ملخص
هل تتجه منطقة البحر الأحمر نحو حرب إقليمية؟
دعت اللجنة التنفيذية لحزب "الازدهار" الحاكم في إثيوبيا إلى اجتماع طارئ برئاسة رئيس الوزراء آبي أحمد لبحث آخر التطورات والأوضاع الراهنة على خلفية تلويح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بأن القاهرة لن تسمح بأي تهديد للصومال وأمنه، ملوحاً بإمكانية التدخل للدفاع عن الصومال "ضد أي تهديد حال طلبت مقديشو ذلك"، وذلك في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الصومالي حسن شيخ محمود بالقاهرة.
وتطور الخلاف بين الصومال وإثيوبيا على خلفية توقيع أديس أبابا على مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال (صوماليلاند)، تحصل بموجبه على ميناء تجاري وقاعدة عسكرية بخليج عدن.
وقال مصدر بارز من حزب "الازدهار" إن الاجتماع سيدرس تصريحات الرئيس المصري إلى جانب مناقشة عن القضايا الحزبية والوطنية. وأشار المصدر إلى أن "البلاد تواجه تحديات داخلية وخارجية، بخاصة بعد إعلان خطتها للوصول إلى منفذ بحري في خليج عدن"، مضيفاً أن "الاضطرابات الراهنة في منطقة حوض البحر الأحمر والقرن الأفريقي تمثل تحدياً جديداً للأمن القومي الإثيوبي، مما يفرض على الحكومة إيلاء أهمية خاصة لهذه التطورات، بما يخدم مصالح نحو 100 مليون إثيوبي، وضرورة التحلي باليقظة والجاهزية على المستويين السياسي والاستراتيجي"، مؤكداً أن "اجتماع الهيئة التنفيذية للحرب الحاكم يأتي في ظرف دقيق تمر به أديس أبابا والمنطقة عموماً، جراء هذه التحديات الإقليمية".
من جانب آخر، قال رئيس أركان الجيش الإثيوبي المشير برهانو جولا إن "القوات البحرية التي بدأ بناؤها قبل 5 سنوات، أصبحت اليوم جاهزة وقادرة على القيام بواجباتها على أي مسطح مائي"، وإنها "قادرة على رد أي عدوان"، داعياً "أفراد القوات البحرية إلى اتباع المبادئ الدولية المتعلقة بقضايا السلامة والقوانين البحرية الدولية عند مباشرة مهماتهم". وأضاف أنه "يجب على القوات البحرية أن تنفذ مهامها بكل تصميم، كقوة توفر قدرات إضافية للجيش الإثيوبي"، لافتاً إلى أن "تحديث البحرية الإثيوبية، قبل 5 سنوات، هدف بالأساس إلى القيام بأعمال مهمة تعد من جوهر الأمن القومي الإثيوبي".
بدوره أوضح قائد البحرية الإثيوبية العميد بحري ناصر أن "أفراد القوات البحرية الإثيوبية حصلوا على تدريب متقدم في المجالات الدفاعية والملاحية والهندسة والاتصالات والمهن العسكرية في الداخل والخارج". وأضاف أن "بناء قوة بحرية لإثيوبيا يمثل هدفاً استراتيجياً للدولة في ظل التحديات التي يشهدها الإقليم".
وكانت أديس أبابا قد أعلنت في نهايات عام 2019 خطتها لبناء قوات بحرية، على رغم أنها "دولة حبيسة"، كخطة مسبقة لمشروعها الذي أعلن عنه رئيس وزرائها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي والمتعلق بتوفير منفذ بحري.
من جهة أخرى، شارك الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، أمس الثلاثاء، في حفل تخريج دفعة من طلاب الأكاديمية الجوية القطرية في الدوحة، بصحبة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
وأفادت وكالة الأنباء الصومالية "صونا" بأن الحفل شهد تخرج مسؤولين في القوات الجوية الصومالية ظلوا يتابعون دراساتهم العسكرية في الدوحة.
وكان شيخ محمود قد وصل إلى العاصمة القطرية الإثنين في زيارة عمل، يلتقي خلالها عدداً من المسؤولين القطريين، بغرض إطلاعهم على التطورات الأخيرة في الصومال والإقليم، لا سيما بعد التوترات الناتجة من توقيع مذكرة التفاهم بين أديس أبابا وهرجيسا (عاصمة إقليم أرض الصومال)، وعلى هامش الزيارة جدد الرئيس الصومالي لوسائل الإعلام القطرية، رفض حكومته مساعي التوسط بين بلاده وإثيوبيا، معتبراً أن "الحل الوحيد للأزمة المستجدة هو تراجع أديس أبابا عن مذكرة التفاهم غير القانونية التي وقعت مع مسؤولي إقليم أرض الصومال".
هل ثمة حرب في الأفق؟
بدوره رأى الباحث في الشأن الإثيوبي حزقائيل بيكلي أن حكومة أديس أبابا تواجه أكبر تحدٍ خارجي منذ وصول آبي أحمد إلى الحكم في عام 2018.
ويقدر أن ذلك عائد لكونها "لجأت إلى أقصر الطرق للوصول إلى توفير منفذ بحري للبلاد الحبيسة منذ ثلاثة عقود، وذلك من خلال تجاوز الكوابح السياسية والدبلوماسية والقانونية، عبر توقيعها اتفاقاً مع طرف غير معترف به دولياً".
وصرح الباحث الإثيوبي بأن "حكومة آبي أحمد تبدو في عجلة من أمرها، لتحقيق حلم الإثيوبيين في إيجاد ميناء بحري، وذلك من خلال استغلال الاضطرابات الإقليمية الراهنة في منطقة باب المندب المحاذية لخليج عدن والبحر الأحمر، إذ تقدم نفسها كقوة محورية قادرة على لعب أدوار استراتيجية وأمنية في المنطقة، بخاصة أنها تتمتع بعلاقات متميزة مع القوى الكبرى كالولايات المتحدة، والقوى الغربية الأخرى القلقة في شأن سلامة الملاحة الدولية في هذه المنطقة الحساسة لاقتصاداتها". وأوضح أن "الأدوار التي ترغب أديس أبابا بلعبها لصالح مشروعها التنموي، فضلاً عن تأمين مصالح القوى الغربية، تصطدم مع تحديات قانونية وسياسية، بخاصة ما يتعلق بمبادئ القانون الدولي، الخاص بالحدود الدولية، فضلاً عن البنود المتعلقة بكيفية استفادة الدول الحبيسة، وفقاً لقانون البحار، إذ تشترط ضرورة توقيع اتفاقات قانونية مع الدول الساحلية المجاورة، ووفقاً لهذا التعريف فإن الحكومة الفيدرالية الصومالية، هي الجهة الوحيدة المعنية بتوقيع الاتفاق معها لضمان إطلالة على خليج عدن".
واستبعد حزقائيل أن تلجأ أديس أبابا إلى "إعلان حرب من أجل تحقيق خطتها الطموحة للوصول إلى المنفذ البحري، إذ إن جيشها المثقل بمضاعفات حرب تيغراي، والغارق في معالجة الانفلات الأمني، وتحديات الحركات المسلحة في إقليمي أمهرة وأروميا، لن يكون جاهزاً لفتح جبهة جديدة في الصومال". وأضاف أن "هناك سيناريوهين، الأول أن تحاول أديس أبابا فرض الأمر الواقع من خلال المضي قدماً في تنفيذ مذكرة التفاهم، دون الالتفات للرفض الصومالي ومن خلفه الإقليمي والدولي، وهنا عليها تحمل تبعات هذه الخطوة التي قد تقود إلى حرب جديدة، بين الصومال وإثيوبيا، مع تدخلات إقليمية من بينها ربما مشاركة محدودة لكل من مصر وإريتريا. أما السيناريو الثاني، فهو اللجوء إلى دوائر الضغط الغربية، لإقناع الصومال بقبول مبدأ التفاوض حول مذكرة التفاهم، بما يضمن في نهاية المطاف موافقة مقديشو على تأجير المناطق الساحلية لإثيوبيا لمدة معينة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حسابات داخلية مصرية
وفي تعليقه على تصريحات الرئيس المصري وموقف الحزب الحاكم في إثيوبيا منها، قال الباحث حزقائيل بيكلي إن "القاهرة حشدت كافة قدراتها الدبلوماسية، لإدانة المذكرة، من بينها جامعة الدول العربية التي اتخذت موقفاً مديناً للاتفاق في اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء، من ثم تصريحات الرئيس السيسي أتت في ذات الإطار".
وقرأ حزقائيل التصريحات على أنها "جزء من تداعيات الخلاف المصري - الإثيوبي، بخاصة بعد إعلان القاهرة انسحابها من مسارات التفاوض الخاصة بسد النهضة، من ثم لا تنحصر في الدفاع عن الصومال، بقدر ما ترتبط باستحقاقات السياسة المصرية تجاه إثيوبيا، إذ تشهد علاقات البلدين أزمة حقيقية".
من جانب آخر، يضيف المحلل الإثيوبي، أن "ثمة مصالح جوهرية لمصر في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن، وتحديداً مضيق باب المندب، إذ إن نحو 47 في المئة من حجم البضائع العابرة بقناة السويس، تمر من خلال هذا المضيق، كما تمر نحو 98 في المئة من البضائع والسفن القادمة من جنوب قناة السويس، من خلال باب المندب، من ثم فإن أي حضور لدولة أو قوة، تعدها القاهرة معادية لسياستها في هذه المنطقة يعد تهديداً استراتيجياً لمصر باعتبار أن القناة تمثل شريان حياة للاقتصاد المصري، إذ تبلغ إيراداتها السنوية نحو 10 مليارات دولار. من ثم فإن أي تدخل مصري، سيكون نتيجة حسابات داخلية مصرية تتعلق بتأمين المصالح الجوهرية".
إنذار ما قبل الحرب
من جهته يرى نائب رئيس تحرير صحيفة "الأهرام" المصرية أيمن السيسي أن "إعلان الحرب في هذه المنطقة المضطربة من خلال توقيع مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال، سيكلف ثمناً باهظاً لكل الدول المطلة على البحر الأحمر". ويضيف أن "الأمن الاستراتيجي لمصر يمتد من قناة السويس وحتى مضيق باب المندب، من ثم فإن المشروع الإثيوبي الجديد، فضلاً عن أنه يمثل خرقاً للقانون الدولي فهو يعد تهديداً مباشراً لمصالح مصر، من ثم فإن تصريحات الرئيس المصري تأتي في هذا الإطار، كتحذير للنظام الإثيوبي، بالكف عن العبث بمصالح مصر، قبل انتهاك سيادة الصومال".
ويقرأ أيمن تصريحات بأنها "الإنذار الأخير قبل الدخول في الحرب"، مضيفاً أن "القاهرة ترى أن أي اقتراب لمضيق باب المندب من قبل إثيوبيا، بمثابة إعلان حرب، بخاصة أن ثمة ملفات عالقة بين البلدين، وعلى رأسها ملف سد النهضة". ويوضح أن "الحكومة المصرية تدرك جيداً كلفة الحرب في هذه المنطقة الاستراتيجية بالنسبة إلى مصالحها الحيوية". ويضيف أن "تنفيذ مذكرة التفاهم المبرمة في الأول من يناير (كانون الثاني) الجاري يعني محاولة لتقويض الأمن والسلم في هذه المنطقة"، وأن "الرد المصري سيكون حاسماً في حال تجاهلت أديس أبابا التحذيرات المصرية".
ويربط نائب رئيس تحرير "الأهرام"، "بين المشروع الإثيوبي الأخير للوصول إلى البحر، وبين المشروع الإيراني الذي يحرك أدواته في البحر الأحمر، من خلال عمليات القرصنة واستهداف الملاحة الدولية التي ينفذها الحوثيون في اليمن"، مؤكداً أن "تلك العمليات الاستعراضية وفرت مبررات للقوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة لتشكيل ما يسمى تحالف البحر الأحمر".
ويرى أيمن السيسي أن "عمليات الحوثي التي جلبت القوى الدولية للمنطقة، وكذلك محاولات الوصول الإثيوبي إلى خليج عدن، كلاهما يمثل تهديداً مباشراً للأمن القومي العربي في البحر الأحمر، مما استوجب على الإدارة المصرية اتخاذ خطوات مهمة من بينها توجيه رسائل قوية لتجنيب المنطقة ويلات حرب جديدة". ويضيف أن "هناك شبه تزامن وتلازم بين التحركات الدولية بقيادة واشنطن ضمن ما يسمى تحالف البحر الأحمر، وبين الضوء الأخضر الذي منح لأديس أبابا لتوقيع اتفاق مع جمهورية غير معترف بها دولياً، من أجل الوصول إلى مشارف باب المندب"، مؤكداً "أن كلا المسارين هدفهما معاقبة القاهرة، لرفضها القاطع تهجير سكان قطاع غزة إلى صحراء سيناء، واتخاذها مواقفاً من العدوان الإسرائيلي على غزة".