Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من يكون سيميتشاستني الذي احتفلت موسكو بمئوية ميلاده؟

أطاح خروشوف وراح ضحية بريجنيف ووضع أسساً مماثلة للتجربة الصينية في ستينيات القرن الماضي

الرئيس الأسبق لجهاز "كي جي بي" فلاديمير سيميتشاستني (الأول من اليسار) يتحدث مع ضباط المخابرات السوفييتية عام 1964 (موسوعة التاريخ السوفياتي)

ملخص

ارتبط اسم الرئيس الأسبق لجهاز "كي جي بي" الروسي بمؤامرة إطاحة الزعيم السوفياتي نيكيتا خروشوف في 1964 على رغم كونه وراء تعيينه في عام 1961، فما الحكاية؟

ارتبط إسم الرئيس الأسبق لجهاز "كي جي بي" (لجنة أمن الدولة) فلاديمير سيميتشاستني بمؤامرة إطاحة الزعيم السوفياتي نيكيتا خروشوف في 1964 على رغم كونه وراء تعيينه في عام 1961. فمن يكون سيميتشاستني الذي احتفلت موسكو بالذكرى المئوية لميلاده خلال الأيام القليلة الماضية، وكان من المرتقب له أن يكون من كبار قيادات الاتحاد السوفياتي السابق؟

ارتبطت فترة صباه وشبابه بـ"الكومسومول" (شبيبة الحزب الشيوعي) في جمهورية أوكرانيا السوفياتية آنذاك. كان في الثالثة والعشرين من العمر حين وقع اختيار زعيم الحزب الشيوعي في أوكرانيا لازار كاجانوفيتش عليه لقيادة "الكومسومول" الأوكراني. وسرعان ما انتقل إلى أذربيجان ليشغل المركز الثاني في الحزب الشيوعي للجمهورية. ولم يمضِ من الزمن سوى سنوات معدودات حتى وقع عليه خيار زعيم الاتحاد السوفياتي نيكيتا خروشوف للانتقال إلى موسكو رئيساً لجهاز "كي جي بي" (لجنة أمن الدولة) أخطر وأهم أجهزة البلاد والعالم في عام 1961.

كشف عن تقاربه الشديد مع عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي ألكسندر شيليبين، فيما عكف كلاهما على وضع مشروعهما للإصلاح الاقتصادي، الذي ثمة من قال إنه كان قريباً من مشروع دين سياو بينج والتجربة الصينية التي يتابع العالم نتائجها خلال السنوات الأخيرة بكثير من الدهشة والانبهار.

مقدمة عاصفة لسيرة ذاتية شديدة الفرادة والتميز شهدت تقاربه مع ألكسندر شيليبين وليونيد بريجنيف ونيكولاي بودجورني وآخرين ممن لعبوا الدور الحاسم في إطاحة زعيم الاتحاد السوفياتي نيكيتا خروشوف.

من هنا كانت بداية ذلك الحديث الذي طال لما يقارب الساعات الأربع، مع ذلك الرجل الذي كان من الممكن أن يكون واحداً من كبار قيادات الاتحاد السوفياتي السابق.

الانقلاب ضد خروشوف

كان لقاؤنا الذي نحن بصدده في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي، الذي جرى في العام نفسه من وقوع انقلاب أغسطس 1991، مما دفعنا إلى الربط بين هذين الحدثين، وواقعة إطاحة زعيم الحزب الشيوعي السوفياتي نيكيتا خروشوف التي شارك فيها فلاديمير سيميتشاستني بحكم منصبه كرئيس لجهاز "كي جي بي".

 

 

استهل سيميتشاستني الحديث باستخفاف بقدرات "مجموعة الانقلابيين" الذين قال إنهم لم يكلفوا أنفسهم حتى عناء تحديد إقامة "أبطال الحدث"، بل ولم يجر قطع الاتصالات التليفونية، كما أن الخطوط الجوية وحركة الطائرات كانت تعمل بانتظام على رغم مما قاله الزعيم الأوكراني ليونيد كرافتشوك أحد مدبري كارثة انهيار الاتحاد السوفياتي، حول أنهم بحثوا احتمالات اعتقالهم في مطار كييف، قبل عودة وفدهم من بيلاروس (حيث جرى توقيع الاتفاق حول إنهاء وجود الاتحاد السوفياتي) إلى أوكرانيا. وعلى رغم ذلك قال سيميتشاستني إن تنفيذ عملية إطاحة خروشوف تمت في هدوء شديد، مما أثار قلق ليونيد بريجنيف.

توقف سيميتشاستني برهة ليواصل حديثه، "ها هي لجنة الطوارئ الحكومية (لجنة انقلاب أغسطس 1991) لم تتشاور، ولم يعقدوا اجتماعا لمجلس الدوما. حسناً، لم يكن هناك مجلس الدوما، مجلس السوفيات الأعلى. لا شيء، لقد خرجوا ولا شيء، لقد ظهر اللا شيء، على رغم أنهم كتبوا مناشدات عظيمة، وعلى رغم أنهم قدموا أفكاراً عظيمة، لكنهم كانوا ضعفاء جداً من الناحية التنظيمية، وغير مستعدين لدرجة أن ذلك كله انعكس حرفياً في المؤتمر الصحافي الأول. كان واضحاً بالفعل أن (لجنة الطوارئ الحكومية) لن يكون لديها أي شيء سوى مشاهد باليه (بحيرة البجع)"، إذ ظل التلفزيون السوفياتي يذيعها يوم الحدث.

وتحول سيميتشاستني ليستكمل حديثه، "إن اتصالاً جرى مع خروشوف، وكان معه رئيس السوفيات الأعلى أنستاس ميكويان في منتجع بيتسوندا في أبخازيا على ضفاف البحر الأسود. قلت له إن اجتماعاً للجنة المركزية للحزب سيعقد لمناقشة أفكاره عن الإصلاحات الزراعية، ومطلوب وجوده. واستجاب خروشوف ومعه ميكويان. لم يكن هناك ما لفت انتباهه سوى عدم وجود أعضاء المكتب السياسي في انتظاره. وخلافاً للتقاليد الراسخة، لم يقابلهم في المطار سوى رئيس الـ"كي جي بي" سيميتشاستني. قلت لهما إن الجميع يواصلون الاجتماع، وهم هناك في الكرملين في انتظارهما. وكان الحضور في اجتماع هيئة رئاسة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي 22 شخصاً، بينهم وزير الخارجية أندريه جروميكو ووزير الدفاع مالينوفسكي. ولم يكن هناك تسجيل لمحضر الاجتماع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأذكر أن خروشوف تعرض لوابل من الاتهامات والمطالبات بالاستقالة. ورفضها كلها، ومنها كانت علاقته مع الرئيس المصري عبدالناصر وقراره حول منحه وسام بطل الاتحاد السوفياتي، وكذلك منح المشير عبدالحكيم عامر والرئيس الجزائري أحمد بن بيلا ذات الوسام على رغم أنه كان متفقاً حول منح ناصر وسام الصداقة بين الشعوب.

وقال سيميتشاستني في مناسبة أخرى، "فقط ميكويان هو الذي حظي بدعمه"، مشيراً إلى سياسة خروشوف الخارجية الناجحة (بعد مرور عام تمت إقالة ميكويان من منصبه كرئيس لهيئة رئاسة المجلس الأعلى). واستمر الحديث حتى وقت متأخر من الليل، ويجرى اتخاذ قرار استئناف المناقشة في اليوم التالي عند الساعة التاسعة صباحاً.

ودعا خروشوف ميكويان، ووفقاً لشهادة ابنه، سيرغي خروشوف، ليقول له، "بالفعل كبرت في السن ومتعب. دعهم يتعاملون مع الأمر بأنفسهم الآن. لقد فعلت الشيء الرئيس. لقد تغيرت العلاقة بيننا وبين أسلوب قيادتنا بصورة جذرية. هل يمكن لأي شخص أن يحلم بأننا نستطيع أن نقول لستالين إنه لا يناسبنا وندعوه إلى الاستقالة؟ لن تكون هناك بقعة مبللة متبقية منا. الآن كل شيء مختلف. لقد اختفى الخوف، وأصبحت المحادثة على قدم المساواة. هذا هو ما تستحقه بلادي، لكنني لن أقاتل".

وفي اليوم التالي عاد اجتماع هيئة الرئاسة إلى الانعقاد، لكن ليس لأكثر من ساعة ونصف الساعة. واقترح بريجنيف أن يستقيل خروشوف طواعية. وصوت جميع أعضاء هيئة الرئاسة بالإجماع على "تلبية طلب خروشوف بالتقاعد".

 

 

بعد ذلك، انعقد اجتماع الجلسة المكتملة للجنة المركزية للحزب الشيوعي، التي دعا "المتآمرون" من جميع أنحاء الاتحاد السوفياتي إلى عقدها مسبقاً. ترأس بريجنيف الاجتماع. كان خروشوف حاضراً، لكنه لم ينبس بكلمة واحدة طوال الاجتماع.

ألقى عضو المكتب السياسي المسؤول عن قطاع الأيديولوجيا سوسلوف تقريراً مكتوباً تضمن جميع الأخطاء وسوء التقدير وأوجه القصور التي ارتكبها خروشوف، السياسية والشخصية، ومنها على سبيل المثال، "الوقاحة مع الزملاء والصراحة المفرطة مع الصحافة الأجنبية"، على حد ما جاء في تقرير سوسلوف.

واستقبل أعضاء اللجنة المركزية التقرير بالتصفيق. وتم اتخاذ القرار بالإجماع، "إعفاء نيكيتا خروشوف من منصبه بسبب تقدمه في السن وتدهور صحته". كما تم تعيين ليونيد بريجنيف بالإجماع سكرتيراً أول للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي، والكسي كوسيجين رئيساً لمجلس الوزراء.

بريجنيف يعرض تصفية خروشوف

كتب الصحافي البريطاني مارك فرانكلاند في سيرته الذاتية عن خروشوف عام 1966، "إلى حد ما، كانت هذه أفضل أوقاته: فقبل 10 سنوات، لم يكن أحد يتخيل أنه يمكن القضاء على خليفة ستالين بمثل هذه الطريقة البسيطة واللطيفة، مثل التصويت البسيط".

وننقل عن السكرتير الأول للجنة المركزية للحزب الشيوعي الأوكراني بيتر شيليست، ما قاله حول، إن بريجنيف أراد في البداية تصفية خروشوف جسدياً، "أخبرني سيميتشاستني أن بريجنيف عرض عليه التخلص جسدياً من أن خروشوف من طريق ترتيب حادثة تحطم طائرة أو حادثة سيارة أو تسميم أو اعتقال"، وذلك ما لم ينفه أو يؤكده سيميتشاستني.

في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، لم تسفر التغييرات في قيادة الحزب عن أي رد فعل خاص بين المواطنين. كما أن الصياغة المبسطة "بسبب الشيخوخة وتدهور الصحة" أسهمت في تجنب الأسئلة غير الضرورية. وانتقل خروشوف إلى داتشا (مسكن في الريف) في ضواحي موسكو، حيث راح يقرأ الكتب، ويقوم بأعمال البستنة، كما كان يظهر أحياناً في موسكو في أعمال خاصة. وفي عام 1966، بدأ بتسجيل مذكراته متعددة الأجزاء على شريط، ليتم نشرها لاحقاً خارج البلاد.

إلا أن نجل خروشوف، وهو عالم في مجال الملاحة الفضائية وعلوم الصواريخ لم يراوده الشك أبداً في أن عملية إطاحة والده من تدبير بريجنيف، وأصبح الآخرون جميعاً أدوات في "أيدي ليونيد إيليتش بريجنيف الماهرة" على حد تعبيره.

وقال سيرغي خروشوف "القول إن شيليبين وسيميتشاستني كانا على رأس المتآمرين، وانضم إليهما بريجنيف، غير صحيح بحسب اعتقادي، فقد كان بريجنيف هو الذي قاد المؤامرة، وكانوا من نواحٍ عديدة دافعين لهذه القضية. وبالمناسبة، لا أفهم السبب على الإطلاق. كان خروشوف سيجدد قوام هيئة رئاسة اللجنة المركزية، وكان لدى ليونيد بريجنيف، ونيكولاي بودجورني شعور بأنه سيتم استبدالهما، وكان ألكسندر شيليبين وفلاديمير سيميتشاستني هما من سيصلان إلى السلطة، لكنهما اندفعا وخسرا".

هرب سفيتلانا ابنة ستالين مع "جثمان" زوجها الهندي

في نوفمبر (تشرين الثاني) 1966، كتبت سفيتلانا أليلوييفا (لقب الأم) رسالة إلى بريجنيف، ترجو فيها السماح لها بالسفر إلى الهند إلى موطن زوجها الراحل براجيش سينغ. قالت إنه واحتراماً لذكرى زوجها الشيوعي الهندي الراحل، من الضروري إلقاء رماده في نهر الغانج. وأكدت سفيتلانا أن "الرحلة ستستغرق من 7 إلى 10 أيام، لا أكثر". ووعدت بعدم ارتكاب أي عمل مشين من وجهة النظر السياسية، وهو ما لم تفِ به.

عندما لجأت سفيتلانا إلى رئيس الدولة لطلب السماح لها بالسفر إلى الخارج، لم يكن المكتب السياسي يراوده الارتياح، "ففي القمة" كان من المعروف أن ابنة الزعيم الراحل قد انتهت من العمل على كتاب "20 رسالة إلى صديق"، الذي لم يتم فيه انتقاد سياسات ستالين بشدة وحسب، بل تمت إدانة جميع أعضاء الحزب أيضاً. ففي نهاية المطاف، جرى ارتكاب الفظائع والجرائم التي نسبت إلى ستالين بأيديهم. ولم يكن "شيوخ" الكرملين مهتمين بنشر الكتاب في الغرب. ومع ذلك، فقد تقرر إطلاق سراح ابنة ستالين، وتم السماح لها بالسفر، ولكن فقط من دون المخطوطة. وقد دافع عنها رئيس الوزراء السوفياتي كوسيجين بنفسه. وفي وقت لاحق، أكد رئيس الـ"كي جي بي" فلاديمير سيميتشاستني، أن السلطات السوفياتية لم تحد عن التزام واجبها بما لم تقم معه سفيتلانا بتهريب أي مخطوطة عبر الحدود، وأن الكتاب، وعلى ما يبدو، وصل إلى الخارج بطريقة مختلفة، فقد كان بإمكان ابنة ستالين تهريبه مع شخص آخر، وأنه غير مسؤول عن السماح برحيلها، لكن الواقع وما قاله سيميتشاستني عن يقين يتمثل في أن بريجنيف كان في حاجة إلى مبرر للتخلص منه خشية تكرار ما سبق وحل بغريمه نيكيتا خروشوف. ومن ثم فقد استغل هرب ابنة ستالين إلى الولايات المتحدة في عام 1966 بعد أن غادرت الهند قاصدة سويسرا، ليحمل سيميتشاستني مسؤولية هربها.

وقالت المصادر أنه جرى استحداث منصب النائب الأول لرئيس حكومة جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفياتية خصيصاً له، وتم "نفيه" إلى كييف لمدة 14 عاماً. ولم يسمح له بالسفر إلى الخارج فحسب، بل وبالترحال إلى الداخل أيضاً، حيث جرى تحديد الفرصة الرسمية الوحيدة في إطار زيارة موسكو في نهاية الأسبوع لزيارة عائلته التي لم تنتقل إلى كييف. ولم يمض من الوقت كثير، حتى جرت إقالته من هذا المنصب إلى رئيس الجمعية العلمية "المعرفة"، ومنها إلى إدارة نادي "دينامو كييف"، حتى تاريخ إحالته إلى التقاعد.

من هنا يتساءل كثيرون عما كان من الممكن أن تؤول إليه أحوال الوطن في حال نجح شباب "الكومسومول"، ومنهم سيميتشاستني وشيليبين من تحقيق النجاح، وتنفيذ ما كانت تصبو إليه نفوسهم.

وعلق سيميتشاستني عليه بالقول، "لقد كان من الممكن أن يظل الاتحاد السوفياتي قائماً"، وذلك ما نضيف إليه، "ولم يكن العالم ليشهد مثل تلك (الحرب الضروس)، التي تدور اليوم بين الأشقاء من أوكرانيا وروسيا"، وذلك أيضاً ما نضيف إليه أن معظم أبطال هذا التقرير، وفي المقدمة منهم خروشوف وبريجنيف وشيليبين، وبودجورني كانوا ينتمون جميعاً إلى أوكرانيا. حتى سيميتشاستني، وإن كان روسي المولد، فإنه عاش حياته ومعظم سنواته العملية في أوكرانيا.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير