ملخص
يتوق السودانيون إلى السلام والأمن بعد أشهر من الحرب والدمار والقتال
على رغم تصاعد القتال في الخرطوم وانفراط الأمن وسقوط القتلى والجرحى وسط المدنيين، إلا أن سكان العاصمة أداروا ظهورهم للحرب وتداعياتها من خلال تنظيم أنشطة فنية وثقافية ورياضية لمواجهة الواقع المرير، وتجاوز الأحزان، ونثر الفرح في القلوب الحزينة والشوارع المسكونة بالخوف، للحصول على جرعات من الأمل والأمنيات بتوقف المعارك وعودة الاستقرار.
ولم يكترث كثير من المواطنين للحصار القسري في المنازل ونيران القصف العشوائي، وكذلك أخطار التنقل في الساحات والميادين، وشرع البعض في تنظيم الفعاليات، وحرص المئات على حضور البرامج ومتابعة الأنشطة من موقع الحدث.
الانتصار على الهموم
تحت شعار "لا للحرب"، شهدت أحياء الحاج يوسف بمحلية شرق النيل في الخرطوم، تنظيم دورات رياضية بملعب كرة القدم، شاركت فيها أندية عدة وسط تنافس قوي وبحضور جماهيري كبير من مختلف الأعمار يتابع المباريات من داخل الملاعب الترابية، ويشجع بتعصب لنسيان المآسي والأزمات ولو موقتاً.
واعتبر المواطن محمد الأمين أن "كثيراً من سكان الخرطوم يجدون شغفاً في حضور مباريات كرة القدم من داخل ملاعب العاصمة المختلفة، لكن تصاعد وتيرة المعارك بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" حرمت الآلاف من متابعة الأحداث الكروية والتمتع بالتشجيع من داخل الاستادات".
وأضاف أن "كرة القدم منافسة تحاكي غريزة الإنسان في التباري والفوز، وتجري بطريقة حضارية وصحية، وهي تحمل رسالة مختلفة تماماً عن رسائل الحرب والقتل والنزوح والدمار والخراب".
ونوه الأمين إلى أن "الحضور الجماهيري الكبير الذي تحظى به الدورات الرياضية في منطقة الحاج يوسف، والتنافس الشريف داخل الملاعب، والتصافي بين المشجعين، دليل على حب الناس للسلام وكرههم للصراع المسلح والقتال".
وتابع المتحدث "أجد في التركيز على مجريات المباريات هروباً من التفكير في ما يجري حولي، والمستقبل المجهول الذي ينتظرني في وطن تمزقه الحروب، ومتنفساً عن الانشغال بمتاعب الحياة اليومية".
تعويض نفسي ورسائل
لم تمنع قتامة المشهد ومآسي الحرب السودانيين الذين يعشقون الفن منذ الأزل، من تنظيم فعاليات ثقافية في أحياء العاصمة بخاصة الخرطوم وأم درمان، إذ أقيمت أنشطة في الساحات والمراكز الثقافية بالمناطق الآمنة، منها جلسات غنائية وعروض مسرحية تدعو للسلام ونبذ الحرب، فضلاً عن إقامة مراسم حفلات الأعراس الصاخبة التي باتت تستمر حتى ساعات الفجر الأولى بعد أن أسهم غياب الشرطة في عدم التقيد بالموعد المحدد لساعات مناسبات الزفاف.
وعن تأثير الصراع المسلح على المزاج العام، تقول الباحثة الاجتماعية تهاني عمر إن "الغناء والاحتفال في ظل الأوضاع الحالية يعتبره البعض فعل حياة وتحد لآلة الموت، وهروباً من حالة الحزن والظروف الاقتصادية المتردية".
وأضافت أن "إطالة أمد الحرب أسهم في عودة مئات السودانيين إلى ممارسة حياتهم الطبيعية بمن فيهم بعض الواقعين تحت خط النار، كنوع من التعويض النفسي لمدى الأذى الذي ألم بهم خلال تسعة أشهر كاملة".
وأوضحت الباحثة الاجتماعية أن "العروض المسرحية والرياضة يسهما في توجيه رسائل مهمة تدعو للسلام ووقف القتال"، ولفتت إلى أن "الغناء والرقص يمثلان مظاهر التعافي النفسي لدى البعض، لكن بالطبع ليس في زمن المعارك العسكرية والموت، وإن كانت لكل شخص طريقته في التعبير".
تسلية وترفيه
وظلت أندية المشاهدة داخل أحياء مدن العاصمة الآمنة تعمل باستمرار، ويجد الشباب وكبار السن منفذاً لممارسة هواياتهم المختلفة من مشاهدة مباريات كرة القدم في بطولة أمم أفريقيا ومسابقة كأس آسيا للمنتخبات، إلى جانب الدوريات الأوروبية، فضلاً عن لعب الورق والشطرنج والضمنة.
يقول الصادق حامد، وهو صاحب نادي مشاهدة، إن "جمهور كرة القدم والرواد الذين يحرصون على لعب الورق، يعوضنا ما فقدنا من زبائن خلال الأشهر الماضية عقب نزوح آلاف المواطنين من العاصمة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف أن "كثيراً من الناس يأتون يومياً لتمضية الوقت والترفيه عن أنفسهم وتبادل الأخبار وما يدور من أحداث راهنة في البلاد، علاوة على الاستمتاع بعدد من الأنشطة".
وأشار صاحب نادي المشاهدة إلى أن "التنقل ليلاً صعب للغاية ويقود للأخطار، لذلك أحرص على إغلاق النادي عند التاسعة مساءً من أجل ضمان سلامة الزبائن والرواد، على رغم الأمان في الحي الذي نقطن فيه".