Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النظام الإيراني بين فقهاء السلطة وفقهاء الحوزة (2)

كان الخميني حاسماً في تصديه لأية محاولات للتدخل في الشأن السياسي لبعض المراجع عبر الذهاب إلى أقصى الإجراءات العقابية

إسقاط شرط المرجعية في القضايا والمسائل الدينية من شروط "ولي الفقيه" كانت الخطوة التي مهدت الطريق لاختيار المرشد الحالي علي خامنئي لخلافة المؤسس (أ ف ب)

ملخص

تغليب الخميني في السنوات الأخيرة من عمره مصلحة النظام على موقف الحوزة الدينية رسم الحدود الصلبة أمام أي تدخل لهذه المؤسسة في شؤون النظام وإدارته

عندما قدم السيد روح الله الخميني نظريته في "الحكومة الإسلامية" مطلع سبعينيات القرن الماضي، اعتمد في التأسيس لها على رواية وردت في كتب الحديث الشيعية الأربعة (الكافي للكليني، ومن لا يحضره الفقيه للصدوق، وتهذيب الأحكام، والاستبصار للطوسي) وهي رواية "مقبولة عمر بن حنظلة" المرسلة باعتبارها مرجعاً لبناء نظريته في الفقه السياسي ودور وموقع الفقيه أو ولي الفقيه في السلطة.
وتقول هذه الرواية في الجزء الأول منها التي رواها عمر بن حنظلة نقلاً عن الإمام السادس للشيعة الاثني عشرية، جعفر بن محمد الصادق ما نصه "عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة، أيحل ذلك؟ قال من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتاً وإن كان حقاً ثابتاً، لأنه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر الله أن يكفر به، قال الله تعالى‌ "يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت‌ وقد أمروا أن يكفروا به‌" قلت: فكيف يصنعان؟ قال ينظران إلى من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله".
وبغض النظر عن الجدل الذي دار بين القوى السياسية التي حملت الثورة ومشروعها العام في بداية تأسيس النظام الإسلامي، خصوصاً الجدل داخل مجلس خبراء كتابة الدستور المتعلق بالمادة الخاصة بموقع ولي الفقيه، والرأي الذي أكد عليه عزت الله سحابي، عضو المجلس وأحد قادة التيار الديني القومي من أن المسودة الأولى لهذا الدستور التي عرضت على الخميني لم يردها أو يعترض عليها التي لم تتضمن حديثاً عن ولاية الفقيه، إلا أن دخول عضو حزب "الكادحين- زحتمكشان" حسن آيت التي كان يمثل مع زعيم الحزب مظفر بقائي التوجه المتشدد، فرض إدخال هذه الصيغة في صورتها الأولية التي جاءت من دون صفة الإطلاق، أي أن صلاحيات ولاية الفقيه في الدستور الذي استمر العمل به حتى عام 1987 لم تكن مطلقة، وهي الصلاحية التي أدخلت في تعديل الدستور الذي جرى عليه استفتاء قبل وفاة المؤسس الخميني إلى جانب إلغاء منصب رئاسة الوزراء لصالح توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية بصفته رئيس السلطة التنفيذية.
كما أن التغيير في موقف المؤسس من مسألة تضمين الدستور لمبدأ ولاية الفقيه، الذي توافق مع رغبته الداخلية في ذلك، لانسجامه مع الأطروحة التي قدمتها في نظريته حول "الحكومة الإسلامية"، شكل البداية العملية للافتراق بين جماعة الفقه السلطوي وجماعة الفقه الحوزوي، أو بين الأقلية القائلة بالدور السياسي للمرجعية الدينية، وبين الأكثرية القائلة بالدور التقليدي، أي الاختلاف بين أصحاب نظرية الولاية العامة للفقيه وأصحاب القراءة التي تقول بالولاية الخاصة، أو بتعبير آخر بين فقيه الحسبة وفقيه العبادات والمعاملات.
الخميني الذي لم يتردد في تاريخه في الحوزة العلمية الدينية، في التعبير عن انتقاداته للصراعات بين بيوتات المرجعيات في الحوزة الدينية، كما أشار إليها بشكل واضح وزير الثقافة الأسبق عطاء الله مهاجراني في عهد خاتمي في كتابه "القراءات المتعددة للدين" الصادر عن دار الشروق المصرية في عام 2004، لم يدخل في مواجهة مفتوحة مع هذه المؤسسة انطلاقاً من موقعه على رأس النظام باعتباره الولي الفقيه، بل عمل على الفصل بين المؤسسة الدينية الحذرة من الدخول أو التعاطي في الشأن السياسي من خارج دورها الإرشادي، وبين المتحول أو المستجد المتمثل بالسلطة الدينية، من دون أن يسعى أو يحاول التدخل في آليات عمليها التقليدية أو المساس باستقلاليتها الإدارية والمالية أو دورها الاجتماعي والثقافي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


في المقابل كان الخميني حاسماً في تصديه لأية محاولات للتدخل في الشأن السياسي لبعض المراجع عبر الذهاب إلى أقصى الإجراءات العقابية، كما حصل في أزمة المرجع الديني كاظم شريعتمداري ونزع صفته المرجعية، وحتى التفكير بتجريده من زيه الديني وفرض الإقامة الجبرية عليه ومنعه من التواصل مع مقلديه واتباعه، في حين لم يتردد في عزل الشيخ حسين علي منتظري من موقع نائب ولي الفقيه أو قائد الثورة، عندما وجد أن مواقفه تتعارض مع مواقف السلطة السياسية سواء في التعامل مع الحساسيات الدينية (الأقليات الدينية)، أو الجماعات السياسية، وأزمة الحرب العراقية - الايرانية، وقضية الإعدامات الواسعة التي طاولت جماعات من المعارضة.
تغليب الخميني في السنوات الأخيرة من عمره، مصلحة النظام على موقف الحوزة الدينية رسم الحدود الصلبة أمام أي تدخل لهذه المؤسسة في شؤون النظام وإدارته، وعملية تكييف الموقف الديني مع نظام المصالح والآليات البراغماتية التي تطوع الموقف الديني لصالح السياسي والمصلحي، بحيث أسس من خلال هذا التعاطي للمرحلة التالية التي سيطرت بعد وفاته.
إسقاط شرط المرجعية في القضايا والمسائل الدينية من شروط "ولي الفقيه" كانت الخطوة التي مهدت الطريق لاختيار المرشد الحالي علي خامنئي لخلافة المؤسس، الذي لم يكن يحظى سوى بتوافق على رتبة الاجتهاد العلمية بين علماء الحوزة الدينية، وبالتالي أدت عملية الاختيار هذه إلى اضعاف موقف الفقه أمام الحوزة، التي رأت إمكان رفع مستوى تدخلها في الشأن العام السياسي والإداري.
وأمام ما قد ينتج من توزيع مراكز القرار بين المرشد الجديد والحوزة الدينية في مدينة قم، كان لا بد لمؤسسة السلطة الدينية، الحاكمة في العاصمة طهران بالتوافق مع المرشد، من التدخل لوضع حد لمسار تنامي نفوذ الحوزة، الذي سيكون على حساب موقع ودور ولي الفقيه وقراره الذي أصبح مطلق الصلاحية بعد التعديل الدستوري الذي جرى في السنة الأخيرة من عمر المؤسس.
وفي وقت يصعب أو يستحيل دخول مؤسسة المرشد أو الولي الفقيه في مواجهة مفتوحة مع الحوزة الدينية، كان لا بد من البحث عن وسائل أخرى للحد من تنامي نفوذها المحتمل، من هنا يمكن القول إن مسار استتباع الحوزة مالياً واقتصادياً كان المدخل لتحقيق هذا الهدف، ويمكن القول إن منظومة السلطة والدولة العميقة ونظام المصالح استطاعوا تحييد هذا الخطر، وفتح الطريق أمام إبعاد كل المراكز أو المواقع التي من المفترض أن يكون للحوزة الدينية الرأي الأول فيها، خصوصاً في مسألة اجتهاد أعضاء مجلس خبراء القيادة، عن رأي وسلطة الحوزة ونقلها إلى صلاحيات مؤسسات خاصة للمرشد تعمل على تأمين مصالح النظام ومشروعه، كمجلس صيانة الدستور، خط الدفاع الأول عن النظام في التعامل مع مرشحي رئاسة الجمهورية والبرلمان ومجلس خبراء القيادة.

المزيد من تحلیل