ملخص
تسارعت وتيرة السباق لتطوير بطاريات صلبة، مدفوعاً بالاعتقاد بأن هذه التكنولوجيا ضرورية لتشجيع التحول على الصعيد الوطني من المركبات التي تعمل بالوقود إلى تلك التي تعمل بالكهرباء
أدت موجات الصقيع الأخيرة الآتية من القطب الشمالي التي ضربت الولايات المتحدة إلى نشر الحيرة والإرباك لدى بعض مالكي السيارات الكهربائية.
فقد أُفيد عن مشكلات واجهت هؤلاء بدءاً من ولايات إلينوي وميتشيغان وصولاً إلى تكساس أبرزها سرعة استنزاف البطاريات إلى البطء في الشحن وصولاً إلى الطوابير الطويلة أمام محطات الشحن والاضطرار إلى سحب السيارات بعد نفادها من الطاقة.
وتُعتبر درجات الحرارة التي تنخفض إلى تحت الصفر غير ملائمة لعمر بطاريات السيارات الكهربائية، كما أنها بالطبع لا تناسب السيارات التي تسير على الوقود والتي تشهد هي أيضاً أعطالاً في البرد القارس. وفي هذا الصدد، كشفت دراسة جديدة من شركة نرويجية لصيانة السيارات عن أن السيارات الكهربائية تكون أقل عرضة للأعطال خلال الصقيع مقارنة بالسيارات التي تعمل على الوقود الأحفوري.
ولكن تبقى المخاوف المرتبطة بمسافة سير وعمر بطاريات الليثيوم أيون في السيارات الكهربائية من النقاط الشائكة التي تواجه المبيعات.
دراسة أجرتها شركة الإحصاءات "إيبسوس" Ipsos العام الماضي وجدت أنه إلى جانب الكلفة، شكلت المخاوف المرتبطة بالنقص في محطات الشحن وعمر البطارية أبرز العقبات التي واجهت الأشخاص لدى شراء سيارة كهربائية.
وأشارت نتائج البحث إلى وجود ثغرة في سير الخطط المناخية الأميركية، إذ تنبعث أكثر من ربع غازات الدفيئة في البلاد من قطاع النقل، وفي هذا الإطار، تسعى إدارة الرئيس جو بايدن إلى أن تكون نصف مبيعات السيارات الجديدة في الأقل سيارات كهربائية بحلول العام 2030. وتشكل السيارات الكهربائية حالياً حوالى تسعة في المئة من مبيعات السيارات الجديدة في الولايات المتحدة بحسب موقع "إي في هاب" EV Hub الذي يُعنى بتتبع الحركة في هذا القطاع.
ولكن بوسع اختراق حديث حققه فريق من العلماء في جامعة هارفارد أن يساعد على تجاوز هذه المعضلات. وفي التفاصيل، كشف الباحثون من كلية الهندسة والعلوم التطبيقية (SEAS) في مطلع الشهر الجاري عن أنهم طوروا بطارية "صلبة" (بطارية الحالة الصلبة) جديدة يمكن شحنها خلال الوقت نفسه الذي يستغرقه ملء خزان الوقود في السيارة والقدرة على فعل الأمر ذاته 6000 مرة في الأقل.
في الوقت الحالي، تستخدم السيارات الكهربائية والحواسيب المحمولة وأجهزة إلكترونية أخرى تحتاج إلى تخزين الطاقة بطاريات ايونات الليثيوم المصممة بطريقة مسطحة ومدمجة بطريقة "الخلايا المنشورية" pouch cell.
ومع ذلك، فإن قدرة بطاريات الليثيوم أيون محدودة إلى حد ما عندما يتعلق الأمر بتشغيل الآلات الأكبر حجماً. علاوة على ذلك، كانت هناك حوادث اشتعلت فيها هذه البطاريات.
على سبيل المثال، في يونيو (حزيران) من العام الماضي، أدى حريق اندلع في بطارية ليثيوم أيون في متجر للدراجات الإلكترونية في نيويورك إلى مقتل أربعة أشخاص، وامتد الحريق إلى الشقق أعلاه. إضافة إلى ذلك، في ديسمبر (كانون الأول)، تعرضت سفينة تنقل ما يقارب 2000 طن من بطاريات الليثيوم أيون لحريق قرب ساحل ألاسكا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خلال الأعوام الأخيرة، تسارعت وتيرة السباق لتطوير بطاريات صلبة، مدفوعاً بالاعتقاد بأن هذه التكنولوجيا ضرورية لتشجيع التحول على الصعيد الوطني من المركبات التي تعمل بالوقود إلى تلك التي تعمل بالكهرباء. وفي هذا الإطار، تعمل شركات على غرار فولكسفاغن وتويوتا على تطوير بطاريات صلبة خاصة بها بهدف إدخالها في صناعة السيارات بحلول نهاية العقد الحالي.
وفي هذا السياق، وصف الدكتور جين لي، الأستاذ المشارك في علوم المواد في جامعة هارفارد بطاريات الحالة الصلبة أنها بمثابة الهدف الأمثل للابتكار في هذا المجال.
وعلى رغم أنها تبدو مشابهة لبطاريات الليثيوم أيون التقليدية من الخارج، إلا أن بطاريات الحالة الصلبة تختلف بصورة كبيرة في تركيبها الداخلي، من خلال استخدامها مادة عالية التقنية من السيراميك، بدلاً من مادة الإلكتروليت العضوية.
وفي حديث إلى "اندبندنت" قال الدكتور جين لي إن "هذه المادة توصل الطاقة أفضل من السائل كما أنها غير قابلة للاشتعال، لذا هي أكثر أماناً".
وقام فريق جامعة هارفارد بتطوير بطارية صلبة بحجم طابع بريدي تقريباً، حافظت على 80 في المئة من سعتها حتى بعد 6000 دورة شحن وتفريغ. وأظهرت هذه البطارية أيضاً أداءً قوياً في ظروف درجات الحرارة المنخفضة.
وأفاد العلماء بأن بطاريات الحالة الصلبة المطورة حديثاً تتفوق على البطاريات المتوافرة حالياً في السوق. وينبع هذا التقدم من اكتشافهم لطريقة جديدة لبناء البطارية باستخدام أنود معدن الليثيوم الذي يمتلك قدرة أكبر بـ10 مرات من أنودات الغرافيت التقليدية المستخدمة في معظم البطاريات التجارية.
بواسطة التصميم الجديد المتعدد الطبقات والمواد، تمكن علماء جامعة هارفارد من تخطي التحدي الرئيس المتمثل في التشعبات dendrites – وهي بنيات تشبه الجذور وتنمو على سطح الأنود (الطرف الموجب) إلى داخل الإلكتروليت وبوسعها ثقب الحاجز الذي يفصله عن الكاثود (الطرف السلبي)، مما يؤدي إلى تناقص عمر البطارية أو اشتعالها.
ومن الميزات الكبيرة لهذه البطارية هو عمرها الطويل الذي يقدر بما يعادل 30 عاماً. وهو أمر من شأنه أن يؤدي إلى تقليل كلفة امتلاك سيارة كهربائية بصورة كبيرة.
وفي غضون ذلك، أضاف لي: "إذا أنفق المستهلك مالاً أقل لشراء سيارة كهربائية من شأن ذلك فعلاً أن يقود التحول العالمي نحو السيارات الكهربائية".
وتعني القدرة على شحن البطارية في غضون دقائق أنها تتميز بكثافة طاقة عالية مما يزيد من احتمالات استخدامها. وتابع: "لا ينطبق ذلك على السيارات الكهربائية فحسب، بل يمكن للطائرات الكهربائية أيضاً أن تستخدمها فهي بحاجة إلى طاقة كبيرة للإقلاع".
وبدأ الدكتور لي العمل على البطاريات الصلبة بصورة جدية عندما دخل إلى العمل في هارفارد عام 2015 بعد فترات أمضاها في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT و"معهد كاليفورنيا للتقنية " Cal tech و"جامعة بنسلفانيا" Penn State وجامعة نانجينغ في الصين. وقال: "عملت على عشرات المشاريع توازياً مع ذلك، ولكن بعد بضعة أعوام أدركت القدرة التي تتميز بها بطاريات الحالة الصلبة ولهذا ركزت أكثر على العمل عليها وتطويرها".
وعام 2021، أسس الدكتور لي وزملاؤه في هارفارد شركة تحمل اسم "أدين إينرجي" Adden Energy لتسجيل براءات اختراع وتطوير التكنولوجيا. وسبق لشركة سيارات أميركية أن أجرت اختباراً على بطاريتهم الصلبة ووجدت أنها تتمتع بالنتائج الإيجابية نفسها التي ظهرت في اختباراتهم الداخلية بحسب ما صرح الدكتور لي الذي أضاف: "تستعد شركات سيارات أخرى لإجراء اختبارات على بطارياتنا".
يشار إلى أن قانون البنى التحتية للحزبين الذي أقرته حكومة الولايات المتحدة رصد 6 مليارات دولار لبدء الصناعة المحلية في مجال مواد البطاريات وصناعتها وتخزينها مع تحول العالم بوتيرة متسارعة من الوقود الأحفوري نحو الطاقة الكهربائية.
© The Independent