ملخص
سلبت تلك المراكز دور المؤسسة التعليمية الرسمية برحلات ومسابقات ومكافآت باهظة ومتخصصون يلقون باللوم على تراجع مستوى المعلمين والمدارس.
يبدو أن عبارة المجتمع المدرسي تتلاشى بسرعة لم تكن متوقعة، فهناك مراحل تعليمية كاملة في مصر طلابها لا يعرفون شكل فصولهم، ولا أسماء زملائهم، ولا رقمهم في كشف الحضور، بعدما كانت المدرسة هي البديل المصغر عن المنزل والعائلة بعلاقات الصداقة والود مع معلمي الفصل ومدير المدرسة، والأنشطة الفنية والعلمية المشتركة مع بقية الصفوف، والتسابق والتنافس للحصول على جائزة تمنحها الإدارة، وبالطبع ذكريات الرحلات المدرسية إلى معالم الوطن، وحتى التمشية في الفناء خلال الفسحة، والتسابق من أجل الخروج سريعاً من الباب الكبير.
تفاصيل بالنسبة إلى أجيال كثيرة أصبحت الآن وكأنها ضرب من الخيال الذي ينتمي لحقبة زمنية بائدة، على رغم أنها ليست بعيدة بحساب السنوات، ولكنها تنتمي لعصر آخر بفعل التغييرات المتلاحقة في منظومة المدراس الحكومية، خصوصاً في المرحلة الثانوية، فلا يزور طلابها مدراسهم النظامية سوى لإثبات الحضور ولتوثيق بعض الاجراءات التي تضمن لهم مكاناً يؤدون فيه الامتحانات الأساسية، وكل ما يقع بين مواعيد الامتحانات يقوم على إدارته مهندسو مراكز الدروس الخصوصية المسماة "سناتر"، حيث يصنعون مجتمعاً خاصاً بديلاً عن المدرسة، من دون الخضوع لقوانين وزراة التربية والتعليم أو حتى مساءلة.
فالصحبة هنا تصنعها مقاعد مركز تعليمي بعيداً من قوانين وقواعد المدارس المعتادة، والمستوى الأخلاقي يتحدد وفقاً لشروط بعيدة من متطلبات الإدارة التعليمية في المحافظة، والأنشطة ورسومها أيضاً تقررها جهات مختلفة تماماً، فانتهى زمن الطالب المتميز المتفوق دراسياً الذي يخصّه معلم الفصل دوماً بجوائز ومهمات كبيرة تجعله مثار غبطة بقية التلاميذ، لأن طبيعة الجوائز باتت مختلفة كثيراً ولم تعد رمزية مثلما كانت في السابق، كما أنه لم يعد هناك فصل دراسي بصورته الكلاسيكية.
من يكتب بداية ونهاية العام الدراسي هذا العالم ليست أجندة مواعيد وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني فقط، وإنما القائمون على هذا المجتمع الذين ترك كثيرون منهم وظائفهم في المدارس الحكومية وتفرغوا لإنشاء البديل المتكامل لتلك المؤسسات التعليمية بطرق أكثر يسراً بالنسبة إليهم وإلى الطلبة أيضاً من دون تعقيدات روتينية، بل يجتهدون بأن يجعلوا منافذ الترفيه تتفوق على نظيرتها الرسمية، فإذا كانت بعض المدارس الحكومية تقدم للطلبة ثلاث رحلات في العام، فالمدرسون الخصوصيون يجعلونها تصل إلى ست وربما سبع، وكيف لا وكل مجموعة دراسية لا تقل عن 50 طالباً هم بحاجة إلى الاستراحة من ضغوط التحصيل العلمي وبعدم الشعور بأن هناك ما ينقصهم بتغيبهم الدائم عن الحضور المدرسي.
منافسة حتى في الكثافة
يبدو الرقم 50 ضخماً للغاية ومثيراً للتساؤل، فإذا كان الطلبة يهربون من المدرسة ذات الكثافة العالية، حيث قد يصل عدد طلاب الفصل الواحد إلى 60 وأحياناً إلى ضعف هذا الرقم، فما الجدوى من تكرار الأمر في مركز خاص مع مدرس واحد مقابل دفع دولار أو أكثر أو أقل في كل حصة؟ لتأتي الإجابة سريعاً من معلم رياضيات يعمل في أحد تلك المراكز بمحافظة القاهرة، مؤكداً أن الجودة تحدث من خلال تركيز الطلبة، وطول المدة التي يستغرقها المعلم في الشرح وتقسيم التلاميذ إلى مجموعات، ووجود وسائل معاونة للشرح والمتابعة تلفونياً وإلكترونياً طوال اليوم، والتواصل مع مساعدي المدرسين خلال الشرح وبعده، وهي أمور لا تتوافر في غالبية المدراس الحكومية وحتى بعض المدارس الخاصة، كما أن التجمع الكبير في بعض الأوقات يكون محفزاً على التنافسية والاهتمام، فالعزلة ليست أمراً جيداً في التعليم بالنسبة إلى الطلبة الذين لا يفضل معظمهم الدروس الخصوصية المنفردة التي كانت شائعة خلال أعوام سابقة وحلت محلها "السناتر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ما يقوله المعلم يؤكد أن هناك توجهاً حقيقياً في تلك المراكز بأن تبني مجتمعاً حاضناً شبيهاً بالفعل بمجتمع المدرسة، مع التخلص من السلبيات التي ينفر منها الطلاب، كما أنه حتى الآن لا تزال الغلبة للمدارس النظامية في ما يتعلق بالأعداد، إذ تداول رواد "فيسبوك" خلال الأسابيع الماضية قوائم لبعض الفصول التي تضم أعداداً هائلة من التلاميذ في محيط القاهرة الكبرى، وبينها فصل يضم 120 طالباً وآخر به 100 وثالث يتضمن 90 طالباً.
وبحسب تقرير صادر عن محافظة القاهرة بالتنسيق مع مديرية التربية والتعليم، فإن المحافظة بحاجة إلى 8319 فصلاً إضافياً خلال العام الدراسي الحالي لتحقيق الكثافة الطلابية المثالية، ووفقاً للزيادة السكانية السنوية المتوقعة تحتاج العاصمة سنوياً إلى أكثر من 2300 فصل لاستيعاب أعداد الطلاب، إذ ترواح أعدادهم في كل فصل من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية ما بين 59 و44 تلميذاً، ولكن هذه الأرقام تزيد كثيراً على أرض الواقع، بينما وزارة التربية والتعليم أعلنت أن الكثافة في المدراس الخاصة لا تتعدى الـ30 تلميذاً في كل فصل، فيما التجربة العملية تقول إن هذا العدد قد يصل إلى 40 في بعض المدراس وفقاً لمستواها، لذا فإن مجتمع الدروس الخصوصية يستقبل أيضاً كثيراً من طلاب تلك المدراس التي يدفع المنتسبون إليها 20 ضعفاً في الأقل كرسوم دراسية مقارنة بنظرائهم في المدارس الحكومية.
هدايا ثمينة ومسابقات
فالدروس الخصوصية في مرحلة معينة تلم شمل مختلف الطبقات الاجتماعية، وإذا كان بعضهم يصنف المستوى الاجتماعي للطالب وفقاً لنوعية المدارس سواء حكومية أو خاصة أو دولية، فإن مراكز الدروس الخصوصية تجمعهم تحت مظلتها في المواد المشتركة مثل اللغة العربية والدراسات الاجتماعية والتاريخ في مراحل تعليمية متقدمة، لذا يصبح زملاء الدراسة أكثر اختلافاً وتمايزاً، ويحدث الاختلاط بسبب منظومة المجموعات الدراسية التي تضم عدداً كبيراً للغاية يضاهي الفصول ذاتها وربما يزيد، فما الذي يجده الطالب في هذا المجتمع يكون مختلفاً عن طريقة التعليم والتعايش بين جنبات المدرسة.
يقول وائل خليل وهو طالب في الصف الثالث الثانوي إن المجموعات الكبيرة في "السنتر" تعتبر أرخص نسبياً من الدرس الخصوصي الذي يكون فيه الطالب بمفرده أو مع طالبين على الأكثر، ويقوم المدرس فيه بالشرح لمدة ساعتين أسبوعياً، ويراوح سعر الحصة ما بين 100 و150 جنيهاً (ما يعادل ثلاثة إلى أربعة دولارات)، فوائل الذي يسكن في منطقة تصنف على أنها شعبية بمحافظة الجيزة، يشير إلى أن تلك الأسعار تعتبر قليلة مقارنة بمناطق أخرى أعلى طبقياً.
ويتابع الشاب الذي يستعد لدخول المرحلة الجامعية وهو الثالث والأصغر بين إخوته أنه "في ما يتعلق بالحصة في المركز فهي أقل بكثير وتعادل 20 جنيهاً تقريباً (أقل من دولار) حتى لو وصل العدد إلى 70 تلميذاً، لكن المدرس ملزم بالشرح والإجابة عن كل الأسئلة والتجاوب معنا عبر رسائل ’واتساب‘ بصورة مستمرة، وعلى المتابعة أولاً بأول، كما أنه يشجعنا على التحصيل بطريقة أسرع وبصورة أفضل عن طريق تنظيم مسابقات ومنح هدايا تذكارية قيمة، بينها هواتف محمولة وحتى بعض الأموال، وهي أمور جذابة تزيد من التنافسية الإيجابية بين الطلبة، بخلاف المدرسة حيث لا يوجد لدينا مدرسون لمعظم المواد".
رحلات بلا رقابة
كثيراً ما كانت مسابقات التفوق الدراسي بين الفصول والمجموعات والمدارس حكراً على الإدارات التعليمية الرسمية، وتكتسب شرعيتها وقيمتها من ارتباطها بالمدارس الحكومية، وعلى رغم أنها لا تزال موجودة ومعمولاً بها لكن قليلة هي المدارس التي تلتزم بها وتحكم قبضتها على الطلبة والمدرسة في ظل ظهور جهات أخرى متنافسة تشجع التلاميذ على التحصيل بطريقة المسابقات، مما يشير إلى أن بعض الميزات الأساسية التي ارتبطت دوماً بالمدارس النظامية لم تعد حصراً عليها، لكن الأمر يأخذ منحى آخر حينما يتحدث طلبة "سناتر" الدروس الخصوصية عن الرحلات والأنشطة الترفيهية، بعد أن أخذت تلك المراكز بالفعل منذ زمن الدور التعليمي للمدرسة.
خلود عيسوي التي تسكن في أحد مراكز محافظة بني سويف جنوب مصر، دخلت في سجال طويل مع شقيقها الأكبر بسبب رفضه ذهابها في رحلة مع زملائها في الدرس الخصوصي بصحبة المدرس، لافتة إلى أن هذا المعلم اعتاد منذ أعوام على هذا التقليد، فينظم خمس رحلات سنوياً للترفيه عن الطلبة، بخاصة أنهم يبدأون الانتظام معه منذ بداية أغسطس (آب) من كل عام، أي قبيل شهرين من بدء العام الدراسي الرسمي، كما أن ضغوط المذاكرة والامتحانات تجعل من الضروري لها ولزملائها الحصول على استراحة.
وتقول الطالبة في الصف الثاني الثانوي، "لم أذهب إلى المدرسة سوى ثلاثة أسابيع، وبعدها اقتصرت زياراتي لها على الامتحانات الشهرية، ومدرس اللغة العربية الذي يشرح لي في المركز كان بالفعل يعمل بالمدرسة، لكنه تفرغ للدروس الخصوصية، وبصورة عامة لم يعد الاهتمام من قبل معلمي الصف في المدرسة بالشرح والمتابعة بشكل جيد، فجميعنا لجأ إلى طرق أخرى، والحقيقة أنني ذهبت إلى إحدى الرحلات من قبل، ولكن عائلتي ترى أنه ما دام لا توجد رقابة مدرسية على سفر الطلاب، فمن غير الملائم أن أشارك مجدداً في مثل تلك الأنشطة، على رغم أن جميع زملائي يذهبون دوماً مع هذا المعلم الذي يحرص على تنظيم رحلات إلى معالم القاهرة الشهيرة، وبينها حديقة الأزهر والقلعة ومدن الملاهي، كما أنه يحرص على اصطحاب أفراد عائلته معنا زيادة في الاطمئنان".
مدرسة مصغرة ولكن
لكن لأستاذ علم النفس التربوي في كلية التربية بجامعة عين شمس تامر شوقي وجهة نظر أخرى في ما يتعلق بفكرة المسؤولية، فاهتمام تلك السناتر بالأنشطة إلى هذا الحد يزيد من ولاء الطلاب لها على حساب المدرسة، وهو أمر شديد الخطورة في رأيه، ومن نتائجه افتقاد المدرسة دورها التعليمي والتربوي على رغم أنها المؤسسة الأولى في المجتمع المسؤولة عن تربية وتعليم النشء.
ويتابع المتخصص في مجال التعليم بالقول إن معظم معلمي السناتر ليسوا مؤهلين، سواء في التخصص العلمي أو التربوي، للتدريس، مضيفاً "نجد أن معلمي العلوم خريجو كليات الزراعة، ومعلمي الرياضيات خريجو كليات التجارة، مما يجعلهم غير ملمين بالأسس العلمية للمقررات الدراسية المختلفة، وبذلك ليسوا قادرين على توصيل المعلومات بكفاءة للطلاب، مما يفسر عدم حصول غالبية طلاب السناتر على درجات مرتفعة".
ولفت إلى أن عدم التأهيل التربوي والنفسي لمعلمي السناتر قد ينعكس بصورة سلبية على قدرتهم في التعامل النفسي السليم مع الطلاب، منوهاً إلى أنه "في المدارس عادة ما يتم توجيه الطلاب إلى الأنشطة المختلفة بشكل تربوي، فمثلاً الطلاب الموهوبون في الغناء يمكن ضمهم إلى النشاط الفني بالمدرسة وتدريبهم على أداء أغنيات راقية، بينما في السناتر يمكن إتاحة الفرصة للطلاب لتقديم الأغاني الهابطة مثلاً، كما أنه في المدارس توجد آليات لعقاب أي طالب إذا تجاوز الحدود المسموح بها، فتوجد رقابة في المدارس على الطلاب أثناء الأنشطة والحفلات بينما تفتفد السناتر مثل تلك الرقابة، وقد تقع تجاوزات، خصوصاً أنها تقيم حفلات في أماكن خارجية غير خاضعة للرقابة".
المعلم أم الأجور؟
الرحلة التي تسببت في أزمة بين خلود وأسرتها لعدم اقتناعهم بأن هناك جهة يمكن أن تتحمل المسؤولية حيال سلامة الطلبة بخلاف المدرسة، وبذلك ليس من الآمن بالنسبة إليهم تكرار هذه التجربة مرة أخرى، ولكن لماذا بات كثير من المدارس طارداً لطلابه إلى هذه الدرجة، وكيف أصبحت تترك المجال لجهات أخرى لتقوم بدورها بصورة شبه متكاملة وليس على مستوى التعليم فقط؟
ترى وكيلة إحدى المدارس الإعدادية الحكومية، رفضت الإفصاح عن هويتها، أن المدارس باتت مجهزة بشكل جيد للغاية، سواء في ما يتعلق بالمعامل وأجهزة الكمبيوتر وحتى بالأدوات الرياضية، وبات هناك اهتمام كذلك بالأنشطة المختلفة، لكن الإقبال لم يعُد كما كان في السابق.
وتتابع أنه "بالنسبة إلينا كمدرسة تقع في منطقة حيوية بمحافظة الجيزة، هناك بالطبع رقابة دورية على أنشطتها، ولكن أقل من نصف تلك الإمكانات كانت كفيلة قبل عقدين من الزمان بأن تجعل التلاميذ سعداء ومتحمسين للمشاركة، وعلى رغم كل هذا التطوير فإن الهيمنة انتقلت تدريجاً إلى عالم الدروس الخصوصية، والمشكلة أصبحت في المدرس الساخط على أجره الحكومي ويفضل أن يحصل على إجازة أو يتغيب مقابل أن يهتم بالدروس الخصوصية، وفي النهاية تبحث الأسر عن مصلحة أبنائها ولن تتركهم يذهبون يومياً إلى مكان يقدم لهم خدمة تعليمية ضعيفة، وحتى المعلم الذي يرضي ضميره ويلتزم الشرح في الحصص المدرسية لا يجد إقبالاً من الطلبة نظراً إلى انتشار ثقافة الدروس الخاصة وسيطرتها بصورة كاملة وكأنها هي الأساس وليس التعليم المدرسي".
بحسب ما أقرته الحكومة في مارس (آذار) الماضي، فإن راتب المعلم على الدرجة السادسة يلتزم الحد الأدنى للأجور وهو 3500 جنيه شهرياً (115 دولاراً)، ويصل إلى 6 آلاف جنيه للدرجة الثالثة، وعلى رغم تعديل ملف أجور المعلمين فإنه مع زيادة نسبة التضخم وموجات تعويم العملة المحلية لا يزال غير كاف، حتى مع إضافة مجموعات التقوية والدروس الخصوصية عقب مواعيد الدوام المدرسي، لذا يلجأ كثير منهم إلى ترك الوظيفة موقتاً لتأمين حاجاته، وتتطور الأمور ليختار احتراف العمل في السناتر باعتبار أنها تدر عائداً مجزياً للغاية، وهكذا أصبحت مؤسسات تقدم خدمات مميزة وتلبي حاجات الطلبة.
التعايش بدل المواجهة
كل هذا مقابل مبالغ مالية تتفاوت وفقاً لمستوى المركز ونوع الخدمة وأيضاً المستوى الاجتماعي للمنطقة السكنية التي يقع بها السنتر، وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن الأسر المصرية تنفق أكثر من 28 في المئة على الدروس الخصوصية ومجموعات التقوية، من إجمالي المبالغ الموجهة من دخلها إلى التعليم، وبقية البنود موزعة على المدارس والانتقالات والكتب والأدوات المكتبية والملابس، لكن بحسب كثير من الطلبة وأرباب الأسر فإن الأمر في ما يتعلق بالمدارس الحكومية يختلف كثيراً أو ربما تتغير نسبته بصورة جذرية، فإذا كان الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء يشير إلى أن حوالى 38 في المئة من الأموال الموجهة إلى التعليم تلتهمها المدارس، فإن العائلات تلفت النظر إلى أن معظم دخلهم يذهب بشكل مؤكد إلى الدروس الخصوصية، بل إن ما ينفقونه كمصاريف مدارس رسمية، يبدو ضئيلاً للغاية وينحصر في بعض الرسوم المتعلقة بإجراءات الانتقالات وبعض الاشتراكات، ومصاريف الكتب التي لا تتعدى في الصف الثالث الثانوي مثلاً مبلغ الـ18 دولاراً، وهو أمر ينطبق بصورة أو بأخرى على الجانب الأكبر من تلاميذ المدارس الحكومية البالغ عددها 49804 مدارس، تضم ما يزيد على 22 مليون طالب، مقابل 10450 مدرسة خاصة، وفقاً لكتاب الإحصاء السنوي لوزارة التربية والتعليم، في حين يبلغ عدد الطلاب في المرحلة ما قبل الجامعية بجميع المدارس بحسب الوزارة 25.5 مليون.
وسائل ترفيه جاذبة
من جهته يرى المتخصص في شؤون التعليم والأكاديمي التربوي بجامعة عين شمس تامر شوقي أن انتشار سناتر الدروس الخصوصية أصبح وبائياً وحل محل المدرسة، وبعد أن كانت تلك السناتر قاصرة فقط على طلاب الثانوية العامة امتدت لتشمل الشهادة الإعدادية وصفوف النقل في مختلف المراحل الدراسية، ومن بين الأسباب لهذا الأمر في رأيه العجز الشديد في المعلمين وغياب الأنشطة الترفيهية للطلاب في المدارس، وغيرها من الأسباب التي تتعلق بالطلاب أنفسهم وأولياء الأمور، مما جعل دور المدرسة يقتصر فقط على عقد الامتحانات. وقد استغلت سناتر الدروس الخصوصية نقاط الضعف في المدارس وعالجتها لتجذب الطلاب إليها، وتحولت السناتر إلى بديل عن المدارس سواء من حيث التعليم أو الأنشطة الترفيهية والرحلات.
اللافت أنه على مدى عقود حاولت الجهات المعنية القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية، بل كانت هناك دعوات إلى تقنينها ما دام أن مواجهتها لم تجد نفعاً، وكلها أمور لم تفلح في إضعاف هذه المنظومة، بل على العكس، فعلى رغم التهامها الجانب الأكبر من موازنة العائلات التي لديها أبناء في مراحل التعليم المختلفة، فقد أصبحت هناك حال من التعايش معها.
ويؤكد تامر شوقي أن تلك السناتر نجحت بالفعل في جذب أفضل المعلمين المشهورين، واعتمدت على قاعات مكيفة ومجهزة لإعطاء الدروس، كما يركز المعلمون فيها على حل الامتحانات والأسئلة، وهو أمر يهم الطلاب وأولياء الأمور، كما تستخدم أساليب دعاية جذابة لها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، بل تستعين في ذلك بالمشاهير للترويج لأنشطتها، ويقدم معلمو السناتر هدايا ومكافآت باهظة الثمن للطلاب مثل الذهب والهواتف المحمولة والأموال، وينظمون لهم رحلات ترفيهية، وكل هذه الأمور من شأنها أن تجذب الطلاب إليها ليهجروا مدارسهم.