Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معارك ضارية ونزوح جديد في السودان وألمانيا على خط التفاوض

"الخارجية" تهاجم العقوبات الأوروبية والجيش يواصل "التسليح الشعبي" وحميدتي يلتزم توصيل المساعدات

جنود سودانيون وشباب ملتحقون يقودون شاحنة صغيرة مزودة بمدفع رشاش في أحد شوارع مدينة القضارف (أ ف ب)

ملخص

أدى القصف المتبادل إلى مقتل اثنين وإصابة العشرات من المدنيين غرب كردفان

في وقت يسود هدوء حذر في معظم محاور القتال بين الجيش وقوات "الدعم السريع" داخل العاصمة السودانية، وتجددت آمال العودة لمنبر جدة التفاوضي عبر اتصالات دولية وإقليمية لكسر الجمود السياسي، شنت قوات "الدعم السريع" أمس، هجوماً شاملاً على مدينة بابنوسة غرب كردفان وفرضت حصاراً من جميع الاتجاهات على مقر الفرقة (22) للجيش داخل المدينة.

وبدأت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، اليوم الأربعاء، زيارة إلى شرق أفريقيا، حيث ستسعى إلى الدفع باتجاه فرض عقوبات على الطرفين المتحاربين في السودان ومحاسبتهما لإرغامهما على التفاوض من أجل السلام.

خلال رحلة تستغرق أياماً عدة ستزور بيربوك جنوب السودان وكينيا وجيبوتي، حيث ستناقش أيضاً سبل حماية سفن الشحن في البحر الأحمر من هجمات المتمردين الحوثيين في اليمن.

منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023 أدت الحرب في السودان بين الجيش تحت قيادة الجيش عبدالفتاح البرهان ونائبه السابق قائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، إلى مقتل أكثر من 13 ألف شخص وتشريد 7.5 مليون.

وقالت بيربوك إن الصور الآتية من دارفور أعادت ذكريات قاتمة عن "الإبادة الجماعية" التي وقعت قبل 20 عاماً. وأضافت في بيان الأربعاء قبل رحلتها "بالتعاون مع شركائي في جيبوتي وكينيا وجنوب السودان، سأستكشف إمكانات جلب الجنرالين البرهان وحميدتي إلى طاولة المفاوضات حتى لا يجرا السودانيين عميقاً في الهاوية ويمعنا في زعزعة استقرار المنطقة". وأضافت "بالنسبة إليَّ من الواضح أنه يتعين علينا زيادة الضغط على الجانبين من خلال العقوبات ومحاسبتهما على انتهاكاتهما في حق السكان المدنيين والتأثير في مؤيديهما في الخارج".

لم تسفر محاولات الوساطة السابقة إلا عن هدنة قصيرة انتهكها الطرفان.

وإلى جانب المحادثات السياسية، ستجتمع بيربوك مع ممثلين عن المجتمع المدني في السودان. وقالت إن "السودان لن يحظى بسلام طويل الأمد إلا مع حكومة ديمقراطية مدنية"، مشددة على أن النزاع لا ينبغي أن يصير "أزمة منسية".

رفضت الحكومة السودانية المتحالفة مع الجيش هذا الشهر دعوة إلى حضور قمة شرق أفريقيا التي نظمتها هيئة التنمية في شرق أفريقيا (إيغاد)، ثم علقت عضويتها في المجموعة بسبب تواصلها مع دقلو.

اتهم الجانبان المتحاربان بارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك القصف العشوائي للمناطق السكنية والتعذيب والاحتجاز التعسفي للمدنيين.

"صعب للغاية"

وقالت وزيرة التنمية الدولية النرويجية آن بيث تفينريم إن احتمال تحقيق السلام في السودان بعيد فيما يبدو، مع صعوبة تحديد خطوة تالية ملموسة نحو إنهاء الحرب بين قوات الدعم السريع شبه العسكرية والجيش السوداني.

والنرويج جزء من مجموعة "الترويكا" مع الولايات المتحدة وبريطانيا التي تسعى لتوجيه السياسة الغربية بشأن السودان.

وكانت النرويج تحاول، مثل غيرها، تعزيز المفاوضات، من خلال أمور منها مؤتمر إنساني بخصوص السودان عقد في القاهرة في نوفمبر (تشرين الثاني)، حسبما قالت وزيرة التنمية الدولية النرويجية مضيفة "تمكنا من إحضار بعض المنظمات وبعض الأصوات من السودان إلى مصر لبحث سبل المضي قدماً، لكن تحديد الخطوات التالية الملموسة نحو السلام أمر صعب حقاً" ،وتابعت أنه يتعين على الأطراف وقف العنف و"فتح مجال سياسي يمكننا من خلاله مساعدتهم على بدء الحوار"، وأوضحت أن النرويج، باعتبارها عضواً في الترويكا، تشعر بالتزام على نحو خاص بالمساعدة حيثما أمكنها ذلك.

معارك شرسة

وقال شهود عيان إن معارك واشتباكات شرسة بالأسلحة الثقيلة دارت بين فرقة الجيش والقوات المهاجمة، وأدى القصف المتبادل إلى مقتل اثنين وإصابة العشرات من المدنيين، بينما شهدت المدينة موجة كبيرة من النزوح باتجاه القرى المجاورة والمناطق الخلوية.

وأوضحت مصادر أن الجيش تصدى لمحاولة اجتياح المدينة، وشن سلاح الطيران غارات جوية مكثفة على مواقع ومتحركات "الدعم السريع" محدثاً فيها خسائر كبيرة في العتاد والأرواح.

وفي ما ساد الهدوء الحذر بعض مناطق شرق وجنوب الخرطوم وشرق النيل بالعاصمة السودانية، عادت المواجهات الشرسة وسط مدينة أم درمان القديمة، بخاصة في منطقة السوق والأحياء المجاورة لها، كما تابع الطيران المسير استهدافه مواقع قوات "الدعم السريع".

وفي شمال أم درمان شن الجيش من قاعدته العسكرية في وادي سيدنا، هجمات مدفعية عنيفة شمال أم درمان استهدفت مواقع وتمركزات لـ"الدعم السريع" في وسط المدينة.

استعراض وانتهاكات

أما في محور الوسط فأكدت مصادر ولائية أن الطيران الحربي واصل تحليقه في سماء الجزيرة، متعقباً تحركات ومواقع العدو في مدينة ود مدني وبعض مدن وقرى الولاية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأفاد شهود عيان أن قوات "الدعم السريع" كثفت من مظاهر وجودها العسكري، وأجرت استعراضاً بدوريات جوالة مزودة بأسلحة ثقيلة وسط مدينة ود مدني.

وأوضح مواطنون أن مجموعات من تلك القوات هاجمت قرية هجيليج المجاورة لمصنع سكر الجنيد شرق الجزيرة، مما أدى إلى سقوط قتيلين وجرح ثمانية من المواطنين.

وذكر بيان للجان مقاومة مدينة الحصاحيصا، أن الميليشيات ما زالت تواصل انتهاكاتها ضد المدنيين، وحاصرت بسياراتها المقاتلة الأحياء الغربية للمدينة، اقتحمت البيوت وأثارت الرعب والهلع بإطلاق الرصاص في الهواء، ونهبت مقتنياتهم وأموالهم تحت التهديد بالسلاح.

في ولاية سنار، حذرت المصادر، من تحركات وخطط للميليشيات في الهجوم على مدينة سنار بالزحف نحو منطقة شاقورة ومواصلة تحركها وتمركزها في منطقة الكبري 40 غرب الولاية.

المقاومة الشعبية

في الأثناء تتواصل في مختلف الولايات التي يسيطر عليها الجيش، عمليات الاستنفار وتسليح الشعبي (المقاومة الشعبية المسلحة) تحت إشراف اللجان العليا للاستنفار برئاسة ولاة الولايات، واكتملت منظومتها بتشكيل ولاية الخرطوم، أمس، لجنتها العليا للمقاومة الشعبية والاستنفار.

وكشف اللواء ركن الهادي سلمان، رئيس المقاومة الشعبية بولايتي نهر النيل والشمالية، "تكوين مجموعة من قوات العمل الخاص القتالية للعمل تحت إمرة الجيش، تم تدريبهم وتأهيلهم وهم جاهزون للدفاع عن عرضهم وأهلهم وجميع الشعب السوداني".

 

 

وكشفت مفوضية العون الإنساني بغرب كردفان، أن عدد النازحين بالولاية بلغ نحو 28548 أسرة، يعيشون أوضاعاً إنسانية سيئة ويحتاجون إلى تدخلات عاجلة في الجانب الغذائي والإيواء وأنشطة الحماية وسبل لكسب العيش.

وأوضحت المفوضية أنها تواجه صعوبة بالغة في إيصال المساعدات الإنسانية إلى الولاية بسبب الحرب، وفشلت مساعي تحويل المساعدات الإنسانية إلى نقد، بسبب تحديات عدم استقرار عمل البنوك وخروج معظمها عن الخدمة بالولاية.

دارفور تبحث التعايش

في الأثناء تستعد مدينة الفاشر عاصمة الإقليم وولاية شمال دارفور لاستضافة ملتقى قبائل دارفور لإسناد الجيش وحركات السلام المسلحة خلال الأيام المقبلة، تحت رعاية حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي.

ويهدف الملتقى بحسب نور الدين محمد رحمة، مسؤول التنظيم، لنبذ العنف ورتق النسيج الاجتماعي والتعايش السلمي والخروج بوثيقة عهد وميثاق لنبذ العنف وحماية المدنيين، بمشاركة جميع مكونات الإقليم بمختلف أرجاء البلاد.

اتصالات لعودة التفاوض

سياسياً كشفت مصادر دبلوماسية مقربة، أن فريق الوساطة السعودية المشتركة، شرع في إجراء اتصالات بهدف استئناف جولات تفاوض منبر جدة بين الجيش و"الدعم السريع" من جديد.

وبحسب المصادر، فقد أكدت الوساطة للطرفين ضرورة العودة للانخراط مجدداً ومواصلة التفاوض والحوار لإنهاء الصراع في السودان، لا سيما وأنهما توصلا في ما سبق من جولات إلى تفاهمات إيجابية تستحق استكمالها، مشيرة إلى بدء فريق الاتحاد الأفريقي الثلاثي اتصالاته وتحركاته لكسر الجمود السياسي وعودة الطرفين إلى مائدة التفاوض.

تسهيلات إنسانية

أممياً بحث الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد "الدعم السريع" مع وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق إغاثة الطوارئ مارتن غريفيث، قضية إيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين في السودان.

أكد حميدتي، على حسابه بمنصة "إكس"، أنه ناقش هاتفياً مع غريفيث، تسهيل دخول قوافل المساعدات عبر ولاية الجزيرة إلى ولايات كردفان ودارفور والنيل الأبيض والخرطوم، أو أي مناطق أخرى في السودان.

وأشار دقلو، إلى أن الاتصال ناقش كذلك أهمية الوجود المستديم للمنظمات الإنسانية في كل من كردفان ودارفور لحاجتها الملحة للعمليات الإنسانية في تلك المناطق، مبيناً أنه أكد التزام قواته القانون الدولي الإنساني وتوفير الحماية للمدنيين والتعاون مع المنظمات الإنسانية.

روتو يرحب

إقليمياً رحب الرئيس الكيني ويليام روتو، بإعلان حركة تحرير السودان (عبدالواحد محمد نور) غير الموقعة على السلام، التزامها دعم خريطة الطريق الإقليمية التي وضعتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) لاستعادة السلام والأمن في السودان.

وكان روتو بحث بالعاصمة الكينية نيروبي، أمس، مع عبدالواحد محمد نور، رئيس الحركة، الجهود الإقليمية الرامية إلى إنهاء الحرب ودعم المسار نحو الحكم السياسي المدني.

وشدد روتو، في تغريدة على حسابه بمنصة (إكس)، على ضرورة مشاركة جميع الجهات السودانية الفاعلة في الجهود الرامية إلى وقف الحرب وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين ودعم المسار نحو الحكم المدني الديمقراطي.

وأوضح محمد عبدالرحمن الناير، المتحدث باسم الحركة، أن لقاء رئيس الحركة بالرئيس الكيني يأتي ضمن جهودها لوقف الحرب وفتح الممرات الإنسانية لتوصيل لإغاثة للمحتاجين في كل أنحاء البلاد.

الخارجية تهاجم

دبلوماسياً هاجمت وزارة الخارجية السودانية، العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي، وصفتها بأنها "تجسيد صارخ لاختلال المعايير الأخلاقية وافتقاد حس العدالة"، مشيرة إلى أن العقوبات ضد المؤسسات الوطنية لا تساعد على عملية السلام، وتكافئ المعتدي وتغض الطرف عن انتهاكاته ويستخف بالضحايا.

وأعلن الاتحاد الأوروبي، أمس، فرض عقوبات على ثلاث مؤسسات اقتصادية سودانية وطنية زعم أنها، إلى جانب ثلاث شركات تتبع لميليشيات الجنجويد، مسؤولة عن دعم الأنشطة التي تقوض الاستقرار والانتقال السياسي في السودان.

رفض المساوة

واستنكر بيان الخارجية "مساواة القرار بين الجيش الوطني الذي يدافع عن كرامة الشعب واستقلاله، وميليشيات إرهابية تضم عشرات الآلاف من المرتزقة وترتكب جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والعنف الجنسي والإرهاب، وفق ما أكده تقرير خبراء الأمم المتحدة لمراقبة تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1591".

ودعا البيان الاتحاد الأوروبي إلى "تحمل مسؤولياته السياسية والأخلاقية تجاه السلم الدولي والإقليمي بالضغط على أولئك لوقف تقديم الأسلحة والمرتزقة والتمويل والإسناد الإعلامي للميليشيات الإرهابية، بدلاً من الاختباء خلف ذريعة الحياد بين من يسميهم الطرفين المتحاربين".

على الصعيد ذاته، أشادت منظمة شباب من أجل دارفور (مشاد)، بتقارير الأمم المتحدة الأخيرة التي أكدت ضلوع الميليشيات في أعمال العنف والتصفية العرقية، وارتكاب جرائم الإبادة الجماعية بمقتل نحو 15 ألف شخص من المدنيين في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور، مطالبة المجتمع الدولي بتقديم مرتكبيها لمحاكمات دولية عادلة وتصنيفها منظمة إرهابية.

ودعت المنظمة في تعميم صحافي، إلى التنسيق والتعاون مع الهيئات والمنظمات الوطنية لجمع وتوثيق الاعترافات وتضمينها في تقارير متكاملة يعتمد عليها في اتخاذ الإجراءات القانونية ضد جرائم الميليشيات.

ولفتت "مشاد" إلى أن مطالبتها بإجراء تلك التحقيقات يأتي من منطلق حرصها على تحقيق العدالة لضحايا انتهاكات "الدعم السريع" المتمثلة في القتل الممنهج على أساس عرقي، والاغتصابات، والنهب، وتدمير المؤسسات الخدمية في السودان.

تعميق المعاناة

اقتصادياً انتقد المحلل والمتخصص في الشأن الاقتصادي محمد الناير، زيادة وزارة المالية والاقتصاد سعر الدولار الجمركي بنسبة تقارب 42 في المئة من 650 إلى 950 جنيهاً (الدولار الموازي يعادل 1120 جنيهاً). واعتبر أن القرار غير مدروس وسيؤدي إلى تعميق الأزمة الاقتصادية بالبلاد ومضاعفة معاناة السودانيين الذين يعانون أصلاً من وضع معيشي قاس إلى جانب ويلات الحرب.

 

 

وتوقع الناير أن يؤدي القرار إلى زيادة كبيرة في أسعار السلع والخدمات وارتفاع معدلات التضخم في ظل ظروف معقدة ومعاناة متعددة الأوجه يعاني فيها الموظفون من عدم صرف رواتبهم لأشهر عدة بينما فقد آخرون وظائفهم.

ونوه المتخصص في الشأن الاقتصادي إلى أن هناك بدائل عدة كان يمكن اللجوء إليها لزيادة الإيرادات من خلال التوسع الأفقي بدلاً من الرأسي في الرسوم والجبايات، مبيناً أنه كان من الممكن رفع الدولار الجمركي مع تخفيض الفئة الجمركية بحيث لا تتأثر أسعار السلع الأساسية.

ولفت الناير، إلى أن القرار بطريقته الراهنة قد يتسبب في تقليص الواردات من ثم تدني الإيرادات بدلاً من رفعها، فضلاً عن شح وندرة السلع، مما سيكون له انعكاساته السالبة على الوضع الاقتصادي المتدني وحياة الناس معاً.

مقاطعة الورشة

إلى ذلك أعلن كل من الجيش والحركات المسلحة الموقعة على السلام عدم المشاركة في ورشة حول الوضع في دارفور تنظمها منظمة "بروميديشن" الفرنسية، وكان من المفترض أن تنعقد بالقاهرة، أمس، وتضم ممثلين للجيش وحركات سلام دارفور وقوات "الدعم السريع".

وأوضح الناطق الرسمي للجيش، أنه غير معني بالورشة ولم يتلق أي دعوة إلى المشاركة، بينما أعلنت حركتا "العدل والمساواة" بقيادة جبريل إبراهيم، و"تحرير السودان" بقيادة مصطفى تمبور مقاطعتهما للورشة.

ووصف تمبور الورشة بأنها امتداد طبيعي لـ"ملتقى توغو" الذي جمع أبناء دارفور المتماهين مع تمرد الجنجويد، واصفاً الجلوس مع "الدعم السريع" بأنه خيانة للضحايا وحلقة جديدة من حلقات التآمر على السودان وشعبه.

المزيد من تقارير