ملخص
النمو في الطلب على الطاقة كبير، وما يتم حالياً من استثمارات في مجالات الطاقة المتجددة يكاد يكفي للنمو فقط
هناك نوعان من النمو في الطلب على الطاقة، النوع الأول والمعهود مرتبط بالنمو السكاني والهجرة من الأرياف إلى المدن والهجرة من بلاد العالم الثالث إلى العالم الأول، إضافة إلى النمو الاقتصادي، وقد أشبع المتخصصون هذه المواضيع بحثاً على مدى العقود الماضية. وأهم ما يميز هذا النوع من النمو أن هناك بيانات كثيرة، ويمكن التنبؤ به سابقاً حتى قبل أعوام، ومن ثم يمكن التخطيط والاستثمار في مصادر الطاقة المختلفة لمقابلة الطلب المتنامي على الطاقة.
وهنا نقطة جانبية ولكنها مهمة وأصبحت محل اهتمام الخبراء في الأعوام الـ10 الأخيرة: هناك علاقة طردية بين الدخل والطلب على أجهزة التكييف، ورأينا انتشار التكييف بصورة هائلة في كثير من الدول حول العالم، وهذا الاتجاه مستمر ولأعوام طويلة.
النوع الثاني مرتبط بالتطور التقني، وهذا يأتي على صورة فورات وطفرات من وقت لآخر، ولا يمكن التنبؤ بها إلا بعد حدوثها وإدراك المتخصصين أن هناك اتجاهات جديدة.
وهذا التطور التقني يعمل على الجانبين، يحسن الكفاءة في الاستخدام فيخفض الطلب على الطاقة من جهة، كما يخلق تقنيات جديدة كثيفة الطاقة ترفع استهلاك الطاقة من جهة أخرى.
المحصلة أن نمو استهلاك الطاقة لم يسبب مشكلات كبيرة على مر العقود بسبب هذه القوى المتعارضة.
تحسن كفاءة محركات السيارات على مر العقود أسهم في خفض نمو الطلب على المنتجات النفطية، واستخدام المجسات في عمليات الإضاءة في الأسواق والشوارع والمباني الحكومية والكبيرة خفض من استخدام الكهرباء، كما أن تغيير تقنية الإضاءة إلى "إل إي دي" أسهم أيضاً في خفض استهلاك الكهرباء.
ولكن التقدم التقني الذي شهده العالم منذ ثورة تقنية المعلومات في التسعينيات أسهم في نمو الطلب على الطاقة بصورة كبيرة. فالحواسيب والهواتف الذكية لا تستهلك الكهرباء فقط، ولكن إنتاج الشرائح يستهلك كمية هائلة من الطاقة، ثم جاءت مراكز البيانات، وما تم العمل عليه واستخدامه في الحواسيب والهواتف الذكية، بخاصة مع التقدم في تقنية التصوير بصورة تفوق الوصف وإدخال الكاميرات في كل شيء يحتاج إلى تخزين، هذا يحتاج إلى مراكز بيانات والخوادم تحتاج إلى درجة حرارة معينة ومن ثم تحتاج إلى تبريد، والتكييف من أكثر التقنيات استهلاكاً للطاقة، باختصار ارتفاع الدخول يزيد الطلب على أجهزة التكييف، وانتشار مركز البيانات يزيد الطلب على أجهزة التكييف أيضاً.
ثم جاءت العملات المشفرة والبتكوين المشهورة باستهلاكها للطاقة، وبعد نحو 15 عاماً من التعامل معها بدأت تظهر بعد الحلول، ولكن فجأة انفجر الطلب على الطاقة بسبب تطور تقنية الذكاء الاصطناعي التي تتطلب كميات هائلة من الطاقة من جهة، وتحتاج إلى تخزين للبيانات ومزيد من مراكز البيانات التي تحتاج إلى تكييف وإضاءة، من جهة أخرى.
وهناك معلومة عامة أذكرها هنا، عملية البحث في "جي بي تشات" تستهلك 10 أضعاف البحث نفسه في "غوغل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والأمور لا تتوقف هنا: فعملية الذكاء الاصطناعي سينتج منها انفجار آخر في الطلب على الطاقة، السيارات ذاتية الحركة تحتاج إلى كم هائل من الطاقة لأن عليها أن تتواصل مع كل السيارات الأخرى، ومع الأقمار الاصطناعية والإشارات المرورية في الشوارع، والتواصل عبر إشارات إلكترونية بصوت وصورة، وبيانات هذه السيارات مسجلة بالإشارات والصورة والصوت كل ثانية.
الآن تصور عزيزي القارئ ما يلي، منتج السيارات يحاول تخزين البيانات لأسباب تقنية وقانونية، شركات التأمين تخزن هذه المعلومات أيضاً وهناك عدد من الشركات التي تجمع البيانات نفسها لبيعها، شرطة كل مدينة تسجل كل شيء عند تقاطع الطرق، وجمعيات حماية المستهلك تقوم بالتسجيل والتخزين أيضاً، كمية البيانات التي تخزن لأعوام تفوق قدرة العقل البشري على تصورها، وكل هذا يعني مزيداً من الطلب على الطاقة، حتى لو تناقص عدد السكان، وتوقفت الهجرة من الريف إلى المدن، ومن دول العالم الثالث إلى العالم الأول.
الهدف من سياسات التغير المناخي والتحول الطاقي هو إحلال ما يسمى "الطاقة المتجددة" مثل الطاقة الشمسية والرياح والوقود الحيوي، محل ما يسمى بـ "الوقود الأحفوري" مثل الفحم والنفط والغاز، كلا المسميين "الطاقة المتجددة" و"الوقود الأحفوري" غير صحيح علمياً ولكن نجح حماة البيئة في الترويج لهما.
بينما الذكاء الاصطناعي والسيارات الذاتية الحركة ستمنع هذا الإحلال لأن النمو في الطلب على الطاقة كبير، وما يتم حالياً من استثمارات في مجالات الطاقة المتجددة يكاد يكفي للنمو فقط، ومن ثم فإن التوقعات بانخفاض كبير في الطلب على الفحم والنفط والغاز غير صحيحة، وأذكر القراء هنا بأنه تم التنبؤ بوصول الطلب على الفحم والنفط ذورته مرات عدة في الماضي، وكل هذه التوقعات فشلت، والآن سنشهد أرقاماً قياسية للطلب على الفحم والنفط والغاز.
خلاصة القول إن استمرار وكالة الطاقة الدولية ومن يدور في فلكها بالحديث عن وصول الطلب على الفحم والنفط والغاز ذروته قريباً يخيف المستثمرين، وبما أن توقعاتهم خاطئة بسبب الذكاء الاصطناعي والسيارات الذاتية الحركة، فإن هذا يعني أن الطلب على الفحم والنفط والغاز سيكون أكبر من المتوقع، وبما أن الاستثمارات الحالية لا تغطي هذه الزيادة في "الطلب المفاجئ"، فإنه من الواضح أننا مقبلون على أزمة طاقة عالمية.