Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هجمات المستوطنين بالضفة تنذر بـ "تطهير عرقي"

تصاعدت حدتها وبلغ عددها خمسة تهديدات يومياً بعد حرب السابع من أكتوبر الماضي

يمارس المستوطنون القمع ضد الفلسطينيين تحت حماية الجيش الإسرائيلي   (أ ف ب)

ملخص

باتت الحرب على غزة تشكل فرصة ذهبية للمستوطنين في الضفة الغربية ومراقبون يرون تجاوزاتهم مخططاً لتطهير عرقي في حق الفلسطينيين

تحت تهديد السلاح الذي كانوا مدججين به أجبر جنود إسرائيليون ياسر مرزوق (40 سنة) وزوجته وأطفاله الخمسة على الخروج من خيمتهم في تجمع المليحات شرق قرية رمون شمال شرقي مدينة رام لله، والجلوس في العراء لساعات والخضوع لإجراءات عسكرية عنيفة وسط تنكيل غير مسبوق، بعد إجبارهم على رفع ملابسهم وسط البرد القارس والانبطاح على الأرض ووضع أياديهم فوق رؤوسهم تحت أعقاب البنادق.

اكتشف مرزوق أن المستوطنين الذين اعتاد على مشاهدتهم بلباس مدني كرعاة للغنم بالمنطقة بين فينة وأخرى، ينتحلون شكل وزي الجيش الإسرائيلي، ويمارسون عنفاً وقمعاً كبيرين تجاه التجمعات البدوية بخاصة شبه المعزولة نسبياً عن المناطق الحضرية في الريف، واستبدلوا بالهراوات عتاداً ومعدات عسكرية يستخدمونها بحرية لاقتحام تلك التجمعات، لفرض حظر التجول على ساكنيها وإرهابهم بهدف السيطرة على أراضيهم وتشريدهم، ومهاجمة مزارعهم وحرق محاصيلهم ومنازلهم وقتل مواشيهم، في مشهد بات ينذر بكارثة حقيقية في حق الفلسطينيين في الضفة الغربية.

 تجاوزات وعنف المستوطنين تخطيا كل أساليبهم السابقة من اعتداء وتحريض وصل حد التعمد بالقتل والتشويه، فعند تجمع عرب الرشايدة شرق بيت لحم، جنوب الضفة الغربية سكب مستوطنون بواسطة طائرة مسيرة (درون) مادة حارقة (ماء النار) على خيم تعود لفلسطينيين، مما أدى إلى احتراقها بالكامل قبل أن يتمكن من فيها من نساء وأطفال من الفرار والنجاة من موت محقق، تاركين خلفهم بقية أثاثهم المحترق وحظيرة مواشٍ وحبوباً للأغنام.

ويعتبر تجمع "وادي السيق" البدوي شرق رام الله وسط الضفة الغربية الذي يؤوي نحو 40 أسرة فلسطينية من أبرز التجمعات البدوية التي نزحت خلال الحرب على غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وفقاً لمركز معلومات فلسطين "معطى" شن المستوطنون خلال العام الماضي أكثر من 2000 اعتداء ضد الفلسطينيين بالضفة الغربية كانت النسبة الكبرى منها خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة.

بينما تشير بيانات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية (حكومية) إلى أن المستوطنين قتلوا في العام نفسه 22 فلسطينياً، منهم 10 بعد بدء الحرب. إذ دفعت الحكومة الإسرائيلية بعصابات المستوطنين من "فتية التلال" و"تدفيع الثمن" وغيرهما لحماية أمن المستوطنات والطرقات التي يسير عليها المستوطنون وصلت لحد نصب الحواجز وتفتيش المواطنين.

وفقاً لوحدة الرصد والتوثيق في الهيئة فإن أكثر من 26 ألف مستوطن حصلوا على السلاح وتلقوا تدريبات خاصة، وأفادت وزارة الصحة الفلسطينية أن ما لا يقل عن 198 أسرة فلسطينية تنتمي إلى 15 تجمعاً رعوياً وبدوياً بالضفة الغربية، تضم 1208 أفراد، بينهم 586 طفلاً، هجروا من منازلهم منذ بدء الحرب.

تطهير عرقي

يرى مراقبون أن خطة توزيع السلاح التي يمضي بها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وخطة المناطق العازلة في محيط المستوطنات التي يسعى خلفها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، فتحت الباب على مصراعيه للمستوطنين لزيادة هجماتهم لتهجير تجمعات فلسطينية من المناطق التي تخضع إدارياً وأمنياً لسيطرة إسرائيل.

ويعتبر الفلسطينيون أن هذه التجمعات حارسة مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية خصوصاً في المناطق المصنفة وفق اتفاقات أوسلو بمناطق (جيم)، التي كانت وما زالت هدفاً للمشاريع الاستيطانية.

وأوضح تقرير صادر عن "المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان" أن نسبة المهجرين في العام الماضي ارتفعت ثلاثة أضعاف عما كانت عليه الأمور في عام 2022، وأن منظمات المستوطنين العاملة في المستوطنات والبؤر الاستيطانية أنجزت بالعنف والإرهاب بعض مهام التهجير والتطهير العرقي قبل الحرب في عدد من التجمعات السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية، وبخاصة التجمعات البدوية والرعوية، بدءاً بما يعرف بـ"بوابة القدس الشرقية" على أراضي بلدات عناتا والعيسوية والزعيم، في محاولة منها لربط كتلة مستوطنات "معاليه أدوميم" بمدينة القدس، والتمدد منها إلى تجمعات يسكنها عرب الجهالين في المنطقة المعروفة "E" وصولاً إلى البحر الميت مروراً بالتجمعات الرعوية في مناطق الأغوار الشمالية ومناطق شفا الغور، التي تطل على الأغوار في سلسلة الجبال والهضاب الشرقية للضفة الغربية، كتجمع المعرجات بين مدينتي رام الله وأريحا، وتجمع عين سامية في منحدرات كفر مالك، وتجمع خربة طانا في امتداد بلدتي بيت فوريك، وبيت دجن في محافظة نابلس، وصولاً إلى التجمعات الرعوية والزراعية في مناطق جنوب الخليل في مسافر يطا، التي يجري التركيز على سكانها، بخاصة في ظروف الحرب بمختلف الوسائل، من مداهمات مسلحة وعمليات هدم للبيوت والمنشآت والحرمان من حق الحصول على الكهرباء أو الوصول إلى مصادر المياه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفقاً لمنظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية كمركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان "بتسليم"، وحركة "السلام الآن"، ومنظمة "يش دين (يوجد قانون)"، فإن المستوطنين يهاجمون الفلسطينيين على امتداد سنوات، غير أن المستوى الحالي من العنف بهدف التهجير غير مسبوق من جهة الوتيرة والشدة، بخاصة في جنوب محافظة الخليل.

الناشط الإسرائيلي في مجال حقوق الإنسان يهودا شاؤول أشار إلى أن "التعديات على الأراضي الفلسطينية من قبل المستوطنين تطورت بشكل خطر لمهاجمة الفلسطينيين وهم داخل منازلهم وتفتيشها وإحراقها، وتمزيق خزانات المياه، وضرب الناس، وتهديد النساء والأطفال". وأضاف "هناك مجتمعات بأكملها تحزم أمتعتها خوفاً وهلعاً من المستوطنين الذين يستغلون الحرب لتسريع أعمال العنف، في ظل غياب وصمت الجيش والشرطة الإسرائيليتين".

هجمات مكثفة

الأخطار التي تفاقمت في ظروف الحرب على قطاع غزة عرضت برية تفقوع وخلة الحمرا، بجوار كيسان في محافظة بيت لحم، ووادي السيق وتجمع مليحات بمنطقة ظهر الجبل، وخربة الطيبة والرذيم وخربة زنوتا وعنيزان والقانوب جنوب الخليل، وبرية حزما في القدس وخربة طانا شرق نابلس، للتهجير الكلي، في حين تعرضت خربة سوسيا في تلال جنوب الخليل، وتجمع جنوب عين شبلي ومنطقة خربة سمرة وتجمع نبع الغزال وخربة تل الحمة في الأغوار الشمالية، وبدو جيباس في محافظة رام الله، للتهجير الجزئي.

 وأكد تقرير المكتب الوطني لمقاومة الجدار والاستيطان أن 25 تجمعاً في تلال جنوب الخليل وأخرى في منطقة الأغوار ما زالت صامدة في وجه المستوطنين وتتصدى لاعتداءاتهم.

ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، ارتفعت هجمات المستوطنين على الفلسطينيين في الضفة الغربية بعد الحرب في السابع من أكتوبر الماضي بصورة كبيرة وصلت إلى متوسط خمس هجمات يومياً، فيما أكدت منظمة "بتسليم" الحقوقية الإسرائيلية أن الاعتداءات الجماعية التي نفذها المستوطنون في العامين الأخيرين أدت إلى مسح ستة تجمعات بدوية شرق رام الله وجنوب الخليل بصورة نهائية من خريطة الضفة الغربية.وأوضحت المنظمة أن تصنيف إسرائيل تلك التجمعات البدوية بأنها "قرى غير معترف بها" حرم السكان الفلسطينيين من شبكات الكهرباء والمياه والطرق، وجعل منازلهم وحظائرهم عرضة للهدم مرات عدة.وأشارت إلى أن الاعتداءات الجماعية التي ينفذها المستوطنون في الضفة "هي أداة بيد الدولة الإسرائيلية (الجيش والحكومة) تستخدمها لتهجير سكانها قسراً والاستيلاء على الأراضي".

بدوره، يرى رئيس حزب المبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي أن شن الهجمات على المدن والقرى الفلسطينية بحماية الجيش ورعايته يجسد انتقالاً حاداً وخطراً لتحويل فكرة التطهير العرقي من تصور وخطة نظرية إلى تطبيق عملي ملموس.وأضاف "في ظل صمت وتواطؤ دولي مستمرين وازدواجية شائنة في المعايير الدولية وعجز عربي عن التصدي الفعال للجرائم الإسرائيلية يكون هذا التصعيد واحداً من أكبر التحديات التي تواجه الفلسطينيين".معتبراً أن مواجهة هذا التحدي "تكمن في وضع استراتيجية منهجية فلسطينية موحدة تستند إلى أن الفلسطيني في مرحلة مواجهة وكفاح متصاعد خصوصاً في ظل تنكر إسرائيل لكل الاتفاقات".

بؤر جديدة

لم يكتف المستوطنون برفع وتيرة الهجمات والاعتداءات وانتحال صفات عسكرية ونصب الحواجز والتنكيل بالفلسطينيين في أماكن تجمعاتهم البدوية والمناطق النائية والتضييق عليهم بسرقة مواشيهم ودفعهم إلى الهجرة خوفاً من الموت، بل كثفوا من بناء البؤر الاستيطانية العشوائية تحت ستار الحرب.

 وأكدت حركة "السلام الآن" غير الحكومية الإسرائيلية في تقرير جديد نشرته قبل أيام، أن عدد المستوطنات العشوائية والطرق الجديدة المقامة للمستوطنين في الضفة الغربية ازداد "بصورة غير مسبوقة"، مؤكدة أن المستوطنين أقاموا خلال الأشهر الثلاثة للحرب على قطاع غزة تسع بؤر استيطانية جديدة.وسجلت الحركة رقماً قياسياً يتمثل بتعبيد 18 طريقاً جديداً أو السماح بها من جانب مستوطنين.

وقالت المنظمة إن المستوطنين يستغلون الحرب المستمرة على غزة لتثبيت حالة أمر واقع على الأرض، ومن ثم السيطرة على مساحات أكبر من المنطقة (جيم) من الضفة الغربية.

وبحسب مدير وحدة مراقبة الاستيطان بمعهد أريج سهيل خليلية تم رصد أكثر من 200 مخطط إسرائيلي لبناء أكثر من 25 ألف وحدة استيطانية على أكثر من 13 مليون متر مربع في الضفة الغربية والقدس خلال العام الماضي، في حين أكد تقرير المكتب الوطني أنه ومنذ السابع من أكتوبر الماضي توسعت السلطات الإسرائيلية في إصدار الأوامر العسكرية الطويلة الأجل والمستعجلة بوضع اليد لأغراض عسكرية وأمنية، بل وحرمت المواطنين من حق الاعتراض عليها في المحاكم الإسرائيلية، بعد أن قلصت مدة الاعتراض من 60 يوماً إلى أسبوعين فقط.

وأصدرت السلطات الإسرائيلية خلال العام الماضي أكثر من 23 أمراً عسكرياً بوضع اليد، ترتب عليها الاستيلاء على آلاف الأمتار من أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية.

بدوره يرى منسق "لجان الحماية والصمود" في مسافر يطا جنوب الخليل فؤاد العمور أن المستوطنين سبقوا الإدارة المدنية في السيطرة على الأراضي المهددة بالمصادرة.

وأضاف "الخيام الكثيرة على رؤوس الجبال تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن المستوطنين استغلوا الحرب كفرصة ذهبية للتهجير والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين، بحيث تمكنوا من فرض السيطرة على عشرات الدونمات من الأراضي المحيطة بها بقوة السلاح والعربدة".

انفجار الضفة

بينما يتفاقم عنف وإرهاب المستوطنين، وتنمو في أوساطهم أوهام التهجير القسري، والتطهير العرقي للفلسطينيين، تتواصل التحذيرات الأممية من انفجار الأوضاع في الضفة الغربية جراء تصاعد تلك الاعتداءات ونوعيتها.

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أعلن أن السلطات الأميركية مستعدة لاتخاذ إجراءات جديدة ضد المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية للحد من العنف ضد الفلسطينيين.

وقال بلينكن في وقت سابق إن بلاده فرضت قيوداً على التأشيرات ضد الأفراد المتورطين في أعمال عنف ضد المدنيين في الضفة الغربية، وشدد على أن الولايات المتحدة ستواصل السعي إلى المساءلة عن أعمال العنف ضد المدنيين في الضفة، بغض النظر عمن يرتكبها.

في حين قال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إن الوقت قد حان لكي يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على المستوطنين اليهود الذين يرتكبون أعمال عنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.

وفي ظل استمرار الخشية من أن تنفجر الأوضاع في الضفة الغربية جراء اعتداءات المستوطنين التي تتزامن مع تنفيذ الجيش الإسرائيلي سلسلة من العمليات الخاصة والاقتحامات اليومية لمخيمات ومدن فلسطينية التي تعد موطناً للمسلحين والمطلوبين الفلسطينيين لإسرائيل، كرر رئيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي وعدد من كبار الضباط تحذيراتهم لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزراء الحرب من أن الضفة الغربية على وشك الانفجار.

وبحسب تقرير للقناة "12" الإسرائيلية حذر المستوى العسكري على وجه التحديد من انفجار الضفة، مما يعني جبهة أخرى يتعين على إسرائيل التعامل معها بكثافة عالية. وقال مسؤولون كبار في المؤسسة العسكرية إن "تدهور الأوضاع الاقتصادية ومنع دخول العمال للعمل في إسرائيل يهدد بانفجار انتفاضة ثالثة وشاملة في الضفة".

هذه التحذيرات جاءت بعد تصاعد ملحوظ في عدد العمليات التي نفذها فلسطينيون في الضفة وتطور الأسلحة المستخدمة والعبوات الناسفة التي زرعت لصد الاقتحامات الإسرائيلية لمخيمات ومدن شمال الضفة الغربية، وأدت عملية تفجير عبوة ناسفة محلية الصنع في مخيم نور شمس شمال الضفة قبل نحو أسبوعين عن مقتل مجندة إسرائيلية وجرح عدد آخر، في المقابل قتل 370 فلسطينياً وأصيب نحو 4200 آخرين منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر الماضي.

المزيد من تقارير