Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أي خطة تعيد "المؤتمر الشعبي" السوداني إلى الأضواء؟

يحرص على إنكار أي علاقة له بالإسلاميين إضافة إلى رفضه الشراكة المبنية على أسس أيديولوجية

أسس حسن الترابي نظام عمر البشير بالانقلاب العسكري على فترة الديمقراطية الثالثة  (أ ف ب)

ملخص

بعد ما يقرب من 10 أشهر من الحرب ما زال السودان جاذباً لمزيد من صراعات الأحزاب السياسية أملاً في الاستيلاء على السلطة بعد وقف الحرب.

ظلت الأحزاب السياسية السودانية تواجه تحديات داخلية وخارجية، وخاضت صراعاً ضد هياكل السلطة سواء مع الحكومات العسكرية بسبب عدم إتاحة المشاركة السياسية لها وإقصائها أم المدنية بدافع المنافسة ولأغراض البقاء السياسي، مما ينتهي بها غالباً إلى مسارات ديكتاتورية. وعلى ذلك ظلت البيئة السياسية أسيرة طبيعة المنافسة بين النخب المختلفة.

خلال السنوات الست الماضية فإن التحول السياسي المتقلب منذ انتفاضة 2018 أفضى إلى اضطرابات شعبية مكثفة. وبعد إجراءات رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان عام 2021 خلقت البيئة العسكرية حوافز وقيوداً لشكل النظام الذي كان على وشك الانتهاء إلى نظام عسكري.

ومنذ اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) الماضي، انصب تركيز المجتمع الدولي على كيفية إيقافها بينما يجدها الطرفان المتصارعان أداة للانقضاض على السلطة. وعلى رغم أنه من المحتمل أن تشترك كل الأحزاب السياسية في أي مفاوضات مقبلة، وتحرص النخب على بقائها في دائرة الضوء لضمان عدم استبعادها، فإن حزب "المؤتمر الشعبي" ينشط بشكل خاص في إعادة تشكيل هيكله المؤسسي وتعزيز تحالفه مع أحد طرفي النزاع أملاً في أن يكون ظهيراً للمنتصر منهما. ولدى "المؤتمر الشعبي" ثقة اكتسبها من موالاة الأحزاب العقائدية لأنظمة عدة، بقدرته على توجيه المسار السياسي للسودان، وتشكيل طبيعة البيئة السياسية أو بيئة الصراع الحالية وممارسة نشاطه من خلالها.

التحول الأخير

عندما أسس حسن الترابي نظام عمر البشير بالانقلاب العسكري على فترة الديمقراطية الثالثة برئاسة الصادق المهدي عام 1989 افتتن عدد من قادة الحركات الإسلامية بانقلاب الترابي- البشير، على اعتبار أنها المرة الأولى تصل فيها حركة إسلامية إلى السلطة في المنطقة العربية، على رغم أنه لم يكن غريباً صعود تنظيمات عقائدية عدة إلى الحكم على ظهر العسكر. وكانت الحركة الإسلامية السودانية قد دخلت النشاط السياسي مبكراً، وبدأت تعمل منذ نهاية نظام جعفر النميري عام 1985 على زيادة شعبيتها وسط فئات المجتمع المختلفة، بعد أن كانت حكراً على النخبة المثقفة وطلاب الجامعات. ساعدها ذلك على تكوين ميليشيات "الدفاع الشعبي" بعد تسلم الحكم خاضت بها الحرب الأهلية في جنوب السودان إلى جانب الجيش السوداني، كما شكلت من المنتمين إلى الحركة من الشباب أذرعاً أمنية تابعة لجهاز الأمن والاستخبارات، ووضعت تحت تصرفهم سلطات واسعة بالملاحقة والاعتقال والتعذيب لكل مناوئ للنظام، نتجت منها خروقات في أجهزة الدولة النظامية والعدلية.

دبت الخلافات بين البشير والترابي عام 1999، وأدت إلى المفاصلة الشهيرة وانشقاق الحزب الحاكم على نفسه ليبقى في الحكم حزب "المؤتمر الوطني"، بينما أسس الترابي حزباً آخر هو "المؤتمر الشعبي"، عارض لفترة ثم بعد مشاركته في الحوار الوطني، كان ضمن أحزاب سياسية أخرى دعاهم البشير لتكوين حكومة "الوفاق الوطني" استمر إلى وفاته عام 2016.

تبييض التاريخ

لما أحس "المؤتمر الشعبي" بأن قارب "المؤتمر الوطني" على وشك الغرق، هدد بمراجعة موقفه من المشاركة في الحكومة في حال استمرار "المؤتمر الوطني" في نهج الانفراد بالسلطة وعدم الالتزام بتنفيذ نتائج توصيات مؤتمر الحوار الوطني خصوصاً في ما يتعلق بالقضايا الاقتصادية. ولكن ما اتضح بعد ذلك أن "المؤتمر الوطني" انفرد أيضاً بمشاريع اقتصادية أثرت منها شخصيات في الحزب، بينهم من تحول ولاؤهم من "المؤتمر الشعبي" إلى "المؤتمر الوطني"، أسسوا "كارتيلات" للقمح والوقود.

شارك "المؤتمر الشعبي" في الاحتجاجات التي أسقطت البشير عام 2019، وكان ضمن القوى التي دخلت في اعتصام القيادة العامة للقوات المسلحة. ومع ذلك بعد اختلاف المكونين المدني والعسكري، وظهور استقطاب سياسي- عسكري، لم يكن الحزب ميالاً لتكوين تحالف مع مجموعات من الإسلاميين تحت اسم "التيار الإسلامي العريض"، اعتقاداً منه أن ذلك سيبرئه من تهمة "الإسلام السياسي"، أو ما يطلق عليه الشارع السوداني مصطلح "الكوزنة".

ومن ضمن مفاتيح القبول بحزب "المؤتمر الشعبي" في طريقه إلى تبييض تاريخه والسعي نحو الحصول على شرعية سياسية تقدمه إلى المجتمع الدولي ككيان مبرأ من الحركة الإسلامية بزعم انسلاخه منها، نفحته إياها "الآلية الثلاثية" لحل الأزمة السودانية التي نشطت خلال الفترة الانتقالية.

كان الحزب ضمن قوى سياسية اجتمعت بهم "الآلية الثلاثية" المكونة من بعثة الأمم المتحدة في السودان ومنظمة إيغاد والاتحاد الأفريقي، وناقش معهم قضايا عدة بينها "الترتيبات الدستورية وإعادة تشكيل مؤسسات الفترة الانتقالية لوضع حد لحالة الاحتقان السياسي". وقدم لهذه الخطوة بمعارضة إجراءات البرهان، وطالب بإزاحة العسكر وإقامة نظام حكم مدني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ربما يكرر "المؤتمر الشعبي" من دون أن يشعر ما حدث أوان تنفيذ انقلاب الترابي- البشير عبر المسرحية الشهيرة عندما قال الترابي للبشير "اذهب إلى القصر رئيساً وسأذهب إلى السجن حبيساً". تحرك "المؤتمر الشعبي" خلال الفترة الانتقالية بالمزايدة على الإسلاميين، ورفض التوقيع على إعلان "التيار الإسلامي العريض" الذي طرحته جماعات إسلامية موالية لحزب "المؤتمر الوطني".  

ينطلق ذلك من ثلاثة محاور، الأول، أن جماعة الترابي تعرضت إلى خيانة عظمى، أفشلت مشروعهم الذي كانوا يعدون له على مدى عقود، ليس في السودان فحسب بل في المنطقة العربية بأكملها. والثاني، أن المسرحية التي استولوا من خلالها على الحكم سابقاً ثم أُبعدوا منه بسبب الانشقاق الداخلي، لم تعد تنطلي على السودانيين، ولا مجال لتكرارها. والثالث، كي يستمر الحزب في دائرة الضوء يحرص على إنكار أي علاقة له بالإسلاميين، إضافة إلى رفضه الشراكة المبنية على أسس أيديولوجية حتى لا يتعرض إلى مقارنات ربما تقصيه بعيداً.

مفاصلة جديدة

 بعد الإفراج عن الأمين العام لـ"المؤتمر الشعبي" علي الحاج الذي اعتقل ضمن أعضاء في النظام السابق بتهمة تقويض النظام الديمقراطي عام 1989، توجه إلى ألمانيا التي يحمل جنسيتها. وكان الحاج يشغل منصب الأمين العام للحزب منذ وفاة الترابي، وهو أحد مؤسسي الحركة الإسلامية في ستينيات القرن الماضي، وعند مفاصلة الإسلاميين انحاز للترابي.

 شهد الحزب خلافات حادة بين الأمانة العامة بقيادة علي الحاج ومجلس الشورى وهي أعلى هيئة قيادية في التنظيم برئاسة ابراهيم السنوسي، إذ اتهمت الأمانة العامة بقيادة علي الحاج قيادات في مجلس الشورى بالتورط في الانقلاب الذي نفذه البرهان. وكان الحاج قد وقع على "الاتفاق الإطاري" في ديسمبر (كانون الأول) 2022.

وعقب اندلاع الحرب أعلنت الأمانة العامة انضمامها للقوى المدنية في دعوتها لوقف القتال. وعندما أعلن "مجلس الشورى" بالحزب إعفاء الأمين العام وانتخاب أمين عام جديد، اعترضت الأمانة العامة، ووصفت ما جرى بالتآمر على التنظيم وعدته مفاصلة جديدة. وفي إطار سعيه للعودة إلى دائرة الضوء، فإن "المؤتمر الشعبي" لديه تحرك مهم ربما تشهده الفترة المقبلة، فقد دعا قادة القوى السياسية والحركات المسلحة إلى مؤتمر حول "الأزمة السودانية" في مدينة بورتسودان عاصمة ولاية البحر الأحمر.

ذراع عسكرية

على رغم ادعاء أعضاء "المؤتمر الشعبي" بأنهم قطعوا علاقاتهم مع تنظيم "الإخوان المسلمين" العالمية، بعد الخلاف بين الترابي والبشير، لكن الحقيقة هي أن الترابي انفصل عن النظام الحاكم وفقاً لرؤيته بأن البشير لم يمكنه من نشر رسالته المتمثلة في إقامة "دولة الإخوان الكبرى"، بل لم يمكنه من التصرف في حكم السودان كما كان يريد.

الخلاف إذاً بين التنظيم الأساس الذي يمثله الترابي، والفرع الذي يمثله نظام البشير الذي ظهرت وصوليته منذ العشرية الأولى. وعلى رغم عدم وجود فوارق جذرية بين الحزبين، فإن التنافس الشديد بينهما أدى إلى ارتفاع معدل تبدل الأعضاء داخلهما، ما ضمن بقاء معظمهم تارة ضمن جهاز الحكم وتارة معارضاً له.

 وتميزت المصالح الخاصة بنشاط "المؤتمر الشعبي" وحيويته وتوسعه، في السيطرة فعلاً على أجهزة عدة واختراق النظام مما أدى إلى إحداث هزات عدة ومحاولات انقلابية، ومحاولة السيطرة على الحكم بما عرف بـ"غزوة أم درمان" التي نفذتها حركة "العدل والمساواة" الذراع العسكرية لـ"المؤتمر الشعبي"، بزعامة خليل إبراهيم عام 2008. وتحمل القوى السياسية "المؤتمر الشعبي" المسؤولية عن أزمة دارفور المشتعلة منذ 2003، وقامت على تظلم من التهميش التاريخي إذ أصدر قائد حركة "العدل والمساواة" خليل إبراهيم الذي كان ضمن تلاميذ الترابي البارزين "الكتاب الأسود"، بينما ينفي ذلك شقيقه جبريل إبراهيم زعيم الحركة ووزير المالية الحالي.

عنف متباين

الوضع الحالي الذي أفضى إليه الفشل المؤسسي، ينظر إليه على أنه وضع موقت، وأن الديمقراطية وبناء الدولة مسألة وقت فقط لا غير. وبتبسيط هذه الحالة على صعيد النخب السياسية السودانية، بات ينظر إلى العنف على أنه استجابة لديناميات طارئة، وهو شعور مريح في حين أنه متجذر في البيئة السياسية. ويعد هذا أفضل مناخ لاستعادة "المؤتمر الشعبي" نشاطه السياسي، من دون أن يتم تسليط الضوء على تأثير أيديولوجيته وثقافته في استدامة الحرب الحالية، ونشوء مزيد من الانقسامات الثنائية بين الكتل المتعارضة المفترضة وغير القابلة للتغيير.

أعقاب انتفاضة 2018، حفزت نماذج الانتقال الديمقراطي الفاشلة الناتجة من أحداث "الربيع العربي" على نقاش صنع السياسات، والآليات والوسائل التي استخدمتها الأحزاب السياسية، بما في ذلك العنف، للتأثير في العملية السياسية وفشل الفترة الانتقالية من أن تفضي إلى دولة مدنية ونظام ديمقراطي.

كان التحول من الحكم الاستبدادي في عهد البشير يكمن في جوهره موجات ممارسة سياسية غمرها عدم اليقين والمنافسة الشديدة والصراع السياسي المتزايد، فلا ولدت ديمقراطية ولا عادت إلى النظام الاستبدادي، ولذلك لم تستطع إبان الأحداث التي صاحبت اعتصام القيادة العامة، تفسير أنماط العنف المتباينة التي شهدتها تلك الفترة، خصوصاً أن البرهان وقائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو (حميدتي) أعربا عن وقوفهما إلى جانب الثوار، وأنهما سيقتصان من مرتكبي هذه الجرائم.

بعد ما يقرب من 10 أشهر من الحرب، لا يزال السودان جاذباً لمزيد من صراعات الاحزاب السياسية أملاً في الاستيلاء على السلطة بعد وقف الحرب، على رغم انهيار مؤسسات الدولة وإشعال التوترات القبلية والسياسية والدينية والأيديولوجية. ومع ذلك، لا تحجب هذه الأزمات المعقدة رغبة حزب "المؤتمر الشعبي" في تشكيل نظام سياسي، وذلك من يقينه بأحقيته لحكم السودان، من خلال ما يعده كثير من أعضاء التنظيم رغبة في إصلاح ما أفسدوه إخوانهم خلال تجربة حكمهم السابقة، أملاً في استعادتها. وهناك احتمال آخر بأن تختطف الدولة الجماعات المسلحة لا سيما تلك التي يتوافر لديها أساس أيديولوجي مثل حركة "العدل والمساواة" التابعة للحزب.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل