتها ومعالجة آثارها بسهولة"، أما الاتجاه الثاني حسب علالة هو "حصري نحو الشعب وتحديداً جمهور الرئيس نفسه الذي آمن بنظافة يديه واستحسن إزاحته للنهضة من واجهة الحكم".
ضبابية المشهد
ويواصل علالة "وفي الاتجاهين لسنا بمعزل عن الاستحقاق الانتخابي الرئاسي الذي تفيد المؤشرات على كونه سيُنجز في خريف 2024، وهو الاستحقاق الأهم في المشروع السياسي وفي محطات خارطة الطريق التي وضعها قيس سعيد قبل عامين والتي كان منسوب الشرعية والمشروعية في تنفيذها محدوداً للأسف، وليس أدل على ذلك من النسبة الضعيفة للمشاركة الأخيرة في الدور الأول لانتخابات المجالس المحلية أو حتى في الاستشارة التربوية من دون أن ننسى تواصل الأزمة الاقتصادية واستمرار تردي المستوى المعيشي للتونسيين وتفاقم حالة التشاؤم واليأس والنتائج المخيبة للصلح الجزائي واسترجاع الأموال المنهوبة ومحدودية الشركات الأهلية".
بهذا المعنى "من المصلحة في هذه المرحلة، بعد مضي فترة لا يستهان بها على ما يسمى بالعشرية التي تم تعليق كل شيء على شماعتها، تحقيق إنجازات تصنع ضجيجاً على الأرض بغض النظر عن الوجاهة وعن علاقة ذلك ليس فقط بالتحقيق المباشر الشكلي للشعارات الكبرى للثورة، ولكن بتثبيتها وتعزيزها والحفاظ على ما تحقق منها منذ 2011 على رغم كل شيء علاوة على الحفاظ على منجز الدولة الوطنية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وما يثير القلق، حسب علالة بخصوص الإحالات، أسباباً عدة، لعل أهمها "شح المعطيات، فباستثناء ما يقدمه دفاع الموقوفين أو الملاحقين قضائياً يكتنف الغموض والتعتيم عديد الملفات في الوقت الذي تبين فيه التجارب المقارنة أن بإمكان الجهات الأمنية والقضائية إنارة الرأي العام في حدود القانون والأمن القومي، حتى وإن تعلق الأمر بالتآمر على الدولة".
وواصل في السياق نفسه "إن طول مدة الإجراءات والإيقافات وكثرة الدعوات للتحقيق لا يتناسب مع ضمانات الحق في المحاكمة العادلة كما يقول أساتذة القانون"، أخيراً، يرى علالة أن "وجود أسماء معنية بشكل أو بآخر بالانتخابات بشكل عام وفي الشأن السياسي وبالاستحقاق الرئاسي على وجه الخصوص، يزيد في ضبابية المشهد، وقد يدفع ذلك حتى إلى اعتبار التتبعات رسالة سياسية وأمنية وقضائية لهذه الأسماء وغيرها حتى تتخلى من تلقاء نفسها عن التفكير في الترشح والمنافسة والاشتغال في السياسة والاهتمام في الشأن العام أو التعرض لتضييقات باسم القانون".
قضاء عادل وناجز
من جانبه يعتبر المحلل السياسي مهدي المناعي أن القائمة التي تضم مجموعة من الشخصيات هي في الحقيقة تضمن أسماء من مجالات مختلفة كالسياسة والأعمال والإعلام وغيرها، مضيفاً "ومتابعتهم القضائية لا علاقة لها بفسح المجال لقيس سعيد في الانتخابات الرئاسية القادمة بخاصة أنه لم يعلن أي أحد فيهم الترشح".
ويستدرك المناعي قائلاً "أيضاً يجب التأكيد أن البعض منهم تحوم حولهم شبهات عدة بخصوص أنشطتهم المسترابة ومصادر أموالهم"، مفسراً "خصوصاً أن عديداً من رجال الأعمال دخلوا عالم السياسة خلال العشرية السابقة، والكل يعلم مدى مساهمتهم في تعفن الساحة ومن ثم ليس بالغريب أن يكون لهم أنشطة مشبوهة".
وفي سياق متصل يقول المناعي "إلى حد اليوم هي مجرد اتهامات تستوجب البحث والتحقيق من قبل النيابة العمومية قبل البت في الحكم"، داعياً كل الأطراف إلى "ترك القضاء يعمل من دون ضغوطات وبكل استقلالية".
من جهة أخرى يرى المناعي أنه "لا يمكن الحديث الآن عن الانتخابات الرئاسية، خصوصاً أن موعدها بعيد ولا أعتقد بوجود علاقة بين هذه الشكوك في تورط بعض الشخصيات في تبييض الأموال والترشح للانتخابات".
يشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي تثير فيها النيابة العمومية بتونس قضايا فساد مالي ضد شخصيات معروفة منذ الـ25 من يوليو (تموز) 2021.
ولا يفوت الرئيس سعيد فرصة من دون تأكيد ضرورة محاربة الفساد، إذ شدد في في هذا الإطار على أن "دعوات الشعب التونسي لتطهير البلاد من الذين عاثوا فيها فساداً لعقود طويلة لا يجب أن تبقى مجرد شعار، بل يجب أن تجد طريقها إلى التنفيذ في ظل قضاء عادل وناجز".