ملخص
لماذا نتثاءب؟ وهل يؤدي التثاؤب إلى تبريد الدماغ؟ وهل التثاؤب معدٍ ومرتبط بمهارات التعاطف؟ وماذا عن الحيوانات؟
لن تستطيع قراءة هذه المادة من دون أن تتثاءب مرات عدة، فالصورة ستجعلك تتثاءب والمعلومات الواردة ستفعل بك نفس الشيء، فلا تخف أنت لا تشعر بالتعب أو النعاس أو أن دماغك يحتاج للراحة، بل تصيبك عدوى التثاؤب التي طغت على معظم أوقات إعداد المادة قبل أن تصلك. فما هو التثاؤب ولماذا نتثاءب؟
تبريد الدماغ
قلما يمر اليوم من دون أن تتثاءب مرات عدة، وهو ما يعرض المرء لسؤال نفسه أو غيره: هل تشعر بالنعاس والتعب؟ لتكون الإجابة أحياناً نعم وأخرى لا.
لذلك يعتبر التثاؤب أحد الألغاز التي حيرت الأطباء، فقد لوحظ هذا السلوك عند البشر والحيوانات، ولكن لم يستطيعوا فهمه بشكل جيد. فالتثاؤب شكل من أشكال المنعكس الذي يتضمن شهيقاً عميقاً وفتح الفك على نطاق واسع وزفيراً سريعاً للهواء المستنشق، وفي العموم هناك شعور بالاسترخاء مباشرة بعد التثاؤب.
كما أن هناك اعتقاداً سائداً بأن التثاؤب يساعد على زيادة نسبة تزويد الدماغ بالأوكسجين، إلا أن الدراسات فشلت في تأكيد العلاقة بين التثاؤب ومستويات الأوكسجين في الدم. بينما ظهرت دراسة أخرى لفريق من الباحثين يترأسهم عالم الأحياء التطوري في معهد البوليتكنيك بجامعة ولاية نيويورك أندرو غالوب في أميركا، تتحدث عن أن التثاؤب يقوم بوظيفة تبريد الدماغ، فالتوتر ومراحل النوم، والإثارة القشرية كلها تقلبات تطاول درجة حرارة الدماغ. فأثناء التثاؤب تتحرك عضلات الوجه وتنقبض، ما يزيد من تدفق الدم إلى الوجه حيث يمكن أن تتبدد الحرارة بسهولة أكبر، وقد تدمع عيون بعض الأشخاص عند التثاؤب الأمر الذي يؤدي إلى إطلاق الحرارة، وبالمثل فإن أخذ نفس عميق من الهواء النقي قد يساعد في إرسال دم بارد إلى الدماغ.
رد فعل دفاعي
وعلى قلتها، تتعدد النظريات المرتبطة بالتثاؤب، ومنها ما يحدث عند تغيير الارتفاع بسرعة كما هي الحال في الطائرة. إذ إن الإنسان يتثاءب طوعاً ولا إرادياً في محاولة لموازنة الضغط داخل الأذن، فالتثاؤب يخفف من آلام الأذن ومشكلات السمع التي يعاني منها عادة الأشخاص أثناء هذه التغيرات السريعة في الارتفاع في الطائرات والمصاعد، إذ يتم تحقيق ذلك عن طريق فتح قناة استاكيوس بسبب انقباض واسترخاء العضلة الموترة للطبلة والعضلة الركابية. وقد أدت هذه الملاحظة إلى افتراض آخر مفاده بأن التثاؤب قد يكون في الواقع بمثابة "رد فعل دفاعي" للأذن، والذي يتم تحفيزه إما عن طريق التغيرات السريعة في الارتفاع أو عن طريق ظروف أخرى تؤدي إلى احتجاز الهواء في الأذن الوسطى، وهو مفيد في معادلة ضغط الهواء في الأذن الوسطى مع ضغط الهواء الخارجي.
بينما تقول نظرية أخرى إن التثاؤب يبقي الدماغ مستيقظاً أثناء الأنشطة المملة مثل القيادة أو مشاهدة التلفاز أو الاستماع إلى محاضرة، إذ إن التثاؤب هنا يجبر عضلات الوجه والرقبة على الحركة. ويعتقد الباحثون أن هذه الحركة تحفز الشريان السباتي ما يؤدي إلى زيادة معدل ضربات القلب وإفراز الهرمونات المعززة للاستيقاظ، كما يرون أن التثاؤب يؤثر بشكل مباشر على نشاط الدماغ عن طريق تحفيز حركات سائل الدماغ، كما تزداد التوصيلات الكهربائية للجلد على غرار تأثير الكافيين، وبما أن الكافيين يعزز اليقظة، فيعتقد الباحثون أن الاستجابة الفيزيولوجية مماثلة وقد تشير إلى أن كلاهما يؤديان الوظيفة نفسها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عدوى التثاؤب
ويقول الخبراء إن ما يقرب من ثلثي الناس حساسون لعدوى التثاؤب، يتثاءبون غريزياً إذا رأوا شخصاً آخر يتثاءب، فعدوى التثاؤب ظاهرة موثقة تنجم عن سماع أو رؤية أو التفكير في التثاؤب، فهو يختلف عن التثاؤب العفوي والذي يحدث عندما يشعر شخص ما بالملل أو التعب. وقد لوحظ التثاؤب العفوي أولاً في الرحم، حتى قبل مرحلة الطفولة.
ولحد الآن لا يزال من غير المفهوم لماذا بعض الأفراد أكثر عرضة للتثاؤب المعدي، فقد أظهرت الأبحاث بما في ذلك دراسات التصوير العصبي وجود علاقة بين التثاؤب المعدي والتعاطف، أي القدرة على الإحساس بمشاعر الآخرين وفهمها، وبينت دراسات أخرى وجود ارتباط بين التثاؤب المعدي والذكاء والوقت.
وفي تجربة على 328 من المتطوعين شاهدوا شريطاً من ثلاث دقائق لأشخاص يتثاءبون وسجلوا عدد مرات التثاؤب أثناء المشاهدة، حيث لاحظ الباحثون أن بعض الأفراد كانوا أقل عرضة للتثاؤب المعدي من غيرهم، فمن بين المشاركين تثاءب 222 منهم بشكلٍ معدٍ مرة واحدة على الأقل، وعند التحقق خلال جلسات اختبار متعددة حصلوا على النتائج نفسها، ما يدل على أن التثاؤب المعدي سمة مستقرة جداً.
إذ إن أغلب اختلافات التثاؤب المعدي لا تزال غير مفهومة، لذلك يتطلع الباحثون لمعرفة ما إذا كانت هناك اختلافات وراثية تسهم في التثاؤب المعدي، وهدفهم على المدى الطويل في تمييز الاختلاف في التثاؤب هو فهم الأمراض التي تصيب الإنسان مثل انفصام الشخصية والتوحد بشكل جيد، إذ لوحظ أمر مثير للاهتمام وهو أن الذين يعانون من مرض التوحد أو الفصام والمتميزين بضعف المهارات الاجتماعية ليس لديهم تثاؤب معدٍ.
الحيوانات أيضاً تتثاءب
إذاً فإن مجرد رؤية شخص آخر يتثاءب يجعل الكثير منا يفتح فاهه ويتثاءب، ولكننا لسنا وحدنا، فالحيوانات مثل الشمبانزي والأسود والكلاب والقطط وغيرها يمكن أن تصاب أيضاً بما يسمى بالتثاؤب المعدي، ومن المحتمل أن جميع الفقاريات تتثاءب تلقائياً لتنظيم عمليات الجسم الداخلية.
وبحسب العالم السابق الذكر أندرو غالوب، فربما نشأ التثاؤب مع تطور الأسماك الفكية قبل 400 مليون عام تقريباً، ويقول "لقد سجلنا فترات التثاؤب لدى أكثر من 100 نوع من الثدييات والطيور، ووجدنا أنه عند التحكم في حجم الجسم فهناك علاقات إيجابية قوية جداً بين مدة تثاؤب الحيوان ومدى ضخامة وتعقيد دماغه.
ويحدث التثاؤب لدى جميع أنواع الحيوانات من الببغاء إلى قرود البابون، وقد ربط بمجموعة من الوظائف، بدءاً من تحفيز اليقظة وحتى تنسيق سلوك المجموعة.
إذ يبدو أن التثاؤب لدى فقمات أميركا الجنوبية هو إشارة للقلق، الذي يحدث بعد التفاعلات العدوانية بين الأفراد. وعن هذا تقول كلارا لامازاريس-مارتن، من معهد الأبحاث في جامعة هارفارد، "تشير بياناتنا إلى أنه بعد وقوع حدث مؤلم مباشرة، تصل ذروة التثاؤب لدى المعتدي والضحية، مما قد يعكس قلق الأشخاص أو قد يعمل كآلية للتخلص من التوتر".
وتتوافق النتائج مع الأبحاث التي أجريت على القردة العليا والقردة، مما يدل على أن التثاؤب يكون أكثر شيوعاً في المواقف العصيبة اجتماعياً، ويعمل عند الفقمات على نزع فتيل التوتر الاجتماعي بين الخصوم. ويجري فريق من الباحثين دراسة لمعرفة ما إذا كان تثاؤبهم معدياً كما هي الحال عند البشر والقردة الأخرى، فإذا كان الأمر كذلك فسيكون ذلك دليلاً على أن الفقمات لديها القدرة على التعاطف.
وفي هذا السياق، لوحظ أن مجموعة من الذئاب في حديقة الحيوان في اليابان مصابة بعدوى التثاؤب من قبل فريق من جامعة طوكيو كان يدرسها، وارتبط تكرار التثاؤب بمدى ارتباط الذئب المتثائب الأول بالآخرين، فكلما كان الرابط بين الحيوانات أقرب، كلما زاد احتمال التثاؤب.