كرست سلسلة جدالات سياسية دارت في الآونة في بغداد نظرية وجود "حشدين شعبيين"، تدير الحكومة الأول، فيما تعمق طهران سيطرتها على الثاني.
ويفرق المراقبون بين "الحشدين"، بناءً على خلافات ضمن هرم قيادة "الحشد الشعبي"، تسربت إلى العلن أخيراً، وتحديداً بين رئيس هذه القوة فالح الفياض، ونائبه أبي مهدي المهندس، وصلت على ما يبدو إلى حد تنازع الصلاحيات.
وفتحت غارات شُنت خلال الشهرين الماضيين على مقرات لـ "الحشد"، تُتهم إسرائيل بالوقوف خلفها، الباب أمام الخلافات بين المهندس والفياض، إذ سارع الأول إلى اتهام الولايات المتحدة بمساعد تل أبيب في تنفيذ هجمات على العراق، مطالباً الحكومة بطرد الجيش الأميركي من البلاد، إلا أن الثاني أعلن أن ما قاله المهندس لا يعبر عن وجهة نظر الحشد الشعبي ولا الحكومة في بغداد.
وهدأت الأجواء قليلاً بين الطرفين لأيام، قبل أن تشتعل مع نهاية الأسبوع الحالي، عندما أعلن المهندس تشكيل قوة جوية تابعة لـ "الحشد"، لينفي الفياض ذلك بعد ساعات.
ويتساءل مراقبون عن تبعات هذه الخلافات، وتأثيرها في ميول "الحشد الشعبي"، واتجاهاته المقبلة، وسط تشكيك في قدرة الحكومة العراقية على ضبط التشكيلات التابعة لهذه القوة، في ظل ارتباط قادة بارزين فيها بالنفوذ الإيراني المتغلغل في البلاد.
ويرى محللون أن هذا الصراع لا يقتصر على محاولات السيطرة على "الحشد الشعبي"، بل يتعدى ذلك إلى إخضاع الدولة برمتها للنفوذ الإيراني.
وصرح المحلل السياسي العراقي علي أغوان أن "في العراق دولتين، الأولى صغيرة وخجولة ومعزولة ومخطوفة وغريبة، وهي دولة رئيس الوزراء (عادل عبد المهدي) ووزرائه، مع بقية المؤسسات الورقية الأخرى"، مضيفاً أن "الدولة الثانية هي دولة قاسم سليماني (الجنرال البارز في الحرس الثوري الإيراني)، وأبو مهدي المهندس (نائب رئيس الحشد الشعبي) وهادي العامري (زعيم منظمة بدر) وقيس الخزعلي (زعيم حركة عصائب أهل الحق)، وهي دولة قوية متينة لديها كل شيء تقريباً، ولا يستطيع أن يقف بوجهها أي شيء"، لافتاً إلى أن الدولة الثانية "هي دولة الحرب".
وتابع أغوان أن الدولة "الأولى دستورية نظامية في دولة لا أحد فيها يحترم الدستور والنظام"، فيما الدولة "الثانية هي كيان موازٍ، أصبح أكبر من الدولة الأولى". وزاد أن المتنفذين في الدولة الثانية، "هم أصحاب القرار ومالكيه وهم مَن يقول لأي شيء كن فيكون في العراق".
مواجهة شيعية – شيعية
ويستدل المراقبون على ضعف الحكومة العراقية في مواجهة الميليشيات الموالية لإيران، بصمت رئيس الوزراء أمام الجدل الدائر منذ يومين بشأن تشكيل قوة جوية خاصة بـ "الحشد الشعبي"، على الرغم من أن عبد المهدي هو القائد العام للقوات المسلحة، وفق الدستور.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رئيس الحكومة "عاجز"
ولا تستبعد مصادر سياسية مواكبة في بغداد أن يُطاح عبد المهدي، بسبب الضبابية التي تحيط بمعظم مواقفه من أزمات البلاد.
ومثلت تغريدة كتبها زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، يوم الخميس، مؤشراً إلى إمكان سحب الثقة من الحكومة.
ويمكن الصدر أن يحرّك كتلة "سائرون" البرلمانية الموالية له، لطرح الثقة في الحكومة، إذ تملك 54 مقعداً، وهي الأكبر في مجلس النواب العراقي.
وتعليقاً على قرار إنشاء قوات جوية خاصة بـ "الحشد"، هدّد الصدر بـ "البراءة" من الحكومة، في حال لم تتحرك لوقف هذا الإجراء.
#الوداع_يا_موطني
— مقتدى السيد محمد الصدر (@Mu_AlSadr) September 5, 2019
يُعَد ذلك إعلاناً لنهاية الحكومة العراقية..
ويُعَد ذلك تحولاً من دولة يتحكم بها القانون الى: #دولة_الشَغَبِ
واذا لم تتخذ الحكومة اجراءاتها الصارمة..
فاني اعلن برائتي منها..#سلاما_موطني..
المُعزي والمعزّى
مقتدى الصدر
كسر إرادة
وقال الطائي إن عبد المهدي "يقوم بما في وسعه، وهو معذور الآن أمام الالتزامات، بخاصة أنه تحت ضغط شعبي وضغط القوى الوطنية ولا خيارات كثيرة أمامه"، في إشارة إلى اضطراره لكبح جماح نائب رئيس "الحشد".
وخلص إلى أن مهمة الفياض حالياً تتمثل في "إلغاء قرارات المهندس بأمر من عبد المهدي"، مشيراً إلى أن التطورات الأخيرة، "فرصة لتعديل وتصحيح العلاقة مع طهران، التي ستكون هي الخاسرة لو تمادت".