Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"أنوف حمراء" مسرحية تكشف عن حماقات "التيك توك"

ممثلون مصريون شباب في لعبة ساخرة والأب يرقص أمام كاميرا الابنة

مشهد من المسرحية المصرية "أنوف حمراء" (خدمة الفرقة)

يحسب للمخرج شادي سرور مدير مسرح الهناجر في القاهرة حرصه على منح الفرصة للشباب لاختبار قدراتهم وصناعة عروضهم بأنفسهم، وهذا بعد تأهيلهم وصقل مواهبهم من خلال الورشة التدريبية التي يقوم بها مدربون محترفون. بعد أن قدم شادي سرور من إخراجه العرض المسرحي "قرب قرب" الذي كان نتاجاً للدفعة الأولى من ورشة الهناجر، يعود هذه المرة ليقدم عرضاً جديداً للدفعة الثانية، بعنوان "أنوف حمراء" من إخراج محمد الصغير، وهو أحد المخرجين المعروفين بميلهم إلى الاستعانة بالشباب الجدد لتقديم عروض كوميدية اجتماعية، تناقش أعقد المشكلات وإن بطريقة بسيطة، ليبدو الأمر وكأنه مجرد لعبة، يتم من خلالها تمرير أفكار عميقة تصيب أهدافها بدقة، ولا تكون هدفاً لتدخلات رقابية عقيم.

العرض بطولة محمد السعدني وعلي عبدالناصر وطارق الشرقاوي وعلي حميدة ونور شادي وعبدالرحمن عبدالله وهالة محمد وهاني عاطف وسارة خزبك وباسم إمام وحسن سليمان وماري جرجس وندى محمد ومحمد أسامة، والإعداد الموسيقي لمحمد مصطفى.

مسرح داخل المسرح

في هذا العرض اختار محمد الصغير بقدر من الذكاء موضوعاً يخص ممثليه الباحثين عن فرصة للوجود مسلحين بمواهبهم وسط واقع لا يحفل كثيراً بالمواهب، ولا بالجدية، ويميل أكثر إلى التسطيح والفجاجة. وهو ما ترك أثراً سلبياً واضحاً على كثير من الأعمال، سواء في المسرح، أو في السينما، أو في التلفزيون، أو في الغناء، وأدى إلى تسيد نوع من الأعمال الفنية تتسم بالخفة والسطحية. لم يكتفِ المخرج بذلك، فقد أتاحت له البنية المفتوحة مناقشة قضايا أخرى، لا تخص ممثليه فحسب، بل تخص مشاهديه أيضاً، وتتعلق بالواقع الاجتماعي والاقتصادي.

الموضوع ليس جديداً، وسبقت معالجته في أكثر من عرض، لكن المهم هنا كيف قدمه المخرج على طريقته التي تخصه، وكيف استغل قدرات ممثليه ووظفها في خدمة العرض.

لجأ المخرج إلى فكرة المسرح داخل المسرح، ليقدم مجموعة من "الاسكتشات" التي لا رابط بينها، وإن وضع لها إطاراً عاماً يبرر وجودها. وهذا ما أتاح مساحة للممثلين لاستعراض مواهبهم في التمثيل والرقص والغناء. نحن أمام فرقة مسرحية تجري تدريباتها على عرض مسرحي جديد، فيه من التمثيل والاستعراض (تصميم هاني حسن) والغناء، مما يتيح اختبار قدرات هؤلاء الممثلين من ناحية، ويتيح، من ناحية أخرى، تقديم بعض الأفكار التي تعبر عن معاناتهم ورؤيتهم للعالم حولهم.

"تيك توك"

أكثر من لوحة تضمنها العرض تصب في نقد الواقع الفني والاجتماعي، وتأثير السوشيال ميديا على الشباب، وامتداد التأثير ليشمل الأسرة كلها. فها هو الأب، نزولاً على رغبة ابنته، وسعياً إلى مواجهة ظرفه الاقتصادي الخانق، يتخلى عن جديته ووقاره، ويقدم وصلة رقص شرقي ليظهر على" تيك توك"، ويحصد الأموال الموعود بها، إذا قبل التحدي ورقص، وها هي الأم تتقبل صفعة منه، وتبادله بمثلها، بحسب الشروط الموضوعة للمشاركة في البرنامج. كل ذلك من أجل الحصول على المال وتدبير نفقات العيش. إن الإنسان، في هذه اللوحة، يبدو منسحقاً أمام المادة، ساعياً إلى تحصيلها بأي طريقة، حتى لو تخلى عن قيمه ومبادئه، في زمن طفا على سطحه الطفيليون والفاقدون لأي موهبة سوى الزيف والدجل، وهم من يمثلهم حارس أمن المسرح، الذي حصد كثيراً من الأموال - وإن لم نعرف كيف - مما مكنه من شراء مسرح خاص به.

ومن اللوحات الدالة أيضاً تلك اللوحة التي يضطر فيها أحد المطربين الموهوبين إلى تقديم إحدى أغنيات أم كلثوم على طريقة المهرجانات، وهو في وضع الانبطاح، حتى تتاح له فرصة عمل. فالواقع لم يعد يحفل بفكرة الأصالة أو الرصانة، ولم يعد يستهويه سوى السطحي والزائف، وذلك كله بتأثير الميديا، التي تلح على الناس بهذه النوعية من الأعمال الفنية.

استغل المخرج بنية العرض المفتوحة، وقدم لوحات يسخر فيها من بعض الفنانين الذين يبتذلون أنفسهم ويقدمون فناً رخيصاً، ويأتون بسلوكات فجة لحصد الأموال، مع أن بإمكانهم حصدها بطرق أكثر قيمة ورقياً. وإمعاناً في إتاحة أكبر مساحة ممكنة للممثلين، والإيهام بأننا أمام فرقة مسرحية بالفعل، جاءت بعض اللوحات الجانبية، منها لوحة عاملة المسرح وحكاياتها، وسعيها إلى لقمة عيشها هي وأولادها، وكذلك لوحة شراء أحدهم الطعام لزملائه.

اعتمد العرض على ارتجالات الممثلين، التي صاغها المخرج مع أحد الممثلين (محمد السعدني)، وهي ارتجالات نابعة من تجارب شخصية، فكأن الممثل هنا يؤدي دوره في الحياة، ويقدم وجهة نظره في واقعه الصعب، وإن احتاجت الكتابة إلى شيء من العناية، بعيداً من الحوارات المجانية، التي لا تضيف شيئاً للدراما، ومحاولات الإضحاك التي لم يكن العرض في حاجة إليها، وكذلك بعض الانفعالات الزائدة من بعض الممثلين.

وإذا كان العرض قدم مجموعة من الممثلين الموهوبين، وقدم بعض الأفكار بطريقة فنية جيدة، فإن صناعه، في غمرة الانشغال بالتمثيل، أهملوا عديداً من التفاصيل، منها عدم اكتمال بعض الخطوط الدرامية، مثل حكاية الممثلة الشابة وزميلها الشاعر، الذي ارتبطت به عاطفياً. كذلك لم يكن هناك اعتناء بالديكور الذي كان بعيداً تماماً من موضوع العرض، هو منظر واحد ثابت يعبر عن أجواء السيرك لا المسرح. هو نفسه ديكور عرض "قرب قرب" لجأ إليه المخرج توفيراً للنفقات، أو ربما اعتماداً على أننا في بروفات عرض مسرحي يجوز فيها أي شيء. كان يمكنه أن يجري عليه بعض التعديلات ليناسب أجواء العرض، ويسهم في بنائه ولا يكون عبئاً عليه، بل كان يمكنه الاستغناء عنه تماماً ما دمنا بصدد تقديم عرض يتناول فرقة تجري بروفاتها، من الجائز أن يكون المسرح فارغاً تماماً إلا من الممثلين.

نهايتان لا واحدة

هناك أيضاً ملاحظة تخص نهايتي العرض، إذ كانت هناك نهايتان لانهاية واحدة، فبعد إجراء البروفات والاستعداد لافتتاح المسرحية، يفاجأ الجميع ببيع المسرح. ويفشل المخرج في إقناع صاحب المسرح بعدم بيعه ويفشل، عبر مشهد "سلويت" بينهما، نفذ بصورة جيدة. يعقب ذلك استعراض، أشبه باستعراض الوداع، قدمته، ببراعة، نور شادي، ثم يتبعه حوار بين المخرج وبعض الممثلين، ربما لو أغلق العرض على مشهد الاستعراض لكانت النهاية أكثر قوة وتأثيراً، وكان العرض قد بعث برسالته، فما بعد ذلك غير مؤثر، ولا يضيف شيئاً للدراما.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تبدت في العرض خبرات مخرجه في كيفية توظيف ممثليه بشكل يناسب قدرات كل منهم، وقدرته على صناعة الكوميديا، التي تعتمد أكثر، على المواقف، من دون الانزلاق - إلا في ما ندر - إلى القفشات اللفظية التي تفرغه من مضمونه، وتصرف مشاهده عن تلقي رسالته.

يمكن اعتبار العرض فرصة لتقديم عدد من الشباب الموهوبين، ولفت الأنظار إليهم، وهو ما نجح المخرج في تحقيقه، ولكن يمكنه أيضاً، لمزيد من الإضافة والتماسك، أن يستغل بنيته المفتوحة، ويعيد ضبط بعض المشاهد، كتابة وأداء، لتكتمل الصورة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة