التكنولوجيا في عالم مضطرب على طاولة دافوس 

مع تزايد تشابك التكنولوجيا في حياتنا اليومية وأهميتها في دفع التنمية والازدهار، أصبحت مسائل السلامة والتفاعل البشري والثقة حاسمة لمعالجة الفوائد والأخطار، وهو ما ناقشته جلسة "التكنولوجيا في عالم مضطرب" في اليوم الرابع للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا. 

تحدث في الجلسة وزير الخزانة البريطاني جيريمي هانت والرئيس التنفيذي لشركة "أوبن أي آي" سام ألتمان ورئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة "سيلز فورس إنك" مارك بينيوف والرئيسة والمديرة التنفيذية لـ"أكسنتشر" جولي سويت والرئيس التنفيذي لشركة "بي فايزر إنك" ألبرت بورلا، بينما أدار الجلسة المحاور فريد زكريا من شبكة "سي أن أن".

وافتتح فريد زكريا الجلسة باستحضار مقولة لـهنري كيسنجر مفادها بأن "الأشخاص الذين ليسوا في حاجة إلى مقدمة تعرف بهم هم الذين يتوقون إلى ذلك بالقدر الأكبر"، وخاطب الرئيس التنفيذي لشركة "أوبن أي آي" سام ألتمان، قائلاً "الناس تخشى أمرين في ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، نفقد الطيبة والإنسانية البشرية، ونخشى من التعويل المفرط على الذكاء الاصطناعي، وبرأيكم أين نحن من الذكاء الاصطناعي؟ وبالنسبة لك ألتمان ما هي الأمور التي بإمكان الذكاء الاصطناعي أن يقوم بها بفاعلية، وما هي الأمور التي لا يمكنه القيام بها؟.

وردّ سام ألتمان قائلاً "أعتقد بأن قدرات الذكاء الاصطناعي لا تزال محدودة جداً، والناس يجدون سبلاً لاستخدام الذكاء الاصطناعي لأغراض الإنتاجية ولتحقيق مكاسب أخرى"، مضيفاً أن "أي منظمة يمكن أن تكون جيدة وصائبة وأحياناً ترتكب الأخطاء، طبعاً لن نطلب من هذه التكنولوجيا أن تقود السيارات على سبيل المثال ولكن يمكن أن تساعدنا في مجالات أخرى". 

زكريا قاطع ألتمان مجدداً، متسائلاً لماذا لا نستطيع أن نعول على الذكاء الاصطناعي؟، فأجاب الأخير أنه "عندما أعطيت مثال السيارة ما أردت قوله هو أن هناك تقنيات عدة ولكن هناك ذكاء اصطناعياً مفتوحاً وهو أمر جيد"، مستدركاً "لكن لا يمكن أن يستخدم في الحالات كافة".

وتابع "أعتقد بأن الناس يدركون أن هناك حدوداً لجهة استخدام الأدوات، فهناك من يجدون أن ’تشات جي بي تي‘ مفيد للغاية، وهناك من يعرفون أنه لا يمكن استعماله دائماً وفي الحالات كافة، فدائماً ما تكون هناك قدرات ولكن هذه القدرات ربما تكون محدودة"، وقال "لكن لا نعرف ما ستؤول إليه الأمور خلال العام المقبل"، مضيفاً أنه "يجب أن نستفيد من الذكاء الاصطناعي ولكن يجب أن ندرك أيضاً أن له حدوداً".

الذكاء الاصطناعي والعمل بصورة شبيهة بالجهاز العصبي للإنسان 

وتدخل زكريا قائلاً "ما يقلق الناس هذه الثقة الكبيرة بالذكاء الاصطناعي"، موجهاً سؤاله إلى ألتمان مجدداً، إلى أي مدى يمكن أن تقول لنترك هذه المهمة للذكاء الاصطناعي؟، مثل تعبئة استمارة خاصة بالصحة على سبيل المثال، أو قيادة سيارة؟، وكيف نفهم طريقة عمل الذكاء الاصطناعي؟، وكل الأمور المعقدة ذات الصلة، لذا كيف نعرف بأننا يمكننا الوثوق بهذه " الصندوق الأسود"؟ 

وردّ ألتمان أن "البشر متسامحون عادة وهم يتسامحون إذا كان الخطأ بشرياً، ولكنهم لا يتسامحون إذا كان الخطأ مرده إلى الحاسوب أو الكمبيوتر"، مضيفاً أنه "من الصعب أن يتقبل البشر الخطأ الذي قد ترتكبه الآلة، لذا لا بد من أن نحذر بصورة مسبقة، وفي حال بلغنا بصورة مسبقة المستخدم بأنه سيستعمل آلة وقد ترتكب خطأ فلا بأس بذلك، لذا يمكننا القول إن الذكاء الاصطناعي بإمكانه أن يتولى قيادة سيارة ولكن بنسبة 99.9 في المئة ولكن هناك خطأ وارداً بنسبة واحد في المئة أو أقل من ذلك".

3 مليارات من الوصلات العصبية 

وتابع الرئيس التنفيذي لشركة "أوبن أي آي" أن هناك وصلات بين الأعصاب يبلغ تعدادها أحياناً 3 مليارات ربطة ووصلة عصبية، لذا يصعب شرح كيف تعمل وكيف تسير الأمور، مضيفاً أن "الذكاء الاصطناعي سيتمكن من العمل بصورة شبيهة بالجهاز العصبي للإنسان، لكن نحن من سيقرر متى يعتمد وفي أية خطوات، وهناك مجال يسمح لنا بأن نسبر أغوار الذكاء الاصطناعي".

زكريا سأل ألتمان ما مدى تعقيد تلك الوصلات العصبية في الذكاء الاصطناعي الأشبه بتلك الموجودة في الجهاز العصبي للإنسان؟ وما الذي يمكن أن نتركه للبشر؟ وأين التعاطف والاهتمام بالبشر من الآلة؟ وإذا تركنا كل شيء للذكاء الاصطناعي فما الذي سنتركه للبشر؟ 

فقال ألتمان إن "البشر يهتمون بالكائنات البشرية الأخرى، وبعد أن تمكن الحاسوب من الفوز في لعبة الشطرنج على لاعب بشري، قال الناس آنذاك إنها نهاية الشطرنج، ولكن الشطرنج لا تزال لعبة رائجة جداً".

وأضاف أن "لا أحد يريد أن يرى اثنين من أجهزة الذكاء الاصطناعي يدخلان في سباق في لعبة شطرنج، فكلنا نرى أن بشراً يلعبون اللعبة لأن لدينا رابطاً مع هؤلاء البشر".

وأوضح أن "الأمر ذاته بالنسبة إلى المنتجات، فالبشر يعرفون ما يريده الناس، وستكون لدينا أدوات أفضل مما كان لدينا في السابق، وكنا نركز على بعضنا بعضاً لأن الإنسان يهمه الإنسان الآخر"، وقال "نعم الذكاء الاصطناعي هي أدوات ولكنها أدوات تختلف عما اعتدنا عليه، والبشرية قد تستخدم أدوات إضافية ولكن دورة الإنسان لن تتغير".

وأردف ألتمان أنه "عندما أفكر في عملي فأنا لست باحثاً في الذكاء الاصطناعي، بينما دوري هو أن أطرح أفكاراً جديدة وأن أنسق مع الآخرين لتحقيق ذلك وكل شخص لديه دور يقوم به وسيتغير هذا الدور قليلاً، إذ سيصبح لدينا وصول إلى قدرات ذكاء اصطناعي وقدرات تكنولوجية أكبر، لكن دورنا ما زال حاسماً لأننا نحن من سيتخذ القرار النهائي وماذا سيحدث في العالم".

جسر الثقة 

وتوجه فريد زكريا إلى رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة "سيلز فورس إنك" مارك بينيوف، قائلاً "يبدو أن ألتمان يعتقد بأن ما يميزنا كبشر هو هذا الرابط العاطفي والعمل ضمن فرق هي المهارات والمميزات التي ستأخذ أهمية كبرى، وأنت تترأس شركة كبيرة تتعامل مع بيانات كبيرة، برأيك في عالم الذكاء الاصطناعي ما الذي سيميز الإنسان؟ 

فقتل بينيوف "ربما عندما يصبح مدير الجلسة في المنتدى الاقتصادي العالمي ذكاء اصطناعياً، قد يكون بإمكاننا طرح هذا السؤال، وهذه الفترة ليست بعيدة ربما بعد عامين أو ثلاثة سنعقد اجتماعاً هنا في دافوس مع مقرر جلسات من الذكاء الاصطناعي يدير حلقة النقاش، بما أن لديه إمكان الوصول إلى كم كبير من البيانات والمعلومات قد يدير الجلسة بصورة رائعة".

واستدرك "لكن السؤال هو هل سنثق به؟ الثقة تأتي بسرعة سيكون لدينا أطباء رقميون وأشخاص آليون سيندمجون مع بعضهم بعضاً، لذا يجب أن نصل إلى نسبة ثقة معينة، وعندما نرى العمل الرائع الذي يقوم به ألتمان وشركات أخرى للذكاء الاصطناعي التقيناهم في المنتدى في دافوس، وهم جميعاً يقومون بعمل رائع، ولكن كلنا يعرف بأن هناك كثيراً من التطورات غير المنطقية، فهذه النماذج التي يعملون عليها مثيرة للاهتمام ولكن نرى أن هذا الذكاء الاصطناعي يكذب علينا".

وأضاف "أمس كنت في حفل عشاء مع بعض الأصدقاء وسألنا الذكاء الاصطناعي سؤالاً، وقال الذكاء الاصطناعي هذه المرأة رئيسة للمستشفى، وردت صديقتي ’كلا أنا لست رئيسة للمستشفى‘، لذا فإن الذكاء الاصطناعي كذب علينا، ومن المهم أن نعبر جسر الثقة، لهذا عقدنا قمة السلامة في بريطانيا منذ شهرين تقريباً وكانت المرة الأولى التي يجتمع فيها قادة التكنولوجيا، إذ التقوا جميع الوزراء المعنيين بالتكنولوجيا من كل بلدان العالم، وذهبنا كلنا والتقينا في القمة لأننا وصلنا إلى مفترق تاريخي ولم نصل بعد إلى نهاية الطريق"، قائلاً "نحن بالفعل عند مفترق طرق وكلنا نستخدم المنتجات التي أنتجتها شركة ’أوبن أي آي‘، وكلنا أصبحت لدينا خبرة بالذكاء الاصطناعي، هذا إنجاز"، مستدركاً "لكن لم نثق بعد بهذه التكنولوجيا، وعلينا عبور عتبة الثقة، وعلينا أن نتوجه نحو الجهات التنظيمية".

وتابع أن "الإعلام في الآونة الأخيرة فقد كثيراً من صدقيته ولا نريد أن يحدث الأمر ذاته مع الذكاء الاصطناعي، بل يجب أن نبني علاقة جيدة مع الذكاء الاصطناعي".

وقال إن "العملاء في نهاية المطاف سيتجهون نحو الذكاء الاصطناعي وهل سيزيد ذلك من أعداد الموظفين لديهم أم سيقلص عدد موظفيهم؟ وأنا أقول إن الذكاء الاصطناعي لن يستبدل الإنسان بل على العكس سيزيد من الاستعانة بالإنسان، ونحن نبني الإنسان الرقمي وسنصل إلى مرحلة نتساءل فيها إن كنا نثق بهذا للإنسان الرقمي؟".

تقليص الضرائب في بريطانيا من بوابة الذكاء الاصطناعي

فريد زكريا سأل وزير الخزانة البريطاني جيريمي هانت، إن كان يجب على الحكومة البريطانية تنظيم الذكاء الاصطناعي لكي يحصل الناس على الثقة التي يريدونها؟

فقال هانت "نحن في المراحل الأولى، ويمكن فعلاً أن نقتل هذه التكنولوجيا قبل أن تنمو"، مضيفاً أنه "في أول مرة ذهبت فيها إلى موقع ’تشات جي بي تي‘، وطرحت سؤالاً حتى أعرف إن كان جيريمي هانت هو وزير الخزانة للمملكة المتحدة، وجاءني الجواب ’لا‘! وقلت له ’لا هو فعلاً وزير الخزانة‘، ومن ثم اعتذرت مني هذه التكنولوجيا على الإجابة الخاطئة".

وأضاف "برأيي بإمكاننا أن نحصل على كثير عبر الذكاء الاصطناعي، ولندن هي أكبر مركز للذكاء الاصطناعي بعد سان فرانسيسكو، وأصبح لدينا اقتصاد مهم يستند إلى التكنولوجيات بعد الولايات المتحدة الأميركية والصين، ولكن هناك مشكلات كبرى نواجهها اليوم، ونحن نعرف أننا سنواجه جوائح صحية، لذا يجب أن نتمكن من تأمين اللقاحات في وقت أسرع وسنستطيع التعويل على الذكاء الاصطناعي وتقنياته في ذلك، لكن اليوم نعرف أن في بعض البلدان هناك سخطاً حيال الضرائب المفروضة على المواطنين، فلو كان بإمكاننا أن نعول على الذكاء الاصطناعي في توفير خدمات أفضل للمواطنين بكلفة أدنى، فهذا سيسمح بتقليص الضرائب. إذاً يجب أن نبقى يقظين، وكنت أقول لسام هذا الصباح إنه يجب أن نتأكد من عدم استخدام أطراف شريرة للذكاء الاصطناعي، ونحن نعرف أن هناك محاولات من هذا النوع، لذا يجب أن نعمل ببطء وتواضع وبصورة تدريجية، وأن ندرك كل هذه القدرات".