ملخص
جمعت حكايات بين الفنانين والسياسيين من بينها علاقة مارلين مونرو بالرئيس الأميركي جون كينيدي وبرلنتي عبدالحميد بالمشير عبدالحكيم عامر في مصر.
عرفت العلاقة بين الفن والسياسة مساراً متلازماً عبر التاريخ، وشهد العصر العباسي بروز عديد من المغنين والمغنيات والعازفين والعازفات وتحدث عنها أبو الفرج الأصفهاني في كتابه (الأغاني).
وكثيرة هي الحكايات التي جمعت حديثاً بين الفنانين والسياسيين من بينها علاقة مارلين مونرو بالرئيس الأميركي جون كينيدي، وبرلنتي عبدالحميد بالمشير عبدالحكيم عامر في مصر، وكارلا بروني بالرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي وغيرها.
وغالباً ما تحظى هذه العلاقات التي تتخذ أشكالاً مختلفة باهتمام ومتابعة الجمهور، فإلى جانب تلك المبنية على تبادل المصالح بين الطرفين تبرز العلاقات العاطفية التي ينتهي بعضها بالزواج العلني بينما يظل بعضها الآخر محكوماً بالسرية والكتمان متأرجحاً بين النفي والتأكيد، كما في تجربة الفنانة نبيلة عبيد التي أكدت زواجها من أسامة الباز مستشار الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك مقابل نفي زوجته الأولى، هذا عدا الدور الذي تلعبه أجهزة الاستخبارات في تجنيد بعض الفنانين لجمع المعلومات من طريق الإيقاع ببعض الشخصيات السياسية.
أزرار قميص السياسيين
يقول الناقد الفني جهاد أيوب لـ"اندبندنت عربية" إن البحث عن الحماية والسلطة يقفان وراء تقرب الفنان من السياسيين، مشيراً إلى أن العلاقة بين الطرفين ولدت منذ بدء مشروع الفن والدولة، وانطلقت بصورة كبيرة في مصر من خلال عمل بعض الفنانين كمخبرين للدولة ثم انسحبت على دول عربية أخرى.
أضاف "الفنانون يحظون بدعم السياسيين ويستشيرونهم في أمورهم ولكنهم في الواقع ليسوا إلا كأزرار قميص بالنسبة إليهم، لأنهم يتخلون عنهم عندما يتقدمون في السن ويبحثون عن فنانين أكثر شباباً وشهرة".
وتابع "سياسيون لبنانيون تربطهم علاقات بالفنانين وفي مقدمتهم صباح التي تردد أنها تحب السياسيين ولا تحب السياسة، كما كانت تربطها علاقة وطيدة بكل الرؤساء والأمراء والملوك العرب، وعاشت علاقات غرامية مع عدد من الشخصيات الفاعلة وعلاقتها بهم استمرت حتى رحيلها ولكن بدرجات متفاوتة، فالرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر تدخل شخصياً لحل مشكلتها مع رشدي أباظة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومضى في حديثه "كما تدخل الرئيس الراحل أنور السادات في مشكلتها مع الجنسية المصرية ومنحها إياها، وساعدها الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد كثيراً عندما تعرضت للمحاربة، والرئيس اللبناني الراحل كميل شمعون كان يقصدها في بيتها لتلبية بعض الخدمات التي تطلبها منه ولكنها نجحت بدورها في مصالحتها مع الرئيس بشارة الخوري كما في مصالحة الأخير مع ريمون إده، والأمر نفسه ينطبق على الفنان وديع الصافي والأخوين رحباني اللذين كان بيتهما مقصداً لاجتماعات السياسيين عند التخطيط لمشاريعهم السياسية، وهذا الأمر انعكس إيجاباً على الفن الرحباني الذي تضمن بعداً سياسياً وإنسانياً عميقاً، تماماً كما كانت بديعة مصابني في مصر مقصداً للسياسيين ومن عندها كانت تصدر قراراتهم".
من ناحية أخرى يشرح أيوب السبب الذي جعل صباح تختار الزواج من جو حمود دون سائر السياسيين، قائلاً "هو لم يكن في المجال السياسي عندما تزوجته ولكنها ساندته عندما قرر الترشح للانتخابات النيابية، وعرفته على الوسطين السياسي والإعلامي في لبنان، لأنه كان يعيش في أفريقيا ولكنه تخلى عنها عندما أصبح نائباً، وهي التقته بعد أزمة عاطفية في إحدى المناسبات وأعجبت بكرمه وأخلاقه ولياقته كما أنه تحمل مشكلاتها الكثيرة".
السياسيون يشعرون بالارتياح مع الفنانين كما أنهم يسربون عبرهم رسائلهم السياسية قبل أن تلجأ بعض الدول العربية إلى الدراما لتمرير مثل هذه الرسائل، بحسب أيوب الذي يضيف "بعض أجهزة الاستخبارات العربية استغلت عدداً من الفنانين وجندتهم لحسابها للحصول على معلومات عن بعض السياسيين التابعين لدول أخرى، وبعضهم عمل لمصلحتها مقابل رواتب من الدولة والبعض الآخر مقابل مكافآت".
وذكر "في مرحلة لاحقة لجأ عدد من الفنانين إلى كتابة مذكراته وكشف أسراره وعلاقاته بالسياسيين، علماً أن العلاقة بين الفنان والسياسي تحرق الفنان أكثر مما تفيده، لأن الأنظمة تتغير والسياسيين الجدد يقضون فنياً على الفنانين الذين كانوا يعملون لمصلحة النظام السابق، كما حصل مع الفنانة نور الهدى التي دفعت ثمناً باهظاً بعد ثورة الضباط الأحرار لأنها كانت محسوبة على الملك فاروق في مصر".
عادل إمام والحزب الوطني
بحسب الناقد المصري طارق الشناوي فإن العلاقات بين الفنانين والسياسيين منتشرة في العالم كله ولكنها أكثر قوة في العالم العربي، لأنها تملك كثيراً من الخيوط التي يمكن أن تساعد الفنان على الاستمرار أو هدم حياته الفنية.
وهنا يقول الشناوي "خلال ثورة يوليو (تموز) عام 1952 صدر قرار عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة بمنع أغاني أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب لأنهما كان يغنيان للملك فاروق، كما تعرضت كوكب الشرق للإقصاء في زمن السادات بسبب خلاف مع جيهان السادات".
"أما الفنان عادل إمام فحاول تأكيد أنه إلى جانب الدولة في زمن مبارك من خلال حضور مؤتمرات الحزب الوطني مع أنه لا يعرف شيئاً عنه ولا يؤمن بمبادئه، وهذا يعني أن الفنان في العالم العربي (ذراعه ملوي) وهو يمكن أن ينتهي فنياً بمجرد صدور قرار بمنعه من الغناء أو التمثيل أو الإخراج، وبإعطاء تعليمات مباشرة للإعلام بعدم استضافته، وأيضاً تدخل الرقابة لمنع عرض أعماله، ولذلك قال عادل إمام إن الرئيس مبارك تدخل شخصياً وسمح بتصوير فيلم (الجردل والكنكة)"، وفقاً للناقد المصري.
ويرى أن الدولة تستفيد من الفنان لتمرير رسائلها، مضيفاً "ويمكن أيضاً أن تتخذ العلاقة بين الفنانين والسياسيين أوجهاً عدة، ويمكن أن تتحول إلى شخصية كما في تجربة نبيلة عبيد التي تزوجت بأسامة الباز وتجربة مها صبري التي تزوجت بإحدى القيادات العسكرية في مصر، وعادة تسعى الفنانة من خلال توطيد علاقتها بالسياسيين إلى تأمين المساعدة والحماية والتدخل وإبعاد الغضب عنها، لأن الدولة تملك أوراقاً تجعلها مطلوبة إعلامياً وفنياً".
وقال "الدولة التي تبدو كأنها لا تنتج ظاهرياً يمكن لأي مسؤول يشغل مركزاً قيادياً فيها أن يتحكم في أي فضائية ويمنع ظهور أي فنان على شاشتها"، متطرقاً إلى تجربة تجنيد بعض الفنانين للعمل لمصلحة الاستخبارات.
العرش الملكي وكرسي الرئاسة
لكن العلاقات بين الفنانين والسياسيين تختلف من بلد عربي إلى آخر بحسب الكاتب محمود إدريس، الذي يقول "هذا ما لمسته من خلال إقامتي في أكثر من بلد عربي ومتابعتي الأفلام التي تناولت تاريخ مصر. وبصورة عامة يحرص السياسيون على وجود الفنانين إلى جانبهم لكي يصبحوا أكثر قرباً من الضوء ولكي يتجاوزوا العثرات ويتلمسوا صورة من صور النقاء الذي يمثله الفنان بالنسبة إلى جمهوره، وفي المقابل يحقق الفنان من خلال هذا التقارب مصالح شخصية ومهنية لا تتوفر لغيره من الفنانين على مستوى الانتشار، كما تمنحه بعض التجاوزات في طروحاته الفنية التي لا تمنح لغيره وتؤمن له فرص عمل لا تتاح لمن هم بعيدون عن الأوساط السياسية".
ويعتبر إدريس أن الزيجات السرية بين الفنانين والسياسيين بعيدة من سوريا، مضيفاً "ديما قندلفت تزوجت بوزير الصناعة السابق همام جزائري بصورة علنية، وكذلك نورمان أسعد التي تزوجت بسياسي عراقي واعتزلت الفن، والزيجات السرية تبقى سرية لأن تركيبة المجتمع السوري لا تشبه غيرها".
ولفت الانتباه إلى أن "الارتباط بين السياسي والفنانة له علاقة بالانبهار لأنه يعتبر أنه يستطيع الحصول على كل ما ينبهر به بسبب سلطته، ثم يكتشف بأن ما سعى إليه مكدر بسبب الاختراق الكبير للخصوصية في حياتها".
وفي المقابل يرى أن الدور الذي لعبته أسمهان في الحياة السياسية في مصر إشكالي جداً، مضيفاً "الحضور الفني الأنثوي والذكوري كان حاضراً بشكل ملموس في مصر وعندما تكون التجربة السياسية غنية يكون هناك غنى في تنوع أشكال العلاقات ويمكن أن تصبح عامة يدونها التاريخ ويتناولها".
وختم حديثه "حتى أم كلثوم التي كانت قريبة من العرش الملكي أصبحت قريبة في مرحلة لاحقة من الكرسي الرئاسي، وهذا الأمر مستغرب لأن من يهادن الملوك من الصعب عليه أن يهادن الرؤساء، ولكن إعجاب الرئيس جمال عبدالناصر بفنها ودعمه لها جعله يحضر حفلاتها يوم الخميس من آخر كل شهر، إلى أن تم إقصاؤها في عهد السادات بسبب محاربة جيهان السادات لها".