ملخص
على رغم الكشف عن تفاصيل بعض قضايا الفساد في إيران فإنه لم يتعامل مع المتهمين فيها قضائياً.
إن النقطة المشتركة بين جميع قضايا الفساد الاقتصادي في النظام الإيراني هي أن نتائج متابعة هذه القضايا لا تزال غير واضحة بعد. هذه القضايا الكبيرة وذات الأرقام الفلكية في ظل شعارات مكافحة الفساد التي عادة ما يطلقها كبار مسؤولي النظام في السنوات القليلة الماضية لم يكن لها نهاية سوى إخفاء أسماء المتهمين الرئيسين ونسيانها وإغلاق هذه القضايا كلياً.
تذكرنا نتيجة التعامل مع قضايا الفساد المالي الكبير في النظام الإيراني بما قاله المرشد علي خامنئي في أغسطس (آب) 2011، حول قضية اختلاس 3 مليارات تومان (2.142 مليار دولار) من مصارف البلاد، إذ وبعد أن أصبحت هذه القضية حديث وسائل الإعلام قال علي خامنئي إنه "لا ينبغي لوسائل الإعلام إطالة هذه القضية".
وكان المرشد الإيراني اعتبر مناقشة قضايا الفساد يشكل خطراً على صدقية الحكومة وتشكيك في شعار مكافحة الفساد الذي رفعته الحكومة، إذ زعم أن "البعض يريد استغلال هذه الأحداث لضرب المسؤولين في النظام".
صحيح أن هذا التصريح الشهير لمرشد النظام لم يتكرر رسمياً في قضايا الفساد الأخرى، إلا أنه أصبح مدخلاً لنظرة الأجهزة الأمنية والقضائية في عموماً قضايا الفساد في البلاد، هذا وعلى رغم نشر تفاصيل بعض أهم قضايا الفساد في السنوات الأخيرة بوسائل الإعلام، فإن عملية التعامل مع هذه القضايا لم تتضح أبداً ولم تكتمل لهذه اللحظة.
سر إخفاء قضايا الفساد
قضايا "شاي دبش" وشركة "قصب السكر" و"أسد بيغي" الذي حصل على مليار دولار من العملة الأجنبية، وقضية شركة "باختر القابضة" و"حي باستي هيلز وكلاك" في منطقة لواسان بالعاصمة طهران، و"أكبر طبري" و"بنك آينده" و"إيران مال"، جميعها أمثلة واضحة على أن المتهمين الرئيسين فيها تم إخفاء أسمائهم ولم يتم تقديمهم إلى القضاء ولا محاكمتهم لأن الفساد الحكومي ممنهج.
في هذه القضايا، عادة ما يتم تقديم أشخاص للمجتمع باعتبارهم المتهمين الرئيسين للتغطية على الجناة وكبار المسؤولين ومن هم وراء الكواليس. واللافت أن كبار المسؤولين وإن ذكرت أسماؤهم في المنافسات السياسية والانتخابية لم يحضروا جلسات المحاكمة في معظم قضايا الفساد.
هذا وعلى رغم الكشف عن تفاصيل بعض هذه القضايا، وعلى سبيل المثال لا الحصر قضيتا "بنك آينده" و"إيران مال"، فإنه لم يتعامل مع المتهمين فيها قضائياً.
ومن الجدير ذكره أنه عادة ما يكون لوسائل الإعلام المستقلة دور مهم في عملية الكشف عن قضايا الفساد، لكنه ليس من الواضح ما إذا كان من الممكن الكشف عن هذه القضايا في وسائل الإعلام الرسمية أم لا.
وفي الإعلان عن قضية "شاي دبش" في البداية لم يذكر اسم الشركة المخالفة من قبل منظمة التفتيش، لكن وسائل الإعلام هي من نشرت تفاصيل القضية ومقدار العملة الأجنبية المخصصة واحتجاج الشركات المنافسة واسم الشركة المخالفة.
كما تعود بداية الكشف عن الفساد في قضية قصب السكر في مدينة السوس (شوش) إلى إضراب العمال الذين كانوا قد احتجوا على عدم دفع رواتبهم بسبب إفلاس الشركة. هذه الاحتجاجات العمالية هي من دفعت بوسائل الإعلام إلى أن تكشف عن جوانب من هذه القضية التي أصبحت رأياً عاماً، مما أجبر السلطة القضائية أن تتدخل فيها.
وفي قضية "أكبر طبري" أدى التنافس السياسي داخل السلطتين التنفيذية والقضائية من ناحية وتنافس الأجهزة الأمنية من ناحية أخرى، إلى كشف الحسابات البنكية السرية لرئيس السلطة القضائية، وهذا مما تسبب في استقالته.
وهكذا أدى اهتمام وسائل الإعلام في قضية بناء وملكية الفلل الفخمة باسم كبار المسؤولين في حي "باستي هيلز وكلاك"، والتحقيق في عملية نقل شركة "باختر القابضة للبتروكيماويات" لمالكي حي "باستي هيلز وكلاك" من قبل البرلمان الإيراني، وكذلك وجود الرئيس إبراهيم رئيسي على هرم السلطة القضائية الذي رفع شعار مكافحة الفساد، واعتقال أكبر طبري نائب الرئيس التنفيذي لهذه المجموعة بتهمة الوساطة والسمسرة، إلى كشف واحدة من كبرى قضايا الفساد وأكثرها تعقيداً في إيران.
وتصدرت قضية "طبري" الأخبار في البلاد بعد ما نشرت رسالة بتوقيع رئيس السلطة القضائية آملي لاريجاني تعود لعام 2016، إذ تتحدث هذه الرسالة عن "إصدار تصريح لبناء 62 قطعة أرض من الفلل بمساحة 2000 متر في منطقة لواسان في العاصمة طهران، كما كشفت هذه القضية اللثام عن دور المرشد الإيراني في الاستيلاء على هذه الأراضي في منطقة لواسان".
أصدر لاريجاني حكماً بتغيير استخدام الأراضي الزراعية إلى سكنية في منطقة لواسان، وهو حكم لصالح أصحاب الأراضي في حي "باستي هيلز وكلاك"، بناءً على موافقة المرشد علي خامنئي.
أبعاد هذه القضية دفعت الحكومة والمسؤولين في السلطة القضائية إلى توجيه أصابع الاتهام إلى بعضهم بعضاً. إلا أنه وبعد فحص الوثائق المتعلقة بمجموعة "مهياساز" تبين أن حجم الفساد تجاوز الأجنحة السياسية التابعة للنظام.
الحلقة المفقودة في الفساد الحكومي
وعن قضية "شاي دبش" زعمت حكومة إبراهيم رئيسي أن هذه القضية حصلت في حكومة حسن روحاني، لكن مع الكشف عن مزيد من التفاصيل تبين أن اسم وزير الزراعة في حكومة رئيسي وأشخاص آخرين ضمن المتهمين، ولم يتم تقديمهم إلى القضاء خلافاً لادعاءات المسؤولين في الحكومة، مما أدى في نهاية المطاف إلى المواجهة بين السلطة القضائية والحكومة.
ادعى المسؤولون في حكومة إبراهيم رئيسي أن المسؤولين المخالفين تم تقديمهم إلى القضاء، لكن محسني إيجئي نفى هذا الادعاء، وقال إنه لم يتم تقديم هؤلاء المسؤولين للقضاء بعد.
وفي أحدث تصريح لوزير الاقتصاد حول قضية "شاي دبش"، قال إن "الشركة دفعت ثمن العملة الصعبة التي حصلت عليها من أجل الاستيراد، وأن أموال الشعب لم تذهب إلى أي مكان". ولم تؤكد الجهات القضائية بعد ادعاء الوزير إحسان خاندوزي، ولم تنشر الحكومة أي وثيقة تثبت تسلم المبلغ وإيداعه في الخزانة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن ناحية أخرى، هناك سؤال يطرح نفسه وهو إذا ما كان بالفعل اعتقل الرئيس التنفيذي المخالف في شركة "شاي دبش"؟ إذاً، لماذا لا يعتقل كبار المسؤولين الحكوميين المتورطين في هذه القضية بخاصة ممن سمحوا بدفع هذا المبلغ الكبير من العملة الأجنبية في وزارتي الزراعة والصناعة والمعادن والتجارة والبنك المركزي؟ ولماذا تولى وزير الاقتصاد نشر الأخبار المرتبطة بهذه القضية وأعلن إغلاقها كلياً بدلاً من السلطة القضائية كسلطة رسمية؟
بناءً على ما أكدته منظمة التفتيش الإيرانية حصلت مجموعة "دبش" للزراعة والصناعة على 3 مليارات و370 مليون دولار من العملة الصعبة لاستيراد الشاي والآلات الزراعية خلال الأعوام من 2019 إلى 2022، إضافة إلى مليار و472 مليون دولار من إجمالي هذا المبلغ الذي حصلته الشركة عرضته للبيع في الأسواق الحرة.
إن بيع العملة الصعبة في الأسواق الحرة والمخالفة في جودة البضائع المستوردة للبلاد لم يكن سوى واحدة من كبرى قضايا الفساد في العقود الأخيرة للنظام الإيراني، وكل هذه القضايا كانت نهايتها غامضة ولم يعرف المواطن عن حيثياتها شيئاً، كذلك فإن مطالبة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني وسائل الإعلام بعدم تغطية قضية "شاي دبش" هو دليل على أن النظام يرغب في لملمة الموضوع سريعاً.
فساد "بنك آينده" و"إيران مال"
يعرف جيداً من تابعوا أخبار قضايا الفساد في السنوات الأخيرة أن بنك "آينده" أحدث ضرراً غير قابل للإصلاح للقطاع المالي في البلاد. وفي هذه القضية، عدا عن دفع التسهيلات للأشخاص غير المؤهلين، جرى تأسيس شركة "إيران مال" التي تحمل اسم علي أنصاري وبرأسمال يقدر برأس مال البنوك. واللافت في هذه القضية أن "أنصاري" لم يُستدع إلى المحكمة أبداً.
وعلي أنصاري وشركاؤه التجاريون وبحجة المساهمين في بنك "آينده"، أسسوا بنك "تات" تحت شعار "تجربة واعتماد وتوسعة"، واستطاعوا أن يتلقوا تسهيلات ضخمة من البنك المركزي، لكن هذا البنك أغلق أبوابه بسبب الفساد المالي لأنصاري وشركائه. وكما يبدو حصلوا على تسهيلات مالية بقيمة 40 ألف مليار تومان (12 مليار دولار) إذ كان في حينها الدولار الواحد يساوي 3400 تومان إيراني. ولم يسددوا هذا المبلغ في الموعد المحدد على رغم حدوث أزمة مالية كبيرة في القطاع المالي والبنكي بالبلاد.
من أضخم المشاريع التجارية لمالك بنك "آينده" هو "سوق إيران مال"، الذي لم يتم تمويله من أموال أصحاب الحسابات وأسهم بنك "آينده" فقط، بل كان على البنك المركزي الإيراني دفع تسهيلات له أيضاً لحل مشكلة عدم التوازن.
وعلى رغم الدعاية الضخمة التي رافقت الإعلان عن "سوق إيران مال" فإنه لم يكتمل بعد. وأصبح ضمان قيد النقل إلى بنك "آينده"، ووسيلة لتغطية إفلاس هذا البنك، وإخفاء فساد على أنصاري وشركائه وداعميهم.
كما يبدو أن مشكلة بنك "آينده" تم حلها من خلال الإعلان عن تحويل معظم أسهم البنك إلى وزارة الاقتصاد، لكن ليس واضحاً بعد السبب الرئيس وراء عدم تقديم المتهمين المتسببين في مثل هذا الضرر الكبير للاقتصاد الإيراني إلى العدالة.
من الواضح أن علي أنصاري وشركاءه الذين أصبحوا أهم المدانين في القضايا الاقتصادي في إيران خلال العقود الثلاثة الماضية غير ملزمين بإعادة الأموال المفقودة والخسائر التي لحقت ببنك "آينده". ولم تحدد وزارة الاقتصاد والبنك المركزي بعد أين سيتم تعويض هذا الضرر الذي لحق بالاقتصاد الإيراني.
وفي تقرير أعلن عنه مركز أبحاث البرلمان الإيراني أكتوبر (تشرين الأول) الماضي حول الخلل في بنك "آينده"، قال إنه "لا يمكن تصحيح هيكل البنك من خلال التدابير مثل إعادة التقييم، لأن هناك إشكالية في الدخل والنفقات".
وبمتابعة القروض الضخمة التي دفعها البنك لأعضاء مجلس الإدارة وتقديم التسهيلات ذات العوائد غير المحددة للأشخاص المتنفذين الذين لم يتم الكشف عن أسمائهم بعد، يظهر جلياً أن قضية بنك "آينده" هي جزء من قمة جبل الجليد من الفساد الاقتصادي في النظام الإيراني.
ووفقاً للتقارير التي نشرت في هذا الخصوص، فإن سحب بنك "آينده" من التسهيلات الائتمانية للبنك المركزي الإيراني حتى نهاية يونيو (حزيران) الماضي بلغ 80 ألف مليار تومان (2.35 مليار دولار بحسب سعر الصرف الحكومي حينها)، أي نحو 14.7 في المئة من حجم السحب من النظام المصرفي الإيراني.
فساد "هفت تبه" لقصب السكر
تعد قضية فساد شركة "هفت تبه" لقصب السكر في مدينة السوس (الشوش) في إقليم الأحواز إحدى القضايا الأخرى التي نسيت فجأة من قبل النظام، على رغم الإجراءات القضائية والمتابعة الإعلامية لها.
المتهمان الرئيسان في هذه القضية هما أميد أسد بيجي ومهرداد رستمي، وحكم عليهما بتهمة الفساد بالسجن لمدة 20 عاماً في أكتوبر 2021، لكن المسؤولين الكبار الذين مكنوا هؤلاء الأشخاص غير المؤهلين من السيطرة على هذه الشركة ومن ثم أصدروا الإذن لتدفع لهم التسهيلات ومبالغ ضخمة من العملة الصعبة، لم يمثلوا أمام القضاء والمحاكم الإيرانية.
واتهم أسد بيجي من قبل المحكمة بالمشاركة في تهريب مليار و396 مليون يورو (1.5 مليار دولار) من العملة الصعبة والإشراف على تهريب مليونين و894 ألف يورو (3.14 مليار دولار)، إلا أن الجوانب المختلفة لهذه القضية لم تعرف لهذه اللحظة.
وفي أبريل (نيسان) عام 2014 عندما نشر اسم شركة "هفت تبه" لقصب السكر و27 شركة أخرى في قائمة الشركات الكبرى لنقل ملكيتها، أعرب عديد من المتخصصين عن قلقهم الشديد في شأن نقل ملكية هذه الشركة القيمة لأشخاص ليس لديهم المؤهلات اللازمة.
في واقع الأمر، الإشكالية ليست في عدم كفاءة المشترين وحسب، بل إن السعر المعلن والبالغ نحو 220 مليار تومان (670 مليون دولار بحسب سعر الصرف الحكومي حينها) لهذه الشركة التي تعادل مساحة أراضيها الخصبة مدينة شيراز بأكملها، هي من أثارت الشكوك وعززت أن هناك شيئاً ما حصل خلف الستار.
انتقلت ملكية شركة "هفت تبه" لقصب السكر إلى شابين يبلغان من العمر 28 و31 سنة في يناير (كانون الثاني) 2016، لتسير في طريق الإفلاس. وكان إضراب العمال واعتقال الناشطين العماليين وإغلاق إحدى كبرى الشركات الصناعية والزراعية في البلاد المصير المحزن لنقل ملكية شركة "هفت تبه" لزراعة قصب السكر في مدينة السوس (شوش).
رئيس منظمة الخصخصة في إيران آنذاك الذي اتهم بتلقي رشى من أميد أسد بيجي، ومحافظ الأحواز السابق غلام رضا شريعتي، وأبناء المدعي العام آنذاك والرئيس الحالي للمحكمة العليا محمد جعفر منتظري، والنائب الأول لحسن روحاني إسحاق جهانغيري، من الأسماء التي كانت متورطة في هذه القضية التي تحولت منذ نقل ملكيتها إلى قضية رأي عام في إقليم الأحواز وعموم إيران. ولم تقدم الأجهزة الأمنية والقضائية أياً من هؤلاء إلى المحاكم، سوى عدد قليل من المديرين والموظفين في البنوك ومديري صندوق التنمية.
محافظ الأحواز السابق غلام رضا شريعتي الذي يعتبر من داعمي أسد بيجي تلقى رشى من الأخير قدرت بـ25 ألف دولار كلفة سفر عائلته للخارج، ومبلغ آخر قدر بـ200 ألف دولار، لم يتم استدعاؤه إلى المحكمة.
وبناءً على ما ورد في هذه القضية فإن أسد بيجي ورستمي وشركاءهما الآخرين حصلوا على ما لا يقل عن 1.5 مليار دولار من العملة الصعبة بحجة استيراد معدات الإنتاج، إلا أن هذا المبلغ تم بيعه في السوق الحرة في إيران من دون شراء أي من المعدات التي طلبوها للإنتاج. وبحسب المسؤولين في السلطة القضائية، فإن هذا المبلغ حصل عليه أسد بيجي وشركاؤه مقابل دفعهم رشى مالية كبيرة.
أكبر طبري وقضية "لواسان"
قضية أكبر طبري المثيرة للجدل أيضاً اتبعت مساراً مماثلاً مع نشر خبر اعتقال المدير العام السابق للشؤون المالية في فترة رئاسة آية الله سيد محمود هاشمي شارودي والنائب التنفيذي للقضاء في رئاسة آية الله صادق آملي لاريجاني، اتضح أنها إحدى كبرى قضايا الفساد التي حدثت في السلطة القضائية، أي المكان الذي كان من المفترض أن يتعامل مع جرائم المفسدين الاقتصاديين في البلاد.
ومن الاتهامات التي وجهت إلى أكبر طبري، المشاركة في تأسيس شبكة ارتشاء ورئاستها، والحصول على رشوة من مالك حي "كلاك وباستي هيلز" السكني وشركة "باختر" القابضة للبتروكيماويات حسن نجفي، ومشاركة علام حسين مطهري أصل في حصولهم على رشوة قدرت بـ80 مليار ريال (نحو 270 مليون دولار) واستحواذه على قطعة أرض تبلغ مساحتها 300 متر مربع في شارع كريم خان في العاصمة طهران، وأرض مشجرة 1657 متراً مربعاً في قرية "نجاركلاي" في لواسان، واستحواذه على شقة إدارية 108 أمتار مربعة في مجمع "ساناي قيطرية" في العاصمة طهران، ومساعدته في الحصول على مبلغ مالي قدر بـ100 ألف يورو (108 آلاف دولار).
وتشمل قائمة اتهامات طبري أيضاً غسل أموال من طريق تحويل مبلغ مالي إلى شركة الأسمنت قدر بـ42 مليار ريال (140 مليون دولار)، وتلقي 183 ملياراً و233 مليوناً و300 ألف ريال (610 ملايين دولار) رشوة. واللافت أن هذه الاتهامات هي جزء بسيط من الفساد المالي لأكبر طبري الذي كان في هرم السلطة القضائية في إيران.
وكشف محامي أكبر طبري، محمد علي داداشي، خلال مقابلة له حول قضية هذا المسؤول السابق في السلطة القضائية الإيرانية، قائلاً "شخص كان من الممكن أن يحكم عليه بالإعدام، إلا أنه حكم عليه بالسجن لمدة 31 سنة ومن ثم أطلق سراحه. قالوا له يجب أن تشكر المحامي الذي دافع عنك. إلا أنه أجاب أن قضيتي ليست شيئاً يمكن شكر عليه أي محام. لقد تم حل القضية بتوصيات من السلطات العليا وآملي لاريجاني".
وكما هو معلوم، فإن لقضية أكبر طبري جوانب أخرى يبدو أنه تم تجاهلها عن عمد، وقد نجد مفتاح هذه القضية في ما قاله مستشار حسن روحاني، حسام الدين آشنا، عندما خاطب رئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني إيجئي، قائلاً "أي تاريخ سيكون هذا، تاريخ الطبري!".
في واقع الأمر إن حيثيات هذه القضية التي كشفت عن الملياردير أكبر طبري وأعوانه في لواسان تكشف عن مدى الفساد وجذوره في بنية النظام الإيراني.
وأثناء جلسة الاستماع في القضية ادعى أكبر طبري أن لديه أصدقاء مقربين على استعداد تام إذا ما طلب منهم ستكون لواسان كلها باسمه. وبهذه الطريقة تذكرت وسائل الإعلام القضية الشهيرة لتغيير استخدام أراض في لواسان والحي السكني "باستي هيلز وكلارك" بأوامر من رئيس السلطة القضائية لاريجاني. وهذه القضية هي التي كشفت تورط عائلتي مطهري أصل ونجفي أصل على أنهما مافيا صناعة البتروكيماويات والصناعات المرتبطة بها.
عائلة مطهري أصل هي المالك لشركات "نويدرز للكيمياء" و"أمير كبير" و"زاغروس" وغالبية اسم شركة "باختر" للبتروكيماويات القابضة و"حي باستي هيلز" السكني. أما عائلة نجفي أصل فهي تملك معظم اسم وإدارة شركة "باختر" للبتروكيماويات القابضة وشركات "كاويان" و"بليمر" و"كرمانشاه" و"مهاباد" و"كردستان" و"كالاي باختر" للتجارة وشركة "باختر" للصناعة والتنمية وشركة "مياندواب وانديمشك" وشركة "اتيلن غرب" لتشغيل خطوط النقل وحي "كلاك" السكني. وكل هذه الشركات والثروة جمعوها في أقل من عقدين، وكانوا جزءاً من دهاليز الفساد وارتبطت أسماؤهم باسم أكبر طبري في واحدة من كبرى قضايا الفساد في إيران، لكن لم يتم استدعاؤهم للمحاكم أبداً.
إذا كان التحقيق في قضية نقل ملكية شركة "باختر" للبتروكيماويات القابضة أخذ مجراه الصحيح وانكشفت حيثيات عملية الاستحواذ على بعض شركات البتروكيماويات من قبل عائلتي مطهري أصل ونجفي أصل، عدا عن حصولهم على تسهيلات مصرفية ضخمة، وإخضاع هذه القضية للتحليل القضائي الدقيق، فربما انكشف الثقب الأسود للفساد الاقتصادي في النظام الإيراني.
لذا فعندما لا تذكر أسماء عائلات مثل الأنصاري ومطهري أصل ونجفي أصل (وغيرهم كثر) في قضايا الفساد كقضية بنك "آينده" وقضية "إيران مال" وقضية اختلاس عام 2011 وقضية أكبر طبري، فهذا يعني أن هناك خللاً في معالجة قضايا الفساد الاقتصادي في إيران.
بيت الفساد الاقتصادي... ممر مظلم ومخفي
بناءً على الأدلة فإن قضية أكبر طبري وقضية بنك "آينده" وقضية شركة "هفت تبه" لقصب السكر تؤدي إلى قضية فساد بنك صادرات وإفلاس صناديق التقاعد، ومنها صندوق المعلمين (فرهنگيان) وشبكة الفساد في المصارف الحكومية، لكن اللافت في الأمر في جميع هذه الحالات والقضايا الاقتصادية أنه لم يتم ذكر أسماء المديرين وكبار المسؤولين في النظام الذين كانوا داعمين ومستفيدين من هذه الشبكة الواسعة من الفساد في البلاد.
لم يذكر أن المتهمين الرئيسين في قضيتي "شاي دبش" و"بنك آينده" ضمن قائمة المعتقلين، بينما في قضية أكبر طبري وشركة "هفت تبه" لقصب السكر حكم على المتهمين بالسجن 20 و31 سنة، كما أن المحكمة لم تكن ترغب في تقديم كبار الفساد الرئيسين، ومن غير المعروف أيضاً إن كان بعض هؤلاء المتهمين مثل أكبر طبري موجودين في السجن أم لا، ووفقاً للتسريبات فمعظم هؤلاء كانوا خارج السجن لفترات معينة.
صحيح أنه صدرت أحكام قضائية وادعى المسؤولون في السلطة القضائية أنه تم إعادة الأموال المنهوبة إلى بيت المال، لكن لم يتم نشر وثيقة واضحة قط حول كيفية استرداد هذه الأموال إلى خزينة البلاد، كما ادعى وزير الاقتصاد أنه تم إعادة المبالغ من العملة الصعبة التي خصصت بصورة غير قانونية في قضية "شاي دبش" إلى الخزانة، لكن مسؤولي منظمة التفتيش والسلطة القضائية لم يؤكدوا بعد صحة هذا الادعاء.
ونستشف مما ورد أعلاه بأن مظهر الفساد في النظام الإيراني يتلخص في التصريح الشهير للمرشد علي خامنئي عندما أمر كبار المسؤولين في النظام بعدم إطالة قضايا الفساد!
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"