Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إلزامية تلقيح الأطفال تقضي على الحصبة

بسبب الارتفاع الأخير في حالات الحصبة أطلقت إنجلترا حملة تطعيم ضده: لقد حان الوقت! كنا نقف متفرجين على كارثة صحية وهي تتشكل

يغفل كثيرون أهمية اللقاحات في الطفولة وقد تؤدي عدوى الحصبة الألمانية أثناء الحمل إلى الإجهاض (غيتي)

ملخص

سادت مخاوف معاداة اللقاح طوال القرن التاسع عشر، ويبدو أن الناس معرضون للقدر نفسه من المخاوف غير العقلانية والبدائية والتي لا تمت إلى العلم بصلة

تتكشف أمام أعيننا كارثة على مستوى الصحة العامة، ولكن (على النقيض من "كوفيد") يسعنا أن نتوقع حدوثها. وكان في المستطاع أن نتجنبها بسهولة.

في المملكة المتحدة، صار الارتفاع الكبير في حالات الحصبة تحديداً يبعث على قلق شديد. وعلى نحو يدعو إلى الجزع، ذكرت "وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة" UKHSA أنه في الفترة الممتدة بين يناير (كانون الثاني) ونوفمبر (تشرين الثاني) 2023، سجلت إنجلترا 209 إصابات بالحصبة أكدتها التحاليل المخبرية.

ويبدو أن حالات الحصبة تتركز في لندن ومنطقة ويست ميدلاندز، ولكنها ليست محصورة هناك، مع الإبلاغ عن حالات تفش أخرى في منطقة يوركشاير وهامبر. ولما كان معدل الإصابات مرتفعاً للغاية، فإن هذه الحال يرتقب أن تتفاقم.

وترتبط [الزيادة المقلقة في حالات الحصبة] بشكل مباشر بانخفاض معدلات تلقيح الأطفال ضد الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية (أو ما يسمى اللقاح الثلاثي المشترك MMR  "أم أم آر"). وبدورها، تعزى هذه الحقيقة مباشرة إلى بعض المعلومات المغلوطة القديمة إنما المستمرة حول وجود صلة مفترضة بين هذا اللقاح من جهة، والإصابة بالتوحد من جهة أخرى، و(في الآونة الأخيرة) الحركة المناهضة للقاحات التي سبق أن ألحقت ضرراً كبيراً في ما يتعلق باللقاح المضاد لـ"كوفيد".

إننا إزاء مأساة تتكشف ملامحها، وقد آن أوان اتخاذ الخطوات المناسبة قبل أن تتسبب بمزيد من الضرر: مضاعفات صحية خطرة، وإعاقات دائمة، ووفاة. شأنها شأن "كوفيد"، فإن الحصبة والنكاف والحميراء أو الروبيلا (الحصبة الألمانية) ليست وعكات صحية تافهة.

والكلام عينه ينطبق على الخناق، والتهاب الكبد الوبائي "ب"، والمستدمية النزلية، وشلل الأطفال، والكزاز، والسعال الديكي (الشاهوق)، وفيروس الروتا (الفيروس العجلي)، والتهاب السحايا "ب"، وكلها تتهدد المجتمعات بالظهور مجدداً على وقع التردد في أخذ اللقاحات المضادة المطلوبة المولود من تربة منشورات التخويف على وسائل التواصل الاجتماعي وفبركة المغالطات والأساطير [الاعتقادات الخاطئة]، وتقوض الثقة في العلم. ومن نواحٍ عدة، فإن "الجائحة التالية" التي علينا أن نشعر بقلق شديد حيالها قد بدأت فعلاً، إنه تفشي أوبئة المعتقدات المناهضة للعلوم في بلاد كثيرة.

وفي مثل هذه الظروف، تبدو الأسباب وجيهة لفرض إلزامية التطعيم ضد أمراض الطفولة التي يُحتمل أن تكون قاتلة. لا يمكن أن تكون هذه المسألة رهناً بخيار الوالدين الشخصي البحت، علماً أنه لا بد من أن يعتد به دائماً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وخلاصة القول إنه عندما ترتفع معدلات الإصابة وتتضاعف الحالات، ينطوي قرار عدم تطعيم الطفل على عواقب أوسع كثيراً، لأننا نتحدث عن أمراض شديدة العدوى. ربما يكون طفلك محظوظاً بما فيه الكفاية لينجو من نوبة حصبة أو أمراض أخرى من دون أن يصاب بأذى، ولكن ربما لا ينطبق ذلك على أطفال آخرين يلتقطون العدوى منه.

كذلك لا ننسى أن الأضرار الناجمة عن العدوى تكون شديدة الوطأة على البالغين أيضاً. مثلاً، تؤدي عدوى الحصبة الألمانية أثناء الحمل إلى الإجهاض (فقد الجنين خلال 20 أسبوعاً من الحمل) وولادة الجنين ميتاً (وفاة الجنين بعد 20 أسبوعاً من الحمل). وقبل بلوغهم عامهم الأول، يفارق الحياة نحو 33 في المئة من الأطفال الذين يولدون مصابين بمتلازمة الحصبة الألمانية الخلقية. لذا، لا نملك أن نقف متفرجين، ونسمح لهذا الأزمة بأن تتطور إلى مستويات وبائية.

وحده رفع معدلات التطعيم الشاملة مرة أخرى إلى 95 في المئة فما فوق، يسمح لأطفال هذه الأمة [البريطانية] وللبالغين بأن يختلطوا بعضهم ببعض بأمان ودونما خشية من عواقب تقلب حياتهم إلى الأسوأ. لا بد من استعادة المناعة المتجمعية أو مناعة القطيع إذا كان للحياة أن تسير بصورة طبيعية كالمعتاد. وإذا اضطرت مدرسة إلى إغلاق أبوابها بسبب تفشي مرض، يطال الضرر صغار الجميع في دراستهم وفرصهم في الحياة.

يقع الضرر [العبء] الأكبر على كاهل "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" ("أن أتش أس" NHS). نعم لإعادة العمل بشعار سابق، لقاحات الأطفال تنقذ الأرواح وتحمي "هيئة الخدمات الصحية الوطنية". الظهور المستجد الواسع النطاق لأمراض اعتقدنا أننا قد قضينا عليها تقريباً سيفرض على "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" أعباء وتكاليف مهولة هي في غنى عنها، ولا يجب أن يمولها [يتكبد ثمنها] دافعو الضرائب من جيوبهم الخاصة.

على غرار التدخين، الدولة ملزمة بأن تجد التوازن المطلوب بين المسؤولية الفردية من جهة، ومن جهة أخرى التكاليف، أو "المؤثرات الخارجية" كما يحلو لخبراء الاقتصاد تسميتها [وهي في عالم الاقتصاد التكلفة أو الفائدة التي يتأثر بها طرف لم يختر أن يتكبد تلك التكلفة أو أن يستفيد من هذه الفائدة]، التي يتحملها الآخرون والمجتمع ككل. ربما تكون مستعداً للمخاطرة بوفاة طفلك، ولكن لماذا تفرض هذا الخطر على الآخرين من دون أن تتحمل أي ثمن أو عواقب؟

إنها مسألة توازن. ويبدو أن إخضاع الناس للتطعيم القسري يجافي الصواب، وفي هذه الحالة يصار إلى احتجازهم ومهاجمتهم بالقوة كي يأخذوا اللقاحات. ينطوي هذا السلوك على انتهاك لجسد المرء ليس مقبولاً في أي مجتمع حر.

في الحقيقة، إن المفتاح لجعل التطعيم إلزامياً يتلخص في مواجهة الآباء والأمهات بخيار صعب، من طريق جعل التعليم الحكومي المجاني مشروطاً بخضوع التلاميذ لبعض التطعيمات في أوقات محددة، أو سمها جوازات التطعيم، إذا أردت. كذلك يمكننا تطبيق الشرط عينه على إعانات الأطفال. يبقى للأم والأب ترف الاختيار، ولكن خيار المخاطرة بصحة الآخرين يأتي مصحوباً بعقوبات.

إنه التوازن بين الحقوق، تحديداً الحق في الدراسة، والواجبات، وهي في هذه الحالة عدم تعريض صحة الآخرين وصحة القاصر المعني للخطر. ففي نهاية المطاف، نملك قوانين تحمي الأطفال من سوء المعاملة والضرب، وليست سلطة الوالدين مطلقة أبداً. في الواقع، ليس الطفل قطعة من الممتلكات يسع الوالد أو الوصي معاملتها بالحسنى وإساءة معاملتها كما يحلو له؛ وأي طفل، ما إن يفهم هذه المسألة، لن يشكر أمه وأباه لأنهما تركاه في حال من الجهل إذ رفضا الدعوة إلى تلقي اللقاح.

في المقابل، يتعين على "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" أن تسمح للآباء والأمهات القلقين بأخذ لقاحات الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية، وأن تجعل جميع اللقاحات خالية من أي منتج مشتق من الحيوان، بدلاً من مجرد تقديمها كخيار. علينا أيضاً أن نتبين إلى أي مدى تكون الحركة المناهضة للقاحات مدفوعة بالنموذج التجاري لوسائل التواصل الاجتماعي، فكلما كان المحتوى مخيفاً وعاطفياً وقبيحاً، ازدادت المشاركات وارتفعت فرصة بيع الأدوية والكتب المغشوشة والمزيفة: أو عمليات الاحتيال كما تسمى.

ربما لن تحذو بريطانيا حذو معظم دول أوروبا وتفرض إلزامية اللقاحات، وسيتعين علينا أن نشهد الآثار المروعة التي يطرحها أخذ آباء وأمهات أحكاماً خاطئة تلحق الأذى بأطفالهم وبأطفال الآخرين، وذلك قبل أن يندفع الناس إلى اتخاذ إجراءات مغلفة بالذعر والهلع في نهاية المطاف. وحتى مع ذلك، فإن الخرافات والمفاهيم المغلوطة الناتجة عن التردد في أخذ اللقاحات سوف تستمر وتترسخ من وقت إلى آخر في أذهان السكان.

مثلاً، سادت مراراً وتكراراً مخاوف ناجمة من معاداة اللقاح طوال القرن التاسع عشر، ويبدو أن الناس اليوم معرضون للقدر نفسه من المخاوف المتفشية غير العقلانية والبدائية والتي لا تمت إلى العلم بصلة.

بناء على ما تقدم، حري بنا أن نأخذ هذه المسألة على محمل الجد. هذه الأمور تقتل الأطفال، ولا بد من محاسبة الأشخاص أمثال إيلون ماسك ومحرري بعض القنوات الإعلامية المزعومة على السماح لهذه الدعاية الدنيئة المناهضة للعلم بأن تكتسب رواجاً ومصداقية زائفة. وفي الوقت نفسه، علينا أن نرفع معدلات أخذ اللقاحات من طريق الإقناع والسياسات الواضحة والمقنعة.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من صحة