ملخص
يضع رئيس الحكومة الإسرائيلية موعدين حاسمين لأي قرار قد يتخذه في شأن الحرب على لبنان، وفق ما يرى أكثر من مسؤول أمني وسياسي، الأول بعد انتخابات الرئاسة الأميركية في الخامس من نوفمبر المقبل لأسباب عدة.
بتفاعل الأحداث في غضون 48 ساعة، منذ إطلاق الصاروخ الباليستي من اليمن نحو تل أبيب في قلب إسرائيل، وحتى زيارة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط آموس هوكشتاين، وجد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو نفسه أمام جبهة معارضة واسعة لكنها متشعبة ومتناقضة الأهداف، داخل الكابينت المصغر وحكومته والمؤسسة العسكرية والشارع من جهة، وجهات واسعة من الأمنيين والعسكريين في الاحتياط من جهته أخرى.
ارتفعت حدة المعارضة بعد إعلان نتنياهو للمرة الأولى أنه لن يسمح باستمرار الوضع في الشمال تجاه لبنان، لكنه، في الوقت نفسه لم يتخذ إجراءات فورية تجاه ذلك بل أجل اجتماع الكابينت المصغر الذي كان سيقرر إذا سيتم إدراج الجبهة الشمالية إلى أهداف الحرب، بذريعة انتظار ما سيتمخض عن زيارة هوكشتاين، الذي وصل إلى تل أبيب، اليوم الإثنين، لبحث تطورات الوضع تجاه لبنان عسكرياً ودبلوماسياً.
نتنياهو أبقى خطواته في مجمل جبهات حرب غزة على نيران هادئة وسط فقدان الأمل في أي تقدم في صفقة الأسرى وتراجع احتمالات التوصل إلى تسوية سلمية مع لبنان تمنع حرباً في الجبهة الشمالية لكن كافة السيناريوهات تحذر من اتساع المعارك إلى حرب إقليمية. أما سقوط الصاروخ الباليستي أمس الأحد وسط تل أبيب من دون إمكانية إسقاطه من منظومات الدفاع العديدة التي استخدمت، فأشعل الضوء الأحمر أمام الأجهزة الأمنية وقيادة الجيش من خطر أن تجد إسرائيل نفسها أمام حرب من سبع جبهات في حال قررت شن حرب على لبنان.
لا موازنة ولا قرار قبل مطلع 2025
جبهة الخلاف التي يواجهها نتنياهو تأتي من مختلف الجهات الداخلية لحكومته والخارجية في المجتمع وأيضاً في واشنطن. لكن الخلاف الأبرز في هذه الأيام يتزايد بينه وبين وزير الدفاع يوآف غالانت، وهو خلاف أدخل وضع الجبهة الشمالية تجاه لبنان ومستقبلها في ضبابية، سواء اتخذت الحكومة قراراً بشن حرب على لبنان، أو بعودة السكان النازحين الذين يراوح عددهم ما بين 80 ألفاً و100 ألف إسرائيلي، كما وعدهم المسؤولون السياسيون والعسكريون.
غالانت الذي أعرب عن موقفه خلال جولته الأخيرة في منطقة الشمال دعا مراراً إلى نقل مركز الثقل إلى الشمال وحث الوحدات العسكرية والجنود على الاستعداد لاحتمال القتال في معركة برية متكاملة من جميع جوانبها، بل لم يكتف بذلك واستبق وصول هوكشتاين، اليوم، بموقف رافض لتسوية سلمية نقله عبر محادثة مع نظيره الأميركي لويد أوستن، ناقشا فيها التقدم في المحادثات الدبلوماسية التي يجريها هوكشتاين.
وزير الدفاع الإسرائيلي تحدث عن أن احتمال التوصل إلى تسوية سليمة في الشمال بات شبه مفقود. وبحسب مكتبه فإن إسرائيل ملتزمة بإعادة سكان الشمال إلى بيوتهم وهذا سيتم فقط بعد تغيير الوضع الأمني في المنطقة، الذي لن يتم إلا بتراجع "حزب الله" 10 كيلومترات في الأقل عن الحدود.
وخلال محادثته مع أوستن، قال غالانت "حتى وإن اتسعت الحرب في الجبهة الشمالية فإن إسرائيل لن تتوقف عن جهودها للتوصل إلى صفقة وستواصل العمل على تفكيك (حماس) وإعادة المختطفين الذين تحتجزهم الحركة في قطاع غزة بكل الطرق".
المواقف التي يطرحها غالانت لا يتوافق بها مع نتنياهو. فبالنسبة إلى الحرب على لبنان، لا يستعجل نتنياهو في اتخاذ أي قرار لأسباب عدة في مركزها الحفاظ على ائتلاف حكومته ومستقبله السياسي، بل إن رئيس الوزراء وافق على عدم توفير بند في موازنة 2024-2025 للجبهة الشمالية.
وكشف مفوض الموازنات في وزارة المالية الإسرائيلية يوغاف غردوس، خلال إحدى جلسات الكنيست، أنه لم تتم خصخصة موازنة حتى لإمكانية تصعيد متزايد في الشمال. وقال "لا يوجد أي مبلغ لحرب في هذه المنطقة، والواضح وفق التقارير المعروضة من مختلف الجهات أنه إذا ما اندلعت الحرب ستكون قاسية ومن الصعب تحديد قوتها وفترتها الزمنية ولكن من الواضح أنها ستكون لها تداعيات اقتصادية كبيرة جداً بسبب العجز المالي والمشكلات في تعويض النازحين ولأسباب عدة الشمال غير موجود في الموازنة".
لعبة حرب
يضع رئيس الحكومة الإسرائيلية موعدين حاسمين لأي قرار قد يتخذه في شأن الحرب على لبنان، وفق ما يرى أكثر من مسؤول أمني وسياسي، الأول بعد انتخابات الرئاسة الأميركية في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل لأسباب عدة في مركزها ضرورة موافقة واشنطن على أي قرار مماثل، كما أن نتنياهو الذي يأمل عودة دونالد ترمب إلى رئاسة الولايات المتحدة، يتوقع أن يسانده في خطواته السياسية والعسكرية في المنطقة. أما الموعد الثاني، الذي يربطه نتنياهو بحرب على لبنان فهو مطلع ديسمبر (كانون الأول) المقبل حيث سيدلي بشهادته في محاكمته الجنائية إسرائيلياً.
هذان الحدثان المهمان لنتنياهو يدفعانه إلى حسم موقفه تجاه الحرب في لبنان وهو ما يعارضه حتى وزراء حكومته في الائتلاف إلى جانب غالانت، الذين يريدون حرباً فورية، وكذلك سكان الشمال الذين لا أفق لموعد قريب لعودتهم إلى بيوتهم وضمان أمنهم. أما عائلات الأسرى فالأسهم الموجهة من قبلهم إلى نتنياهو تأتي للضغط عليه لعدم شن حرب على لبنان لكنهم في الوقت نفسه يعارضونه في كل قراراته المتعلقة بغزة، خصوصاً ما يتعلق بالبقاء في محور فيلادلفي وعرقلته لصفقة الأسرى، وهم يخشون أيضاً أي تصعيد في الشمال يهدد حياة من تبقى من الأسرى أحياء في غزة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الحالين، أمام نتنياهو ما لا يقل عن ثلاثة أشهر حتى يتخذ قراراً حاسماً. ومن ناحية واشنطن، ووفق ما تعكسه زيارة هوكشتاين إلى تل أبيب فإنها غير معنية بتصعيد على الجبهة الشمالية وتكثف جهودها للتوصل إلى تسوية سلمية. هذا الموقف يعني أن أميركا لن تدعم إسرائيل في أية حرب تشنها على لبنان، وفي الوقت نفسه إسرائيل غير قادرة على حرب مثل هذه من دون الدعم الأميركي، ليس فقط من ناحية الأسلحة حيث مخازن سلاح الجيش الإسرائيلي، شبه فارغة، إنما أيضاً حاجة أن توفر لها منظومة دفاع جوية إزاء سيناريو اتساع الحرب إلى عدة جبهات تشارك فيها إيران وتتعرض إسرائيل إلى صواريخ بعيدة المدى ودقيقة وأخرى باليستية مثل الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون، أمس، ولم تنجح منظومتا "حيتس -2" بكلفة 1.5 مليون دولار لكل واحدة ومنظومة "مقلاع داوود" وقيمتها 700 ألف دولار في إسقاطه، وفق التحقيقات الأولية لسلاح الجو.
وتبين أن إحدى منظومتي "حيتس" أصابت طرف الصاروخ فقط. وبمثل هذا الوضع، كما أكد أكثر من مسؤول أمني ومحلل عسكري، فإن إسرائيل مضطرة قبل أن تخوض حرباً ضد لبنان إلى تجنيد تحالف في المنطقة لتشكل منظومة دفاع جوي لها، وهذا التحالف تقوده الولايات المتحدة. وإزاء هذه التقديرات، فإن نتنياهو ينتظر الانتخابات وهو يأمل فوز ترمب لضمان دعمه.
موعد الانتخابات الأميركية يأتي قبل شهر من جلسة سماع شهادة نتنياهو في محاكمته، التي ستعقد في الثاني من ديسمبر المقبل، المتهم فيها بالفساد والرشوة التي وفق القانون إذا ما دين فيها فسيدخل إلى السجن لأعوام. فنتنياهو يريد عقد هذه الجلسة وسط أجواء حربية خطرة تندلع في لبنان واحتمالات توسعها كبيرة وبهذه الحال ستكون الأجواء مريحة لطلب تأجيل جلسة المحاكمة.
الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية، عاموس يدلين، يرى أن نتنياهو سيواصل اتخاذ قراراته وفق التطورات السياسية وما يضمن له الوصول إلى محاكمته ومعرفة الرئيس المقبل للولايات المتحدة، من دون خطوات تمس بمصلحته الشخصية.
ونبه يدلين إلى أن حرباً على لبنان "ستكون معقدة وخطرها كبير جداً وتتطلب أولاً وقبل كل شرعية. شرعية دولية لتنفيذها ودعماً أميركياً لضمان تزويد الجيش بمختلف أنواع الأسلحة التي يحتاج إليها، وهذا بحد ذاته يتطلب وقتاً من الزمن".
إلى جانب كل هذا فإن حرباً على لبنان، ووفق ما سبق وذكر غالانت، تتطلب نقل وحدات عسكرية من غزة إلى الشمال، وهذا ما يرفضه نتنياهو الذي يبقي تحقيق هدف القضاء على "حماس" في أولوية أهدافه، مما يتطلب مزيداً من القتال وإبقاء الجيش في غزة.
من جهته، يرى الرئيس السابق لشعبة العمليات في الجيش، يسرائيل زيف، أن نتنياهو يبلور لعبة حرب خاصة به، ويقول "رئيس الحكومة نتنياهو الذي لا يهتم إلا بالاعتبارات السياسية والشخصية، يبني لعبته الحربية الخاصة، التي تحاول ربط جدول بقائه بالحرب التي تخدمه وفي حين لم ترفع قصة فيلادلفي من شعبيته، اتضح أن الإسرائيليين ليسوا في عجلة من أمرهم لشراء قصص مفبركة، وفي هذه الحال ومن أجل مواصلة الحرب التي تخدمه، قد نرى العملية البرية في لبنان مقبلة بعد أشهر".
ومثل غيره من الأمنيين والسياسيين يحذر زيف من توغل بري في لبنان من دون أن تضع إسرائيل إستراتيجية خروج، ليس فقط لحرب لبنان إنما في غزة أيضاً بما يعقد الوضع أكثر مما هو عليه، ويزيد من إطلاق النار. وكما حصل في رفح ومناطق أخرى في غزة فإن غياب قدرة حكومة ضعيفة على اتخاذ قرارات حاسمة، ستبقى إسرائيل عالقة في لبنان أيضاً أي عالقة في ساحتين عملياً في وقت واحد مع ثمن كبير من التآكل، مما يجهد الجيش بطريقة لن يكون قادراً على تركيز الجهود في أي مكان وسيترك الساحات الأخرى في خطر كبير.
الجنرال احتياط، إسحق بريك، الذي شغل مناصب عدة في سلاح البر حذر من تهديدات الحرب البرية على لبنان، معتبراً أن إطلاق الصاروخ الباليستي من اليمن يعد تحدياً خطراً لإسرائيل ويعكس جانباً بسيطاً من صورة لحرب تتسع في حال ضرب لبنان.
وقال بريك، "الجيش الإسرائيلي لم ينجح في القضاء على )حماس( بالتأكيد لن ينجح في القضاء على )حزب الله(، الذي قوته أكبر بمئات الأضعاف من الحركة الفلسطينية بسبب أن القيادة العليا في الجيش الإسرائيلي قلصت الجيش البري 66 في المئة من قوته التي كانت قبل 20 عاماً ويعني هذا أنه لا توجد قوات لإبقائها فترة طويلة في المناطق التي احتلها الجيش ولا توجد قوات لاستبدال القوات المقاتلة".
ورأى أن المشكلة الرئيسة في العملية البرية ضد "حزب الله" أنها يمكن أن تؤدي إلى حرب متعددة الساحات، "سيتم فيها إطلاق آلاف الصواريخ والقذائف والمسيرات نحو الجبهة الداخلية، وستندلع حرب على جبهات عدة مع احتمال اختراق قوات تؤيد إيران لحدود الأردن واستمرار القتال في قطاع غزة. تقريباً جميع القوات البرية سيتم تركيزها في الشمال من أجل محاربة (حزب الله) ولن تبقى أية قوات للدفاع في القطاعات الأخرى. الجيش الإسرائيلي سيتم عرضه في العالم جيشاً ليس له عمود فقري أو قدرات".
وشدد على أن "سكان الشمال لن يعودوا إلى بيوتهم بسرعة، في نهاية المطاف وستنتهي هذه الحرب باتفاق خطوطه تم وضعها سابقاً. لذلك، يجب التوصل إلى اتفاق الآن".
هذا الحديث جاء بالتزامن مع الجلسات التي يعقدها هوكشتاين مع المسؤولين الإسرائيليين ويطرح فيها مقترحاً يركز على إعادة رسم الحدود البرية مع لبنان على أن يكون الخط هو مكان الخيمة التي سبق ووضعها "حزب الله" في المنطقة الحدودية مع إسرائيل، وضمن المقترحات تعديلات في الغجر ومزارع شبعا.
الكابينت المصغر والحكومة الإسرائيلية سيعودان ويبحثان ما سيتمخض من اجتماعات هوكشتاين ولكن، حالياً، الرد الإسرائيلي واضح من الرسالة التي نقلها غالانت إلى واشنطن، عبر نظيره أوستن، أن ما تتضمنه اقتراحات التسوية السلمية مرفوض من تل أبيب.
في خضم هذه المواقف المتناقضة والصراعات الداخلية وخطط نتنياهو للتقدم في خطوات وفق ما يخطط لها، يستعد رئيس الحكومة إلى خطوات قريبة لإقالة يوآف غالانت من منصبه والمرشح لتولي وزارة الدفاع هو جدعون ساعر.