Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

غروتشو ماركس عائد في زمن معاداة الكوميديا اللاذعة

"حاجبان مرفوعان" فيلم يستعيد حكايات النجم الأميركي والفرقة التي أسست مدرسة سينمائية

غروشو ماركس في "حساء البط" (ملف الفيلم)

ملخص

"حاجبان مرفوعان" فيلم يستعيد حكايات النجم الأميركي والفرقة التي أسست مدرسة سينمائية

لا يزال محبو الإخوة ماركس، وهم كثر في أنحاء العالم كافة، ينتظرون على أحر من الجمر فيلم المخرج أورن موفرمان عن نجم هذه الفرقة الكوميدية التي تتألف من خمسة إخوة، ونعني بنجمها غروتشو (1977 - 1890). الفيلم يحمل عنوان "حاجبان مرفوعان" وكل مَن يعرف غروتشو وأفلامه، لا بد أن يفهم ما المقصود به. يكفي إلقاء نظرة سريعة على صورة بالأسود والأبيض لـ"الكوميديان" النابغة كي يلفتنا حاجباه الكثان اللذان يملآن جزءاً غير قليل من وجهه. هذا إضافة إلى شاربيه الزائفين، وهما ربما أشهر شاربين في تاريخ هوليوود. حاجبا غروتشو وشارباه علامة فارقة فيه ولا يمكن تخيله من دونهما.

قد تكون أفلام الإخوة ماركس أقل انتشاراً خارج العالم الغربي من أفلام تشارلي شابلن وباستر كيتون، أو حتى لوريل وهاردي وأبوت وكاستيللو، ربما لأن دعابتهم مزيج من فن البورلسك والطرافة الشفهية المستلّة من التقاليد اليهودية في صناعة "الضحك الحكيم" والموسومة بـ"كره الذات"، وهذه أقل "كونية" من البهلوانات التي لجأ إليها بعض الأسماء المذكورة. لكن انتشارها الأقل لا يجعلها أقل عبقريةً، ولندرك ذلك يكفي الاطلاع على أعمال باتت كلاسيكية مثل "ريش الحصان" و"حساء البط" و"ليلة في الأوبرا"، صنعت ثلاثينيات القرن الماضي.

الفيلم المنتظر يستند إلى كتاب مذكّرات وضعه ستيف ستوليار في عنوان "حاجبان مرفوعان: سنواتي داخل بيت غروتشو". لكن، مَن هو ستوليار هذا، وما علاقته بأيقونة الطرافة اليهودية؟ ستوليار هو الشخص الذي عمل سكرتيراً واهتم بالأرشيف الخاص بغروتشو طوال السنوات الثلاث الأخيرة من حياته، التجربة التي غيرت حياته وسمحت له بالتقرب منه قبل أن يصدر هذا الكتاب في عام 1996، وهو كتاب نال ثناء وودي آلن الذي قال إنه واحد من أفضل الكتب عن أيقونة عالم الاستعراض بعيداً من المؤلفات التقليدية عنه. وكتبت مجلة "ديدلاين" الإلكترونية بأن الصراع على السلطة الذي نجده في السيناريو المقتبس من الكتاب، ستنتج منه كوميديا مرعبة تتم فيها مساءلة الهوس والحب والشهرة والأمراض النفسية والأسرة وهوليوود بطريقة فوضوية لا يمكن وصفها إلا بأنها تليق بغروتشو".

قامة كوميددية

أما دور غروتشو فيجسّده الممثّل الأسترالي جيفري راش الذي سبق أن لعب أدوار أناس حقيقيين مثل عازف البيانو ديفيد هلفغوت والثائر الشيوعي ليون تروتسكي. يبدو الممثل السبعيني متحمّساً لهذا اللقاء عبر الزمن بينه وبين قامة كوميدية كبيرة، إذ قال عنها خلال ندوة في مهرجان كارلوفي فاري: "عمل غروتشو في المسرح والتلفزيون والسينما والإذاعة طوال 65 عاماً قبل أن يرحل وهو في منتصف الثمانينيات. الفيلم قصّة شاب في العشرين أصبح مساعده وهو الذي كتب الحكاية. الجميع يقول إنه فيلم سيرة، أمّا أنا فأراه تراجيكوميديا عن الموت، فهو يتحدّث عن انحطاط الجسد الذي عانى منه هذا العبقري بعد إصابته بالخرف. إنه دور عظيم".

لكن، في زمن طغت عليه الصوابية السياسية، بحيث أن كثراً من الكوميديين ما عادوا يستطيعون العمل ضمن هذه الأجواء الموبوءة أخلاقياً، كيف يمكن تناول غروتشو في فيلم سينمائي؟ الأخير كان أحد رموز "الضرب تحت الحزام" ولم يوفّر أحداً من "شره" المحبب، لا سيما الأثرياء وأصحاب النفوذ. فكاهته كانت قاسية، بمفاهيم اليوم خصوصاً، تجاه فئات مختلفة من المجتمع، ومبغضة في حق النساء على نحو لا يمكن تخيلها في حاضرنا هذا. فالنحو الذي كان يتعامل به مع مارغريث دومونت، الممثلة التي ظهرت في سبعة من أفلام الإخوة الـ13 بدور الأرملة الثرية، يعتبرها البعض اليوم "كراهية للنساء". في أحد المشاهد، يقولها: "لا أنسى عادةً الوجوه، ولكن من أجلك سأقوم باستثناء".

في أي حال، يأمل عشّاق هذه الفرقة الأسطورية في أن يسهم الفيلم في إعادتهم إلى الضوء، وذلك بعد 45 عاماً على رحيل آخر واحد فيهم. على رغم انتمائهم إلى عصر ولى، فكثر يعتبرون أن لا أحد يضاهي الإخوة في تاريخ السينما الكوميدية. منذ بداياتهم في مسرح الـ"فودفيل" ثم انتقالهم إلى برودواي، مروراً بإطلالاتهم الإذاعية والسينمائية، تطرقوا إلى كل شيء. لم يكن هناك موضوع محرّم أو شخص مقدّس في نظرهم. هزأوا بالجميع وبكل شيء. مزاحهم كلاسيكي الطابع ولا يبطل مع الزمن. شكّل كل من غروتشو وشيكو وهاربو، الأعضاء الأساسيين، في حين كان غومو وزيبو، على الهامش وتخلّيا في النهاية عن التمثيل ليعملا في مجال آخر. كتب الناقد الأميركي روجر إيبرت عنهم: "على رغم إنهم لم يُؤخذوا على محمل الجد، فكانوا صادمين مثل إيغور سترافينسكي وشائنين مثل غيرترود شتاين ومضطربين مثل فرانز كافكا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مساهمة الإخوة ماركس في تحديث الكوميديا الأميركية ذات شأن كبير: لقد أدخلوا إليها الفوضى وسرعة الإضاءة والفقرات الموسيقية. تميّزوا بسرعة البديهة واللعب على الكلام والتفكير الأرعن، جاعلين مهام المترجمين "صعبة" إلى أقصى حد. تصرفوا في العلن كما لو أنهم بمفردهم ولا أحد يشاهدهم. فقالوا بصوت عال ما يقوله الناس عادةً في المجالس الخاصة. أعمالهم تحفل بالملابس التنكرية والأوجه المتبرجة وشخصيات تائهة في عالم من دون مَخرَج، وهي متحررة من كل قيد أو شرط. أما خطابهم، فيقوم على تناقض من شأنه ضرب القيم التي يفترض بأنها أسست المجتمع الأميركي.

سطع نجم غروتشو فأصبح الأشهر بين أشقائه. كان بدأ مغنياً، على غرارهم، قبل الانضمام إلى شقيقيه هاربو وغومو في فرقة موسيقية تحوّلت مع الوقت إلى فرقة كوميديا. كان القائد على الدوام، مع سيجاره في يده وسخريته اللاذعة على طرف لسانه، حتى أن أحد النقاد وصفه بـ"الزوج العابس الذي يقود زوجاته الثلاث إلى الكحول والطلاق". وكتب أيضاً عنه يقول إنه لم يتخطّ طفولته بسبب علاقته المضطربة مع أمه التي فضّلت ابنها الأكبر شيكو على الآخرين، معتبرةً أن غروتشو غير جدير بالحنان وحب الأم. في المقابل، لقّبه هذا الناقد بـ"أب الكوميديا الحديثة"، خصوصاً بسبب التأثير الذي كان له في الكوميديين الذين جاؤوا من بعده. وعلى رغم النجاح الذي حقّقه في المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون، فبقي مزاجياً وكئيباً وشيء ما منعه من تحقيق طموحاته، لذلك يعتبره هذا الناقد أنه كان "بهلواناً مُحبَطاً".

اقرأ المزيد

المزيد من سينما