Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ميثاق الأمم المتحدة إذ تمزقه صواريخ الشرق الأوسط

إيران تعتدي على "أشقائها" والرد الباكستاني يلجم أوهامها

لم تضرب إيران في إسرائيل، وهي لم تفعل ذلك في تاريخها، ولم تكن مبرراتها لقصف أربيل مقنعة سوى لأتباعها (أ ف ب)

لم يعد لميثاق الأمم المتحدة التأسيسي قيمة بعد مرور نحو 75 عاماً على قيام المنظمة الدولية. في زمن الانقسام الحاد بين المعسكرين الشرقي والغربي كان خرق الميثاق يتم بأشكال أقل رعونة، وبعد انتهاء الحرب الباردة صار تقليداً سهلاً، مارسته الدول العظمى ليتحول لاحقاً إلى سياسة تتبعها دول إقليمية تبحث عن دور وحصة.

تنص المادة الثانية من الفصل الأول للميثاق على أن الأمم المتحدة تقوم "على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها"، و"يفض جميع الأعضاء منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية، على وجه لا يجعل السلم والأمن الدوليين عرضة للخطر"، و"يمتنع أعضاء الهيئة العامة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة، أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة".

كان هذا البند التأسيسي يشمل جميع الأعضاء المؤسسين والذين انضموا لاحقاً، لا فرق بين دولة صغيرة ودولة عظمى، وكان الأمر يستحق المحاولة والالتزام بعد حرب كونية شملت الكرة الأرضية بأسرها.

الدول الصغرى والناشئة وجدت في الميثاق ضمانة لها ولمستقبلها، وتغير العالم مع نيل دول كثيرة استقلالها، فيما اتسعت المنظمة الدولية وكبرت مسؤولياتها، لكن الصراعات لم تتوقف وازدادت حدة بعد انهيار نظام القطبين الذي ساد بعد الحرب العالمية الثانية.

باتت الولايات المتحدة الأميركية لاعباً منفرداً إثر انهيار الاتحاد السوفياتي ومعسكره الاشتراكي، واندفع صراع المصالح والتناقضات الجيوسياسية إلى الواجهة. وباتت أوروبا الشرقية أطلسية، وسمحت روسيا لنفسها بغزو أوكرانيا، بعدما كانت أميركا ارتأت غزو العراق، وسبقها حلف الأطلسي (ناتو) إلى غزو ليبيا بعد أن قام بضرب صربيا في التسعينيات.

انهارت منظومة الضمانات الدولية على يد صانعيها الكبار، وبين أبرز الضحايا كان ولا يزال الشعب الفلسطيني، وإليه أضيفت دول وشعوب عربية أخرى كان عليها دفع ثمن سياسات قادتها وثمن أطماع القوى الإقليمية الجارة المتفلتة من أي حساب.

سجلت إسرائيل الرقم القياسي في عدم التزام قرارات المنظمة الدولية، لكن أنظمة أخرى استكملت مهمة ضرب وتفتيت الدول العربية مستفيدة من الواقع الدولي الجديد، وخلال الأيام والأسابيع الأخيرة شهدنا نماذج فاقعة في السلوك الإيراني والتركي تجاه دولتين عربيتين، سوريا والعراق، حيث تعرضت أراضيهما على التوالي لهجمات مدمرة من أنقرة وطهران بحجة حماية "الأمن القومي".

إذا كانت "حرب الصواريخ" في الشرق الأوسط، من اليمن إلى لبنان، تبدو ملتصقة بمعركة غزة، فإن "المعارك" الأخرى لا علاقة لها بالحرب الفلسطينية- الإسرائيلية، ومنها حروب إيران وتركيا ضد دول عربية.

ليس في المنطق التركي الذي يحرك هجمات على سوريا والعراق سوى إرادة بسط النفوذ مدفوعة بأحلام عثمانية قديمة، فالأكراد، وهم الذريعة، مشكلة تركية وحلها لا يكون سوى بتسويات داخلية، وليس باستسهال الاعتداء على البلدين العربيين، ففي العراق دولة تحاول النهوض، وفي سوريا معارضة كردية سورية تعمل لتسوية سورية يكون فيها للشريحة الكردية دورها وموقعها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما الهجوم الصاروخي الإيراني على أربيل بحجة تدمير مقر مزعوم لـ"الموساد"، وعلى سوريا بذريعة ضرب قواعد لـتنظيم "داعش" مسؤولة عن تفجير الاحتفال في ذكرى قاسم سليماني، فيذهب في معانيه إلى أبعد من معنى غزوة الحسكة التركية، إنه إلى كونه تنفيساً لاحتقان داخلي يعيشه النظام، اعتداء موصوف على سيادة دولتين تصنفهما إيران ضمن محور "المقاومة والممانعة" الذي تقوده. وفي ذلك أكثر من إشارة إلى معنى السياسة الإيرانية تجاه البلدين العربيين والعرب عموماً، فطهران لا تريد دولاً عربية مستقلة وسيدة، وإنما ساحات مفتوحة لميليشياتها التي توفر لها نفوذاً من غير حساب.

لم يتحمل العراق الاعتداء الصارخ، نفى أن تكون لـ"الموساد" مقار في أراضيه واشتكى إلى مجلس الأمن وذهب وزير الخارجية فؤاد حسين إلى التساؤل، لماذا لا تضرب إيران إسرائيل وهي الموجودة في سوريا وجنوب لبنان، وأجاب، يبدو أن هناك قواعد اشتباك بين الإسرائيليين والإيرانيين.

لم تضرب إيران في إسرائيل، وهي لم تفعل ذلك في تاريخها، ولم تكن مبرراتها لقصف أربيل مقنعة سوى لأتباعها، أما قصفها لمراكز في سوريا تحملها مسؤولية تفجيرات ذكرى سليماني، فلم تتضح نتائجه. وقال "المرصد السوري" إنه لم يعرف أين سقطت صواريخ الحرس الثوري "الدقيقة".

من جهة أخرى لم يكن لدى إيران ما يبرر تجربة تلك الصواريخ "المخصصة لتحرير القدس" في سوريا، فهي أعلنت أن مرتكبي التفجيرين يحملان الجنسية الطاجيكية، أحدهما وصل إلى إيران عبر تركيا وأفغانستان، والمجموعة المتهمة تنتمي إلى "داعش خراسان" ومقرها في أفغانستان!

وزاد تجرؤ الحوثيين وتماديهم في هجمات البحر الأحمر، ثم الرد الأميركي- البريطاني، المضبوط والمعلن عنه سابقاً، في شهية النظام الإيراني لإثبات حضوره في منطقة نفوذه. فـ"حدودنا لا تقتصر على الحدود الجغرافية القائمة على الخريطة، حدودنا هي مصالحنا وأمننا القومي"، يقول عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني محمود عباس مشكيني، ويفخر وزير الدفاع الإيراني أن حكومته "لا تقيم اعتباراً لأي شيء عندما يتعلق الأمر بأمنها القومي".

الهجوم الصاروخي على باكستان لم يكن في سهولة الاعتداء على العراق وسوريا، فقد ردت باكستان النووية بهجوم مماثل جعل المعلق الروسي المقرب من الكرملين ألكسندر نازاروف يقول "ارتكبت إيران خطأ فادحاً بضرب العراق وباكستان، دعونا نأمل في أنه بعد الضربة الباكستانية الانتقامية سيكون لدى الإيرانيين ما يكفي من الحس السليم لعدم الرد وتهدئة الوضع".

نسي المعلق الروسي أن يذكر سوريا في تعداده الاعتداءات الإيرانية، ففي هذا البلد تتشارك روسيا وإيران وتركيا السيطرة، والصواريخ الإيرانية طاولت كما يقول السوريون منطقة "بوتين- أردوغان"، علماً أن النظام لم ينبس ببنت شفة عن "الهجوم الشقيق".

وتدل حرب غزة وجبهاتها من لبنان إلى اليمن، ودور إسرائيل وإيران في إشعال التوترات والحروب، على مدى خطورة الأوضاع في منطقة تقف على حافة الحرب بسبب استباحة حقوق شعوبها ودولها من جهة، وعلى مدى الحاجة لإعادة انتظام العالم تحت راية الميثاق الأممي المطعون من كبار واضعيه وممن هم أصغر شأناً.

لقد أعادت الحرب في فلسطين طرح الحاجة إلى تسوية برعاية دولية وجددت وضع الدول العظمى أمام مسؤولياتها تجاه سلام العالم، وبانتظار بلورة احتمالات جديدة، قد تكون الضربة الباكستانية لإيران أحد الأشكال المفروضة لوقف أحلام طهران بالتوسع وتخريب المجتمعات، على رغم أنها ليست السبيل النهائي لعالم يسوده احترام الشعوب والدول لبعضها بعضاً.

فالسلام بقدر ما يحتاج إلى احترام المواثيق والقوانين الدولية، بقدر ما يستوجب بناء موازين قوى عسكرية وسياسية واقتصادية، وعلى هذا يمكن البناء لاستعادة حياة طبيعية للمجتمعات والدول، والانتهاء من تغول سلطات الاستبداد وطموحاتها غير المشروعة.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء