ملخص
تعتزم الحكومة المغربية توظيف أكثر من 1600 مستخدم في مراكز الاتصال في مختلف الإدارات العمومية لتعزيز الأمازيغية
تسير الحكومة المغربية في اتجاه تعزيز حضور اللغة الأمازيغية في عديد من الفضاءات العمومية في سياق مخطط تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في البلاد من خلال إجراءات وتدابير عدة، منها ترجمة علامات الإشارات على الطرق، وتوظيف مئات العناصر المكلفين بالترجمة إلى اللغات الأمازيغية الثلاث (تريفيت وتمازيغت وتشلحيت) لفائدة المواطنين الذين يلجون المرافق والمؤسسات الحكومية.
وفي وقت ترى فيه الحكومة أن مثل هذه الخطوات تندرج ضمن مشاريع تعزيز استخدام اللغة الأمازيغية في الإدارات العمومية وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، يرى باحثون ونشطاء أمازيغيون أنها تدابير لا تكفي للترجمة الفعلية لترسيم الأمازيغية في حياة المغاربة، وأنها تظل من دون آثار واضحة على الوضعية العامة للأمازيغية.
الحكومة وحضور اللغة الأمازيغية
وتعتزم الحكومة المغربية، وفق الوزيرة المنتدبة المكلفة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، غيثة مزور، "تشغيل أكثر من 1600 مستخدم في مراكز الاتصال في مختلف الإدارات العمومية، ليكون بمثابة أحد الإجراءات الأساسية على درب تطبيق ورش تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية".
وسيعمل مئات الموظفين والمستخدمين في الإدارات العمومية في قطاع الصحة من مستشفيات ومستوصفات ومراكز علاجية حكومية وقطاع العدل من محاكم مختلفة الدرجات ومرافق قضائية أخرى، علاوة على قطاعات حكومية مختلفة، على الترجمة إلى اللغات الأمازيغية المتداولة في البلاد، وتوفير المعلومات والإرشادات اللازمة للمواطنين الذين يتحدثون بالأمازيغية.
ومن التدابير الحكومة الأخرى لتعزيز حضور الأمازيغية في الفضاء العمومي ترجمة آلاف اللوحات الإرشادية في الشوارع والطرقات بالبلاد إلى حرف "تيفيناغ" الأمازيغي، وأيضاً توفير الترجمة الفورية للجلسات البرلمانية إلى الأمازغية وترجمة المؤتمرات الأسبوعية للناطق الرسمي باسم الحكومة، فضلاً عن دعم عدد من المهرجانات الخاصة بالثقافة الأمازيغية، وإدراج اللغة الأمازيغية على 10 مواقع إلكترونية رسمية للإدارات الرسمية.
وتنخرط هذه المبادرات الحكومية في سياق تعزيز حضور الأمازيغية في مختلف نواحي حياة المغاربة، وفق القانون التنظيمي رقم 26.16. وتمول هذه الإجراءات من الصندوق الخاص بتعزيز حضور اللغة الأمازيغية في الإدارة العمومية، والذي خصص لإنشائه مبلغ مالي يقدر بمليار درهم (100.567.300 دولار) بحلول عام 2025.
داخل البرلمان
وكان موضوع الطابع الرسمي للغة الأمازيغية أحد أبرز الملفات التي شهدتها جلسات البرلمان المغربي بغرفتيه معاً (مجلس النواب ومجلس المستشارين)، حيث طرحت أحزاب الغالبية الحكومية، كما المعارضة البرلمانية، هذا الملف على الحكومة، مطالبة بضرورة تسريع تطبيق رسمية الأمازيغية في البلاد.
ووجه حزب "التجمع الوطني للأحرار" الذي يقود الحكومة سؤالاً كتابياً إلى الوزيرة المعنية غيثة مزور عن "خطة عمل الحكومة في ما يخص تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية على مستوى توفير خدمة الاستقبال باللغة الأمازيغية"، مشيراً إلى أن "الدستور كرس الطابع الرسمي للغة الأمازيغية وأسند لقانون تنظيمي مهمة تحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات دمجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلاً بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية".
من جانبه سأل حزب "الاتحاد الاشتراكي" (معارضة) الحكومة حول الإجراءات والتدابير التي اتخذتها لتفعيل القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، داعياً القطاعات الوزارية والمؤسسات والمنشآت العامة والمؤسسات والهيئات الدستورية إلى وضع مخططات عمل تتضمن كيفيات ومراحل دمج اللغة الأمازيغية تدريجاً في الميادين التي تخصها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إيجابي ولكن محدود
في السياق وصف الباحث والمفكر الأمازيغي أحمد عصيد توظيف مترجمين إلى الأمازيغية في الإدارات والمؤسسات العامة بغية تعزيز حضورها في عديد من الفضاءات العمومية، بأنه "قرار إيجابي، لكنه جزئي ومحدود ولا تظهر آثاره على الوضعية العامة للأمازيغية في البلد".
وشرح عصيد، "إلى حدود اليوم وبعد عامين من انطلاق الولاية الحكومية ما زلنا لا نفهم لماذا ارتبط صندوق الأمازيغية بمجال تحديث الإدارة؟ ولماذا يتم التركيز التام على جانب وحيد هو التواصل الشفوي داخل المؤسسات؟ مع العلم أن تعليم الأمازيغية لا يتقدم بسبب النقص الكبير في الموارد البشرية من الأساتذة منذ 20 سنة".
وزاد الباحث ذاته أن "القنوات التلفزيونية والإذاعية لا تحترم التزامات الدولة ولا تنتج أي شيء باللغة الأمازيغية، كما أن رموز الدولة مثل الأوراق البنكية وجواز السفر وبطاقة الهوية الرسمية ورخص السوق وغيرها، ما زالت خالية من الأمازيغية".
ولفت عصيد إلى أن "هناك مؤسسات ضخمة يتم بناؤها وكتابة لوحاتها ولافتاتها فقط بالعربية والفرنسية دون احترام للدستور والقانون التنظيمي"، مورداً أيضاً أن "الفنانين الأمازيغيين ما زالوا يعانون التهميش والنسيان، وكذلك كثير من الشباب المبدعين الذين لا يجدون أي دعم لتفجير طاقاتهم".
في سياق متصل، تعرضت لوحات إرشادية على الطرق السريعة المكتوبة بحروف "تيفيناغ" الأمازيغية لانتقادات كثيرين، من بينهم البرلماني كمال آيت ميك، عضو حزب "التجمع الوطني للأحرار"، الذي اعتبر الأخطاء الموجودة في الترجمة "مساً بالثقافة الأمازيغية"، وهو ما ردت عليه الوزيرة مزور بأن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (حكومي) هو المعني بهذا الموضوع.
تخبطات وإكراهات
من جانبه، يرى الكاتب والناشط الأمازيغي، لحسن أمقران أن "توجه الحكومة لتعزيز حضور الأمازيغية في الفضاء العمومي من خلال عدد من الإجراءات، منها توظيف عشرات الأشخاص بالمؤسسات العمومية مكلفين الترجمة في قطاعات الصحة والثقافة وقطاع العدل، أمر يستحق التدقيق، على اعتبار أن الشعارات كانت قوية، بينما التطبيق والتفعيل يظل خجولاً".
ويشرح أمقران بأنه "يجب الإشادة بقرار تعزيز حضور الأمازيغية وفق ما جاءت به الوثيقة الدستورية والقانون التنظيمي ذي الصلة، لكن واقع الأمازيغية في منظومتي التعليم والإعلام تحديداً، وكذلك في المؤسسات العمومية، شيء آخر شكلاً ومضموناً".
من حيث الشكل، وفق المتحدث، تحول تعزيز حضور الأمازيغية إلى قليل من "الفلكلور"، كما أن "توظيف العشرات في المؤسسات العمومية يتم بصورة غير سليمة، حيث إن خريجي الدراسات الأمازيغية في الجامعات هم الأحق بهذه المناصب".
ويكمل أمقران أنه "من حيث المضمون تعتبر العودة باللغة الأمازيغية إلى مستوى التلهيج أو (اللهجنة) مؤشراً إلى تخبط الدولة في سياستها تجاه الأمازيغية، فبعد نحو 20 سنة من التقعيد والمعيرة والتوحيد التي انطلقت مع تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي كلف مئات مليارات الدراهم من المال العام، أصبحنا أمام (تسيب لهجي) مقصود من الساسة ومسكوت عنه من المتخصصين".
وعبر أمقران عن أمله في أن "يتم التصالح الحقيقي مع الأمازيغية والاطمئنان إليها، وأن تسحب القرارات المتعلقة بهذا الملف المهم من الدوائر السياسية، نظراً إلى التضارب الأيديولوجيات، وجعله في يد العاهل المغربي الملك محمد السادس، لكونه الجدير بالثقة في هذا الباب".