Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هكذا ينجح البريطانيون في الصمود أمام الشتاء الإسكندنافي المقبل

يتوقع أن تقاسي بريطانيا أسبوعاً من البرد القارس تجلبه معها موجة برد إسكندنافية فتسجل درجات الحرارة 15 درجة مئوية تحت الصفر. في ما يلي، دليل يلهمنا لتمضية أيام الصقيع هذه على الطريقة الدنماركية

هل البرد في بريطانيا التي تغلب عليها أجواء "القطب الشمالي" الآن قارس؟ الدول الإسكندنافية تحت الثلوج منذ أسابيع (وكالة أنباء تي تي/أ ف ب-غيتي)

ملخص

الصقيع ليس بمزحة ويجدر استسقاء العبر من البلدان حيث الشتاء قارس لنتعلم كيف نعيش ونتخطى موجات البرد المقبلة علينا.

مع انتشار أنباء عن ارتقاب عاصفة ثلجية في المملكة المتحدة وانخفاض درجات الحرارة إلى 15 درجة مئوية تحت الصفر تجلب معها موجة برد قارس قادمة من القطب الشمالي، كان ردي الأول: 15 درجة مئوية تحت الصفر؟ وإن يكن. في بلدان الشمال الأوروبي، شهدنا موجة صقيع شديد كبيرة طوال أسبوعين، إذ هوت درجات الحرارة في بعض المناطق في السويد وفنلندا إلى 40 درجة مئوية تحت الصفر، فيما ارتفعت الثلوج حتى بلغت 70 سنتيمتراً في الدنمارك. إننا نتحدث عن عالم أشبه بعالم "نارنيا" Narnia المغمور بالثلوج [سلسلة قصصية تحولت إلى سلسلة أفلام].

في الحقيقة، قاسيت حتى تعلمت قواعد البقاء على قيد الحياة في شتاء بلاد الشمال الأوروبي. منذ أن انتقلت من لندن للعيش في ريف الدنمارك عام 2013، اعتدت القيادة خلف جرافات الثلوج، وقد توقف تدفق الدم إلى أصابعي التي أحكمت قبضتيها مذعورة على عجلة القيادة في غمرة عاصفة محملة بندف الثلج من كل حدب وصوب. أما إشارات المرور واللافتات فصارت دون جدوى بعدما تعذرت رؤيتها بسبب الثلوج، فيما اختفت خطوط السير المرسومة على الطريق. تشتمل مجموعة أدوات السيارة الأساسية الآن على الإطارات المخصصة للثلج (توفر تماسكاً أفضل على الثلج)، وبطانيات إضافية، وشوكولاتة الطوارئ (ربما أكون أنا فقط من يحتفظ بها)، ومجرفة ثلج.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لحسن الحظ، كل شخص يعيش في الدنمارك يحتفظ بمجرفة ثلج، إذ تفرض عليك واجباتك المدنية كفرد أن تبعد الثلوج عن ممر المشاة أمام منزلك بحلول الساعة الثامنة صباحاً كل يوم. هكذا لا تقع جارتك وتكسر وركها في طريقها إلى شراء الحليب. حتى رئيس الوزراء تراه يجرف الثلوج المتكدسة خارج بيته في صباح ما زال يغلفه الظلام الدامس، لذا لا يمانع أي أحد آخر بأن ينجز هذا العمل.

خلال عامي الأول من "العيش على الطريقة الدنماركية"، حل علي فصل الشتاء وقد تعاملت معه كما أتعامل مع الشتاء في بلدي: معطف خفيف، وقدمان مبتلتان، ومشروب قوي، ولكنني سرعان ما أدركت أن درجات الحرارة ما دون الصفر ليست بمزحة، وأن الدنماركيين ينظرون إلى خزانة ملابسهم الشتوية بمنتهى الجدية. لدى شعب الفايكنغ [الدول الإسكندنافية التي تشكل السويد والدنمارك والنرويج وآيسلندا] من شتى الجنسيات اختلافات في الشعار "لا وجود لما يسمى أحوال جوية سيئة، بل فقط اختيار الملابس غير الصحيحة"، لذا يتدثرون بثيابهم جيداً كي يحافظوا على نشاطهم عندما يأتي الطقس البارد أو الصقيع أو الثلج.

وصف شعوب بلاد الشمال الأوروبي بأنها "نهوى العيش في الأماكن الخارجية" قول لا يفي الواقع الفعلي حقه، وفي النرويج، فإن "فريلوفتسليف"friluftsliv  كما تسمى اللغة بالنرويجية، أو "العيش في الهواء الطلق"، أقرب إلى دين علماني. خلال رحلتي الأخيرة، كان النرويجيون يستمتعون خارجاً في طقس شديد البرودة إلى حد أن رموشي تجمدت، ولكن منذ ولادتهم، يرتدي الفايكنغ الصغار جميع أنواع الملابس الخارجية المخصصة جداً، بدءاً ببدلات الثلج وحتى الأقنعة وأحذية الثلج. بهذه الطريقة، يمكنهم البقاء في الخارج، كيفما كانت حال الطقس.

أنا الآن مولعة بلباس داخلي ضيق يبعث الدفء، وصوف أغنام الميرينو، وسترة شتوية، و"سالوبيت"، وقفازات التزلج، وجميع الأوشحة، وقبعة الصيادين. عندما يمسي الجو بارداً جداً، سأختار بدلة (جامبسوت) مبطنة متكاملة أرتديها، إذ أريد أن أصطحب الكلب ليمشي في الخارج أو الذهاب إلى المدرسة مرتدية بيجاماتي تحتها (أحد ليس بأكثر حكمة). ليست هذه ملابس أنيقة، ولكنها مريحة.

أنا أيضاً المالكة الفخورة لزوج من أحذية "سوريل" Sorel المبطنة بالصوف والمقاومة للطين والتي أنقذتني من قضمة صقيع أكثر من مرة (دفعت فيه مبلغاً كبيراً، ولكنه يستحق ذلك). هكذا يسعني أن أخرج يومياً، وألتقط أصغر شذرة من أشعة شمس الشتاء الضعيفة علني أدرأ الحزن وأخزن بعضاً من الفيتامين "دي" (إضافة إلى تناول مكمل غذائي يومي).

هكذا إذ أرتدي الملابس المناسبة وأعانق الطقس البارد، بدلاً من محاولة تجاهله، تجدني أطور ما تسميه عالمة النفس الاجتماعية في "جامعة ستانفورد" كاري ليبوفيتز "عقلية الشتاء الإيجابية". وهذا من حسن حظي، إذ تمتد أشهر الشتاء الاسكندنافية بين أكتوبر (تشرين الأول) وأبريل (نيسان).

يساعدنا أيضاً أن نستلهم من الطفل الذي في داخلنا. صحيح أن احتمالية أن نشهد "يوماً مثلجاً" لا تملؤني شخصياً بالبهجة، غير أنها بالنسبة إلى ثلاثة أطفال من "الفايكنغ" حدث سحري خلاب يعج برجال الثلج والتزلج ومعارك كرات الثلج.

حتى الآن، بنينا هذا العام قرية كاملة من رجال الثلج/ ونساء الثلج/ وكلاب الثلج. أمضيت ساعات أسحب الزلاجات حتى أعلى التلال ثم أتزحلق بها بسرعة لا تخلو من أخطار، وكانت زجاجات الشوكولاتة الساخنة في متناول يدي عندما تتحول أصابعي إلى اللون الأزرق. وقد ألقيت عليَّ أعداداً مهولة من كرات الثلج إلى حد أن جهازي لتتبع اللياقة البدنية "فيتبيت" يعتقد أنني صرفت معظم ساعات الصباح أؤدي تمرين "هيت" HIIT، بينما أنا كنت أخفض رأسي وأراوغ وأنحني كي أتجنب التعرض لرشق كرات الثلج.

لست أعني بكلامي هذا أن الدنماركيين قد رتبوا أمورهم كافة المتصلة بالشتاء أحسن ترتيب. أخيراً، حذرت الإذاعة الدنماركية الموازية لإذاعة "بي بي سي" BBC (هيئة الإذاعة البريطانية) من أن درجات الحرارة ما دون الصفر قد دمرت بشرة الشعب، مما تسبب في تشققها وإضعاف حاجزنا الطبيعي ضد البكتيريا. لما كنت في الوقت الحاضر لا أكتفي بتضميد الشقوق في أصابعي بلصقة واحدة مزينة برسوم "بوكيمون"، ولا اثنتين، بل ثلاث لصقات، فإنني أفهم هذا الكلام.

الأطباء ينصحون الدنماركيين بأن يضعوا كريم "فيد كريم"، أو "الكريم الدهني"، مرطب يحوي 70 في المئة من الدهون، يشبه قليلاً" الفازلين"، على اليدين والوجه قبل نصف ساعة من الخروج. يساعد ذلك البشرة على الاحتفاظ برطوبتها وخفض نسبة تبخر المياه منها. أبدو حالياً كتمثال من الشمع، ولا يسعني إتمام أية عملية شراء، ولكنني أعيش على أمل أن أحصل على بشرة ندية.

كذلك ثمة ما يسمى حاجز الشعر المبلل. كما أبلغتني جارتي الدنماركية (وابنتها) في مناسبات عدة، في فصل الشتاء في بلدان الشمال الأوروبي، لا يجب غسل الشعر إلا في أوقات المساء، كي نتجنب تجمده ثم تكسره حالما نخطو خارج المنزل (التقطت إحدى السويديات اللحظة التي تحول فيها شعرها المبلل إلى جليد بعدما غامرت في الخروج فيما درجات الحرارة أدني من الصفر). مؤكد أننا نستطيع جميعاً استخدام مجففات الشعر، ولكن مع القفزات التي تسجلها أسعار الطاقة وكون بلدان الشمال غير محصنة بتاتاً ضد أزمة كلف المعيشة، فإن الاستحمام المبكر والمنشفة يفيان بالغرض.

ما إن يدخل شعب الفايكنغ إلى بيوتهم أخيراً، حتى ينشغلوا تماماً بالحفاظ على الدفء. تغلب على المنازل في بلاد الشمال الأوروبي تقنيات العزل أكثر من البيوت في المملكة المتحدة، لأنها معتادة على البرد، ولكن ما زالت سائدة ثقافة الإبقاء على حميمية الأجواء باستخدام الشموع والبطانيات والسجاد المصنوع من جلد الغنم والملابس، والجو الدنماركي المفعم بالدفء والتوهج والاسترخاء برفقة الأحباء أو ما يسمىDanish hygge. هذا المفهوم غير القابل للترجمة الخاص بالتواصل والتعاطف اللذين يفيضان دفئاً أسهم في بقاء الدنماركيين منذ القرن الـ19، ويشكل نوعاً من الرعاية الذاتية التي يسعنا جميعاً أن نتبعها: أن تتعامل مع نفسك بلطف وتعطي الأولوية لأقاربك ومعارفك وأصدقائك الذين تهتم لأمرهم.

المشروبات الساخنة والوجبات الخفيفة الوفيرة لا تضر، وأجدني أكتب مقالتي هذه حالياً وقد استسلمت للكسل (وضع العفريت) تماماً، فيما أتناول القهوة والشاي والشوكولاتة الساخنة وشريحة من بقايا كعكة عيد الميلاد.

أخيراً، إذا زادت الأمور عن حدها كثيراً، ألتجئ إلى السبات. وكما أكد لي أحد الأصدقاء الفنلنديين: "أفضل ما يمكنك القيام به الحصول على قسط كافٍ من النوم، والشتاء هو الوقت المثالي في العام لقضاء الأمسيات في مشاهدة "نتفليكس"، ثم النوم عند الساعة التاسعة والنصف مساء".

إذاً، إليكم هذه النصيحة: البسوا ثياباً تقيكم البرد القارس، اخرجوا من المنزل، العبوا، ثم عودوا إلى بيوتكم كي تشعروا بالراحة وتعاملوا بلطف مع أنفسكم، على شاكلة الفايكنغ.

هيلين راسل مؤلفة كتاب "كيف تربي طفل فايكنغ: أسرار الأبوة والأمومة لأسعد الأطفال في العالم"، الذي تنشره دار "فورث إيستيت" في 15 فبراير المقبل.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة