ملخص
يواجه مسؤولون حزبيون وجهويون تهماً تتأرجح بين تبديد أموال عمومية والتزوير والشطط في استعمال السلطة بالمغرب... فهل تستمر الحملة؟
في حملة غير مسبوقة بالمغرب، اعتقلت السطات الأمنية خلال فترات زمنية متقاربة نواباً برلمانيين ومسؤولين وشخصيات معروفة، وأحالتهم على القضاء إذ حكم على بعضهم بالسجن، فيما ينتظر آخرون دورهم، بتهم تتوزع بين الاتجار بالمخدرات والفساد المالي والتزوير واستغلال السلطة.
وعلى رغم تثمين محللين لهذه الاعتقالات والأحكام بالسجن، باعتبار أنها تجسد ربط المسؤولية بالمحاسبة كما نص عليه الدستور المغربي، يأمل نشطاء حقوقيون في مجال حماية المال العام أن تتسم هذه الحملة بالاستدامة والشمولية وألا تكون موسمية أو عابرة.
مثل عقد انفرطت حباته، بلغت حملة التوقيفات والاعتقالات ذروتها بإحالة كل من البرلمانيين سعيد الناصري وعبدالنبي بعيوي المنتسبين إلى حزب "الأصالة والمعاصرة" على العدالة بتهم خطرة، أبرزها الاتجار الدولي بالمخدرات وتبييض الأموال والتزوير في محرر رسمي.
وترك اعتقال الناصري وبعيوي ندوباً سياسية واضحة على حزب "الأصالة والمعاصرة"، ثاني أكبر حزب سياسي في المغرب، والمشارك في الحكومة، على رغم مسارعة هذا الحزب إلى تجميد عضوية البرلمانيين معاً.
بعد هذا الحدث بأيام جاء دور البرلماني السابق في حزب الاستقلال، المنتمي إلى صفوف المعارضة، محمد كريمين، ثم عبدالعزيز البدراوي، الرئيس السابق لنادي الرجاء البيضاوي الشهير في المغرب، ورئيس شركة معروفة نالت صفقات عمومية كبرى، وأحيلوا على القضاء للبحث في شبهة تلاعبات مالية.
ونطقت محكمة مدينة فاس (وسط المغرب)، أول من أمس الأربعاء، على البرلماني محمد أبركان بالسجن النافذ خمس سنوات، بتهم الارتشاء والتزوير، والاستيلاء على منافع وتسليم رخص وشواهد إدارية بصورة غير قانونية، واستغلال النفوذ والغدر.
من جهتها قررت المحكمة الدستورية (مؤسسة حكومية) منذ فترة تجريد خمسة نواب برلمانيين من عضويتهم في مجلس النواب، بسبب صدور أحكام قضائية نهائية في ملفات واتهامات مختلفة تتوزع بين الابتزاز والارتشاء والتزوير وتبديد واختلاس أموال عمومية.
تجرى مساءلة أيضاً مسؤولين حزبيين وجهويين (مدبري شؤون مدن وبوادي) في تهم تتأرجح بين تبديد أموال عمومية والتزوير والشطط في استعمال السلطة والارتشاء والمتاجرة في الممنوعات.
ربط المسؤولية بالمحاسبة
في هذا الصدد يقول أستاذ الحياة السياسية بجامعة مراكش إدريس لكريني، إن "هذه الاعتقالات تجسيد عملي وفعلي لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة كما وردت في بعض فصول الدستور المغربي".
ويورد الفصل الأول من الدستور المغربي المعدل عام 2011 أن "النظام الدستوري للبلاد يقوم على أساس فصل السلطات، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة". بينما الفصل 154 يقول "تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويصف لكريني موجة التوقيفات والإحالات على القضاء وأحكام السجن والغرامات على المفسدين بأنها "خطوة مهمة جداً على طريق تعزيز تخليق الحياة العامة وردع السلوكيات المنحرفة التي لا تخفى كلفتها على المستويات الاقتصادية والمالية والسياسية".
ويمكن اعتبار هذه الإجراءات خطوة ردعية ستجعل كل من يفكر في ارتكاب هذه الجرائم والسلوكيات يتردد ويتراجع، خصوصاً أن الأمر يتعلق بشخصيات وازنة لها مكانتها داخل المشهد السياسي والحزبي في البلاد، وفق لكريني.
وحول آثار هذه القرارات بمحاسبة المتورطين ولصوص المال العام، أفاد الأستاذ الجامعي بأنها "خطوة قد تسهم في مصالحة المواطن المغربي مع الشأن السياسي بصورة عامة والشأن الانتخابي على وجه الخصوص".
وأوضح أن هذه التدابير تعزز تكافؤ الفرص داخل المشهد السياسي، وتفرز نخباً حقيقية جديدة تكون في مستوى التراكمات التي حققها المغرب في الميادين السياسية والحقوقية والثقافية، وستكون لها تبعات إيجابية على البلاد في الحاضر والمستقبل.
مطلب الاستمرارية والشمولية
وفي مقابل من أشاد بموجة توقيفات وإحالات شخصيات سياسية وبرلمانية وتسييرية على الشرطة والقضاء والسجن أيضاً، واعتبرها تنزيلاً لمقتضيات الدستور، وبأنها تمنح شفافية أكبر للعمل السياسي، هناك من يخشى أن تكون هذه الحملة موقتة وظرفية وألا تشمل جميع المفسدين كيفما كان منصبهم ومكانتهم.
وفي هذا الصدد، طالبت الجمعية المغربية لحماية المال العام (منظمة حقوقية مدنية) بأن "تستمر كل الإجراءات والمتابعات القضائية التي تم تحريكها ضد المفسدين من دون أي تمييز، وأن يتم حجز ممتلكاتهم ومصادرتها لفائدة الدولة".
وقال رئيس الجمعية محمد الغلوسي إن "قوة الدولة وهيبتها رهين بتمنيع المؤسسات ضد الفساد والرشوة ومحاسبة المفسدين وربط المسؤولية بالمحاسبة وتجريم الإثراء غير المشروع"، مبرزاً أن "تحركات الأجهزة الأمنية والسلطة القضائية مهمة وضرورية، ويجب أن تتسم بالاستدامة والشمولية من دون انتقائية، وأن تمتد إلى كل المدن من أجل التصدي للفساد والإفلات من العقاب".
الباحث في الشأن الحزبي أحمد البلاجي يرى أن "قرارات توقيف شخصيات معروفة في مجال التسيير الكروي ونواب برلمانيين ومسؤولين إداريين مطلوبة جداً، ويجب أن تستمر وأن تكون شاملة ودائمة لا تتوقف ما دام الفساد المالي والسياسي لا يتوقف أيضاً".
وأكمل المتحدث ذاته بأن "كل من امتدت يده على الأموال العمومية، التي هي مال الشعب في نهاية المطاف، أو كل من ثبتت في حقه تهم الابتزاز أو استغلال المنصب الرفيع، أو الشطط في استعمال السلطة، يجب أن تتم محاسبتهم حتى يكونوا عبرة للآخرين".
ونبه الباحث إلى أن محاسبة المفسدين والضرب عليهم بيد من حديد لا يعتبر فقط تطبيقاً للقوانين والدساتير، ولكن أيضاً تنفيذاً لتوصيات العاهل المغربي عندما خاطب البرلمانيين بضرورة تخليق الحياة السياسية من خلال إقرار مدونة للأخلاقيات ذات طابع قانوني ملزم، كما طالب في عدد من خطب الأخيرة بمحاسبة كل من يعتدي على المال العام أياً كان.
ولفت إلى مفارقة في هذه المعادلة، إذ إن قرارات التوقيف والعزل والسجن في حق مسؤولين وبرلمانيين بقدر ما هي تنزيل لأحد مبادئ الوثيقة الدستورية، وتنفيذ للقوانين الجاري العمل بها، بقدر ما تنفر المواطن البسيط من السياسة، لأنه يشعر بأن هؤلاء المفسدين لهم بشكل أو آخر ارتباط بالعمل السياسي.