Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إسرائيل تحيي أثر جنودها القتلى بتجميد سوائلهم المنوية

80 في المئة من المصابين يحتاجون إلى تدخل في المسالك البولية ومعظم طلبات الأهالي جاءت بعد اشتداد المعارك وارتفاع أعداد الوفيات بصفوف الجيش

أصبح بإمكان الأرامل الإسرائيليات أو الأسر الراغبة سحب الحيوانات المنوية من جثث الزوج (أ ف ب)

ملخص

5 في المئة من الأطفال المولودين في إسرائيل جاءوا نتيجة التلقيح الاصطناعي، وهو أعلى معدل في العالم.

تشجع الحكومة الإسرائيلية عملية الاحتفاظ بالأجنة وتتولى تقديم هذه الخدمة مجاناً للأزواج الراغبين في الإنجاب.

داخل مستشفى "أسوتا" في أسدود جنوب إسرائيل ينهمك الأطباء يومياً بإجراء عمليات طارئة ودقيقة لجنود تعرضوا لإصابات خطرة في المسالك البولية أثناء مشاركتهم في المعارك داخل قطاع غزة، تركزت كثير منها في حفظ حيوانات منوية لعدد منهم، فالإصابات البليغة والتهديدات المحدقة على خصوبة الجنود مستقبلاً جراء الحرب دفعتهم إلى طلب ذلك بأنفسهم.

وفقاً لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية فإن النظام الصحي في إسرائيل يتعامل مع معدل مرتفع خصوصاً من الإصابات المرتبطة بالجهاز البولي والأنابيب والجهاز التناسلي بين الجنود الجرحى. وأشارت الصحيفة إلى أنه على رغم وجود إصابات أكثر خطورة من تلك المرتبطة بالمسالك البولية فإن الأخيرة "تزعج الجنود أكثر من الإصابات التي قد تعرض حياتهم للخطر".

من جهتها، أكدت رئيسة قسم المسالك البولية في أوريت راز أن "قرابة 80 في المئة من الجنود المصابين الذين يصلون للعلاج داخل المستشفى يحتاجون إلى تدخل في المسالك البولية". موضحة أن إصابات مجرى البول جراء الحرب تسبب أضراراً للجنود قد تمتد لمدى الحياة، سواء كان ذلك من الناحية الوظيفية أو النفسية. وأضافت أن "الجنود يحتاجون إلى هذه الوظيفة لأنهم ما زالوا على استعداد لتكوين أسر وبناء العلاقات".

في الدول المتقدمة كألمانيا وإيطاليا والسويد يعتبر نقل النطف من الرجل لأرحام أمهات بعد الوفاة أمراً محظوراً، في حين أن بعض الولايات الأميركية تجيز بشكل استثنائي نقل النطف لزوجة الميت حصرياً، بعد التحقق من موافقة زوجها المتوفى على الإنجاب بعد موته بهذه الطريقة.

أمر موقت

إنقاذ الخصوبة للجيش الإسرائيلي لم يقتصر على المصابين بشدة جراء الحرب ممن تعرضوا لتشوهات وإعاقات دائمة، ففي أعقاب الهجوم الذي شنته حركة "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أصدر المستشار القانوني لوزارة الصحة الإسرائيلية أمراً موقتاً غير مسبوق يسمح بسحب حيوانات منوية من الجنود القتلى، من دون الحاجة إلى الحصول على إذن قضائي وموافقة من المحكمة كما كان سابقاً، وأصبح بإمكان الأرامل الإسرائيليات أو الأسر الراغبة سحب الحيوانات المنوية من جثث الزوج أو الابن بعد الوفاة. وتضمن إجراء الاحتفاظ بالسائل المنوي للجنود سابقاً، على أن يعطي صاحب الشأن إذناً كتابياً باستخدام نطفته حال هلاكه قبل مرور 72 ساعة على وفاته، أو تعرضه لإعاقة مستديمة قد تمنعه أو تقف عائقاً في طريقه للإنجاب، بحيث تحتفظ مختبرات الحيوانات المنوية المنتشرة في إسرائيل بـ10 عينات من السائل المنوي لكل جندي من قوات الجيش، لزيادة احتمالات الاحتفاظ بعينات قادرة على الإخصاب، وستحفظ هذه العينات داخل نيتروجين سائل بدرجة حرارة 169 تحت الصفر، مما يضمن لها البقاء حية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفقاً لوزارة الصحة الإسرائيلية ينتشر في إسرائيل 17 بنكاً للحيوانات المنوية، التي يتمثل دورها في حفظ الحيوانات المنوية من المتبرعين وإخصاب النساء ممن يحتجن إليها بعد الحصول على موافقة من صاحب الشأن وهو على قيد الحياة. كما تتضمن أهداف وجود هذه البنوك الحفاظ على خصوبة العاملين في مناطق قد تعرضهم لأشعة كيماوية أو إشعاعية بهدف الحفاظ على خصوبتهم واستمرار نسلهم.

بدورها سارعت وزارة الصحة الإسرائيلية إلى إنشاء وحدة خاصة تعمل على مدى الساعة طوال أيام الأسبوع مع الجيش والمستشفيات تضم بنوكاً لتخزين الحيوانات المنوية. وبحسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية سحبت حيوانات منوية من 33 رجلاً من القتلى الإسرائيليين في أكتوبر الماضي، بطلب من عائلاتهم، من أجل حفظها بالتجميد وإبقاء فرصهم في الإنجاب، وهو عدد يرتفع يومياً. ووفقاً لمتخصصين فإن معظم الطلبات التي تقدم بها أهالي الجنود الذين قتلوا أثناء القتال جاءت بعد اشتداد المعارك وارتفاع أعداد القتلى في صفوف الجيش، وهو ما أكدته رئيسة قسم الخصوبة والولادة في وزارة الصحة الإسرائيلية، تاليا جيفا، عندما قالت لوسائل إعلام إسرائيلية "نحن نعمل على مدى الساعة طوال أيام الأسبوع في جميع وحدات تنسيق زراعة الأجنة والنقل".

إقبال كبير

تشجيع الحكومة الإسرائيلية للحفاظ على الحيوانات المنوية لجنودها القتلى جراء الحرب حفاظاً على نسلهم لم يتوقف عند قرار استثنائي غير مسبوق، بل تخطر العائلات الإسرائيلية أثناء تلقيها بلاغ مقتل ابنها في الحرب بخيار سحب حيواناته المنوية خلال 24 ساعة من الوفاة، ما دام كان ذلك ممكناً من الناحية الطبية، لزيادة فرص بقائها على قيد الحياة عندما يتم فك تجميدها لاحقاً واستخدامها للتخصيب، إذ إن على عائلة المتوفى الانتظار مدة عام كامل في الأقل، بعد إجراء حفظ الحيوانات المنوية، قبل الاتصال بالمحكمة لاستخدامها. وبينت منسقة عمليات زرع الأعضاء في مركز "شيبا" الطبي دانيت وايزمان، أن "كثرة الاستفسارات من أهالي وزوجات القتلى الجنود الذين يريدون الاستفادة من الحيوانات المنوية تسببت في حدوث فوضى".

بدورها، قالت رئيسة سياسة التكنولوجيا الطبية بوزارة الصحة، إيتي سماما، لصحيفة "هآرتس" إن "هناك شكوكاً حول ما إذا كان ينبغي للجيش أن يقدم هذا الخيار، وليس من المؤكد أن العائلات والمجتمع الإسرائيلي مستعدون للتعامل معه". وأضافت "ليست كل العائلات الإسرائيلية على علم بهذا الأمر. إذا تأخرت في ذلك لمدة يومين فهذا يعني أن الوقت قد فات". وتابعت "هذه المرة تغير شيء ما في المجتمع الإسرائيلي. هناك موقف مختلف تجاه الحفاظ على الخصوبة". من جهته أشار رئيس قسم التلقيح الصناعي في مستشفى كابلان، يوفال أور، إلى أن السنوات الخمس الماضية شهدت ارتفاعاً بعدد إجراءات الحفاظ على الخصوبة في إسرائيل بصورة سريعة، بخاصة من قبل النساء.

 

تعتبر إسرائيل من الدول الرائدة في العالم بمجال علاجات الإخصاب، إذ تمنح تسهيلات مالية ضخمة لهذه العلاجات، وتمكن مئات آلاف الأزواج الإسرائيليين من تحقيق أمنيتهم بالتحول إلى والدين. إلى جانب توفيرها تكنولوجيات متطورة جداً في طب الإخصاب، فهي من الدول التي تشجع على الإنجاب لأهداف سياسية وديموغرافية. ووفقاً لتقدير وزارة الصحة الإسرائيلية يتم تخزين نحو مليون أجنة مجمدة في 25 مركزاً لعلاج الخصوبة في إسرائيل. وهو العدد نفسه تقريباً من الأجنة المجمدة المخزنة حالياً في الولايات المتحدة الأميركية التي يبلغ عدد سكانها 330 مليوناً، أي 35 ضعف عدد سكان إسرائيل. وذكرت إحصاءات أن خمسة في المئة من الأطفال المولودين في إسرائيل جاءوا نتيجة التلقيح الاصطناعي، وهو أعلى معدل في العالم.

فجوة قائمة

على رغم عدم سن أي قانون رسمي وصريح وواضح يشرع للإسرائيليين استخدام الحيوانات المنوية للشخص الميت، فإن قاضي المحكمة العليا المتقاعد والمستشار القضائي السابق إلياكيم روبنشتاين، نشر عام 2003 وبعد سلسلة من المناقشات في وزارة العدل بين خبراء طبيين وقانونيين، بما في ذلك خبراء في القانون والفلسفة اليهودية، مبادئ توجيهية لهذه العملية، افترض فيها أن المتوفى أراد من زوجته استخدام حيواناته المنوية.

وجود فجوة بين ضرورة وجود قرار قضائي واضح لهذه العملية والقيم الاجتماعية والثقافية الإسرائيلية التي تعزز الإنجاب حتى في أصعب الظروف، دفع أعضاء عن حزب الليكود في مارس (آذار) عام 2022 إلى طرح مشروع قانون "الاستمرارية" أمام لجنة التشريعات في الكنيست الإسرائيلي، الذي يتضمن إجراء تجربة الاحتفاظ بالسائل المنوي لجنود الجيش الإسرائيلي، على أن يعطي صاحب الشأن (الجندي) إذناً كتابياً باستخدام نطفته حال هلاكه قبل مرور 72 ساعة على وفاته، والذي يبقى مرهوناً بطلبات زوجته حال كان متزوجاً، أو موافقة والديه في حال كانت لديهما رغبة برؤية ذرية ابنهما الذي فارق الحياة ولم يكمل حياته. ويرى تسفيكا هاوزر، أحد المتقدمين بمشروع القانون، أن إسرائيل "ملزمة أخلاقياً لتمريره". وأضاف "نحن نرسل أفضل أبنائنا في وحدات الجيش ولا نضمن عودتهم سالمين من جولات القتال المتعددة التي يخوضونها، لذلك نسعى إلى تكوين أحفاد للمتوفى والحفاظ على استمراريته".

 

جمعية Light for Families التي تعنى برعاية عائلات قتلى جنود الجيش وصفت مشروع القانون بالثوري. وأشارت إلى أن نحو 1500 أسرة من قوات الجيش يجتمعون سنوياً داخل المنظمة لدعم هذا القانون، وأن نحو 182 امرأة يرغبن في أن يكن أمهات من نطف الجنود المقتولين تقديراً لهم. وقالت رئيسة الجمعية إيريت أورين جوندرز "بعد سنوات من العمل الشاق سنرى النور في نهاية النفق المظلم الذي يوجد فيه آباء ثكلى فقدوا بالفعل كل أمل بأن يصبحوا أجداداً، وأن يحتضنوا حفيدهم بكل دفء، بعد أن وقف الموت في طريق أبنائهم".

على النقيض من ذلك، قال رئيس وحدة القانون والأخلاق والسياسة الصحية في جامعة أونو الإسرائيلية جيل سيغل إن "مصلحة الطفل أن يولد لأبوين، وليس أن يولد وهو مخطط له أن يكون يتيماً"، وأضاف "الحديث عن الإنجاب يجب أن يبدأ من الأب والأم وليس من الأجداد".

كلف باهظة

إسرائيل هي واحدة من أكثر الدول نجاحاً في مجال التلقيح الاصطناعي ومجالات التكنولوجيا والهندسة الوراثية في الطب والزراعة منذ عقود، وتسجيلها نجاحاً ملحوظاً في تجميد الأجنة والبويضات وتخزين الحيوانات المنوية لإسرائيليين ميتين وأحياء دفع كثراً إلى التساؤل عن الجوانب القانونية والأخلاقية والدينية لهذا التفوق الهائل، بخاصة أن وسائل إعلام إسرائيلية أشارت إلى قرب نفاد المساحات المخصصة لتخزين الأجنة المجمدة بما يشكل عبئاً على الأجهزة الطبية، نظراً إلى تراكم هذه المخزونات على مدى سنوات، وتجدد الكميات المراد الاحتفاظ بها للمستقبل.

وبين محللون وخبراء أن العبء لا يقتصر على ضرورة توفير أماكن إضافية للتخزين، إنما تعداه إلى عبء اقتصادي. فالحكومة الإسرائيلية بحسب مراقبين تشجع عملية الاحتفاظ بالأجنة وتتولى تقديم هذه الخدمة مجاناً للأزواج الراغبين في الإنجاب بما في ذلك كلف الإجراءات الطبية لعملية التخصيب الاصطناعي، وكلف عملية التجميد بمستلزماتها، كما تتحمل أيضاً كلف خدمة الاحتفاظ بالأجنة المجمدة لمدة خمس سنوات، ويعتبر النيتروجين السائل المبرد الضروري لهذه العملية مكلفاً من الناحية المادية، كما هي الحال مع الطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيل الحاويات وآليات التحكم، وبالطبع هناك أيضاً الأفراد اللازمون للتشغيل والإشراف على العملية برمتها. وتقدر وزارة الصحة الإسرائيلية كلفة تخزين الأجنة بنحو 1.5 مليار شيكل (406 ملايين دولار) على مدى عقد من الزمان، وهذا المبلغ الضخم يتم تمويله من قبل دافعي الضرائب.

المزيد من تقارير