ملخص
استخدم البابا عبارات قوية في انتقاد ترمب وهاريس إذ ذهب إلى القول "كلاهما ضد الحياة، أحدهما الذي يطرد المهاجرين والآخر الذي يقتل الأطفال". وقال البابا فرنسيس خلال مؤتمر صحافي أمس الجمعة إنه "يتعين اختيار أخف الضررين... من هو أخف الضررين؟ تلك السيدة أم ذلك الرجل؟ لا أدري. كل شخص، من منطلق ضميره، عليه أن يفكر ويفعل هذا".
في تدخل ليس غير مسبوق في الشأن السياسي لبلد أجنبي، انتقد بابا الفاتيكان مرشحي الرئاسة الأميركية الجمهوري دونالد ترمب والديمقراطية كامالا هاريس، معتبراً أن الناخبين الكاثوليك الأميركيين سيضطرون إلى "اختيار أخف الضررين" عندما يدلون بأصواتهم في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
في حين لم يذكر البابا فرنسيس اسمَي أي من المرشحين لكنه لفت إلى مواقفهما السياسية، قائلاً إن الإجهاض هو عملية "قتل" وهو ما تدعمه هاريس، في حين رأى أن رفض قبول المهاجرين إلى الولايات المتحدة هو بمثابة "خطيئة كبيرة" في إشارة إلى خطط ترمب لترحيل ملايين المهاجرين غير الشرعيين. وقال البابا فرنسيس خلال مؤتمر صحافي أمس الجمعة إنه "يتعين اختيار أخف الضررين... من هو أخف الضررين؟ تلك السيدة أم ذلك الرجل؟. لا أدري. كل شخص، من منطلق ضميره، عليه أن يفكر ويفعل هذا".
وليست هذه هي المرة الأولى التي يعلق فيها البابا فرنسيس على السباق نحو البيت الأبيض، فخلال الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري عام 2016، ألمح إلى أن ترمب "ليس مسيحياً" لأن حملته وعدت بترحيل آلاف المهاجرين غير الشرعيين وتعهدت بإجبار المكسيك على الدفع مقابل بناء سور على طول الحدود مع الولايات المتحدة وهو السور الذي شرع بالفعل في بناءه خلال فترة ولايته في البيت الأبيض. وقال البابا آنذاك إن "الشخص الذي يفكر في بناء الأسوار، أيّاً كانت، ولا يبني الجسور، ليس مسيحياً"، كما هاجم البابا الرئيس الحالي جو بايدن، مشككاً في إذا ما كان ينبغي السماح لسياسيين مثل بايدن بالمشاركة في "سر التناول المقدس" لأنهم يدعمون حق الإجهاض.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستخدم البابا عبارات قوية في انتقاد ترمب وهاريس، إذ ذهب إلى القول "كلاهما ضد الحياة، أحدهما الذي يطرد المهاجرين والآخر الذي يقتل الأطفال"، ومواقف البابا فرنسيس من قضيتي الإجهاض والمهاجرين ليست جديدة، لكن موقفه من السباق الرئاسي الأميركي يعكس الانقسام بين الناخبين الكاثوليك في الولايات المتحدة الذين كانوا في الانتخابات السابقة منقسمين بين الحزبين. وعلى نحو مماثل، تنصح مؤتمرات الأساقفة الأميركيين الكاثوليك بأخذ مجموعة التعاليم الكنسية في الاعتبار في صناديق الاقتراع ولا تؤيد المرشحين، على رغم أن بعض الأساقفة يشاركون في التصويت بصورة أكثر صراحة.
الكاثوليك كتلة مؤثرة
وبينما يتبني البابا بصورة شخصية قضية المهاجرين ويحث على تقديم العطف والدعم للملايين ممن اضطروا إلى مغادرة بلدانهم بسبب الحرب أو الفقر والجوع، فإن قضية الإجهاض هي قضية دينية بالنسبة إلى الكنيسة،فالكنيسة الكاثوليكية الرومانية تعتبر الإجهاض خطيئة جسيمة، وكثيراً ما أشار البابا فرانسيس إلى الإجهاض باعتباره جريمة قتل، حتى في حالة الجنين المريض أو الذي يعاني اضطرابات. وعام 2018 قارن الإجهاض بالتعاقد مع "قاتل مأجور لحل مشكلة"، وفي أحدث وثيقة بابوية له صدرت العام الحالي أكد بقوة رفض الكنيسة للإجهاض وعقوبة الإعدام وما يُسمى "القتل الرحيم".
وفق المعهد العام لأبحاث الدين في واشنطن، فإن الكاثوليك يشكلون 21.4في المئة من الشعب الأميركي، وتفيد إحصاءات معهد "بيو" للأبحاث أن 13في المئة من الأميركيين البالغين هم كاثوليك سابقون. ويشكل الكاثوليك ليس كتلة انتخابية عددية كبيرة فحسب، بل غالباً ما يُعدّون ناخبين حاسمين كذلك. ففي بعض الولايات المتأرجحة مثل بنسلفانيا وويسكونسن، نسبة الكاثوليك البالغين تتجاوز 20 في المئة من السكان، فما هي مواقفهم من قضيتي الأجهاض والمهاجرين؟.
في حين أن الكاثوليك اعتادوا تاريخياً التصويت لمصلحة مرشحي الحزب الديمقراطي، لكنهم صوتوا بغالبية لمصلحة المرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون عام 1972. وخلال السنوات الأخيرة، شهدت أصوات الكاثوليك انقساماً، فذهبت حصص متساوية تقريباً لكل حزب. ويجد تحليل أعمق أن غالبية الكاثوليك البيض يعتبرون أنفسهم جمهوريين، في حين أن معظم الكاثوليك من أصل إسباني ديمقراطيون، مما يختلف كثيراً عن المسيحيين الإنجيليين البيض الذين هم في الغالب جمهوريون، أما البروتستانت السود والناخبون اليهود فهم في الغالب ديمقراطيون.
ووفق استطلاع أُجري في الفترة بين الـ26 من أغسطس (آب) والثاني منسبتمبر (أيلول) الجاري، فإن الكاثوليك الأميركيين أكثر ميلاً إلى التصويت لمصلحة المرشح الجمهوري دونالد ترمب، وأظهر أحدث استطلاع للرأي أجراه مركز "بيو" للأبحاث أن 52 في المئة من الأميركيين سيصوتون لمصلحة ترمب ونائبه الكاثوليكي جي دي فانس، مقابل 47 في المئة لمصلحة هاريس ونائبها تيم وولز.
بين السياسة والدين
في حين أن البابا فرنسيس يحظى باحترام وشعبية كبيرين، لا سيما وسط أتباع الكنيسة الكاثوليكية، لكن كثيرين يختلفون مع موقف الكنيسة في شأن عديد من القضايا، وأظهر استطلاع لمركز "بيو" في أبريل (نيسان) الماضي أن ستةمن كل 10 أميركيين من الكاثوليك البالغين يرون أنه ينبغي تشريع الإجهاض في كل أو معظم الحالات. ووفق الاستطلاع، فإن وجهة النظر حول قضية الإجهاض جاءت متوازية مع التوجه السياسي، إذ إن أولئك الذين يعرفون أنفسهم ديمقراطيين يميلون بصورة أكبر من الكاثوليك الجمهوريين إلى تشريع الإجهاض.
ومع ذلك يتناقض استطلاع "بيو" مع آخر أُجري عام 2022، إذ أظهر استطلاع أجرته شبكة "أي دبليو تي أن نيوز" وشركة "ريل كلير ميديا" أن نحو 82 في المئة من الناخبين الكاثوليك يؤيدون فرض بعض القيود على الإجهاض بوضع بعض الشروط على حالات تطبيقه، وفيما قال تسعة في المئة فقط إنهم يتفقون مع رأي الكنيسة بحظره تماماً، يرى 18 في المئة ضرورة إتاحته للمرأة في أي وقت طوال فترة حملها. وإضافة إلى ذلك، قالت الغالبية إنها أقل ميلاً إلى دعم مرشح سياسي يؤيد الإجهاض في أي وقت أثناء الحمل. ووجد الاستطلاع أن معظم الناخبين الكاثوليك (60 في المئة) أقل ميلاً إلى دعم المرشحين السياسيين الذين يؤيدون الإجهاض في أي وقت أثناء الحمل. ويشمل ذلك معظم الجمهوريين وغالبية المستقلين والناخبين غير المنتمين إلى أحزاب، وانقسم الديمقراطيون بين الأكثر ميلاً والأقل ميلاً.
ويقول مراقبون إن قضية الإجهاض في الولايات المتحدة أصبحت مسألة سياسية أكثر من أنها دينية، وفي حين تعكس آراء الكاثوليك إلى حد كبير آراء عامة الناس في أميركا، فإن آراء الكاثوليك "تميل إلى التوافق مع التأثيرات السياسية". ووفقاً لذلك، فإن 78 في المئة من الكاثوليك الذين يؤيدون الحزب الديمقراطي يعربون عن تأييدهم للإجهاض القانوني، مقارنة بنحو 43 في المئة من أولئك الذين يصوتون للجمهوريين، وفق الاستطلاع الأخير.
وبسبب الأهمية التي تحظى بها قضية الإجهاض لدى الناخبين الأميركيين لا سيما النساء، أبدى ترمب أخيراً مرونة تجاه الإجهاض، وفي حين يعارض نائبه فانس بشدة الإجهاض في كل الحالات، لكن حملة ترمب قالت أخيراً إن فانس يؤيد الاستثناءات "المعقولة" مثل الحمل نتيجة الاغتصاب وزنا المحارم وفي حال كان الحمل يشكل تهديداً على صحة الأم.
وفي ما يتعلق بالمهاجرين، تظهر الاستطلاعات أن الكاثوليك منقسمين بشدة حول هذه القضية، فوفق استطلاع أجراه مركز الأبحاث التطبيقية الرسولية (CARA) في ديسمبر (كانون الأول) 2023 وشمل 1342 شخصاً كاثوليكياً، قال 43 في المئة إن مستويات الهجرة الحالية يجب أن تنخفض، مقارنة بـ23 في المئة رأوا أن مستويات الهجرة يجب أن تزيد و34 في المئة أعربوا عن اعتقادهم بأنها يجب أن تظل كما هي الآن. ومع ذلك، بالعودة إلى استطلاعات 2020، أظهر معهد "بيو" أن 91 في المئة من الكاثوليك الديمقراطيين يعارضون توسيع الحائط الذي شرع ترمب في بنائه على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة لمنع تسلل المهاجرين، بينما يؤيده 81 في المئة من الكاثوليك الجمهوريين، مما يشير إلى أن القضية أيضاً محل استقطاب سياسي وليس ديني.